http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  لن تحجبوا الشمس
 
 
لنْ تَحْجُبُوا الشَّمْسَ
 
                           صلاح بوسريف
 
       [ جاء في نّصٍّ لأودن Auden كان كتبه لستيفن سبندر
        Stephen Spender سنة 1942 : " في وُسْعِكَ أنْ
         تكون ـ و هذا ما أظُنُّهُ على الأقـل ـ غيوراً  من
        شخص آخر يكتب قصيدة جيدة لأنّها تمثل قوةً مُنَافِسَةً،
        أما أنا فلستُ كذلك، لأن كُلَّ قصيدة من قصائدك الجيدَة
         تُمَثِّلُ قُوَّةً توضع [أَضَعُها] تحتَ تَصَرُّفِي " ]

لَسْنا شُعـراء، و لا تربطُنا بالشِّعـر صلة. ما كَتَبْناهُ منذ أكثـر من عقدين، و ما قرأناه و تَعَلَّمْناهُ، لا جدوَى منه. بقي الجمالُ بعيداً عن أَعيُنِنا! و الخيالُ، لا أحد مِمَّنْ كَتبُوا " الشِّعرَ "، أو هكذا سَمَّيْنَاهُ حين تجرَّأنا على خوض مَضَايِقَهِ، كتَبَ ما يستحقُّ الانتباه! لا مكان لنا في مدينة أفلاطون الفاضلة، هكذا بجرة قلم نُطْرَدُ تباعاً، لأنَّ " شُعَراءَ " آخرين، و ليسوا نقاداً، هذه المرَّة مَنْ أَقْدَمُوا على إعْدَامِنا. هكذا يُقْتَلُ الشِّعْرُ بِيَدِ الشُّعراء، و تُحْجَبُ الشمس بغربال حداثيين، أو هكذا توهَّموا، حين وُضِعَت فـي يدهم عَصَا أفلاطـون، و أُتيحَ لَهُم أنْ يُحَاكِمُوا الآخرين.
 درس تلقيناه جَميعاً؛ لا مكان للشِّعْرِ في نفوس الشعراء، و أول من يَغْتَالُ الشِّعر هم الشُّعراء.
 
ليس غريباً أن يحدثَ هذا بحجب جائزة الشِّعر تحديداً. حدث هذا قبل هذا التاريخ، و كان عَدَاء الشِّعر دائماً موجوداً، و ها هُو يتكرَّر بنُسْخَةٍ رديئةٍ هذه المرَّة. لم يكن الشِّعرُ، و أعني النص، هو موضوع الخلاف، و يا لَيْتَهُ كان حدث، بل الأشخاص. لا أحدَ تعَلَّم الشعر، أو قّدَّرَ حِكْمَتَهُ. في الشِّعر دائماً نتعلَّمُ الإنصات للنصِّ، للجمال، و لِلْجَمْرِ الكامن في أنْفَاسِ النص، و ليس لِمَا يَعْتَرينا من أحقاد على هذا الشَّخص أو ذاكَ، أو ما في أَنْفُسِنا من أمراضٍ. تقتضِي المسؤولية الشِّعرية، أو مسؤولية الشَّاعر،أو مسؤولية المؤسسة التي أوْكَلَت لكم مهمة الاختيار، أن نُؤَجّـِلُ أحقادنا، أو نُحَوِّلَها بتعبير أودن، إلـى " قوَّة مُنَافسة "، لا إلى سلاح به نغتالُ ما تبقَّى من فرح، و صداقة مُفْتَرَضَيْنِ.
 
في إحدى رسائله الشهيرة التي كتبها كيتس سنة 1818 تشخيصٌ واضح لما يجري عندنا اليوم، و الأمر ليس خاصّاً بالشِّعر، فهو يطال كُلّ مجالات القِِيَمِ، و إنتاج الدّلالات، ولا استثناء في الأمر. يقول كيتس " إنَّنا نكره الشِّعرَ الذي يُحْدِثُ أثراً واضحاً فينا، و إذا لم يَحْصُل ذلك، فإنه يبدو غير مُهم. على الشِّعـر أن يكون عظيماً و مُتَوارياً علـى الأنظار، شعراً يدخل روح المرء و لا يُثير الرُّعبَ أو الدَّهْشَةَ بخصيصته، بل بموضوعيته "
 حين وقَفَ الإسكندر الأكبر بحَشْدٍ من حَرَسِهِ أمام البرميل الذي كان دْيُوجِينْ الكَلَبي يُقيمُ فيه، و الْتَمَسَ من هذا الأخير أن يطلب ما يتمناه، لِيُلَبِّيه له في الحال، أجابه ديوجين، و هو مُنْطَوٍ في برميله؛ أرجو أن تَتَنَحَّـى قليلاً، حَتَّى لا تَحْجُبَ عَنِّي الشِّمْسَ.
 
لَسْنا نادِمين بالمعنى الديوجيني النبيل، على الإقامة في العَراء، أو الانطواء داخل عُزْلاتِنا. هذا اختيارُنا، و الاختيار موقف، و ليس حُجَّةً لِالْتِمَاسِ صَدَقة، أو هِبَة من أيٍّ كان. و الشِّعر، منذ إقدام أوَّل إنسانٍ على اقْتِرافِهِ، كان إقامةً في العراء، كان أعزل، و لم يكن في حاجة لِهِباتٍ، أو عَطاءاتٍ، رغم أنَّ المتنبي، كان أحدَ الذين أَشْرَعُوا الباب على مصراعيه لالتماس العطايا. في ذكاء المتنبي ما كان يكفي لإهانة الحُكَّام، و للحفاظ على قيمة النص، و هذه من سجايا الشُّعراء المنذورين للشِّعر، لا لغيره، ممَّا بات اليوم يَعْصِفُ بالشِّعر نفسه.
 
كثيراً ما أتَفَهَّمُ بعض ما يأتي من جهاتٍ أخرى، حين يتَعَلَّقُ الأمر بِاسْتِرْخَاص الشِّعر و إهانة الشُّعراء، لكن حين يكون الشُّعراء، هذه المرَّة، هُم مَنْ يَسْتَرْخِصُون الشِّعرَ، و يَحْجُبونَهُ، في مقابل غيره من أجناس كتابية أخرى، و هُم من أجيال ما بعد السبعينيات فالأمر يحتاج إلى نَظَر، و إلـى إعادة قراءة ما يجري، بِبَصِيرةٍ، ما دامَ البَصَرُ لم يَعُد قادراً على النَّظر في ما تَبَقَّى من شُعَل الضَّوء القليلة.
 
حَجْبُ جائزةٍ، يعني أنَّ ما بين يَدِ أعضاء اللجنة! المُكَلَّفَة بالاختيار، لا يستحقُّ القراءة، و لا يرقى للمستوى الشِّعريِّ الذي يحكم معرفة أعضاء اللجنة بالشِّعر، أو للمستوى الشعريّ الكبير! الذي وَضَعَتْه اللجنة كسقف لاختياراتها. و هذا يكفي ليجعل من المُتَرَشِّحِين، أن يُعيدو تربية أنْفُسِهم على الشِّعر، و فق ما آلتْ إليه معرفة هؤلاء. ولمَ لا، فالشِّعر تَعَلُّمٌ دائمٌ، حين تكون جهةَ التَّعَلُّم مَكانَ شِعْرٍ بامتياز، و ليست امتيازاً يُمْنَحُ لمن هُم في حاجةٍ لِتَعَلُّم الشِّعر.
 
لا أحد يستطيع حجب الشمس، فالشعر كَامِنٌ في هذا الماضي الذي نعيش اليوم حاضـرَهُ، هذا الذي نُسمِّيه التاريـخَ. من هذا الماضي تأتـي الشمس، و ليس من حاضرٍ يَتَنَكَّرُ للحاضر، و يطمسه. الشِّعر لا يتعجَّل زَمَنَهُ، فهو يأتي من المُستقبل، و ليس من هذا الحاضر الأعمى، الذي فقد عصاه في لُجَّةِ عماء طال كلّ شيء. بهذا المعنى، تكون المعاصرة حجابا، و ليس بمعنى العمى الذي ما زال يطال نظَّارات لم تتخلص بعد من بُؤس المعرفة.   
 
 
 
 
 
 
 
                              
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free