ثوار ليبيا يصلون إلى بيت العنكبوت
كتب ـ محمد الأصفر
صور القذافي وهي تدوسها أقدام شباب طرابلس كان ختما على قفل حقبة تاريخية مظلمة وسيئة من تاريخ ليبيا.
في يوم 16 أغسطس/آب الماضي كتب الناشط السياسي المهندس محمد بويصير على حائطه في الفيس بوك 20 أغسطس موعدنا في طرابلس. وبنى حدسه على عدة معطيات أن ثوار ليبيا كانوا قد حرروا مدينة الزاوية 40 كيلو مترا تقريبا غرب طرابلس والمدن القريبة منها صبراتة صرمان العجيلات حيث تمكنوا من الوصول إليها عبر منطقة سهل الجفارة وجبل نفوسة وقال سيتم تحرير مصفاة الزاوية وقطع إمدادات النفط عن كتائب القذافي في طرابلس.
ولقى تنبؤه هذا عدة معارضات لكن ما تنبأ به حدث فعلا.
سلوى بويصير ومظاهرة لنصرة الثوار في أميركا
ففي ليلة عشرين أغسطس (وهذا اليوم بالمناسبة كان عيدا خاص بسيف الاسلام وبرنامجه الإصلاحى الذي حاول عبره تسويق نفسه كوريث ديكتاتوري لعرش ليبيا) في هذه الليلة ليبيا لم تنم. وطرابلس انتفضت عن بكرة أبيها. كانت ساعة الصفر بعد الإفطار مباشرة وعبر كلمة "الله أكبر" التي رددتها كل أفواه المصلين لتنتقل مجلجلة في كل بقاع ليبيا. كانت ليلة عظيمة. نداء الله أكبر يقاوم رصاص الديكتاتورية. الثوار خرجوا في كل أحياء طرابلس دفعة واحدة بعد ستة أشهر من الانتظار ومن القمع والسجن والقتل والتعذيب الذي مارسته عليهم كتائب القذافي بكل وحشية حتى أنها تجلب سيارات المطافئ لتغسل دماء الثوار من على الأرض الطيبة والإسفلت برشها بماء متدفق بقوة من الخراطيم السوداء.
الناشطة والشاعرة فاطمة محمود اتصلت بها مستفسرا عن أحوال طرابلس، فتجيبني قلقة عن أسرتها وخاصة إخوتها الشباب المنضمين للثوار:
ـ ربك يستر. لازلت مستيقظة حتى الآن يا محمد. آخر اتصال لي مع أهلي كان عند الثالثة والنصف فجرا. الآن لا أحد يرد على اتصالاتي. يبدو أن الكتائب قطعت الاتصالات. إخوتي الثلاثة في الشوارع ولا أعرف شيئا عنهم. كل الساحات في طرابلس الآن ممتلئة. الكل يعمل للثورة على قدم وساق. أرجو أن يصلهم المدد من خارج طرابلس قريبا. كلي حسرة على أنني لست هناك.
الشاعرة فاطمة محمود
أما الدكتور عبدالله مليطان الناشر المعروف والإعلامي في المجال الثقافي فقد سألته عن السبب الرئيسي لهذا الانهيار السريع لنظام القذافي ومحاصرة طرابلس ودخولها أيضا فقد أجاب: إنها إرادة الله. وهذه الثورة جاءت نتيجة عمل متواصل من أجيال كثيرة في داخل ليبيا وخارجها. لا أستطيع أن أصف لك الوضع منذ البارحة لم ننم. الآن البيت الواهن معرض للسقوط في أي لحظة. وأقصد بيت باب العزيزية. بيت العنكبوت الذي تحكم فينا طيلة 42 عام.
معروف أن الدكتور عبدالله مليطان كان قد فر من طرابلس إلى تونس صحبة زوجته الكاتبة تركية عبدالحفيظ وأبنائه وأطفاله الصغار، وتعرض للتفتيش والمضايقات من قبل أكثر من ثلاثين بوابة. وكان يقرأ في سورة ياسين عند كل معبر وآياتها الشهيرة وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون. والسبب أنه قد تم تكليفه ببث حلقة في برنامجه الثقافي في التلفزيون الليبي حول مدينة مصراتة وأنها مع القائد القذافي. لكنه تغيب واختفى مدة حتى تمكن من الفرار. يقول لي كنت في حالة ضيق شديد، فأنا من مصراتة الثائرة، وزوجتي من تاجوراء الثائرة على القذافي منذ الأيام الأولى، لكن الحمد الله، بعد تونس استقل سفينة صيد إلى ميناء مصراتة ومنطقته قرية قصر حمد.
الأستاذ الجامعي والناشط على شبكة التواصل المبروك سلطان يضيف معلقا عن سبب هذا التداعي الأخير لكتائب القذافي ونظامه ووشوك سقوط طرابلس وتحريرها بشكل تام: ما يحدث في ليبيا ثورة شعب ضد طاغية حكم البلاد بالحديد والنار لمدة أربعين عاماً. حاول هذا الطاغية إخماد هذه الثورة بكل الطرق، بقوة السلاح فتصدي الشعب بصدور عارية، بالكتائب والجيوش فنصر الله الشعب بموقف عربي ودولي مساند، بالمؤامرة على تقسيم الوطن، فتصدي الشعب بلحمة وطنية رائعة، بالفتنة بين القبائل فتصدى الشعب بإعلانات موالاة لمجلسه وثورته، بتأليب الشرق على الغرب فتصدي الشعب بإعلانه أن ليبيا دولة واحدة ورفع شعار طرابلس عاصمتنا.
الناشط في الفيس بوك المبروك سلطان.
عسكريا، من أهم أسباب الانهيار السريع يعد نتيجة طبيعية لتواصل العمليات لمدة ستة أشهر وبالتأكيد قوات التحالف الدولي قامت بدور مهم في تقويض هذه القدرات الكبيرة. أخيراً إرادة وعزيمة أبناء هذا الشعب الذي ما انفك يوميا يقدم العشرات من شبابه وشيبه على كافة الجيهات وفي كل الأوقات لا بد أن تؤتي أكلها، ولا ننسى دعاء شعبنا في مساجده وصلواته وتكبيرات جوامعه التي لا بد أن يستجاب لها بإذنه.
من مدينة درنة نتصل بالصحفي والكاتب عادل بوجلدين لننقل عنه انطباعاته حول التداعيات الأخيرة والانتصارات المتوالية التى توجت بقرب سقوط طرابلس وعن كيف تعيش مدينة درنة هذه الأحداث المفصلية فيجيب: لم يكن انهيارا ولكن تدافع موجة الثورات لا يقف أمامها أي سد، والليبيون قرروا من اليوم الأول انه إما ان ينتصروا او يموتوا ومستحيل أن يصمد أي طاغية أمام إرادة الشعوب هكذا علمنا التاريخ. وهكذا هي الثورات حين تنفجر لا أحد يستطيع إن يقف إمام مدها، لم يتأخروا ولم تستسلم العاصمة أمام جبروت الطاغية لكن القبضة الأمنية كانت شديدة، لكنها لا يمكن أن تخرس أصوات الثورة فكان لا بد لطرابلس أن تستجمع قواها وان تثور.
ساحة الاعتصام أمام مسجد الصحابة امتلأت بجمهور الثائرين الذين ملؤها تكبيرا ودعاء بالنصر لثوارنا في طرابلس والمساجد لم تتوقف عن التكبير.
أما الناشطة السياسية المقيمة في أميركا فتجيب عن السؤال بطريقة أميركية مقتضبة مختزلة وذلك لانشغالها بالثورة والتواصل مع الناشطين في الوطن وخارجه فتقول: انهيار الكتائب وهزيمتها في معظم المدن قوى عزم الناس في طرابلس وجعلهم ينتفضون دفعة واحدة. منذ البارحة لم أنم ولن أنم حتى أرى عاصمتنا طرابلس حرة.
ناشطة من ناشطات الفيس بوك ترمز إلى اسمها بكلمة "ليبيا كوه" فتقول إن الانتصار في طرابلس كان من أسبابه خاصة في منطقة تاجوراء وسوق الجمعة الإنزال البحري لثوار مصراتة وزليطن. أيضا هناك اتصالات من قادة الكتائب بأعضاء المجلس الوطنى واتفاقهم على أنهم سينضمون للثوار في الوقت المناسب ويتخلون عن نظام القذافي. وحول تدخل حلف الناتو تقول إن الثورة الشعبية عندما انطلقت من وسط طرابلس أصبح تدخل الناتو غير ضروري، فطرابلس كلها منتفضة وقريبا ستكون الأمور جميعها تحت السيطرة.
عبدالمنصف البوري
الناشط السياسي في لندن خيري ابوشاقور يختزل الأسباب في عدة نقاط منها سقوط غريان والزاوية واعتماد الثوار على التكتيكات الحديثة وعلى التنسيق الجيد مع الناتو، وأيضا من أسباب الانتصارات الأخيرة المتلاحقة للثوار هو التدهور الأخلاقي للقذافي وكتائبه.
ومن قطر يشاركنا المعارض الليبي عبدالمنصف البوري بكلمة حول الانتصارات المتتالية لثورة ليبيا، وقد بدأ عليه التأثر والانفعال قليلا فيقول: هذه هي نهاية الطغاة. كل من درس التاريخ ووعى الدرس سيعرف أن الطاغية مهما طغى سيأتي اليوم الذي سيسقطه فيه الشعب. الحمد لله على كل حال. وكل شيء بتسخير الله. علينا أن نؤمن دائما بالأمل في تغيير الواقع نحو الأفضل.
وفي نهاية هذه المتابعة السريعة نلتقي بالناشط والإعلامي المعروف محمد مليطان ليعطينا انطباعه عن الأجواء التى تعيشها الآن طرابلس بعد بدأ عملية تحريرها ووصول الثوار إليها فيقول: عرس طرابلس كان عرس الليبيين بامتياز، صور القذافي وهي تدوسها أقدام شباب طرابلس كان ختما على قفل حقبة تاريخية مظلمة وسيئة من تاريخ ليبيا، كانت أقدامهم تدوس أربعة قرون وترفع فوق هاماتها أملا في مستقبل مشرق، مستقبل يصنعه الليبيون بأيديهم ولا تفرضه عليهم كتائب مجنون حكمهم بالدم والنار.
انهيار القذافي وكتائبه سريعا في طرابلس يؤكد حقيقة أن الشعوب لا تقهر وان الجبابرة والطواغيت هم أهوى من بيت عنكبوت أمام كلمة "لا" تجلجل بها حناجر الشعوب.