منذ صدور روايتها الأولى “جسد ومدينة” في عام ،1996 أعلنت الروائية والكاتبة المغربية زهور كرام عن نفسها كاسم إبداعي جديد قادم من فضاءات الدرس الجامعي، وكعلامة على نفس روائي، متجدد، سيعزز حضوره في الرواية الثانية “قلادة وقرنفل” التي صدرت عام ،2004 لتعود من السرد إلى القصة
عشت طفولة طبيعية، أو ربما كنت محظوظة بعض الشيء، لأني ولدت في حضن أسرة تقدس العلم والمعرفة، وفتحت عيني على قيمة الجريدة في البيت، وهذا يعود إلى الوالد الذي لم يكن يؤمن بالتربية التقليدية في سلوكه التربوي مع أبنائه وبناته، لأنه تمكن من اكتساب وعي مبكر بسبب طبيعة عمله ونوعية زملائه الذين كان البعض منهم من الفرنسيين، فقد تعلمت من الوالد أول جملة كان وما يزال يرددها “ثيابكم ترفعكم قبل الجلوس وعلمكم يرفعكم بعد الجلوس” . لهذا، فقد عشت طفولتي من دون عقد، لعبت وجريت وكان لدي صديقات وأصدقاء من الذكور، وسافرت وعشت تجربة المخيمات . أحمل معي من طفولتي عشقا قويا للطبيعة والنباتات حيث ولدت في بيت كان محاطا بحديقة كبيرة، لهذا تعرفت منذ الصغر الى النباتات والألوان والى معنى الأفق
الألوان والنباتات والماء وأيضا الموسيقا هي العناصر التي تؤثث حياتي اليوم وأظنها قادمة معي من الطفولة
مرحلة الشباب هي مرحلة التشكل، كيف عشت شبابك في تلك المرحلة من تحولات المغرب ما بين أواخر السبعينات وبداية الثمانينات؟
بين الدار البيضاء والرباط . وهما المدينتان اللتان شهدت فيهما تشكل وعيي، في المدرسة الثانوية بالدار البيضاء بدأت علاقتي بالوعي النضالي حيث كانت امتدادا للساحة الطلابية بالجامعة، ولهذا بدأ وعيي السياسي يتفتح ليس ممارسة إنما إدراكا . منحتني الدار البيضاء الإحساس بالمكان المتسع، وبقدرة هذه المدينة على امتصاص التناقضات والازدواجيات، وعلى قدرتها أيضا على جعل الفرد يمتلك أفقا منفتحا على التعدد والاختلاف . إنها مدينة تجعل منك إنسانا قابلا للانخراط في أي مجتمع . جئت إلى الرباط للدراسة الجامعية بداخلي طموح لتحقيق أعلى الشهادات، كنت أسعى الى أن أحقق رغبة والدي بالأساس، هذا الوالد العاشق للعلم والمعرفة والذي لم يكن يميز بين أولاده الذكور والإناث، في الرباط نضج وعيي بشكل كبير خاصة بين فضائي الحي الجامعي والكلية، وحضور الأسابيع الثقافية وأيضا لقاءات اتحاد كتاب المغرب عندما كان الاتحاد منخرطا في أسئلة الثقافي بلغة الالتزام، كان المناخ في الرباط كغيره من المدن الجامعية مناخاً نضالياً بامتياز على كل المستويات حتى على مستوى الأغنية، كانت فيروز هي صوت الشموخ العربي الذي يحثنا على العناد، وأغاني مرسيل خليفة مرجعا لسلوكنا، أما حضور أمسيات محمود درويش الشعرية في مسرح محمد الخامس فذاك زمن كان يترجم انصهار الإبداع الحقيقي بأسئلة المرحلة . الجامعة لم تكن مختصرة في المحاضرات والامتحانات، إنما كانت تختزل كل هذا المناخ الذي كان يربينا على السمو وإدراك معنى أن تنتمي إلى مرحلة وإلى لغة وإلى قصيدة شعرية، في الرباط ومن خلال حياتي الجامعية بدأت أمتلك تصوراتي حول الذات والعالم، ومن يومها لم أغادر الرباط لأنها تذكرني بتاريخ تشكل وعيي، ولأني وجدتها المدينة الأقرب إلى نمط حياتي
هل امتهانك الكتابة كان بمحض الصدفة أم مع سبق الإصرار والترصد؟
لا أدري بالضبط . لكن، عندما أفكر في علاقتي بالكتابة أجدها بدأت بالقراءة، كنت مولعة جدا بالقراءة وأنا تلميذة، أقرأ كثيرا روايات عربية وفرنسية على الخصوص، وكتب الفلسفة، وربما كان الكتاب هو قدري منذ الصغر لأن كل الجوائز التي كنت أحصل عليها في نهاية الموسم الدراسي كانت كتبا، وكل الهدايا التي كانت تأتيني من العائلة والأصدقاء كانت كتبا . وكنت كلما توفرت على مبلغ مالي أسرع وأشتري كتبا . مكتبتي الحالية في بيتي تعد ذاكرة لعلاقتي بالكتب . ما زلت أحتفظ بكل الكتب التي قرأتها وأنا تلميذة . غير أني كنت أكتب وأنا أقرأ، تجد مثلا في كل كتاب تعليقا على الهامش، نفس الشيء ما زلت أقوم به حتى الآن . الكتابة لدي ترافق القراءة . في الثانوية بدأت أكتب يومياتي، كنت كل يوم أكتب ما حدث لي في المدرسة والبيت ومع الأصدقاء، بل كنت أدون الأخبار السياسية التي كنت أقرأها بالجرائد وأيضا عندما أعود اليوم إلى كتاب يومياتي أقرأ فيه الذاتي والعام وأجد فيه أخبارا سياسية خاصة بالقضية الفلسطينية التي كانت محركنا نحو امتلاك الوعي، كما أجد بهذه اليوميات مقتطفات من الجرائد مع الصور
بدأت بكتابة الشعر، عندما انتقلت إلى الجامعة وجدتني أتخلى عن كتابة الشعر وأقترب أكثر من السرد . هكذا وجدتني أنجذب للسرد، ربما لأني أصبحت أميل أكثر إلى التحليل، كل ما أعرفه في علاقتي بالكتابة أني لا أطلبها بأمر، ولا أختار نوعها، علاقة وصال شفيف يجعلنا ( أنا/هي) نطلب بعضنا خارج تعاقدات الالتزام
هل كانت الرواية اختيارا مفكرا فيه، وماهي طبيعة علاقتك باللغة والكتابة؟
لم أفكر يوما أني سأكتب الرواية . كما لم أفكر يوما أن أكون كاتبة أو أستاذة جامعية . لأني لا أفكر في نقطة الوصول وإنما بمسار الوصول . أنشغل كثيرا باللحظة التي أعيشها . هكذا كنت أعشق القراءة والكتابة قبل أن أفكر في أن أصير كاتبة
هناك أشياء ننجزها من دون أن ندرك دواعيها، الكتابة مثل الحياة،أو هكذا تتراءى لي وأنا أفكر فيها . كتبت في البداية الشعر، ثم وجدتني أتخلى عنه لأنجذب أكثر إلى السرد، عندما كتبت أول رواياتي سنة 1996 “جسد ومدينة”، لم أفكر قبل الكتابة في كتابة الرواية، علاقتي بالكتابة علاقة اندماجية في اللغة، أتحول مع لحظة الإبداع إلى كائن رمزي ينتج عوالم رمزية، عند الانتهاء منها تحدد نوعها وجنسها . أيضا عندما كتبت القصة القصيرة في “مولد الروح”، تفاجأت، لأني لم أكن أفكر في كتابة القصة، ولكن النصوص اندفعت بشكل منحها إطارها منحى القصة القصيرة، حتى وإن حاولت أن أجعل من بعضها بداية لرواية سأفشل فشلا ذريعا، لأن الكتابة الإبداعية عندما تتحقق نصا تصبح مثل الحياة، تأخذها كما هي وإن حاولت تصويبها أو التدخل في مراحلها، فإنها لن تبقى هي كما كانت بداية الأمر
كيف تجدين المشهد الثقافي المغربي اليوم، إلى ضمور أم في حالة استقرار؟
وضع ملتبس . يحتاج إلى مقاربات متعددة الحقول . هناك شيء غير مفهوم في المشهد الثقافي . أو أن أدوات قراءته السابقة، وكذا الأدوات التي كانت تدير شأنه، قد تراجعت أو أصيبت بالخلل . لهذا فهو مشهد يعرف اللا وضوح . وهذا شيء طبيعي . ربما ناقشنا قضايا كثيرة إلا الثقافة وراهنها، أو ناقشنا الثقافة ولكن بعيون إيديولوجية . الثقافة هي السؤال الذي يفرض نفسه الآن وبإلحاح كبير، وضع غير واضح، لأننا نجد كفاءات فردية مهمة جدا تشتغل في صمت وتحقق انتصارات على مستوى الإبداع والفكر، ونجد الفكر المغربي أصبح مرجعا بالنسبة للعديد من الأقطار العربية، وعندما نشارك في مؤتمرات نلاحظ بأن طروحاتنا يكون لها الصدى الأهم في هذه الملتقيات . في الجامعات نشهد حركية مهمة على مستوى محاورة أسئلة الإبداع والفكر والنقد، ظهور إطارات وجمعيات كثيرة تهتم بالأدب وأسئلته، إضافة إلى الشبكة العنكبوتية التي فيها حضور مغربي مهم . لكن، المناخ العام غير واضح، أو بالتالي لا يؤسس لتقاليد مؤسساتية تنتصر للمعرفة والثقافة ببعد وطني، أعني بهذا أن نشتغل بمسؤولية وطنية على الثقافة المغربية التي هي وجهنا والتي عبرها يمكن أن نمرر تصوراتنا كشعب له القدرة على احتواء الاختلاف وتدبير الغنى الذي يميزه
لماذا يتراجع عدد النساء الكاتبات في المغرب، بعد طفرة نوعية؟
لا أظن أن العدد في تراجع . هل لدينا إحصائيات على ذلك؟ على العكس هناك ملاحظة مهمة في مجال كتابة المرأة، في السابق كنا نتحدث عن ظاهرة اكتفاء الكاتبة بالنص الأول، الآن نلاحظ عملية استمرار معظم الكاتبات في النشر والكتابة، أظن أن التراجع في النقد، أو لنقل الخلل في النقد، فليس هناك مواكبة لما تكتبه الكاتبة، وهي مسألة لا تخص فقط الكاتبة وإنما أيضا الكاتب المغربي . وهذا يعود إلى المناخ العام الذي من المفروض أن تساهم فيه إطارات ثقافية تخلق تقاليد للقراءة تعمل من خلالها على التعريف بالمنشورات من جهة وتشجع من جهة ثانية على تطوير العلاقة بين النص والناقد . ما نشاهده اليوم هي مبادرات فردية وهي مهمة ويقوم بها كتاب شباب خاصة أولئك الذين وجدوا في الشبكة العنكبوتية فضاء رحبا لنقل الإبداعية المغربية إلى القارئ العربي، غير أنها في حاجة إلى مناخ مؤسساتي يتابع مسار الكتاب كيفية نشره وتوزيعه وقراءته محليا ثم العمل على ترويجه خارج المغرب بطرق ديمقراطية يكون فيها السبق إلى الكتاب باعتباره قيمة وطنية .