http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  المليح.. مثقف عضوي وأديب ملتزم
 
إدمون عمران المليح.. كاتب النص المتعدد وخزان الذاكرة
المصطفى مرادا
 إدمون عمران المليح في سطور
> ولد سنة 7191 بمدينة آسفي، وامتهن تدريس الفلسفة.
> التحق بالحزب الشيوعي المغربي سنة 5491، واختار فرنسا كمنفى اختياري
بعد أحداث 5691 بالبيضاء، ولم يعد إلى المغرب إلا في أواخر التسعينيات.
> رغم المنفى بقي على علاقة قوية بقضايا المغرب وبالحزب لينتخب سنة 4891 عضوا في لجنته المركزية ثم في مكتبه السياسي.
> اشتهر المليح بنضاله الحزبي ومواقفه الداعمة للحق الفلسطيني.
> رغم أنه لم يدخل غمار الكتابة إلا بعد بلوغه الستين، فقد استطاع أن يكتسب تقديرا كبيرا في الأوساط الأدبية المغربية.
> توفي إدمون عمران المليح يوم 61 نونبر سنة 0102، عن عمر يناهز 39 سنة.
 
إدمون عمران المليح كاتب ومثقف ملتزم بقضايا شعب شكل التعايش إحدى القيم الراسخة في تاريخه، فجسد هذه القيم في كتاباته المنافحة عن التحرر والعدالة الاجتماعية والمحتفية بالإنسان. دافع باستماتة عن القضية الفلسطينية ضد الصهيونية المتغطرسة. لم يكن من طينة مثقفي اليسار، الذين غيروا جلدهم، بعد انهيار أطروحات الفكر اليساري، بل هو من المثقفين القلائل الذين لم يسمحوا لأنفسهم قط بالتنازل عن مبادئهم مهما كانت المبررات ما دام الشرط الموضوعي لاستمرار خطاب النقد والمعارضة لكل نزعات التطرف والتشييء قائما. فقد كان مؤمنا بالأدوار التاريخية التي يمكن أن يلعبها المثقف في الدفاع عن قيمه وحضارته ونبذ الإيديولوجيات العنيفة والتصدي لها بالكتابة.
كان عمران المليح أوّل رمز سياسي يساري يكسر المحظور، ويتكلّم بلغة نقديّة متحرّرة، متأثرا بمدرسة فرانكفورت النقدية. يتجاوز في «المجرى الثابت» قواعد الأدب «الملتزم» السائد آنذاك، متعاطياً مع الواقع بفانتازيا إبداعيّة يغلب عليها الهمّ الجمالي والمشاغل اللغويّة، تترك للقارئ أن يكون شريكاً في إعادة تشكيل فضاءاته وشخصياته وطقوسه مكسرا الحدود بين الأجناس الأدبية.
رفض المليح النقاش الدائر في المشهد الثقافي المغربي عن الحواجز التي يضعها بعض الروائيين والنقاد بين الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية والأدب المغربي المكتوب باللغة العربية.. إذ بقي روائيا ومناضلا مغربيا لم تمنعه سنوات الرصاص والمنفى وكذا ديانته اليهودية من مواطنته المغربية فانخرط بفعالية في قضايا وطنه.
 
على خطى روح «النبوغ المغربي في الأدب العربي» للشيخ العلامة عبد الله كنون، كان الهدي إلى إزالة التوهم وإضاءة غشاوة النكران عن جانب مهم من الحياة الفكرية والإبداعية للمغرب المعاصر، ردا على تجني أهل المشرق على خصوصية الفكر والإبداع المغربيين، واستدراكا للتقصير الذي ألحقه أهل المغرب بذوي العلم والفضل من بني جلدتهم، فكانت الترجمة والقراءة والتواصل والعرفان لنابغة لا يَقصُر في هاماته وشموخه عن سواه من نوابغ هذا الوطن...إنه الراحل إدمون عمران المليح، شخصية علمية وأدبية وفكرية وفلسفية لها في مقام الإنتاج والتفكير والإبداع شأن رفيع ومنزلة عظمى..
الوجه المشرق لمغرب متنوع
يجسد إدمون عمران المليح وجها بارزا للنبوغ المغربي..إنه وجه تُزينه تقاسيم الاختلاف والتنوع العرقي والديني والمذهبي.. إنه كاتب ومثقف ملتزم بقضايا شعب شكل التسامح والتعايش إحدى القيم الراسخة في تاريخه العريق..فجسد هذه القيم في كتاباته الحاملة للواء التحرر والعدالة الاجتماعية والاحتفال اللامشروط بالإنسان..ومنها دفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية ضد الصهيونية المتغطرسة.
عمران المليح ليس من طينة مثقفي اليسار، الذين انقلبوا عدميين أو مخزنيين كأيها الناس، بعد انهيار أطروحات الفكر اليساري، بل هو من المثقفين القلائل الذين لم يسمحوا لأنفسهم قط بالتنازل عن مبادئهم مهما كانت المبررات..إذ الشرط الموضوعي لاستمرار خطاب النقد والمعارضة لكل نزعات التطرف والتشييء لازالت قائمة..فهو كان مؤمنا بالأدوار التاريخية التي يمكن أن يلعبها المثقف في الدفاع عن قيمه وحضارته ونبذ الإيديولوجيات العنيفة والتصدي لها بالكتابة.
    عمران المليح المبدع هو «الأخ الأكبر الذي يجدّد ذاكرتنا ويخصبها، من خلال نصوصه الجميلة وحضوره الأجمل»، كما كتب عنه الروائي والناقد محمد برادة..بدأ بإصدار سيرته الذاتيّة وهي محطّة مهمّة في مسار الأدب المغربي، حيث كان المليح أوّل رمز سياسي يساري يكسر المحظور، ويتكلّم بلغة نقديّة متحرّرة، متأثرا بمدرسة فرانكفورت النقدية، خصوصا «فالتر بنيامين»، التي تأثر بها أيما تأثر في نقده للأنظمة الكليانية التي ابتلي بها العالم في القرن العشرين واضعة العالم في أزمات أخلاقية ووجودية قبل أن تكون أزمة حضارة..لنجده يتجاوز في «المجرى الثابت» قواعد الأدب «الملتزم» السائد آنذاك، متعاطياً مع الواقع بفانتازيا إبداعيّة يغلب عليها الهمّ الجمالي والمشاغل اللغويّة، تترك للقارئ أن يكون شريكاً في إعادة تشكيل فضاءاته وشخصياته وطقوسه..فنجده يكسر الحدود بين الأجناس الأدبية..لنجد في رواياته تحفيزا غير طبيعي للذهن..حيث الفلسفة والتساؤل والتاريخ..وشيء مما يمكن أن يدخل في لغة الإشراق العرفاني.. فكتب ضد النسيان، ومن خارج اليقين الإيديولوجي، فكانت رواياته الثلاث الأخرى: «أيلان أو ليل الحكي»، و«ألف عام بيوم واحد»، و«عودة أبو الحكي»، التي جعلت من صاحبها أحد أبرز رموز الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، بالإضافة إلى مجموعة قصصيّة متأخرة بعنوان «آبنر أبو النور» وكتابات نقديّة عدة في الفنّ التشكيلي، أبرزها مؤلف مرجعي عن الرائد أحمد الشرقاوي (مع عبد الكبير الخطيبي وتوني ماريني) وكتاب يحاور فيه نصّ جان جينيه «الأسير العاشق». خلال سنواته الفرنسيّة لم ينقطع إدمون عمران المليح عن المغرب، بل واكب تحوّلاته السياسيّة والاجتماعيّة، وبقي على تواصل مع الأجيال الجديدة، ناقلا إليها تجربة غنية قائمة على الجرأة والتجريب وطرح الأسئلة، من خلال لقاءات أدبية كثيرة، رافضا النقاش الدائر في المشهد الثقافي المغربي عن الحواجز التي يضعها بعض الروائيين والنقاد بين الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية والأدب المغربي المكتوب باللغة العربية، ذلك أن تعدد لغات التعبير بما في ذلك اللغة الأمازيغية يعتبر عنصر إغناء للأدب المغربي لا عنصر تفقير..
نحن إذن في حضرة روائي ومناضل مغربي..لم تمنعه سنوات الرصاص والمنفى وكذا ديانته اليهودية من أن يكون مواطنا مغربيا، حريصا على ثقافته الشخصية ومنخرطا فعالا في قضايا وطنه الأم ليصبح أحد نوابغ هذا الوطن.
النص الأدبي المتعدد
هناك نصوص لا تصنع فقط مجدها ومجد كتابها، لكنها تصنع أيضاً تاريخها واستمراريتها وربما أبديتها. «ألف عام بيوم» للراحل عمران المليح واحد من هذه النصوص الاستثنائية. لقد مر على صدوره أكثر من نصف قرن ولا يزال نصا حيا، لم تزحزحه السنوات ولا مئات النصوص التي صدرت بعد ذلك التاريخ، ولا عشرات الكتاب الذين أثثوا المشهد الثقافي المغربي، والذين تناولوا تيمة الانتفاضة والعمل الفدائي..على نفس المنوال..
وهذا بالضبط ما جعل النص يتجدد من حيث القراءة بديمومة واستمرارية ليصبح مادة يرتبط بها كل جيل بأسئلته الخاصة والحيوية، لاسيما أن تفاصيل القضية الفلسطينية اليوم تظهر الحاجة لهذا النمط من الكتابة، فهو نص لم يقطع فيه المليح مع التقاليد الكتابية فحسب، بل استطاع أن يخلق للأدب المغربي موقعا رياديا في الساحة الثقافية العربية، في الوقت الذي كانت فيه ظروف هذه المرحلة تفرض على لغة الضاد تقاليد بحثية مثقلة بهموم النهضة والأصالة والتراث...فالتقاطعات الموضوعاتية والأسلوبية بين هذه الرواية وروايات صنع الله إبراهيم وغسان الكنفاني أمر لا يمكن التغاضي عنه.
    لم يقف تأثير أسلوب المليح على الإيقاع الثقافي المغربي فحسب، بل امتد إلى الأدب الفرنسي ليخترقه بتجربة خارجية ليقدم اللغة الفرنسية في بعد كوني عميق، أبعد من البعد الذي يحرص عليه أغلب الفرنسيين عندما اعتبروها دوما لغة عرق متمركز على ذاته.   أما من الناحية الموضوعاتية فإن المليح أحسن الإنصات لمرحلة عاشت على إيقاع من الهزات المفاهيمية والأسلوبية الجذرية..مرحلة أنجبت كتابا كبارا، أهمهم دوستويفسكي في «الإخوة كرامازوف»، فضلا عن غوغول.
 
 
 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free