http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  تدليس الحقيقة
 
                    
 
 
 تَدْلِيسُ الحقيقة
بصدد مَنْ يَجُرُّون السفينة إلى حَتْفِها
 




صلاح بوسريف                            
 
 
 
لا تَتَأسَّسُ المعرفةُ على التّدليس. مَنْ لا يملكُ ما يكفـي من الأدلَّة، أو الحُجَج، و لا يعرفُ كيف يقرأ التاريخ، فهولا يُكَلِّف نَفْسَهُ البحث عن الحقيقة، لأنَّه لا يسعى إليها في الأصل. الحقيقةُ، دائماً، مُتَاحة، حين يكون الباحث مشغولاً بالمعرفة، و ليس بالأحقاد الشخصية، أو بترويج التَّزْوِير و تَعْتِيمِ الحقائق.
 
أذكُرُ، في يوم افتتاح أعمال المهرجان العالمي الأول للشِّعر، ما كتبه [ صحفي ] بعمود كان ينشره بجريدة الاتحاد الاشتراكي، حين توجَّه بالتحية لِمُؤَسِّسِي البيت، محمد بنطلحة و محمد بنيس وحسن نجمي، و [ إدريس الملياني!]. افترضْتُ أنَّ خطأً حَدَثَ، في إسقاط اسمي مقابل وَضْع اسم الملياني، اتَّصَلْتُ بالصحفي لتصحيح ما يمكن تصحيحُه، فعرفتُ من جوابه أنَّ الملياني أحد المؤسِّسين! أدركْتُ في حينها أنَّ ما كتبه هذا الشَّخص، لم يكن ناتجاً عن جهلٍ بما يجري، بل كان خطأً مُتَعَمَّداً، و كان مقدمة لأمُور ستأتي في ما بعد.
 
هذه الحادثة هي نفسها التي ما زالت تتكرَّر، و تجد لها مَنْ يَسْتَعِيدُها، دون خَجَلٍ، و برُعُونَةٍ لا سابقَ لها. و للحقيقة لا لغيرها، ما يلي:
 أولاً: في ما يَخُصُّ " ديوان الشِّعر المغربي المعاصر "، فأنا لم أُقَرِّر في شأن الأسماء الموجودة، هذا عمل كان من إنجاز لجنة كانت مُكَوَّنةً من محمد بنيس، مصطفى النيسابوري، حفصة البكري لمراني، حسن نجمي، صلاح الوديع، و أنا. كان الاجتماع بمدرسة الفنون الجميلة بمدينة الدار البيضاء، و كان عدد الأسماء التـي اقترحْتُها في مشروع ورقة الأنطولوجيا، التي كُلِّفْتُ بإعدادها، أكثر من تسعين اسماً، من مُختلف الأجيال. عدد الأسماء المثبتة في الديوان كان من اقتراح محمد بنيس، مراعاةً للمساحة المُتاحة لنا من طرف الناشر، و كان لِكُلٍّ من أعضاء اللجنة دور في اقتراح هذا الاسم أو ذاك. ثمَّة أسماء شخصياً أبْدَيْتُ تحفظاً عليها، لقناعتي أنها تحتاج لمزيد من الوقت، أو لا تُمَثِّل أفقاً شعرياً بعيداً، أو تفتقد للقيمة الشِّعرية التي كانت أساس اختياري للنصوص، لكن هناك مَنْ دافع عنها، حتى دون أن يُقَدِّمَ مُبَرِّرَاتٍ، و هـي حاضرة في الأنطولوجيا. و هناك أسماء دافعتُ عنها، مثل محمد الشيخي، و رشيد المومني، و غيرهما، و هي غير موجودة، نظراً لِتَحَفُّظ غيري عليها. أنا مسئول، بشكل فردي على اختيار النصوص، و أتحمَّل المسئولية الكاملة في ذلك، و ما تبقى فهو كان عملاً جماعياً.
 
بالأسف، بعض الذين كانوا أعضاء في اللجنة هُم الذين رَوَّجُوا لمسئوليتي عن اختيار الأسماء، و هذا كان خيانةً للأمانة، و للمسئولية. ثم إن عداوةَ بعض الشُّعراء لي، حتى الذين وُلِدوا بعد الأنطولوجيا، كان نتيجة هذا التَّدليس.
 
كنتُ نشرتُ في عدد من جريدة " السياسة الجديدة " التي توقَّفت عن الصدور، صفحةً كاملة وَضَّحْتُ فيها كُل هذه الأمور، لكن الذين، لا يرغبون في معرفة الحقيقة، أو في قلوبهم مَرَضٌ، لا يقتنِعُون.
 ثانياً: الإعداد لـ " عالمية " البيت! الرسائل، و الإعداد لليوم العالمي للشعر، و المهرجان العالمي الأول، و حتى الثاني، لم يكُن لحسن نجمي فيه دوراً كبيراً، فهو حين كُنَّا نُهَيِّئُ هذه الأمور، و خصوصاً في لحظاتها الحاسمة، ذهب لقضاء الصيف في إيطاليا، كما كان في المهرجان الثاني مشغولاً باتحاد كتاب المغرب، فلم يبق في مقر البيت، في ذروة الصيف، سوى حفصة البكري لمراني، مصطفى النيسابوري، محمد بنيس، و أنا.
 
ثالثاً: الذهاب إلى الخلفية السياسية للبيت، هو مَحْضُ تدليس فادح. كان الشِّعرُ، و ما عرفه آنذاك من تهميش، في مقابل غيره من أشكال الكتابة، هو ما يشغلُ المؤسِّسين. هذا ما تكشف عنه الوثائق التي علينا قراءتُها بانتباه، و بوعي مَنْ يقرأ بعينيه، لا بِعَيْنَيْ غيره، و مَنْ يَكْتُب بِيَدِهِ، لا بِيَدِ غيره.
 
مَنْ يقرأ تاريخ الأربع سنوات الأولى من البيت، سيُدْرِكُ ما عرفه الشِّعر المغربي من حُضور، و ما عرفته قاعدة الحاضرين لِلِّقاءات من تَوَسُّعٍ، و عدد الدواوين المنشورة، و اهتمام الجرائد بالشِّعر، و الحوارات الواسعة التي فَتَحت أفقاً آخر في وجه أسئلة، كانت قبل تاريخ التأسيس مَنْسِيَةً. و ليس ما يجري اليوم من عُزوف عن اللقاءات التي تُنَظَّم هنا و هناك. ماذا حدث؟ و لماذا انقلب الناس ضدَّ المشروع، أو رَفَعُوا أيديهم عنه؟
 
أسألُ هؤلاء الذين أتَوْا مِنْ أَلْسِنَةِ غيرهم، مَنْ يَهْتَمُّ اليوم بشأن بيتٍ تَسْكُنُه الأشباح، و باتَ تاريخُه مَحْضَ صَدًى بلا معنى، لأنَّ حقيقتَه تَمَّ تَدْلِيسُها، و هذا مآل مؤسساتٍ يَقُودُها العُميان.  
 لعلَّ الذين يقتسمون اليوم غنائم البيت، هُم مَنْ يُحَرِّفون دَفَّة السفينة، وهُم الذين لا يَمْرُّ نشاط من أنشطة البيت، إلاَّ و يكونون فيه، و من يَعُدْ لِبَرَامِجِ البيت، سيجد هذه الأسماء نفسها تتكرر، في كُلِّ الأنشطة، دون خَجَلٍ، و المجلة مثال للإسم الواحد الذي يتكرَّر في أكثر من مادة، و الرئيس السابق هو مُبْتَدِعُ هذه البِدْعَة، و هو ما لم أكن أقبل به، حين كان البيت يعمل بصوت الشِّعر، لا بمثل هذه الأصوات الحاقدة و المريضة. الوثائق موجودة، لا يمكن تحريفها، لمن يرغب في معرفة الحقيقة. فالبيت ليس ملكية فردية، فهو ملكية جماعية، لجميع الشُّعراء الحق في خيراتـه، و هذا كان المبدأ الـذي خانَهُ " الرئيس السابق للبيت "، كما خانه الذين أتَوْا بعدَهُ، ما جعل البيت يفقد صِلَتَه بالشُّعراء، و أصبح بيتَ أعضاء جـاؤوا إليه بطريقـة غيـر ديمقراطية، بل بالوراثة، و التعيين، و بمنطق الأغلبية، التي هي إحدى " مصائب " المؤسسات الثقافية في المغرب، بتعبير لأبي القاسم الشابي.        

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free