http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  زواج المتعة في العلاقة بين المثقف والسلطة
 
 
 
 زواج المُتْعَة
 في العلاقة بين المثقف و السلطة

صلاح بوسريف
 
                            

" فالشكر و الجزاء كلاهُما اسْتِئْجار، و الأجْر ناسِفٌ للحرية،
 و مُعَطِّل لتصديق المثقف، بل بمجرد حضور الجزاء، ينتفي  
                         الفكر و يَنْتَقِض "
 [د.عبد السلام المسدي] 
 [1]
 
يشير الوضع الثقافي، الراهن، في المغرب، إلى وُجُود مآزق عَصِيبَة، هي، في مُحَصِّلَتِها العامة، نتيجة لِما أَقْدَمَت عليه المؤسَّسات الثقافية من تنازُلاتٍ، في السنوات العشر الأخيرة، و لِما تَوالَى من قَبولٍ للانخراط في مُؤسساتِ الدولة، من قِبَلِ عَدَدٍ من المثقفين، دون شروط مُسبقة، أو برنامج، أو إعلان مباديء، يكون بمثابة، الميثاق الذي يَحْكُمُ طبيعة العلاقة، بين هذه المؤسسات، و بين هذا " المثقف " الذي أذْعَنَ للانخراط في هذه المؤسسات، دون شُروط.
 من بين المآزق التي أَفْضَت إلى هذا الوضع المُلْتَبِس، الذي آلت إليه، علاقة المثقف بالسلطة، انخراط هؤلاء المثقفين، في هذه المؤسسات، ليس باعتبارها مؤسساتٍ تابعة في سياستها العامة للدولة، بل باعتبار العلاقة بالأشخاص الذين كانوا يُشْرِفُون علـى هذه المؤسسات. و مَنْ ينظر فـي تركيبة وزارة الثقافة،
 مثلاً، في فترات تَعَاقُب كلٍّ من محمد الأشعري، و ثريا جبران، و بنسالم حميش، سيلاحظ أنَّ هؤلاء الذين أصبحوا، أو كانوا عاملين في دواليب الوزارة، من كُتَّاب وغيـرهم، ممن لهم صِلَة بالشأن الثقافـي، يُسْتَبْدَلُونَ، بحسب اسْتِبْدَال الوزراء، و يتحَوَّلُون، في كثير من الحالات، إلى مُعَارِضين، أو مُعْتَرِضِين، بالأحرى، على سياسة الوزير الجديد*. فلا أحد من فريق الأشعري، بَقِيَ موجوداً بَعْدَه في الوزارة، و هو ما يمكن ملاحظته بالنسبة لفريق ثريا جبرا، باستثناء مَنْ تَمَّت تسوية وضعيتهم على المستوى الوظيفي.
 حين أُشير إلى هذه المعطيات، فأنا أَحْرِصُ على تأكيد الطابع الشخصي في علاقة المثقفين بالمؤسسة. ليس ثمة شَرْط مسبق، في هذا الزواج، الأمر كُلُّه يعود إلى العلاقة الشخصية التي تربط هؤلاء بشخص الوزير. لا يقتصر الأمر على الأشخاص، فالمؤسسات الثقافية، بدورها، عَمِلَت وفق نفس المعيار، و لم يكن قرار هذه المؤسسات مَبْنِياً على اختياراتِها، و على طبيعة تَوَجُّهاتِها، التي، عادةً، ما تكون مبنيةً على قراراتٍ تُتَّخَذُ، في الجُموع العامة، أو في المؤتمرات.
 أصبحت القرارات الفردية، هي ما يحكُم علاقة المؤسسات الثقافية بمؤسسات الدولة. لم يَعُد الرجوع إلى القاعدة، أمراً جارياً، و هو نفسُه ما حَدثَ فـي الأحزاب، ذاتها، حين قرَّرت خَوْضَ تجربة " التناوب ". ما يأتي من القِمَّة، لا علاقة له بالقاعدة، هذا هو القانون الجديد، الذي سُنَّ في السياسة، فَسَرى على الثقافة.
 يمكن هنا، العودة إلى حالة " اتحاد كتاب المغرب "، و تمثيليته داخل مجموعة من المجالس العليا، مثل المجلس الأعلى للتعليم، و المجلس الأعلى لحقوق الإنسان. أتساءلُ بصدد تمثيلية الاتحاد داخل هذه المؤسسات؛ ما هو بالتحديد دور الاتحـاد داخـل هذه المؤسسات؟ هل هو دور تَزْكِيَةٍ، و تصويتٍ على  ما يُتَّخَذُ مِنْ قَراراتٍ، أم دور مُتَدَخِّل، له رأيه الثقافي الحُر، و ملاحظاتُه على ما يجري، في شأنِ ما يَهُمُّ هذين المَجْلِسَيْن مثلاً؟
 
لا نعرف موقف اتحاد كُتَّاب المغرب، داخل المجلس الأعلى للتعليم، من الوضع الكارثي الذي آلَ إليه التعليم ببلادنا، و المُقتَرَحات التي تقدّمَ بها، في الموضوع. كما لا نعرف، موقف الاتحاد مِنْ كثيرٍ من الخُروقات التي حَدَثَت في الحُريَّات العامة، و في محاكمة عدد من الصحافيين، و إعدام، أو إقبار بعض الجرائد.. لا نعرف ماذا يجري، و ليست هناك تقارير في الموضوع، علماً أنّ الاتحاد له مجلته التي كان يمكن أن تكون مكاناً لنشر مثل هذه المعطيات، إن وُجِدَت أصلاً.
 
ما يَحْدُثُ، هو تعبير عن ارتباكاتٍ، و التباساتٍ حَدَثَتْ، في علاقة المثقف بالسلطة، ما جعل الموقف النقديَّ يبدو شاذّاً، أو نوعاً من الرأي الخارج عن السياق، أو عن التحوُّلات التي تحدُثُ في المغرب !، كما في تصريح لمحمد الأشعري، أثناء وُجُوده في الوزارة.
 إذعَانُ المثقفين المُشَاركين في السلطة، و كذلك صَمْت المؤسسات الثقافية، أو تعبيراتها المُلْتَبِسَة، فـي ما يخص عـدداً من القضايا المتعلقة بالشأن الثقافـي،
أو بغيره، كان نوعاً من التوقيع على بَيَاض، ولم يكن صادراً عن وَعْي مُسبق، بطبيعة العلاقة التي حَبَكَها هؤلاء مع بعض مؤسسات الدولة، التي كانت، هي المُستفيد الأول منها، و كانت الخسارات التي طالت المؤسسات الثقافية، كبيرة، خصوصاً، في فَقْدها لاستقلاليتها، أو لاستقلالية قراراتها.
 
في الوقت الذي كان فيه عدد من المشاركين يُقاطِعُون ندوات المعرض الدولي للكِتَاب، و كانت الكتابات تتوالى في الجرائد، و في وسائل الإعلام المختلفة، كانت المؤسسات الثقافية، بدون لسانٍ. لم نقرأ لا بيانَ إدانة و رفض، تجاه الوزارة، و لا تصريحات، في شأن ما يجري، فالموقف العام كان هو الصمت، أو تحريك الجَمْر من خلف الستارة.
 إن الأساس الذي، بناءً عليه وُجِدت هذه المؤسسات، و الأدوار التي كانت تلعبُها في الماضي، انْتَفَت، و أصبحت هذه المؤسسات، و كذلك الأشخاص، بَعِيدِينَ عن حرية الرأي و القرار، اعتقاداً منهم أن اتِّخاذ مواقف من هذا القبيل، قد يُحْدِثُ أضراراً لهم، أو للمؤسسات التي يتحملون مسؤولياتها.
 هل أصبح المثقف المنخرط في السلطة، رهينةً في يَد السلطة، أو لِمَا تَهَبُه له من امتيازات، و هو ما يسري على المؤسسات الثقافية؟ ألا يمكن اعتبار ما حدث من انهيارات، داخل هذه المؤسسات، ما هو إلا تعبير عن هذه الاختيارت الملتبسة و الخاطئة، في علاقة المثقف بالسلطة؟ أو هـي نتيجة للتنازُلات التي أَقْدَمَ عليها هؤلاء، دون حِسَاب نتائج الرِّبح و الخسارة، في ما أقدموا عليه؟
 
أسئلة كثيرة تتناسَل بصدد هذا الوضع الملتبس الذي آل إليه زواجٌ، حَدَثَ دون وضع شروط مسبقة، يَكُونُ فيه الطَّرَفَان على معرفة بما لكل واحد من حقوق، و ما عليه من واجبات، و كأنَّ المُتْعَةَ كانت هي شرط هذا الزواج.
 يقتضي تصحيح الوضع، أولاً؛ إعادة بناء هذه المؤسَّسات الثقافية، بتأكيد مبدأ استقلاليتها، و حُرِّيَة اتِّخاذ القرار، وفق توصيات و قرارات الجموع العامة، أو المؤتمرات. و بإعادة النظر، ثانياً؛ في القوانين المُنَظِّمَة لها، ضِمْنَها، تحديد شروط طبيعة العلاقات التي تُقْدِمُ، هذه المؤسسات على نَسْجِها مع مؤسسات الدولة و الأحزاب، من جهة، و مع بعض المؤسسات الثقافية التابعة لدُوَلٍّ عربيةٍ و غربيةٍ، من جهة أخرى.
 
لا ينبغي القبول، بأيِّ ابتزازٍ، أو مُساوماتٍ، بشأن استقلالية قرارات، هذه المؤسسات، و لا بحرية عملها، أو التدخُّل في برامجها، و في طُرُق اشتغالها. كما أنَّ العلاقات، مع هذه المؤسسات، ينبغي أن تكون وفق، اتفاقيات، مُحَدَّدَة، تشارك
 الأطراف المعنية في صياغتها، مع التَّمَسُّك، بالمبادئ الأساسية، التي تُشَكِّل خُصُوصيات كل طرفٍ على حدةٍ. و هذا، في تصوُّرنا، هو الخطوة الأولى في طريق تصحيح، ما جرى إفْسَادُه.        
 
أمَّا، ما يَخُصُّ الأفـراد، فهذه مسألة ترتبط بقَناعاتِهم الشخصية، و باختيـاراتهم، و مَنْ يرى في السلطة بديلاً، أو لا يملك ما يكفي من الحصانة الثقافية، أو لا يملك ما يكفي من وَعِيٍ نقديٍّ، و من قُدْرَةٍ على المُوَاجَهَة، أو المُمَانَعَةِ، فهو حُرٌّ في اختياراته، و الناس، كما يُقالُ، في ما يختارون، مذاهبُ.
 
ـــــــــــــــــــــــ
 
* يمكن أن أشير هنا إلى رفض أحمد لمسيح المشاركة في معرض سابقٍ للكتاب، لإقصاء الزجل، بحسب تعبيره، إبان ولاية ثريا جبران، علماً أنه كان مسؤولاً بديوان الأشعري، و لم يكن يدين الإقصاء التي حدثت في حق الكثيرين، في النشر، و في السفريات، و في المشاركة في المعرض الدولي للكتاب..

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free