إتحـاد كتـاب الإنتـرنت المغاربـة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
عبد الرحمن باكوالمجذوب
عبدالرحمان بـــاكو أحمد العمراوي
خاص بالموقع
غِيرْ حذوني.. . للهْ غِيرْ خذونِـــي
روحي نهيب لفداكم غير خدونـــي
معدوم ولفي.. لله دلونــــــي
ما صابر علْ اللّي مشاو أنا ما صابَرْ
صفايح ف يدين حداد أنا ما صَابَـرْ
مقطع غيواني بصوت عبد الرحمان باكو
واقفا أو قاعدا يرتفع الصوت المبحوح. الصوت الجاذب. الصوت المجذوب. المجذوب هو شخص خارج عن عادية الناس قولا وفعلا، أي أنه شاعر بالجسد وبالكلام. كلام يُحرِّك، يُهيِّج، يُضيف للذات لذة عبر الألم وعبر دفئ الألم المؤدي للجذب، وبالتالي للشفاء.
الجذبة شفاء الروح بتحريك الجسد. شقاء من حالة ـ من حالات ـ لا يعرفها إلا المكتوون بجمر الكلام، المحترقون بغيوان ما بعد الكلام وما قبله.
الجذبة طقس روحاني له تجليات مادية في طريقة الجلوس، في طريقة الوقوف، في الحركة المتحركة والراجة للذاكرة وللحاضر من أجل اختراق الوقت الذي هو ما أنت فيه. يد المجذوب هي أيادي، حين تمتزج بآلة وترية قديمة غليظة الأوتار تزيد الروح ارتفاعا مبعدة العقل عن حركة اليومي، والفكر عن جزئيات مادية تؤرق.
يد عبد الرحمان باكووهي تتحرك تحرك معها الروح بل " الأرواح " للقضاء على " الأرياح " حركة سريعة وواقفة ( كيف يمكن الجمع بين المتناقضين )، حركة يتبعها ميلان الجسد الناتج عن سكر الحال. سكر بالفعل. سكر رباني لا مادي بخمرة معتقة بقول الأخذ الآخذ بصراخ رهيب لا نعرف متى ابتدأ ولا متى ينتهي.
غِيرْ خُذُونِي لِلّهْ غِيرْ خُذوُنِي.
رُوحِي نْهِيبْ لَفْداكُمْ غِيرْ خُذُونِي
مْعْدُومْ وُلْفِي لِلهْ غِيرْ خُذُونِي.
الأخذ الأخاذ. وآلات وترية ودف وطبلة وسنتير تُضَوِّئ الروح وتدوخ العقل المسيج لها بالأخذ إلى جهة أخرى بعيدة. جهة الشعر. جهة البوح. جهة فضح السر المستور المكنون.
لا مجال للتراجع في الذهاب بعيدا بالجسد في جذبته إلى أقصى حالة ممكنة. المجذوب ليس مخيرا في هذا ما دام غيوانيا عميقا في غيوانيته، والرجاء ـ وهو مقام صوفي ـ تساؤل للرجوع إلى أرض الناس، ومزج للمرارة بالأمل، والصفاء بالكدر من أجل خلق حالة يتحرك فيها الجسد النائم. الجسد المتعب.
الله بَابَا جَاوبْنِـــــي عْلاشْ أَنَا ضْحِيّة للصّمْتْ
وَاشْ اجْرَى لِيَ جَاوبْنِي مَالْ سْفِينْتكْ مَا وْصـْلتْ
بَابَا شكون كدر صفاك بَابَا مُول السّيفْ المسْلولْ
بَابَا فِينْ جْحَا والغُــولْ بَابَا عَيّانـَــا لْحْجِـي
تعب كله القعود، وجسدك النابض الحي عبر الصورة المسجلة، جسد حي متحرك بصوته المبحوح القوي. الصوت الكناوي، وصراخ ونشوة بدمع العين ولكنها تضيء العتمة، تنير الحال لأهل الحال.
أهْل الحَالْ يَا اهْلْ الحَــالْ امْتَى يَصْفَى الحَــالْ
تْزُولْ لْغْيُومْ عْلى الغُرْبَانْ وُتْفَــاجَى لْهــوالْ
يَا السَّامعْنِي زِيدْ اسْمَعْنِي وافْـــهمْ شَانْ القُولْ
افهم أيها الفاهم أصل ما أنا فيه، لأنه نفس ما أنت فيه، قبل أن تكون، وقبل أن أكون، وهل نقول قبل أن أوجد أصلا. أن نوجد في الهول، في الأهوال ونحن نسلكها.
طريق السالكين هو طريق الجذب والأخذ والحال، طريق ممتزج بالشوك بالنواح، ولكنه ضروري. منذ القلم واللوح، ومنذ الدواة الأولي:
آ سَالْكِينْ الهولْ وْسَاطْعَه نْــوَارُه
ما جْرَى فُوقْ صْدَرْ الحَقْ منْ مْناكَبْ
مَا تحفات الدْوايــا على لْقـــلامْ
وْما تّحْفَرْ بظْهرْ الجـــايْ مرْهوبْ
فبْلادْ العُربـــانْ ينــوحْ الْبــومْ.
ولكنه الضياع في الحب، في الحق، والدعوة للحرية.
الشطح هيجان داخلي يحرك الجسد ويكلمه ويدعوه للبوح. وعي بالوقت انطلاقا من لحظة لا وقتية. لحظة جذب تقترب من جنونها، خلاصها الكشف والكشف حجاب بالرؤية يحترق، بالوجد يبرد. الشطح غياب لذيذ يتذوق عذوبته السكارى، عشاق الحرية الباحثين عن تعويض أغلال اللغة بصمت هو الوقت والحال والبوح.
الوجد قلق واضطراب يغلب على الوجدان لا يقوى هذا الوجدان على احتماله. انفعال في الداخل، في السر، في الظلمة، يقود إلى بوح مختلف عن بوح الناس. رقصة الصوفي رقصة غير إرادية، فهي فيضان نار أو ثلج يقود للحركة والوجد في الأحوال.
وقد ميز الصوفية بين الواجد الساكن والواجد المتحرك وحاولوا المفاضلة بينهما، وتحليلنا هنا يدخل في منحى الوجد المتحرك، أي الوجد اللغوي الفاعل باعتبار لغة الشاعر هي لغة فاعلة لا مفعولة إذ " الشطح يستلزم الحركة والاضطراب لقوة الوارد وغلبته على صاحبه "
وقد لخص عبد الرحمان بدوي عناصر الشطح فيما يلي : " العناصر الضرورية لوجود ظاهرة الشطح هي: (أولا) شدة الوجد، و(ثانيا) أن تكون التجربة تجربة اتحاد، و(ثالثا) أن يكون الصوفي في حال سكر، و(رابعا) أن يسمع في داخل نفسه هاتفا إلهيا يدعوه إلى الاتحاد فيستبدل دوره بدوره، و(خامسا) أن يتم هذا كله والصوفي في حال من عدم الشعور"
الشطح إذن حالة متحركة تنتج عن وجد، وهو سر للصوفي لا بد منه. شدة وجد، وتجربة اتحاد، وحالة سكر، واستبدال دور، ولاوعي، هي عناصر الشطح الأصلي الذي ستتم استعارته لعصر آخر مختلف زمانا ومكانا، إلا أنه ابن اللحظة التي أنت فيها، أي ابن الوقت الذي هو ما أنت فيه.
شطع ونداء :
يا عربانْ ها القلبْ نْفتْحُو ونغرْسو أشْجارْ
تَنْبَتْ حريتنا كاملينْ...
ضايعينْ يا حْبابي ضايْعينْ
ضايعينْ يا حبَابي ضايعينْ
الأنغام سيدة الكون. والكون أصله نغم متناغم متناثر. لا حياة بلا نغم، نغم موسيقي بالصوت البشري بصوت الآلة المتحركة باليد.
آلات ناس الغيوان آلات متحركة باليد، وواقفة تعزف الفرقة، وحتى في الجلوس فهي تعزف واقفة بل محركة للجسد مرقصة إياه.
إنه حديث الجسد، وعبد الرحمان باكوهو حركة غيوانية من الشطح نبعت. الشطح الكناوي، والحركة الكناوية هي حركة كونية لا تحتاج إلى فهم ولا إلى لغة ولا إلى جواز مرور وهي تَعُبر كل الذوات وكل الأجناس، وكذا حركات عبد الرحمان باكو، هذا الجسد العملاق بشكله الخاص، بل بقيمته التي لا يدركها إلا المكتوون بنار الوجد والجذبة.
بعض الأفراد لا يتكررون في التاريخ، هم يأتون مرة واحدة ويبقون إلى الأبد، العربي باطما، بوجميع، وباكو،عمر السيد، وعلال أي كل الفرقة الغيوانية الأصلية. إنها فصل لا يتكرر.
ونحن نقرأ الديوان الغيواني، قد لا نتأثر بالكلام - رغم أهميته - التأثير نفسه ونحن نسمع لأصوات أهل الحال، أهل الغيوان، ناس الغيوان، وصوت وجسد الروح القوية التي يضفيها سر من الأسرار الكونية لصوت باكو المتلألئ. الثاقب الصارخ صراخ الأخذ، أخذ الكلام وما بعده. نعني حركة الجسد بالشطح المشفي من غمة العصر والأشياء.
كل الكبار يتعذبون من أجلنا، قد يغيبون صغارا، قد يتألمون، ولكنه السر المكنون لكل حركة إنسانية عظيمة، والتي من بين أهمها حركة ناس الغيوان، وأحد أعمدتها عبد الرحمان باكو.
عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، وكالة المطبوعات، الكويت، ط:2،، 1987، ص: 12,
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|