استطلاع (الزمان): أدباء يكشفون أسرار اهتمامهم بأواصر القرابة بين أقرانهم ولائحة من أسماء أصدقائهم
الروابط الاجتماعية والعلاقات الشخصية تجمع الأدباء العرب في فضاء النص والزمن والاغتراب
إنجاز: عبدالحق بن رحمون
وربما ستلاحظون أن الآراء بالرغم من تنوعها واختلافها وتصاديها، لكنها تشترك جميعها في أهمية التواصل الإبداعي والثقافي، كما يتم اكتشاف أحد أسرار هذه الروابط بين أقران الأدباء من نفس الجيل، فضلا أن ذلك ليس هروبا من واقع مرير، أو البحث عن اعتراف، أو مجد أدبي لما تضيق الأرض الثقافية التي يقيم فيها الأديب والمبدع. ولهذا نري أنه في المشهد الأدبي العربي هناك علاقة ملموسة وواضحة لجيل من الأدباء، وربما هي انتعشت بشكل كبير لدي أدباء الحساسية الجديدة من شعراء، قصاصين، روائيين ونقاد، أو في أجناس أدبية أخري. وهذه العلاقة كونتها إما الصدفة أو الرغبة في الفضول والاطلاع في معرفة الآخر، الذي يشتركون معه نفس الرؤي ونفس التصورات. إنه جيل يبحث عن آفاق أخري للتواصل وأفق معرفي ينبني علي الحوار، وهم بذلك أدباء يتفاعلون ويتجاوبون مع نصوص أدبية وإبداعية ويتمنوا اللقاء بصاحب النص، إما لشكره أو لربط صداقة الأخوة والمحبة بينه. كما أننا في هذا الاستطلاع توصلنا إلي اقتناع رئيسي هو أن نتائج العلاقة بين الأجيال الأدبية التي تمثل المشهد الثقافي لم تصنعها أو ساهمت فيها المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، فقط هي بمبادرات شخصية باعتبار أن الأجيال الجديدة هي مثل الحمام الزاجل، تحلق بعيدا، في أفق يتلاءم مع أجنحتها، ومع مفهومها الحداثي، لتطوير تجربتها، منتبهة جيدا إلي حكمة الإنصات إلي الآخرين، وإلي قلقهم المشترك في مستويات الإبداع، وآليات الكتابة، وأنماط التلقي المتوقعة.
وإذا كانت الأجيال السابقة عرفت حياتها الأدبية شبه قطيعة بين أقرانهم، وهذه القطيعة خلفتها تيارات ثقافية وإيديلوجية وسياسية متباينة المشارب، فإن الجيل الجديد نجده مقتنع تماما بمبدأ أن الإبداع لاوطن له، فالإقصاء الأدبي الذي قد يمارس عليهم في بلد ما لايعنيهم اليوم، مادامت وسائل الاتصال متاحة لهم، وبأقل تكلفة، ومن ثمة منهم من يصفق الباب خلفه، ويغير وجهته بعيدا لاختيار أصدقاء يشاركونه نفس الفصيلة الدموية وذات المشروع والتوجه الأدبي، ولا ننسي هنا أن نشير أنه قبل اكتشاف وسائل الاتصال المتوفرة الآن، وسيما في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كانت الأجيال تتواصل حين تتاح لها المشاركة في المهرجانات والملتقيات الأدبية ومعارض الكتب، ومن منا لايحتفظ اليوم برسائل بريدية حملتها إليه أيادي ساعي البريد، واستقبلها بفرح كبير، إنها رسائل أدبية متبادلة، تترجم التواصل بين الأدباء. وباختصار فالتواصل بين أقران الأدباء لايقتصر فقط علي تبادل الرسائل الخطية أو الالكترونية بل هو كذلك المتابعة الرصينة لجميع الأجيال، إما لكاتب شاب أو متمرس أو في بداية الطريق، سواء في هذه الصحيفة أو المجلة أو الموقع الالكتروني، لأن النص الإبداعي هو من يفرض نفسه ويعطي لصاحبه اجتذابا واهتماما من طرف المتلقي.
نطرح في استطلاع صحيفة (الزمان) سؤال يتعلق بمدي اهتمام الأدباء بالتواصل والتعارف مع أقرانهم في كل الأقطار العربية. ويشاركنا في الجواب علي هذا السؤال كوكبة من الأدباء العرب، ونقدم هذا الملف هدية لقرائنا الأعزاء، سيما أنه يتزامن مع فصل الصيف، حيث تحلو القراءة. وسوف يكتشفون فيه جانبا مهما من حياة الأدباء في مد جسور التواصل، لتوسيع الأفق الإنساني مع ذوي القربي من رابطة الدم الإبداعي، والذي هو طبعا الحبر وترجمان أشواقه الكلمة. وصراحة فقد تفاجئنا في المشاركات المكثفة في هذا الاستطلاع، ومدي التجاوب الذي لقيه من طرف أصدقائنا من الكتاب والمبدعين الذين وثقوا فينا، ونحن نطرح عليهم سؤالنا الرئيسي وعدة أسئلة أخري فرعية منها: كيف تحققت علاقة الصداقة والتواصل مع ذكر بعض أسماء أصدقائهم... وهل هذا التواصل مستمر... وماهي فوائده... وهل يتم الاكتفاء بالتواصل فقط مع الأدباء الذين يتواجدون في بلدانهم الأصلية ؟ وبذلك فإن الاستطلاع الذي نضعه بين يديك عزيزي القارئ هو صفحة من كتاب حياة الأدباء، وبوح صادق من أسرار التواصل والكشف عن أصدقائهم الحقيقيين والمفترضين، القدامي والجدد. وفي اتجاه آخر أود أن أشير إلي ما قالته أديبة من السعودية وهي من الجيل الجديد، ونحن نطرح عليها أسئلتنا الآنفة الذكر، وقد فضلت عدم ذكر اسمها، واكتفت فقط باسم الشهرة أو الاسم الحركي، موضحة: "أما تواصلي مع الأدباء شبه معدوم، ووضعي الإجتماعي لا يسمح أن أتكلم بهذه الخصوصية، ممكن أن أفكر بطريقة ما عن الظروف الإجتماعية التي تمنع تواصل الأدباء". إذن هذا نموذج من العوامل التي تجعل التواصل بين أقران الأدباء شبه منعدم، مما يضطرهم إلي ابتكار أسماء مستعارة، ليجعلوا من حضورهم وإسهامهم الأدبي مع أقرانهم، مجسدا لرؤية، تحارب أي سلطة تحد من حريتهم الشخصية.
ومن نا كذلك لايحتفظ بالصورة والانطباع الأول؛ لنص نقرأه لأول مرة ؛ وقد يعجبنا ولا يهمنا هل هو لأديب عربي شاب أو كبير. أنئذ، الجغرافية والخرائط تتشلاشي ويصبح يهمنا النص وصاحبه، ولايهمنا انتماءه العرقي أو الجغرافي، ونصبح نتقفي خطوه أينما وجدنا إحدي نصوصه منشورة هنا أو هناك، ونربط معه صداقة وجدانية. وقد تتطور هذه العلاقات إلي تواصل مباشر، ممكن أن يعطي ثماره وأكله وتستفيد منه الثقافة العربية وتنفتح علي عالمها، ورموزها من غير مركب نقص، أو عقد موروثة في الجينات، وتنطلق في كشوفات ضوئية، تعبر عن الانشغالات الصغيرة والكبيرة، في حقول الإبداع والأدب.
وفيما يلي إليكم آراء المشاركين في الاستطلاع، متمنيا لكم قراءة ممتعة ومفيدة:
ضمور العلاقات الإنسانية
محمود الريماوي
(كاتب من الأردن)
أجل أحرص علي متابعة نتاج أدباء جيلي وكذلك علي نسج علاقات شخصية معهم ما أمكنني ذلك. وأود القول إني أنتسب لجيل "قديم" هو جيل السبعينيات وربما الستينيات فقد بدأت النشر في مجلات أدبية عربية منذ العام 1967.
ربطتني علاقات شخصية مع أدباء عرب منهم في مصر القاص سعيد الكفراوي، القاص والروائي ابراهيم أصلان، الشاعر محمد عفيفي مطر، الروائي ادوار الخراط، القاص والروائي محمود الورداني والقاص محمد المخزنجي ومع راحلين منهم الشاعر أمل دنقل والناقد فاروق عبدالقادر والناقد صبري حافظ والناقد جابر عصفور والروائي جميل الغيطاني والروائي عبدالحكيم قاسم وغالب هلسا. وأعرف شخصياً من الجيل الجديد الروائي نائل الطوخي وعزت القمحاوي والشاعر هاني فضل والمترجم ياسر عبدالله والقاصة سعاد سليمان. وهناك أسماء أخري لا تحضرني علي التو. وفي تونس تربطني صداقة بالمنصف المزغني والطيب شلبي. وفي المغرب الناقد والروائي محمد برادة والقاص أنيس الرافعي والكاتب الدبلوماسي عبدالقادر الشاوي والشاعر إدريس علوش وعرفت محمد زفزاف وتربطني صداقة بالقاص إدريس الخوري وعرفت مبكرا الميلودي شغموم، ثم الناقد نجيب العوفي وسعيد يقطين ومحمد معتصم وعبدالحميد الغرباوي. وهناك آخرون كثر أعتز بصداقتهم جميعا ومعذرة عمن فاتني ذكرهم. ومن سوريا عرفت مبكرا زكريا تامر والراحل محمد الماغوط والراحل ممدوح عدوان وتربطني صداقة بالكاتبة الروائية غالية قباني والناقد صبحي الحديدي والكاتب نواف يونس.
أما بين العراقيين فتعرفت علي أعداد هائلة منهم وربطتني صداقات بالكثير منهم: الشاعر الراحل عبدالوهاب البياتي، والشعراء فوزي كريم وهاشم شفيق ومؤيد الراوي وسعدي يوسف وربطتني صداقة انتنرنتية حميمة مع صموئيل شمعون، ومن القاصين والروائيين عواد علي وعلي السوداني وعبدالستار ناصر وهدية حسين وسمير طاهر وعرفت مبكرا عالية ممدوح وقاسم حول وجمعة اللامي والراحل شريف الربيعي. كما تعرفت بالشاعرين حسب الشيخ جعفر وصلاح نيازي في عمان وآخرين منهم حميد سعيد وعائد خصباك وسامي مهدي ونصيف الناصري وصلاح حسن وهادي الحسيني.
ومن لبنان عرفت جيدا أدونيس وسمير الصايغ ومحمد العبدالله ومحمد علي فرحات وشقيقه الشاعر أحمد وعناية جابر وعباس بيضون ومحمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين.
فضلا عن أدباء في الخليج منهم ليلي العثمان وقاسم حداد وسيف الرحبي وعلي الشرقاوي وأمين صالح وعبدالقادر عقيل وطالب الرفاعي واسماعيل فهد اسماعيل.
لم أذكر الزملاء الأردنيين والفلسطينيين فهم بالنسبة لي كأفراد العائلة وعددهم بلا حصر.
أتواصل ما أمكنني ذلك مع هؤلاء الأصدقاء. وأتابع الحساسيات الأدبية الجديدة في غالبية الدول العربية وقد قرأت نحو 15 رواية لأدباء مصريين شبان من إصدار دار ميريت..
هناك تواصل لكنه محدود وخاصة عبر الانترنت، لا أترك رسالة دون رد، وفي أحيان كثيرة أبادر بالكتابة لأصدقاء وحتي لمبدعين لا تربطني بهم صلة شخصية.
الصداقات مفيدة بالطبع. فضلاً عن أنها حاجة إنسانية. نتبادل الآراء والملاحظات والمؤلفات، ومن المهم أن نتبادل الضحكات حول مساخر زماننا ومفارقات الحياة البشرية وحتي حول شخوصنا.
لكن علاقات الأدباء أصابها علي العموم ما أصاب العلاقات الإنسانية من ضمور، وشرح ذلك يطول.
تمتين الوشائج بين مختلف الثقافات
مصطفي لغتيري
(قاص وروائي من المغرب)
الأدب بطبيعته يسعي جاهدا إلي ربط الجسور بين الأفراد و الجماعات، وتمتين الوشائج بين مختلف الثقافات، وأعتقد أن أي تجربة إبداعية لا تكتمل إلا من خلال الاطلاع علي التجارب الإبداعية لباقي الأدباء، مغاربة كانوا أو عربا أو عالميين، وإذا كان الأديب ملزما أولا بالاطلاع علي ما ينتجه مبدعو بلاده، فإنه كذلك و بالضرورة، ملزم أيضا بالاطلاع علي ما ينتج بلغة الضاد، التي هي لغة كتاباته..من هذا المنطلق أري أنه لزاما علي الأديب أن يربط وشائج مع الأدباء المغاربة والعرب، فلا شيء يعوض التواصل المباشر، لأن ذلك يساهم في التعرف عن كثب علي تجربة كل أديب علي حدة، و وضع التجربة الشخصية علي المحك فضلا عن التعريف بها خارج بلاده.. وقد استطعت شخصيا بفضل اشتغالي في الصالون الأدبي وارتباطي بعالم الإنترنيت أن أربط علاقات وثيقة وقوية مع كثير من الأدباء المغاربة والمشارقة علي السواء، وبما أن الموضوع مقترن بالأدباء العرب من جيلي المنتمين إلي مختلف الدول العربية، فيسعدني كثيرا أن أخبرك أن لي علاقات طيبة مع كثير من الكتاب في الوطن العرب، ففي تونس مثلا أعتز بصداقة الشاعر والناقد عبدالدائم السلامي وابراهيم الدرغوثي وفي سوريا هناك كثير من الأصدقاء علي رأسهم القاص الناقد أحمد جاسم الحسين والشاعر سامي أحمد، ومن الأردن أتواصل باستمرار مع القاصة والناقدة سناء الشعلان، كما أعتز بصداقة القاص والشاعر جمعة الفاخري من ليبيا والروائي والقاص مصطفي نصر من مصر والناقد فرج مجاهد عبد الوهاب ومن الجزائر الشاعرة والإعلامية الزهرة بوسكين والقاص عبدالرشيد حاجب كما لدي أصدقاء في السعودية كـ:حسن الشحرة وخالد المرضي وأتبادل الجديد في مجال الإصدارات مع اليمني محمد الغربي عمران، كما أتواصل مع المبدعة اليمنية نادية الكوكباني وكثير من هؤلاء زاروني في المغرب، ويوجهون لي الدعوات لزيارتهم في بلدانهم، لكنني لم أستجب بعد لهذه الدعوات الكريمة.
المهم أن هذا الانفتاح علي الأدباء العرب أفادني كثيرا وفتح لتجربتي الإبداعية آفاقا جديدة، أتمني أن تتعزز أكثر في المستقبل القريب والبعيد.
علاقاتي محدودة جدا
محمد أنوار محمد
(شاعر من المغرب)
في الحقيقة، ورغم أهمية الأمر، ليس لديّ أيّ علاقة بشعراء من جيلي خارج المغرب. وحتي داخل المغرب، علاقاتي محدودة جدا. فأغلبية الشعراء الذين أعرفهم، صداقتنا ممتدة لأكثر من عشرين سنة. إنهم أصدقاء بالشعر وبدونه. لم تتح لي فرصة التعرف علي شعراء من خارج البلد. صداقات أدري بالمعترك والمصير
عبد الغني فوزي
(شاعر من المغرب)
يغلب ظني، أن الصداقة في الكتابة، غيرها في الواقع وإكراهاته؛ لأن الأولي تنهض علي أرض مشتركة في المتخيل؛ وبالتالي المراهنة علي أفق في الاحتمال. من هنا، سمح لي اشتغالي في الحقل الثقافي كمتعاون صحفي بنسج علاقات عديدة مع تجارب إبداعية من أجيال مختلفة، لأني أنتصر في العمق لسؤال الأدب غير الخاضع لقولبة جيلية أو نقدية مفحمة بنوايا ونزعات ظرفية وآنية. ولكن علي الرغم من ذلك أهتم بالأسماء التي أنتسب إليها عاطفيا، ذاك أني ترعرعت بين أصوات مغربية وعربية انفلتت عن أي يقين أو طاعة؛ وبنت مجدها الأدبي من داخل الكتابة لا غير، أصوات مرت من نفس الصفحات التي كانت تمهد الطريق لبروز هذه الأصوات إلي أن صلب عودها وأصبحت الآن تقوم بأدوار ثقافية علي غاية كبري من الأهمية كالتعريف بالتجارب والكتب في القصة والشعر والرواية.. ومن الملاحظ أن هذه الأصوات (التسعينات من القرن السالف) غدت تقدم خدمات جليلة للثقافة المغربية والعربية أخص بالذكر هنا والقريبين من قلبي الشاعر عبد الرحيم الخصار، الشاعر عبد الحق بن رحمون، الشاعرعبد الحق ميفراني، الشاعرة نجاة الزباير، الشاعر حكيم عنكر، الشاعر إدريس علوش،القاص والروائي مصطفي لغتيري، الشاعر جمال الموساوي، القاص إبراهيم الحجري، الشاعرة مني كريم، الشاعر ماهر شرف الدين، القاص والروائي عبد العزيز الراشدي، القاص محمد اشويكة، القاص والروائي محمد فاهي، القاص عبد الله المتقي، القاص عبد الواحد كفيح، الشاعر صالح لبريني، الشاعر مصطفي فرحات، الشاعر أحمد علوة، القاص أحمد شكر، الروائي عبد الكريم جويطي، القاص أحمد اللويزي، القاص أنيس الرافعي، الناقد محمد رمصيص، الشاعر مصطفي ملح، القاص أبو مروان الكرناوي، القاص والناقد حميد ركاطة، الناقد المحجوب عرفاوي، الباحث إدريس جبري، الشاعر عبد الرزاق الصمدي، القاص محمد معتصم، الشاعر عبد الدين حمروش، القاص هشام حراك وآخرون... طبعا لا ننفي في هذا الصميم الصداقة الصامتة مع كتاب من نفس الحساسية نقرأ لهم. ولعل النص خير وسيط ورابط. هي أسماء عديدة، أعتز بعلاقات صلبة معها والمتأتية أساسا من متابعاتي للإصدارات وإعداد ملفات ثقافية وهي ملفات ليست للارتزاق أو المداهنة والكتابة حول الأسماء المكرسة. نعم البعض من هؤلاء امتصته الصحافة، والآخر صمت وتواري، وثالث ذهب وراء المصلحة الذاتية والشهرة المجانية علي حساب الأدب.علي أي، نعتز بالأقلية الهائلة في تقاسم الأنفاس والرهانات. من هنا أؤكد أن صداقة الأدب هي في العمق صداقة الحياة الأخري والوجود. وقد سمح الملف الأخير حول اختلالات المشهد الثقافي في المغرب الذي أعده لأحد المنابر المغربية بتقوية الصلة مع كتاب مغاربة من خلال حوارات هامشية حول الأدب والثقافة. وهنا لا بد من التنويه بإيجابيات الإنترنيت في التواصل الأدبي والثقافي إذ مكنني اشتغالي الدؤوب في الحقل الثقافي وبالأخص حول الحساسية الأدبية "الجديدة" لأني أكتب حول أسماء ترعرعت معها وأحاول من جانبي المتواضع إنصافها أمام صد الواقع والمؤسسات بما فيها الثقافية. لكني دعني أفصح عن بعض الستائر: فالتواصل في الغالب لا يرقي إلي مستوي طرح القضايا الكبري للأدب ورفع بعض الرهانات. لذا تسقط الكثير من العلاقات بعد العتبات الأولي في التواصل. وفي المقابل، تستمر أخري أدري بالمعترك والمصير. لهذا أتابع بشكل مضاعف ما يصدر عن أصدقائي، فتستمر العلاقات في الكتابة والزمن. لكن يمكن التنصيص هنا أن علاقاتي مع الكتاب المغاربة في شكل متنام بسرعة بخلاف علاقتي مع الكتاب العرب لأني لا أبني علاقات سريعة عبر الإنترنيت، بل تتولد صدقاتي من شروط ومناسبات، ومن مقارعة القضايا.
أفهم العلاقة في الأدب بمعني الأخوة علي أرض سابحة وتخفيف وطء اليتم في الواقع والوجود أيضا. فكثيرة هي العلاقات التي تغني مفهوم الرسائل والحوارات الخلفية التي تخلق حيوية في الأدب والثقافة، طبعا بعيدا عن المقايضة والتكتل والصداقات الزائفة التي لا تخدم الكتابة في شيء. ولكل مساره وأفقه، هنا أرفع يدي التي تكتب تحية لأصدقائي الرائعين، وأهلا للعلاقات القادمة.
الأصدقاء لهم تأثير في حياتي
ايناس عبدالله
(كاتبة وشاعرة من فلسطيين)
طبعا سؤالك بطرح إشكالات كثيرة ولكنها مميزة أيضا، يؤثر الأصدقاء الأدباء في حياتي طبعا ولهم كل الامتنان.
الصداقة لا تعرف جنسية أو هوية
سناء شعلان
(أديبة وأكاديمية من الأردن)
علي الرّغم من إيماني العميق المؤسف بمقولة السابقين:" إنّ المعاصرة حجاب" بمعني أنّ الحياة في فترة واحدة قد تمنع المرء في الغالب من التواصل مع أبناء جيله، كما تمنعه من تقدير منتجهم، وإنزالهم منازلهم التي تليق بهم، لاسيما في إزاء الانسحاب في الغالب إلي أدباء الماضي والسلف المنصرم، إلاّ أنّني أستطيع القول إنّني استطعت التغلّب علي هذا الخطأ المعرفي الجسيم في التواصل، وشرعت أتواصل مع المبدعين من أبناء جيلي في كلّ مكان. ولاشكّ أنّ التواصل الإلكتروني الحديث في ظلّ الشبكة العنكبويتة والتواصل الفوري عبر الرسائل الإلكترونية القصيرة في الأجهزة الخلوية الخاصة قد أتاحت هامشاً عملاقاً وسريعاً ومتواتراً من التواصل بين الأدباء ما كان ليتمّ بهذه الصورة الإيجابية في ظلّ ظروف تواصلية أخري.
ولعلّ إيماني العميق بأنّ الإبداع ليس له وطن، وأنّ الصداقة لا تعرف جنسية أو هوية أو لغة، وأنّ سماء الإنسانية تشمل الجميع قد دفعني للتواصل مع المبدعين في كلّ مكان وفي كلّ الحقول ومن كلّ الجنسيات بل ومن كلّ اللغات ما تيسّر أمر التواصل معهم، فضلاً عن التواصل مع أدباء بلدي، وإن كنتُ أولي اهتماماً خاصاً للمبدعين والمفكرين الذين يكتبون باللغة العربية أكانوا عرباً أم غير عرب.
أقول إنّني فخورة بحق بأصدقائي المبدعين في كلّ مكان في هذه المعمورة، فبهم وعبرهم تعلّمت الكثير من الأشياء الجميلة، كذلك أفخر بتواصلي الدائم معهم، وبتواصلهم الدائم معي، فهذا أمر يعزّ أن يكون في كلّ الأحوال، إلاّ عندما تكون سماء المحبة رحبة، والأنفس جميلة، والنيات طيبة، والمواهب حاضرة.
يضيق المقام عليّ لذكر أصدقائي من جيل الشباب في الوقت الحاضر،لاسيما وأنّهم جميعاً أصحاب منازل عليا في نفسي، ولكنني أذكر منهم علي سبيل الذكر لا الحصر: أحمد الكبيري، أحمد طوسون، خالد السليكي، إدريس علوش، أسامة الزيني، أسامة رقيعة، أسماء الغول، أسماء غريب، أشرف الخريبي، آمال موسي، آمنة الربيع، بشير الملا، بقادي الحاج، بلقاسم مسروق، عبد الحق عبدالحق بن رحمون، عبد الرحيم خصار، غالية خوجة، جيكر رشيد، حسام الدين مصطفي، حسن البطران، عثمان أبا الخيل،حسين أحمد، نهلة الجمزاوي، حكمت النوايسة، كمال الرياحي، غنام محمد خضر، دينا سليم، صلاح مطر، رمزي الغزوي، سردار زنكنة، عباس موسي، عبد الحكيم المالكي، محمد كويندي، عبد الله غزال، مها العتوم، وغيرهم.
ولكلّ صديق حكايتي الخاصة في التواصل معه، وفي التعرّف عليه ابتداءً، ولكنّهم جميعاً يتشاركون - لحسن حظّي- في النّهاية ذاتها، وهي أنّهم باتوا أصدقاء لي أعتزّ بهم، وأفخر بهم، وأحرص علي نماء علاقتي الإنسانية والإبداعية معهم.
فبعض الأصدقاء والصديقات من المبدعين عرفتهم في مؤتمرات أدبية، أو أمسيات أو أدبية في الأردن أو في أيّ مكان في العالم، والبعض الآخر عرفته عبر قراءتي لأعماله ثم مناقشتي له بشأنها، والبعض الآخر عبر الإنترنت، والبعض عبر احتفاليات إبداعية مثل توزيع جوائز أو مسرات أوتظاهرات أو حملات إبداعية أوعبر أصدقاء مشتركين أو عبر التعاون في منجزات مشتركة أوعبر نشاطات وفعاليات في صحف أو مجلات أو قنوات ثقافية أو حلقات أكاديمية أو تغطيات إعلامية مشتركة.
وقد كنتُ حريصة في كلّ لحظة تعرّف علي مبدع جديد أن أطلع علي إبداعه؛ كي أكوّن فكرة حقيقية نابعة من منتجه عن مشروعه الإبداعي، وعن تحليقاته وإسهاماته، كما كنتُ حريصة في الوقت نفسه علي أن أطلعه علي أدبي، وعلي أن أمدّه بكل جديد من إصداراتي؛ لإيماني الراسخ بأهمية هذه العملية التبادلية التشاركية في إثراء تجربتي وتجاربهم الإبداعية، ومدّ الحراك الثقافي والإبداعي بكلّ جديد ومثمر وناضج. فضلاً عن التشاور وتبادل الخبرات والآراء في أفق الإصدارات الجديدة، والتجارب الحداثية الوليدة. بطبعي نائية عن الأوساط الأدبية
لينا هويان الحسن
(روائية من سوريا)
بصراحة أثبتت لي التجارب أن المعرفة " البعيدة" إن صح التعبير، مثمرة أكثر، ربما لأني بطبعي "نائية" عن الأوساط الأدبية، وهذه ميزة أصبحت لصيقة بي في الوسط الأدبي السوري- يمكن القول أن الصيغ الصحيحة ليست متوفرة بعد للتعارف، أكيد نسجت بعض العلاقات الجميلة مع بعض الكاتبات والكتاب وفي أحيان أكون معجبة بالكاتب أو الكاتبة عن بعد، وبعد التعرف أنفر وأتمني لو ظل بحكم التخيل الأولي الذي توحيه لي كتاباته: من خلال بعض علاقاتي بالكاتبات الشابات، كذلك الكتاب، أو ما يمكن اعتبارهم من جيلي، تأكدت أن الكاتبات قادرات علي الإفصاح عن أنفسهن بشكل أوضح وأجمل من الكتاب- ويظل كلامي هذا رأي شخصي.
أنا لست مرغوبة بالوسط
الثقافي ببلدي
وفاء البوعيسي
(روائية من ليبيا مقيمة بهولندا)
أولاً دعني أشكرك لدعوتك لي للمشاركة في هذا الاستطلاع المهم، حقيقة مجرد توجيه الدعوة لي للمشاركة في الاستطلاع، يعتبر اعترافاً منك بكتاباتي وبكوني أديبة وإن كنت طبعاً لا أعتبر نفسي كذلك علي الإطلاق، ولكني أشكر حسن ظنك بي.
طيب، إجابة عن سؤالك أنا يؤسفني جداً أنه لا إجابة لي أبداً، فأنا لست مرغوبة بالوسط الثقافي ببلدي الأصلي ليبيا بسبب كتاباتي التي تثير البعض. كما إني لست بالشهرة التي تتصور أبداً حتي أتواصل مع كاتباتنا العربيات فأنا غير معروفة لهم.
صناعة الصديق الإفتراضي "الأفاتار"
عبده حقي
(قاص وروائي من المغرب)
ربما هو سؤال فرضته طبيعة المرحلة التاريخية التي تعيشها الإنسانية ومنها العالم العربي.. هوسؤال أفرزه مجتمع الشبكات الإجتماعية الكونية الجديدة التي مددت من خيوط نسيج علائقنا الإنسانية في الداخل والخارج... وأعتقد أن متعة هذا الحظ التي نتلذذ بها اليوم في فسحة عالم الإتصال قد لن يكررها التاريخ مستقبلا وأعتقد أخيرا أن تكنولوجيا المعلوميات والإتصال ودقة الرقمية ماضية بالإنسان إلي صناعة الصديق الإفتراضي (الأفاتار) الذي يمكن أن تستدعيه بنقرة علي زر لوحة المفاتيح وتجالسه كما لو أنه إنسان حقيقي يؤنسك ويقتسم معك لذة النص.
مما لاشك فيه أن العلاقات بين المثقفين والأدباء في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي كانت محدودة جدا وهي قد تنتظم من خلال وسيط البريد العادي والبريد المضمون وانتظار ساعي البريد بالباب لتستلم منه كتابا أو مجلة أو مخطوطا من صديق في أقصي شرق الخارطة العربية وقد يضيع الطرد وتضيع معه كل العلاقات الثقافية والإبداعية وبالتالي تنهار لبنة أخري من لبنات المشروع الثقافي العربي.
أما اليوم فبفضل نعمة الإنترنت يمكنك تحميل إنتاجات صديقك وتحميل أغراضك المعرفية والأدبية في وقت وجيز لايتعدي بضع دقائق ويمكنك أن تتحدث إلي صديقك الشاعر أو القاص أو الناقد أو حتي الناشر عبر غرف الشات ويمكنك إرسال إنتاجاتك الأدبية والفكرية إلي جهات مختلفة عشرات المرات في اليوم من دون رقابة أو جمارك حدود أو لجن قراءة تابعة للرقيب العربي ويمكنك أن تبحث عن أصدقاء وصديقات ومجموعات ومنتديات عبر "الفيس بوك" والتويتر..إلخ
لقد مكنني النت عبر جسر الكتابة والإبداع الأدبي من التعرف علي العشرات من الأصدقاء الذين صاروا فيما بعد إخوة لي هم أدباء ومبدعون مغاربة وعرب في العديد من المدن العربية والعالمية في الرياض والدمام وعمان وحلب في أندونيسيا وكيبيك وباريس ونيويورك وأتشرف بأن أذكر أسماء وأعتذر إن نسيت أخري، أذكرصديقي القاص الأردني المقيم بالسعودية ناصر فالح الريماوي والذي شرفني ووسم مجموعته القصصية (جاليريا) وكان هذا العنوان من اقتراحي ويشرفني أن أذكر أخي الأديب الناقد عثمان جمعان الغامدي مدير تحرير مجلة الإعلام والإتصال التابعة لوزارة الإعلام والإتصال في المملكة العربية السعودية والذي حول مجري اهتمامي لعدة شهور من الأدب إلي البحث في قضايا الإعلام والإتصال وتكنولوجيا المعلوميات ويشرفني أن أذكر أيضا اسم الأديبة السورية غالية خوجة والتي كانت وستبقي كتاباتها شرفتي المشرعة علي عتاقة وعراقة الشام ومحمد سناجلة الرئيس السابق لاتحاد كتاب الإنترنت العرب الذي حفزني من جانبه علي البحث في أسرار الأدب الرقمي والمضي قدما في مشروع مجلة كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية... أما في البلد فاللائحة طويلة وفي جميع ربوع المملكة من خليج مدينة طنجة شمالا إلي خليج مدينة الداخلة جنوب الصحراء المغربية
لا يعرفنا الآخر كثيرا لكننا نعرفه
عاشور الطويبي
(شاعر وطبيب من ليبيا)
إن من سمات الألفية الثالثة الطفرة المعلوماتية التي نتجت بسبب التقدم الهائل في وسائل الاتصالات، مما أدي إلي نتائج إجابية وأخري سلبية. أهم هذه السلبيات في نظري عدم توفر الوقت الكافي للتأسيس والنضج الفكريين وهذا انعكس في تقديري سلبا علي المنتج الإبداعي قيمة ونوعا. من المؤكد أن كل مبدع يتعامل مع الإبداع بجدية يهمه بقدر التعرف علي المبدعين من مجايليه وآخرين سبقوه وآخرين جاءوا بعده. لا يهم التواصل علي المستوي الشخصي بل التواصل من خلال النصوص وما يتنتج من ابداع. وحيث أن الحقيقة البسيطة تقول: لا أحد يقف علي فراغ أي الهرم أو البناء، مكوناته تقف فوق بعضها. ولأسباب موضوعية كثيرة فإننا هنا في ليبيا قد لا يعرفنا الآخر كثيرا لكننا نعرفه. الاشتغال علي النص والانشغال به أكثر جدوي من الاشتغال بالآخرين.
خطوة إلي الوراء لأبقي علاقاتي القديمة
سعيد ياسف
(شاعر من المغرب مقيم في مونتريال كندا)
لقد تبدلت معالم الحياة وأصبحت تسير بوثيرة أكثر سرعة من ذي قبل وتغيرت معها العلاقات بين الناس، وما جاءت به تقنيات المعلوميات - منتديات الأنترنيت ونوافذ الشات والرسائل الفورية والإمايلات و.........- أثر علي كافة الناس إذ أن الغالبية أصبح لعلاقاتها امتدادات خارج الحدود الجغرافية وللأدباء نصيب كبير من هذا التأثر، فوجود المنتديات أعطي فرصة اللقاء والحوار والتداول بين العديد من الرواد من كل بقاع العالم حول هَمٍّ مشترك يجمعهم مما يساهم في تطوير شبكة العلاقات بين الأفراد والجماعات.
لطالما ناقشنا هذا الموضوع علي هامش اللقاءات الأدبية التي كان ينظمها الأصدقاء بالمغرب، و كنت دائماً أقول أن العلاقات بين الأدباء هي شكل من أشكال التواصل الراقي في حدود ألا تتجاوز ما هو إنساني و معرفي، من هذا المنطلق فقد نسجت علاقات كثيرة مع العديد من الشعراء من مختلف الدول، في البدايات لما خطت يدي القصائد الأولي كنت أتراسل عبر البريد مع بعض الأسماء الوازنة (محمد بنيس، عبد القادر الجنابي، سيف الرحبي، خالد المعالي وغيرهم) رغبة مني في تقييم ما أكتب، بعد ذلك فُتِح باب التواصل عبر الجرائد والمجلات المطبوعة في العالم العربي مما أعطاني فرصا عديدة للتعرف علي شعراء من طينة (حسب الشيخ جعفر، سعدي يوسف، محمود درويش، سميح القاسم و غيرهم)، و بحلول سنة 1995 بدأت التواصل مع الأدباء والشعراء عبر الإنترنيت فكانت الدهشة كبري واحتمال لقاء أي شاعر من العالم وارد جدا، و هكذا بدأت أكتشف المساحات المجهولة في الكائن الشعري، و كلما زارني أحد الأصدقاء، وأغلبهم كتاب، كنت أحرضه علي التعامل عبر الإنترنيت لأنه وسيلة العصر للتواصل مع الآخر، و في هذا العالم المستحيل تعددت الممكنات، عبره نشرت الشعر و قرأته، إلا أن التزاحم حول المنتديات و انفتاح هذه الأخيرة علي الجيد والرديء جعلني أرجع خطوة إلي الوراء أٌبقي فقط علي علاقاتي القديمة (أبوبكر متاقي، حسن رياض، جمال الموساوي، محسن الرملي، سعد الياسري و..........).
العراقيون هم صفوة أدبائنا إبداعاً
نجمة خليل حبيب
(كاتبة فلسطينية مقيمة في استراليا)
في معني الأديب/ة أنه الشخص المسكون بهاجس المعرفة والساعي إلي قيم الحق والخير والجمال. والمبدع/ة هو من استطاع بالحدس أن يسبر المعني الكلي للوجود. وكلا المفهومين يحيلان إلي الانتماء للإنسانية بالمطلق بغض النظر عن اللون والجنس والدين والمكان. والأدباء العرب كانوا ولا يزالون منفتحين علي كل ثقافات العالم. وقل أن نجد أديباً عربياً يقتصر مخزونه علي ثقافة واحدة. فالأدباء علي اختلاف عقائدهم نهلوا من الأدب اليوناني القديم كما الأميركي والروسي والأوروبي وأخيراً الشرق أسيوي. وبعد أن يؤسس الأديب/ة بيته الكبير يبدأ بترتيب دواخله حسب ميوله الفكرية والأدبية والسياسية بغض النظر عن الوجهة المكانية. وأدباؤنا العرب لم ينضووا يوما تحت ما هو مكتوب في جواز السفر. لم يكن الواحد /الوحدة منا يفكر إن كان هذا الشاعر عراقياً أو أردنياً أو مصرياً أو لبنانياً. أنا لا يهمني إن كان غالب طعمة فرمان مصرياً أو إماراتياً ولم أعرف أن بتول الخضيري عراقية إلا متأخراً. من قال لكم أنني لو خيرت بين ديوان نازك الملائكة وديوان فدوي طوقان أنني سأختار فدوي لأنها فلسطينية؟ وهل استغنينا يوماً نحن الفلسطينيين بـ: محمود درويش عن بدر شاكر السياب. أتظنون أننا فضلنا يوماً ابراهيم طوقان علي البياتي أو الجواهري أوخليل مطران؟. بئست هذه الإقليمية البغيضة كيف تسللت، بلا حياء، إلي ثقافتنا، كحمي المتنبي!.
كانت الثقافة ويجب أن تبقي الملاذ الذي نحتمي به من تشرذمنا. كنا ويجب أن نبقي نصطف خلف العمل المبدع لأي قطر أنتمي. كتبت أحلام مستغامني ذاكرة الجسد في الجزائر واحتفت بها كل الأقطار العربية. قرأنا الخبز الحافي وتداولناها سراً بعيداً عن أعين الرقيب الجاهل وما همنا معرفة هوية صاحبها. كتب حيدر حيدر السوري وليمة لأعشاب البحر بإحساس جزائري وعراقي رائعين. وكتب إلياس خوري اللبناني عن فلسطين بإحساس وشجاعة لم يأتها الفلسطينيون. والسبحة تكر.
أنا أري أن كل تجمهر تحت راية إقليمية هو جريمة معرفية وأخلاقية ووطنية.
أنا الفلسطينية التي تعيش في استراليا، وجعي بالعراق لا يقل عن وجعي بفلسطين. يؤلمني ما جري للشعب العراقي أكراداً وعرب علي يد صدام حسين كمثل ما يؤلمني ما جري علي الشعب الفسطيني علي يدي أرييل شارون. مجزرة صبرا وشاتيلا هي عندي كمجزرة الدجيل وحلبجة.
أقلمة المنطقة هي لعبة الشرق الأوسط الجديد. المقصود بها تجذير "إسرائيل" وتطبيع وجودها الشاذ في عالمنا العربي. هي تذويب لنا في عولمة جشعة تبتلعنا. دكتاتوريات حكامنا مسؤولة عن شيوع الشرذمة والتزمت والتقوقع الإقليمي. وحيث أن الأدباء هم عقل الأمة وضميرها عليهم ألا ينجرفوا مع هذا التيار الإنعزالي الهدام. لقد رأيت مشروع الأقلمة البشع يتأسس في الإعلام العربي من محيطه إلي خليجه ونموذجه الأمثل برنامج ستار أكاديمي. ثم كانت الرياضة فقامت عداوة بين شعبين تآخيا يوماً بالدم. ولئن كان عقل المغني في طبله وعقل لاعب الكرة في قدمه، فعلي من كانت عقولهم في رؤوسهم ألا ينجرفوا إلي هذا الدرك السفلي.
أعتقد أن سؤالك ناتج عن وجع سببه استثناء الأدباء العراقيين من اتحاد الكتاب العرب. لا أعرف الكثير عن هذا الاتحاد ولكن هنالك إشاعات تقول أنه علي قياس سياسينا. وإن صحت الإشاعة زال العجب. العراق جريح ومن حقه علينا لملمة جرحه لا إعمال السكين فيه. وإن كان بين الأدباء العراقيين من نتحفظ عليهم لمواقفهم العدائية من المشروع العربي المقاوم لـ: "إسرائيل"، فإنه من غير العدل أن نأخذ الكل بجريرة القلة. الأدباء العراقيون هم صفوة أدبائنا إبداعاً ووطنية والتزامناً بقضايانا القومية.
نحن في استراليا أنشانا قبل سنوات فصلية أدبية راقية باللغتين العربية والإنكليزية كان رئيس تحريرها عراقيا ومديرة تحريرها فلسطينية ورئيس قسمها الانكليزي سورياً. وعندما افترقنا لم يكن بسبب ما هو مكتوب في جواز سفر كل منا. كان بسبب خروج بعض منا عن المبادئ التي كانت تجمعنا. في استراليا رابطة اسمها رابطة إحياء التراث العربي منشئوها لبنانيون. ولكنها توزع جوائزها علي كل مبدع ومبدعة من مصريين ولبنانيين وفلسطينيين وعراقيين وسودانيين وغيرهم، وتمنعها عن بعض اللبنانيين.
لكل أديب/ أديبة عائلتة كبيرة ينتمي فيها إلي من يشبهونه/ا من أدباء ومفكري العالم. وله (لها) أسرة عربية يشترك فيها مع الأدباء العرب الذين يحملون نفس همومه ومعاناته ووجعه. وقد يضطر واحدنا / واحدتنا إلي بتر أحدهم لأنه غير مبادئه لا لأنه/ا غيروا جنسياتهم. أنا علي تواصل روحي مع كل أديب/ة يعلي قيم الحق والجمال والحرية ويتحسس (تتحسس) هم هذه الأمة ويغار (تغار) علي مصالحها.
احترابات مقيتة بين كتاب جيلي
اسماعيل غزالي
(قاص من المغرب)
من نافل البداهةِ القولُ بمعرفةِ الوجوه الأدبية المحسوبة علي نهر الجيل (مع أن الجيل دائما يافطة ليست بريئة) وسيما كما يفصح سؤالك (الحساسية الأدبية الجديدة). بالتأكيد هناك أواصر علاقة متواشجة مع بعض الأسماء الفذة الأقرب إلي أفقي الإبداعي ولا تقتصر أبدا علي الأقرب إلي سني، بل وتشمل كل مدونة الأجيال. هي علاقةٌ محبوكٌ نسيجُها علي هامش النصوص المشاغبة والمتميزة، يقف وراءها هاجس جمالي وإنساني في آن. لنقل أيضا بأن هناك تواطؤا أدبيا علي كتابة نصوص أكثر قوة وجنونا، وهذا ما يذكيه هذا التماس المضيء بين أرخبيلات هذه التجارب للعلاقة المذكورة.
لايمكنني أن أذكر الأسماء لأن قائمتها وفيرة وليست غفيرة طبعا، لا أحبذ لبالي أن يرتكب سهو ونسيان إحداها.
قليلة هي الأسماء التي أتواصل معها بشكل دائم، عبر الهاتف أو الامايل.
من المؤلم الاعتراف لك بوجود اختلالات فظيعة فيما يخص العلاقات الأدبية المحصورة علي الداخل، لأن هناك احترابات مقيتة بين كتاب جيلي، بليدة ومجانية، يحترف بعضها دور قطع الطريق إسوة بآلة المخزن الرخيصة ويقدم فيها البعض نفسه كعراب للمشهد الثقافي ومن ثمة الإساءة إلي بعض التجارب وإقصائها من منطلق الحسابات الشخصية الضيقة والصبيانية أحيانا. للأسف لا يوجد خطاب محبة بين أصدقاء جيلي من الكتاب مع وجود استثناءات. لذلك كان لابد من تنفس هواء جديد خارج هذا الفاسد الزنخ، وذلك بالتواصل مع تجارب عربية طليعية وجيدة، تحترم قيمة النص، وتميز صاحبه، وبذلك تتحقق إمكانية حوار مفتوح وجاد، بين هذه التجارب التي يمكن أن تتبادل وميض الدهشة، وتتناقل برق الاستفزاز، كما يتيح ذلك التناغم فيما بين عناصرها ومنجزها ومناحيها ومنازعها لتشكل فسيفساء اللحظة التاريخية التي ننتمي إليها جماليا.
غير مفهوم لي البتة ولا أكاد أتصور أصلا وجود مبدع محسوب علي النصف من أواخر القرن النافق والألفية الثالثة، هذه الطاعنة في التحولات التقنية الرهيبة، ويكتفي فقط بالتواصل مع أدباء الداخل لاغير، هذه صفاقة عته ما بعده عته وصلافة بلاهة لاتليها بلاهة أخري. إن كان التواصل في عمقه الانطولوجي غير ممكن إلا مع انشطارات ذاتي، فهناك بالطبع تواصل مفتوح مع أدباء الكرة الأرضية غير مقتصر علي السرداق المغربي.