http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  'الخلافات السياسية بين الصحابة'
 
 
 




د. المهدي الوزاني*
كتاب "الخلافات السياسية بين الصحابة" للكاتب اللاّمع محمد بن المختار الشنقيطي هو إسهام قيّم في إثراء المكتبة العربية في مجال ما اصبح يُعرف بالفقه السياسي. هذا العمل يُؤسس لمشروع نظرية الحكم في الإسلام الذي يَعِدُ الكاتب بأن يكون موضوع كتاب آخر يعكف على كتابته. كثير قبله تطرّقوا الى موضوع نظرية الحكم في الاسلام ولكن مشاريعهم كانت تصطدم بجهلهم –او تجاهلهم – لممارسات الصحابة في هذا المجال فكانوا يؤسسون على بعض الآيات التي ليس فيها أحكام –بل مجرد وصف لواقع الحال- كالآية 38 من سورة الشورى: "والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم" وهو وصف لحال الأنصار الذين استجابوا لدعوه الله عندما بايعوا رسوله. وكان حال الانصار انهم لايقطعون أمرا الا بعد مشورة في عهد الجاهلية ومن بعده. وكان اصحاب هذه المشاريع يستقرأون مثل هذه الايات وتولية الرسول لبعض الولاة فتخرج مشاريعهم عرجاء يغلب عليها الاجتهاد الشخصي اكتر من محاكاتها لسنة الرسول(ص). الدكتورالشنقيطي أدرك ان مَكْمَنَ معرفة نظرية الحكم في الاسلام هي في الممارسات والصراعات التي تلت وفاة الرسول (ص)، فلم يكثرت بمن ينصح بعدم الخوض في تلك الأحداث وطيّ صفحاتها الى الأبد دون الإعتبار منها. كذلك لم ينحو منحى من أراد ان يوفق بين الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول باختراع تبريرات وشبهات واهية لاتقنع إلاّ من عمى التعصب بصيرته. فبجرأة لاتجدها إلا عند العلمانيين –وهو ليس منهم- او الشيعة –وهو كذلك ليس منهم- دافع عن المبادئ الاسلامية وجعلها – وهو محق في ذلك- أسمى من الرموز. أحب سقراط ولكن احب الحقيقة أكثر. فعندما يتعارض تصرف صحابي ما مع المبدأ كان يسمي الاسماء باسماءها جُلّ الوقت، ولا يتوانى عن توبيخ ذلك الصحابي إن كان دون الشيخين. وقد وُفّق كثيرا في انصاف من لم ينصفوا.
تطرق الكاتب للفترة الممتدة من يوم السقيفة، حين كان الرسول (ص) على حجرة المغتسل واجتمع قسم من الصحابة وبايعوا ابو بكر بطريقة ارتجالية وبغياب كبار الصحابة: كأبو ذر وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأهل البيت كعلي بن ابي طالب والعباس، من ذلك اليوم الى يوم احراق الكعبة بمجانيق جيش يزيد ابن معاوي
يعلل الكاتب لفتح الباب لدراسة تلك الفترة التي كانت مغيّبة من ذاكرة الأمة إلى ما يلي
1. لا يمكن لأمة أن تتقدم الى الأمام ان لم تكن واعية بتارخها، اي ذاكرتها الجماعية.
2. ان الاستفادة من الخطأ لا يقل نفعا من الاستفاذة من الصواب، بل قد يفوقه احيانا.
3. ان التبرير لأخطاء الماضي يأتي غالبا على حساب مبادئ الاسلام نفسه. بل قد نُشرعن لأخطاء الماضي فتصبح سنّة تتبع. يقول الكاتب: "ما نحتاجه اليوم هو الدفاع عن المبادئ اكثر، إذا أريد لهذه الأمة أن تستعيد شيئا من كرامتها، وتعيش طبقا لرسالتها الخالدة".
4. ومبدأ القول بعلم وعدل يحتم ان ننقح ما نكتبه ونتداوله حول هذه الحقبة، فلا نساوي بين الظالم والمظلوم أو ننكر وقوع تلك الأحداث وهو منطق الجهلة.
5. عدم التساهل مع الأحاديث التي تُأَيّد رأينا وإن كانت ضعيفة، ومهاجمة الأحاديث المتواترة لمجرد أنها لا تدعم وجهة نظرنا.
وقد وضع الكاتب منهجا علميا صارما وحديثا –ولا ندري لماذا نسب الكاتب هذا المنهج لأبن تيمية وهو أبعد الناس عنه كما سنوضّح.
باستتناء ثلاث قواعد مقيّدة للباحث دون سبب علمي، فان الإثنا وعشرون قاعدة التي تضمّنها البحث هي أحدث ما توصلت اليه الأبحاث الأكادمية في عصرنا هذا. ونحن نأيّده على هذه القواعد. وقد ساعدت هذه القواعد الكاتب على الوصول الى نتائج تتّسم بالدّقة والإنصاف. ولو ان الكاتب التزمها في كل الأوقات لوُفّق اكثر من ذلك. ولكنه احيانا عندما يتعلق الأمر بصحابي كبير نراه يرتبك ويصبح همّه الأكبر محاولة عدم المساس به، فينسى منهجه وينقلب لمنهج التبرير والتكلّف الذي هو نفسه نبّه من خطورته وفساده.
عموما هذا الكتاب رائد في مجال دراسة الخلافات السياسية بين الصحابة، وان لم يحارب من دعاة الجماد والتسولف، قد يأسس لكتابات أكثر جرأة وجودة علمية. ومن شأن هذا الكتاب ان يُقرّب وجهات النظر بين السنّة والشيعة اذ لم يعد الخلاف حول ما وقع في السقيفة، وحرب الجمل وصفين وكربلاء والحرّة، بل أصبح الخلاف في التعامل مع هذه الاحداث؛ فانحاز الشيعة الى المظلوم وضد الظالم ايا كان وان كان صحابيا، ووقف اهل السنة مع كل الصحابة كلهم وتجاوزوا على اخطائهم لفضل بعضهم على الاسلام فبل السقيفة.
طبعا النقذ لا يكون ذا فائدة كبيرة ان كان كلّه إطراء. بل ان نجاعته تكمن في تلاقح الأفكار عن طريق المكادحة والمطارحة. ان أكثر الأفكار تولد على حدود الإختلاف. وهذا الكتاب كغيره من الكتب يحتوي على بعض الثغور. واليك بعضها:
· ان التحدث على لسان ابن تيمية لتقييم تلك الفرة التاريخية لهو من أغرب ما جاء في الكتاب. وخصوصا عندما يجد القارئ نفسه أمام اختلاف واضح بين رأي الكاتب ورأي بن تيمية، ثم يقدمه الكاتب على انه توافق. وسوف نورد بعض الأمثلة على ذلك. عندما نقرأ كلمات الكاتب نجدها دقيقة وملتزمة الى حد كبير بالمنهج الذي وضعه، وعندما نقرأ لإبن تيمية نجده يبرر ويتكلف في ذلك. ولعمري كم تخبط في أمر اللّعن، فيقول ان الله لعن، والرسول لعن، ثم يرجع فيقول ان الأفضل ان نتنزه عن اللعن لأنه دوني ولا يليق بالمؤمن. وينسى ان الله ورسوله فعلا ذلك؟ والكاتب يوافقه الرأي. ثم يستدرك ابن تيمية ويقول ان اللّعن بالتعيين –اي ذكر الاسم- هو ما يجب التنزه عنه. ثم يذكر ان الرسول لعن الحكم والد مروان. والكاتب يورد فتوى لأحمد بن حنبل يجوز فيها لعن يزيد بن معاوية.
ان الكاتب بنسج كلامه مع كلام ابن تيمية، قد يكون اعطى لكتابه بعض المصداقية عند السلفيين، إلا انه خلط عذب بآسن. ان كلام الكاتب جاء في عصر الحرية والانفتاح على الآخر، وعصر توفر المصادر؛ كل المصادر، لذلك جاء نقيّا ليس فيه كثير تكلف، بينما كلام ابن تيمية جاء في عصور الظلام وانحطاط الأمة وكترة التشنّجات فيها، لذلك جاء آسن فيه كثير من التكلّف وحميّة الغلبة للمذهب، إلا في بعض المواضع التي كان فيها ابن تيمية أكثر جرأة من غيره وخصوصا على علي وعثمان دون ابو بكر وعمر وعائشة ومعاوية.
وهنا نسأل لمذا مزج الكاتب بضاعته ومنهاجه –الذي هو منهاج اكادمي عصري- مع بضاعة خائبة؟ اما كان كافيا للكاتب ان يعتمد على قراءته للتاريخ دون ان يلجأ لمن يهضم له التاريخ؟ كنت اود ان أقرأ لقلم الكاتب عوض قراءة آراء ابن تيمية المنشورة منذ عصور والمشهورة بين اهل الاختصاص.
· ان القارء للكتاب يجد ان الكتاب يعطي اهميّة لآراء بعض العلماء المتقدّمين وليس بعرض الأمور على العقل والتحليل. وفاته ما قاله امير المؤمنين علي بن ابي طالب: "الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله". اظف الى ذلك ان الفكر البشري ليس كالخمر كلما كان اعتق كلما كان اجود، بل بالعكس تماما، إذ انه يتكامل مع مرور الزمن، بشرط ان يكون التمحيص جار على قدم وساق. ويستتنى من ذلك الوحي الذي هو الهي وسنة النبي التي هي كذلك علم من لذن حكيم عليم. فسلطان كلام فلان من العلماء لا داعي له. اي كان العالم، اذا تكلم نجعل كلامه في دائرة الامكان حتى يأتينا صاطع البرهان. نحن ابناء الدليل اينما سار نسير.
· اما في ما يخص الثلاث القواعد، فأبدأ بقاعدة: "استصحاب فضل الاصحاب" فإنها قاعدة لا قيمة لها، فهي إما أن تكون مقيّدة للبحث، بفعلها النفسي على الباحث المؤمن حيث قد تُرهبه وتُثنيه عن تتبّع الظّلمة من الصحابة، أو أنها مشمولة بغيرها إن كان القصد الإفتراء على الصحابة. وعلى كل حال فالإفتراء عليهم أو على غيرهم تتوّكل به قاعدتا "التتبث فى الرواية" و"العلم والعدل". وهنا ملاحظة، ان استعمال كلمة الاستصحاب الذي هو مصطلح فقهي له دلالته الخاصة غير مُوفق. فقد يكون عمرو من الناس صالحا في ماضيه وهذا لا يستصحب أن يكون صالح العاقبة كما صرحت الآيات بذلك.
قاعدة "الاعتراف بحدود الكمال البشري" وهي كذلك عديمة الفائدة وقد تخلّ بقاعدة "العلم والعدل". فمحلّ الخلاف ليس في عصمة الصحابة او عدمها، بل في صحابة عصوا الله وماتوا مُصرّين على ذلك أو ندموا على فراش الموت، وصحابة جاهدوا وصبروا لحفظ بيضة الاسلام. وكأن هذه القاعدة أريد بها تهيئ القارئ نفسيا لما يلي من الفضائع ليس إلا. اما قاعدة: "اجماع الأمانة والقوة في الناس قليل" فهي اغرب قاعدة جاءت في الكتاب. اولا من الناحية التقنية هي تعبير عن واقع حال. ثانيا، ولْيَكُنْ. ونحن نعرف ذلك، ولكن على من لاتتوفر فيه الشروط أن يُقيل نفسه قبل أن يضيّع اموال المسلمون. والمال العام حسابه عسير. فلو كان فلان تقيّاً لنزل عنها لغيره عندما لم يجد نفسه أهلا لها. وخصوصا انّه كان موجود بينهم قالع باب خيبر(القوة) وباب مدينة علم الرسول(العلم) ومن قال فيه رسول الله(ص): "أقضاكم علي" (العدل) . ثالثا حتى ان كانت نسبة الذهب للتراب قليلة فهذا لايعطيك الحق أن تبيعنا التراب على انه ذهب. يطلق على ذلك الغش في الاسلام. تريد لهؤلاء الصحابة أن يصلوا الى اعلى الدرجات في قلوبنا مع انهم سقطوا عند البلاء؟
· فرضية خاطئة انطلق منها ابن تيمية وتبعه الكاتب. هذه الفرضية قيّدت البحث بحيث أنّه مهما اكْتُشِفَتْ من فضائع فمكانة الصحابة، كل الصحابة، محفوظة وفي أعلى الدرجات. الفرضية هي ان من هاجر أو آوى وجاهد في سبيل الله لايمكنه فعل شيء يسقطه الى أسفل الدرجات. وهذا خلاف لأوليات الإسلام. أولا من الناحية النظرية رب العالمين يخبرنا ان بقاء مكانة النبي نفسه، إنما هي مرهونة بعمله. عندما يرتفع العمل ترتفع الدرجة، وعندما يتسافل العمل تتسافل الدرجة. معادلة محكمة. واليك الأدلة: " ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" الزمر-65. " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ" الحاقة-44-46. ثانيا من الناحية العملية القرآن يورد لنا قصة إبليس أو طاووس الملائكة كما كان يوصف قبل العصيان، الذي عبد الله ستة آلاف سنة. وبزلة واحدة نزل الى درجة الشيطان الرجيم. ليس لله قرابة مع أحد. وان قلت ذلك عالم الملائكة والجن وأحكامه مختلفة، شهرنا أمامك انقلاب السامري. الذي وصل من الدرجة انه كان يرى جبريل عندما يزور موسى، ولا أحد من الصحابة ادّعى ذلك. ومع كل هذه المنزلة التي لم يصل أحد من الصحابة اليها، عندما عصى السامري ربّه طرده من رحمته ومات والله غاضب عليه. " قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي" طه-96. الرسول هنا جبرائيل الذي أخذ السامري حفنة من الرمل من آثاره، فاحتفظ بها حتى سوّلت له نفسه أن يستعملها في صنع العجل. ثالثا القرآن حذّر الصحابة من الانقلاب: " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم" آل عمران-144. رابعا رسول الله، كما ذكر الكاتب نفسه، حذّر أصحابه من الارتداد: "لا ترجعوا كفارا بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض" ص-168. خامسا بعضهم قتل بعض، ظلما وعدوانا. كابن الغادية الذي قتل عمّار وجاء الى معاوية يفتخر وينتظر الجائزة وكلّهم صحابة: القاتل والمقتول والمدبّر. وقتل معاوية لحجر بن عدي لما رفض التبرئ من علي ابن ابي طالب. وكلهم صحابة: القاتل والمقتول والمقتول من اجله. سادسا ليس دور الكاتب المحافظة على مكانة فلان أو فلان، انّما همّه تقصّي الحقيقة، فإن كان فلان من الناس عظيما فالحقيقة من شأنها أن تجعله أكثر إشعاع من ذي قبل. لامجال للضبابية في هذا العصر، وخصوصا لمن يرمي للتأسيس لمشروع نهضوي.
· لقد أورد الكاتب مصطلح "التعبد بالصحابة". ولم أجد له ذكر له لا في القرآن ولا في السنّة، اللّهم إلاّ بعض الأحاديث الضعيفة. ونسأل: بماذا يكون هذا التعبّد؟ ومتى أضيفت الصلاة عليهم، أفي عهد رسول الله أم بعده؟ الرسول ومن قبله القرآن أمر بالصلاة على أهل البيت فهل أمر صراحة بالصلاة على الصحابة؟
· المفارقة التي وقع فيها الكاتب ومعه بن تيمية، بل ومعظم المتأخرين، هي اعتبار الصحابة كلحمة واحدة لا تقبل القسمة. من الصبيانيّة اعتبار آلاف من البشر- لمجرد أنهم صحبوا رسول الله(ص)- أناس ذو خصائص متشابهة؟ ولعلّ هذا حدث بعد ما استتبّ الأمر الى معاوية. بحيث خلق هذه الحصانة الصحبوية لكي يتحصّن فيها ممّن يعكر عليه ملكه. والا فالصحابة على درجات فيهم الطالح وفيهم الصالح فيهم القاتل والزاني وشارب الخمر الخ. والقرآن يخبرنا بذلك: " يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا" الأحزاب-13. "لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين" التوبة-47. هنا رب العزة يخبرنا أن من بين الصحابة من ينساق وراء قول المنافقين. ومن الصحابة من هو ظالم. كبار الصحابة ولّوا الأدبار يوم أحد. والله يقول: "ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير" الأنفال-16. والأمثلة كثيرة. الصحابة قتل بعضهم بعضا فلا يمكن أن يكونوا لحمة واحدة. الصحابة تلاعنوا وتسابوا الخ. فليس من العلم أو العدل التحدث عنهم كأنهم لحمة واحدة ليغطي الصالح منهم عن فضائع الظالم منهم.
· اما التقليل من أخطاء الصحابة، فهو أخطر ما في الكتاب. أولا ليست من النزاهة العلمية ان يذكر الشخص حديث "لا ترجعوا كفارا بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض" ص-168. ويذكر أن بن الغادية قتل عمار بن ياسر ووقف أمام باب معاوية، ثم يقول أن أفعالهم لا تخرجهم من الدين وان الله غفر لهم. الرسول يصف القاتل بالكافر والكاتب يهوّن من أخطائه. وأين الدفاع عن المبدأ؟ وهل هناك أعظم من قتل المؤمن ظلما وجورا؟ والله يقول: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما" النساء-93. الله يخبرنا أن القاتل منهم في النّار -لأن باب التوبة يتطلب عفو المقتول وهو محال- ويلعنهم ونحن نقول أن الله يتوب عليهم ونتنزه عن لعنهم. ومن أجل ماذا؟ أن نغطي على خطيئات المجرمين منهم. هذا في حد ذاته إساءة الى الصالحين منهم أن يقرنوا بتلك الأناس كابن الغادية ومعاوية وعمروا بن العاص. وإساءة لمبادئ الإسلام وباب يدخل منه الأعداء للتشهير بدين يقدس القتلة والسفاكين.
· اما نبز الشيعة فكان على الكاتب أن يتنزه عنه لعدة أسباب. وهومن تنزه عن اللعن وهو مباح. أما النبز فمنهي عنه في القرآن:" ولا تنابزوا بالالقاب" الحجرات-11. اولا لانه لم تكن هناك ملازمة وهو أسلوب غير علمي هدفه التشهير بمذهب اسلامي وتنفير الناس منه. فكلمة "التشيع السني" التي استحسنها الكاتب ليست لها معني. فالتشيع في اللغة لا يعني التعصب. بل يعني الاقتداء والاتباع وكذلك يأتي كمرادف للمحبة وللموالات. وكلها لا تستقيم مع ما عناه الكاتب، أي التعصب الأعمى. ثانيا إن عنى الكاتب أن منهج الشيعة في تحليل ما جرى بعد الرسول هو أسلوب يحاكي أسلوب ابن عربي، الذي هو اسلوب تعسفي وفيه كثير من التدليس كما وضّح الكاتب، ان كان ذلك هو القصد، فقد اخطأ الهدف وأظهر عن جهل كبير بحال الشيعة في أمور الخلافة وما تلا وفاة رسول الله. ولعل الكاتب اعتمد كتابات ابن تيمية-ألذ أعداء الشيعة ومن أفتى بقتلهم- لمعرفة آرائهم، وطبعا هذا ليس من العدل ولا العلم. فلا يعرف الإسلام عن طريق ما يكتبه عنه أعداءه مثلا. ما كان للشيعة أن يحافظوا على مذهبهم أمام الاضطهاد والتشنيع والتنكيل الذي لحق بهم طوال التاريخ لو اتبعوا اسلوب ابن عربي. أولا الشيعة يطّلعون على كل ما يكتبه أهل السنة في أمور الخلاف. ويردّوا عليها بلإعتماد على مصادر أهل السنة والصحيح من أحاديث أهل السنة. ويفعلون ذلك بكل دقة ورحابة صدر. وما على الكاتب إلاّ ان يطّلع على كتبهم وآرائهم على الانترنت، ككتاب المراجعات ومعالم المدرستين. اين اسلوب بن عربي من اسلوب مدرسة أهل البيت. انظر الى هذا الحوار الذي جرى بين مؤسس حركة النهضة مبارك بعداش والشيخ الدكتور راشد الغنوشي: يقول السيد مبارك بعداش بعد أن بلغ خبر تشيعه إلى قيادات الجماعة " قال لي راشد( يقصد راشد الغوشي): هنيئا! هل تشيعت؟ فقلت له: إنني أسألك عن ثلاثة أمور فإن أجبتني عنها تخليت عن التشيع.
فقال راشد: لاأريد أسئلتك لأنّنا لانستطيع أن نجاري الشيعة في النقاش والحوار، فهم حزب قد شيدوا معتقدهم وأحكموا بناءه منذ زمن قديم، ولهم تاريخ حافل من أيام الإمام عليّ !. فهاهو رجل قدّم لكتاب الكاتب لايوافق الشيعة آراءهم ولكنّه لا يبخسهم حقهم ويعترف لهم بإحكام معتقدهم واستدلالاتهم.
واليك تفصيل هذه النقاط:
ص44 (هنا نقصد صفحات النسخة الإلكترونية): يقول الكاتب: "ولو أن الباحثين الذين يدرسون الخلافات السياسية بين الصحابة نظروا الى الأمر من هذه الزاوية –زاوية الإبتلاء- ... لأنهم في هذه الحالة سيحافظون على مكانة الأشخاص...". ونحن مع الكاتب ان السقيفة وحرب الجمل وصفين والنهروان، كانت ابتلاءات، نجح فيها البعض وسقط فيها آخرون. وهل الحياة غير الإبتلاء. وهل يُنال ما عند الله إلا بالنجاح في الإبتلاء. وهل يَدخل النار من يدخل النار إلا بالسقوط عند الابتلاء.
ثانيا إن دور الباحث ليس انصاف الناس او حسابهم، بل تقصي الحقائق بكل صدق.
ص54 -55: يبدوا من كلام الكاتب، ان الصحابي يستحق التقدير حتى وإن عصى الله ورسوله، بل ومات على ذلك، كما فعل معاوية وعمرو بن العاص وعائشة.
ص63: هنا يبدوا انه وقع خطأ مطبعي: يبدوا ان الكاتب كان يعني: "فربّ سامع أوعى من مبلّغ"
ص66: يقول الكاتب: ومن أبلغ الحجج التي ساقها ابن تيمية في هذا الصدد... "كل مؤمن آمن بالله ، فللصحابة عليه فضل الى يوم القيامة". فليس من الإنصاف –فضلا عن العرفان بالجميل – أن نسيء إلى من قدم اليك رسالة الله وهدايته."
أقول: فليس من الإساءة ذكر أفعالهم ، ثم التبرؤ ممن خرج عن جادّة الطريق، وموالاة من لزم الجادّة. فلم يسئ الى الصحابة من لعن معاوية وتبرأ من خروج عائشة، ووالى علي وعظّم الصحابة الذين لم ينقلبوا. فليس الأمر إما الكل أو لاشيئ كما يوحي لنا كلام ابن تيمية. ثانيا ليس كل الصحابة كانوا مبلّغين. بل معظهم كان بعيدا عن جمع الحديث او الإعتناء به. بل هناك من منع تدوين الحديث. فأدخلنا في متاهات كنا في غنا عنها. بل الصحابة المبلّغين من حفظة القرآن ورواة الأحاديث لم يدخلوا في السياسة.
ص68: "اعملوا ما شئتم فإني غفرت لكم" أشتم في هذا الحديث وَضَّاعي معاوية الذين كان يغدق عليهم. اولا،ا لأن الحديث يعارض قول الله "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" الزلزلة-8. ويعارض قول رسول الله: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" . الله ليس له قرابة مع أحد، عملك يحدد قربك. وانما الأعمال بخواتيمها. لذلك أُمرنا ان ندعوا بحسن العاقبة.
ثانيا كيف عرف بن تيمية انه غفر لهم جميعا وفيهم قاتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، كابن الغادية الذي قتل عمار بن ياسر ومعاوية الذي قتل الصحابي الجليل حجر بن عدي. والله يقول: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما" النساء-93. هذه الآية تصرح لنا أنه بعد قتل المؤمن عمدا فلا غفران، بل جهنم، لأن حرمة المؤمن عظيمة، وكذلك لتعذر طلب العفو من المقتول. وهي كذلك تُجَوِّزُ لنا لعن القاتل.
ص100: اما أسلوب البلاك اوت. اي تغييب الأحداث فقط لإنها فضيعة وتظهر الصحابي الفلاني في وضع الظالم والباغي، فليس بعلمي وليس بصاحب مشروع نهضوي ان يقبل به. بل يجب أن يحمل عليه بدون هوادة. "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه والله بما تعملون عليم" البقرة-283 . وعلى أي حال أي خطاب نريد أن نحمل لأجيالنا: ان نظرتم الى مناقب فلان وغضضتم البصر عن بعض الأعمال التي لا نحب ذكرها، تجدون فلان عظيما كما وجدناه عظيما. فاتخذوا فلان قذوة، كما اتخذناه كذلك.
ماذا يكون موقف اجيال تربت على هذا المنطق الهش عندما يقابلهم المخالف باعمال فلان التي أخفيناها عنهم.
"وقد وردت في مقتل الحسين قصة طويلة لا يحتمل القلب ذكرها" ومن الغريب أن وافق الكاتب المحدثين على منطق البلاك آوت، وهو الذي قال أن فائدة الخطأ قد تفوق فائدة الصواب ان اعتبر البشر من ذلك. والقرآن مليء بالعبر والفاجعات والدمار...إن يوم عاشوراء هو مدرسة الإباء، انه يوم برز الإيمان كله للكفر كله. درس تعلم منه حتى المهاتما غاندي عندما قال: تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر. هذا التغييب لما جري في كربلاء حدى بمفتي سوريا الحالي ان يستنكره ويعدل عن مذهب أهل السنة والجماعة.
نسأل الكاتب، ألا يخدم القاتل مشروع تغييب ما جرى في العاشر من محرم سنة 61 هجرية؟
ص101: لا أعلق على قول بن تيمية بأن معاوية خير الملوك. اي اذا كان فلان من الناس ظالما ووجد من هو أظلم منه، فهذا يعتبر مزية للأول...أي عقل يقبل هذا.
ص-107: هنا الكاتب يخلط بين السبّ واللّعن. السبّ هو المنهي عنه: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" الأنعام-108. والسبّ هو الذي قد يحتوي على البديء من القول. أما اللّعن فلا بداءة فيه، اذ هو في الأصل دعاء الى الله أن يطرد فلان من رحمته. وهو تعبّد كما جاء في كثير من الآيات لعلّ الكاتب مطّلع عليها ولا حاجة لذكرها. فالآيات توضح ان الله يلعن والمؤمنون يلعنون كذلك. والأحاديث كثيرة منها ما ذكره الكاتب نفسه في صفحة 240 من ان رسول الله لعن الحكم ابو مروان.
اما دعوة الكاتب بالتنزه عن اللّعن "لتتريه لسان المؤمن عن قول السوء مطلقا" فمردود لأن اللّعن ليس سوءا بل دعاء. وكيف يتنزه عن ذلك المؤمن ولا يتنزه عن ذلك الله ولا رسوله. وحسبك 40 آية من كتاب الله جاء اللعن فيه لأعداء الله، وحسبك ماذكره البخاري في باب اللعن من أن رسول الله كان يلعن وفي قنوت صلاة الفجر. وذلك حجتنا أن اللعن تعبّد، لأنه يوّلد مناعة نفسية لذى المؤمن من أعمال الفسقة والظالمين.
اما قول ابن تيمية: "الهجرة والنفاق نقيضان" فالرد عليه بسيط جداً. اذ ان النقيضان لا يجتمعان في موضوع واحد في وقت واحد. اما إذا اختلف الموضوع فلا مشكلة: فعلي من المهاجرين وعمّه ابا لهب من الكافرين. وكذلك اذا اختلف الزمن: فزيد من الناس قد يكون مهاجرا ومؤمنا أول حياته ثم ينقلب على عقبه آخر حياته، كانقلاب السامري وبلعم ابن باعورة الخ. ومن المؤسف أن ينساق الكاتب وراء هذا الإستدلال السقيم. فهذا الإستدلال يُسخر منه في عصرنا، عصر التمحيص وآلاف الجامعات المنكبّة على التنقيح والتثبيث.
فالخلاف ليس حول أحوال عمرو بن العاص قبل صفين. فحتى الشيعة يعترفون له بمناقبه في حياة الرسول، وإنما الخلاف هل انقلب عمرو بن العاص ام لا؟ وأعمال عمرو بعد وفاة الرسول هي الكفيلة بإخبارنا عن أحواله.
ص118: اما قول ابن تيمية: "واما معاوية فيكفي تولية عمر له دليلا على براءته من النفاق" لهو من السقم ما يجعل القارء يشك في نزاهة ابن تيمية أو في عقله. اذ كيف تجعل ما لم تأت عليه ببيّنة أساس للإستدلال على غيره؟ اذ من قال لنا أن عمر لم يعيّن إلاّ من لم يكن منافقا. وهوالذي ذكر ابن تيمية نفسه أنه يعين الفاجر. ثم هل كان عمر يشقّ على قلوب الناس. وكم عيّن عمر وعزل مرارا. والغريب ان عمر اعترض على تعيين معاوية عندما كان وزيرا لابو بكر، ثم عاد وأقرّ تولية معاوية..إنها السياسة وما أدراك ما السياسة.
ص135: يقول بن تيمية عن عثمان بن عفان: "...وأدخل[عثمان] من أقاربه في والولايات والمال ...حتى مات مظلوما" كيف يموت مظلوما من جنت عليه ما عملته يداه؟...لنقل ان تولية أقربائه لم تكن محسوبية وانه اساء تقدير كفاءة وأمانة اقربائه، ولكن لماذا لم يعزلهم عندما اشتكى اهل الأمصار إليه؟...وقد كان يصله فجورهم وقضمهم لمال المسلمين وقد اشتكى له عمار بن ياسر فضُرب عمار على مرآى من الخليفة عثمان؟... مهما حاولنا لانستطيع مسخ التاريخ...الحق عادة يكون في اليسر وعدم التكلّف.
يقول ابن تيمية عن عائشة –ويوافقه الكاتب: على انها ما خرجت إلا متأولة قاصدة للخير كما اجتهد طلحة بن عبدالله والزبير بن العوام..."
لا أظن أن أحدا يتحلّى بقليل من الموضوعية يعتبرأن تأليب المسلمين وجمع جيش قوامه عشرات الآلاف من الجنود يكون من أجل الخير. ثم يتوجهون الى البصرة ويقتلون واليها تحت التعديب. والوالي منصب من علي بن ابي طالب وليس له دخل بقتل عثمان. إنه بديهي عندما يدج بمثل هذا الجيش أمام جيش الخلافة، سوف يكون هناك تلاحم وإراقة الدم. وهذا ما حصل...فلا أرى تأولا ولا خيرا...أما كان الأولى بأم المؤمنين أن تبعث برسالة الى الخليفة وتنظر ما يفعل. واليست هي امرأة، فما بال دخولها بين الرجال؟ ومن أين لها أو للاخرين المطالبة بدم عثمان وهي ليست ولية دمه؟ وأي تأويل هذا بحيث تعصي قول الله: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية" الأحزاب-33. وتعصي رسول الله: " كأني باحديكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإياك أن تكوني هي أنت يا حميراء !". ثم تنسى كل هذا وتدخل بين الرجال في أمر لا يهمّها أصلا، إذ كانت تألب الناس على عثمان قبل موته. ولعمري كيف يكون مراده الخير من ينصحه قادته بأن يوقف الحرب ويحقن الدماء ويصرّ على استمار القتال؛ حيث اصبحت الحرب بدون معنى بعد انكسار جيشها وقتل طلحة والزبير. مما حدى بعلي أن يأمر أحد قادته ببترارجل الجمل؟ كيف ما نظرت الى هذه الحادثة فانها لا تستقيم على ما ذهب اليه ابن تيمية.
وليت شعري كم تخبط ابن تيمية في دفاعه عن عائشة. بعد أن بالغ في إقناع القارء أنها لم تخرج إلاّ لطلب الصلح وأن الحرب وقعت بدون اختيار أحد، يعود ويقول: "وواضح من هذه النصوص أن أم المؤمنين عائشة بدأت تستشعر الخطأ..."؟ كيف تستشعر خطأ لم يقع حسب ابن تيمية.
وأما القول بأن الاقتتال وقع بدون اختيارهم فهو استخفاف بعقول الناس. ويا ترى هل يمكن للناس استعمال هذد الحجة مع الله؟ "والله ما أنا الذي سرقت ولكن يدي امتدت للشيء فأخذته دون اختيار مني". أي دين يبقى بمثل هذا المنطق. أليس الأيسر القول ان طلحة والزبير كانا يتوقان للخلافة وان عائشة غاضها ان يُستخلف من تكره. لاتكلف وكل الأمور تستقيم دون عناء.
ص157: المذنب عندما يستغفر ويتوب الله عليه تكرما ليس استحقاقا منه، يجب ان يعيش ذليلا ما دامت تبعات أعماله ظاهرة للعيان. ولكن عند ابن تيمية ان كان المذنب صحابيا فمجرد الاستغفار يرفع من قدره.
السؤال: هؤلاء الصحابة العظام هل خلقوا عظاما أو نالوا عظمتهم بأعمالهم؟
فإن كان الأمر الثاني فخسة الاعمال الا تستوجت تدني في الدرجات ؟
ص158: ألم يكن خروج عائشة على علي مقدمة لخروج معاوية؟ اين قاعدة "العلم والعدل". وإن كان الأمر كذلك الا تكون عائشة هي من وضغت المسمار في نعش الخلافة؟؟ وكيف يوصف هذا بالهيّن؟ وكيف يوصف قتل 17 ألف مسلم على ايدي مسلمين بالخطأ؟ اليست هذه جذور الارهاب ومن يسوّغون قتل الأبرياء من المسلمين لإقامة الخلافة؟
لا بد من ايراد ما قاله الكاتب في ص176- بعدما كان يوافق ابن تيمية، يعود ويقول: "لقد قاتل علي والحسين واهل المدينة وابن الزبير من أجل الحق، وقاتل خصومهم من أجل السلطة والثروة . فليس من الحق أو الإنصاف وضع الطرفين في سياق واحد"
فلماذا أتعبت القارئ من اجل الوصول لنتيجة واضحة مفاذها أن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية ويزيد هم طلاب دنيا وظَلموا من أجل الظفر بها. بعضهم نالها وبعضهم لم ينلها والعاقبة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا.
ص161: هنا قول الكاتب وقول ابن تيمية متناقضان، ولكن القارء يجد انطباع ان الكاتب يحاول تقديم الأمر انه توافق. فالكاتب يصف الصحب بأنه استزلهم الشيطان احيانا. والتستر على ذلك خيانة للدين. ولكن ابن تيمية يصر على ان الأمر لا يعدو كونه اجتهاد افضى الى اخطاء لاتقدح في أحد من الصحب. لقد جعل بن تيمية قتل الحسين وأهل بيت النبوة مسألة تأويل.
ص164: لانعرف لماذا كلما تجلى فضائع بعض الصحابة للإبن تيمية أو للكاتب، ينتقل الموضوع الى جواز أو عدم جواز لعن الصحابة. ألسنا في صدد تقصي الحقائق؟ اليس تقييم أعمالهم هو أصل الموضوع؟ أليس هذا تملص؟ يصبح الذي يلعن هو الذي في قفص الإتهام وكأن عمله هو الذي حرف الأمة عن مسارها الصحيح. ما صدر عن الصحابة هو المشكل الأساسي. أما من يلعن، فهو لا يهمنا، لأننا لا نتخذه مثلا..فتصرفه لا يعنينا البثة...ولكنها سنة تركها معاوية، عندما خلق حصانة حول الصحابة، كل الصحابة، حتى لاتذكر أفعاله الشنيعة. ولقد ذأب على ذلك معظم المسلميين إلى يومنا هذا.
ص168: أورد الكاتب حديث عن النبي(ص) مفاذه: "لا ترجعوا كفارا بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض" ثم يعلّق الكاتب عن راوي الحديث: وانظر الى العجب يروي عن النبي النهي عن القتل ثم يقتل مثل عمار.
أليس أفضل ان يرفع التكلف وبه يرفع العجب. ثم نتذكر قاعدة "العلم والعدل" ونحكم أن القاتل من الصحابة يعد واحداً من الذين انقلبوا كفارا بعد موت النبي(ص) كما ذكر القرآن وحذّر من ذلك النبي(ص)...الم يثبت ابن حجر ومعه الكاتب انه على الأقل، واحد من الصحابة، ابن الغادية، قاتل عمار قد عاد الى الكفر؟ لماذا نظل نراوغ ونختلق أعذارا لأناس هم أنفسهم لم يكلّفوا أنفسهم ذلك العناء. ابن الغادية كان يفتخر بقتله عمار. ولماذا غيّب ذكر عطايا معاوية لقتلة الصالحين من الصحابة؟
ص176: لقد ذكر الكاتب أن عليا والحسين وقعا في أخطاء سياسية، وان هذاعلى اي حال لا يقارن بين من طلب الباطل وأدركه. ومثل هذا الاستنتاج جد مؤسف خصوصا أن الكاتب وعدنا بالدفاع عن المبادئ الإسلامية. وعلي والحسين كانت مشكلتهم الأساسية هو الإلتزام بالمبادئ. ولقد اشار بعضهم على علي ترك معاوية حتى يستثب له الحكم. فأجابهم ان ترك معاوية ولو يوم واحد هو إقرار بظلم. فأي حكم يصدر عن معاوية في تلك الفترة يكون عليا مسؤول عنه. والحسين لم يُترك له إلا بابان، باب الذّل والركون للفاجر يزيد، أو أن يقتل. ففضّل الشهادة. فكانت اعظم شهادة عرفها التاريخ. ولنستمع لخطبته قبل مسيره للعراق، وهو واثق ان أهل العراق سوف يخذلونه كما خذلوا أباه وأخاه. فالمؤمن مكلف بالعمل وليس مكلف بالنتائج. فلو لم يُلبّي ندائهم يكون متخادلا على نصرة دين الله. وضع صعب وامتحان اعظم من كل ابتلاءات الصحابة، ولكنه نجح حيث سقطوا. دينه يأمره بالمسير لنصرة من أخبره رسول الله أنهم سوف يخذلونه. وهذا ما قاله لعبدالله بن عمر عندما نصحه بعدم الخروج، من أنه مقتول لامحال خرج ام لم يخرج. فقتله في ساحة الوغى اشرف له. يقول الحسين: " ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السّلة والذلة ، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبيّة ، من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام "...يا طالب الدفاع عن المبادئ، اليس هذا هو انصهار الرمز في المبدئ حيث صارا شيء واحد.
ص183: يتسائل الكاتب ويستميت في ايجاد مخرج للحفاظ على المبادئ الإسلامية وقدسية الأشخاص. ولم ينتبه ان ذلك مستحيل منطقيا إلا ان لم يفترق الأشخاص عن المبادئ. أما إن انسلخوا من المبادئ، فقدسيتهم تسقط. كما سقطت قدسية طاووس الملائكة في لحظة وصار شيطان رجيم. وهنا نورد الاستدلال على الاستحالة:
معادلة(1): رفيع المكانة متعلق بالالتزام بالمبادئ (أ => ب)
واذا سألنا اي رياضي أو منطقي يخبرنا أن (1) يؤدي الى المعادلة التالية:
معادلة (2): نقيض ب => نقيض أي ان عدم الإلتزام بالمبادئ يؤدي حتما الى وضيع المكانة. فكل من ابتعد عن المبادئ تسافل في الدرجات ولو كان نبيا أو وليا كالسامري أو ابن باعورة.
ص192: في هذه الصفحة لفتة لطيفة لإبن تيمية لم أقرأه عند أحد، يقول: "ولذلك [معاوية] لم يحرك ساكنا ضد قتلة عثمان حينما استقر له الملك..."
ثم يعود ابن تيمية ويقول: "أن معاوية لم ينازع على الخلافة" مما يجعله اقصى اليسار ويجعل الكاتب أقصى اليمين. إن ما أورده الكاتب من ص196-198 ليجعل تحليلات ابن تيمية واهية وفيها كثير من التأول والتكلف الذي لا يعرف له سبب عند من يسمونه شيخ الإسلام. فشاب الاسلام تغلب على شيخ الإسلام.
ص231: ذكر الكاتب أن عليا شهد لأبي بكر وعمر أنهما عملا بسنّة الهادي، والدراية تخبرنا أن علياً كان سوف يكون الخليفة الثالث لو قبل بالحكم بسنّة الشيخين. رفضه (وهو أول رافضي) يعني أنّه كان يرى سنّة الشيخين مخالفة لسنّة رسول الله. واكبر شهادة شورى الستة الذين اختارهم عمر والحوار بين علي وعبدالرحمن بن عوف.
ص240: ومن عجيب ما جاء في الكتاب ذكر افعال مروان الشنيعة من غدر وفتك ثم القبول بتصديق حديثه. منطق غريب: "المهم ان تكون صحابيا، واقتل وازني واخذع والعن اولياء الله، ثم كِلْ الأمر لجمهور من العلماء للدفاع عنك"...لا أخال إلاّ مروان وهو يسخر من هذه الأمة الحائرة في تصنيفه...إذا لا غرابة أن يحكم بلاد العرب ذئاب من المحيط الى الخليج.
ص246: يتحدث الكاتب عن عظمة الخليفة عثمان. ولنا أن نسأل من اين استدل على ذلك، امن الألقاب الفارغة التي الصقت به في عهد الدولة الأموية-بنو عمومته. أم تلك الأحاديث التي ألفت في عهد معاوية. فما على الكاتب الا أن ينشر الخبر التالي في نواكشد حتى يلمع اسم الرئيس الموريتاني السابق: "1000 دولار لمن يأتينا بمنقبة لولد الطايع". ذلك ما فعله معاوية، فتوالت الألقاب: ذو النورين والشهيد المظلوم والذي تستحي منه الملائكة أكثر مما تستحي من الرسول الخ. هذه الألقاب والأحاديث لا تنسجم مع أفعال عثمان. فالعاقل يهملها وإن كانت بعدد النجوم. اين كانت عظمة عثمان عندما استولى عليه مروان، ألم يعد يفرق بين الحق والباطل؟ وكيف ينفي ابا ذر الى الرمضة لانه قدم له النصح؟. وكيف يسمح لمروان ان يضرب عمار بن ياسر على بطنه حتى يغمي عليه في حضرة عثمان؟ وكيف يولي الفاسق والفاجر والظالم ومختلس أموال المسلمين. إن كان هذا عظيما فالقذافي أو الملك عبدالله أعظم.
ص250: اورد الكاتب هذا الحوار الذي جرى بين الإمام أحمد وابنه: "...فقلت: يا أبت، فلماذا لاتلعنه [يزيد بن معاوية]؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟". وأقول: ان جواب الإمام أحمد عقيم. إذ نراه يجوز اللعن ولا يلعن. كأنه يخاف أن يتهم بالتشيع. فسنّة مخالفة الشيعة التي سنّها معاوية جعلت الناس تُسقط الفرائض فما بالك بالسنن، وإلا فاللّعن تَعبدٌ اذ أنه اقتداء بالله ورسوله. واليك بعض السنن والفرائض التي سقطت لمخالفة الشيعة: مسح الرجلين في الوضوء (فالغسل مخالف لصريح القرآن)، الجهر بالبسملة، القنوت في الصلاة، متعة الحج (اي طواف النساء)، التختم باليمين، الخ.
ص251: لا أعرف لماذا يكتم أحمد بن حنبل الحق عندما يقول "نهب المدينة المنورة". والواقع أن جنوده استباحوا نساء المدينة ثلاثة أيام حتى ولدت اكثر من ألف امرأة من الزنى. أما نهب الأموال فكان جاري به العمل في حروب العرب حتى بعد الاسلام.
ويضيف الكاتب: "...على أن الذين كرهوا لعن يزيد لم يكن ذلك منهم تعظيما ليزيد بل خوفا من انفتاح الباب الى لعن معاوية أو غيره ممن صحبوا..."
اذا الأمر ليس تتريها للسان بل اعطاء الصحابة حصانة ضد اللّعن. هذا كان يستقيم لو لم يلعن بعضهم بعضا. اضف الى ذلك أن العلماء ليس لهم الحق ان يشرّعوا من تلقاء انفسهم. فهم ليسوا أعدل من الله في حق الصحابة، ليحرّموا ما أحلّ الله، بحجة الدفاع عن الصحابة. ورسول الله نفسه لعن الحكم ولعن من يخيف المدينة؛ اي يزيد بن معاوية... ولُْيلعن الصحابة الذين انقلبوا على اعقابهم وأين المشكلة؟ فهل المعيار التقوى او مصاحبة الرسول؟ وهل تنفع الصحبة مع الفاحشة ومشاققة الرسول ومحق مشروع الخلافة حتى عاد الحكم عضوضا؟
الخاتمة
هذا الكتاب له مكانته في المكتبة العربية. وفيه كثير من الجرأة والموضوعية بالمقارنة مع ما كتب من قبل في موضوع الخلافات السياسية بين الصحابة. إلا أن هذه الجرأة لا تكفي في عصر التحديات. لقد انفتح الباب على مصراعيه ولم يعد بالإمكان الاقتصار على تجهيل الناس (البلاك آوت). فالتحديات آتية من كل الجهات. هناك أولا العلمانيين الذين لايهمهم لا قداسة الأشخاص ولا قداسة المبادئ. وهناك التحدي من الشيعة الذين يهمهم الحفاظ على قداسة المبادئ كما هو حال أهل السنة ولكن لا يتورعون على التبرئ ممن لا يلتزم بالمبادئ حتى وإن كان صحابيا. وهناك التحدي من الكنائس التى أصبحت تستعمل احداث التاريخ المخزي الذي يتكتم عليه المسلمون، كموقعة الطف والحرة ليضربوا الإسلام. فمنطق النعامة لم يعد مجديا كما أن منطق النصف موضوعية الذي اعتمده الكاتب غير كافي. لأنه سيؤدي الى نصف مشروع نهضوي.
على الكاتب، وهو صاحب مشروع نهضوي أن ينهي هذه المعركة مع ذاته أولا وأن لايبقى عنده غموض أو التباس حول من يوالي ومن يعادي قبل أن يبحث عما يصلح الآمة، أما منطق موالات القاتل والمقتول والتقي والمتذبذب فلن ينفعه.
وعلى الكاتب ان لا يبحث عن الحقيقة فقط في حدود موروثه. فقد تكون الحقيقة خارج هذا الموروث. وحتى إن كانت داخل دائرة هذا الموروث فهو لا يكون قد حصن نفسهه من إشكالات المخالفين إلا بعد الإضطلاع عليها من مصادرها الأصلية ثم الرد عليها. كما تقول المفكرة الفرنسية سيمون فايل: "الحقيقة لاتدرك إلا من الخارج، لإن التعلق [بنتيجة ما] يكون مولدا للأوهام". وفي هذا الخصوص أنصح الكاتب، ان لم يكن فعل من قبل، أن ينكب على دراسة كتاب: "معالم المدرستين" لمرتضى العسكري. وهو دراسة أكاديمية متأنية في المقارنة بين "مدرسة الخلفاء" و"مدرسة أهل البيت". ولقد قصد الكاتب من خلاله أن يحرك البحث في هذه المسألة في الجامعات الإسلامية، بعيدا عن ضجيج المناظرات والخصومات. لذلك ضمن الكتاب نداء لأهل العلم في كل الجامعات الإسلامية، من القرويين الى قم. يقع الكتاب في ثلاث مجلدات ويتطرق للفترة التارخية من يوم السقيفة الى قتل الحسين: جزء1، جزء2، جزء3. هذا الكتاب مازال بعد أكثر من ثلاثين سنة ينتظر ردا مماثلا وبنفس الجودة من "مدرسة الخلفاء". كذلك يمكن للكاتب أن يقرأ لكاتب محايد وهو البرفسور ولفريد مادلونج، وخصوصا كتاب:
The Succession to Muhammad: A Study of the Early Caliphate
Wilferd Madelung
البرفسور مادلونج ليس اي مستشرق، بل باحث مقتدر ومعروف في الأوساط الاكادمية بالدقة والموضوعية والإنفتاح على كل المصادر.
اما في ما يخص نظرية الحكم في الإسلام فالطريق يمر من الجواب على الأسئلة التي طرحها الفيلسوف الكبير صاحب نظرية الاستقراء، محمد باقر الصدر في كتابه: "بحث حول الولاية". ومن هذه الأسئلة مثلا: هل رأى الرسول من واجبه ان يحافظ على الدولة الإسلامية بعد وفاته، أو أن دوره كان منحصرا في التبليغ ومع موته انتهت مسؤليته؟ وإن كان يهمه ما سوف يؤول اليه وضع المسلمين، ماذا فعل لإنجاح التجربة؟ هل أوصى؟ أو أنه أعد جيلا من الصحابة كلهم قادرون على القيام بالأمر؟ وهل ترك اسلوب تداول السلطة واضحا أم انه تركه لمن بعده لكي يجتهد؟ ولماذا آل الاجتهاد الى اربع نظريات لإنتقال الحكم مع اول تجربة؟ فتولية ابو بكر كانت ببيعة البعض وارغام الآخرين بحد السيف للإدعان، وتولية عمر كانت بوصية، وتولية عثمان كانت بشورى النخبة، وتولية علي كانت ببيعة العامة؟ اختر لنفسك ما شئت من سوبر ماركت ما يسمى ب"الخلافة الراشدة".
*اكاديمي مغربي مقيم بالولايات المتحدة


 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free