http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  حوار "المستقبل" يتجه الى الماضي
 


حوار "المستقبل" يتجه الى الماضي
عـيسى عـبدالقيوم

كتبت يوم 9/7/2005 .. مقالة بعنوان " الحوار كما أفهمه " .. أجدني اليوم ـ بعد مرور كل هذه السنين ـ أعود للحديث عن ذات القصة .. وهي التفريق بين مستويات الحوار .. وفك الإشتباك بين مبدأ الحوار وناتج الحوار .. وهي أمور ظننت بأن عملية تراكم الوعي ستعمل على تبهيتها وصولاً الى درجة الإختفاء بشكل طوعي .. ولكن يبدو لي أن ثقافة المهجر بالرغم مما توفر لها من فرص مشاركة الأمم الأخرى تجاربها .. وبالرغم من طول التجربة الليبية ذاتها .. ووضوح الكثير من العيوب والثغرات فى ممارستها للديمقراطية وتعاطيها مع السياسة .. لازالت طاردة لمبدأ التنوع .. وللأفكار السياسية المخالفة ( ولو فى شقها النظري ).. متكئة على مخزون ماضوي .. مكتفية بأسلوب الوصف .. عازفة عن تحرير مواطن النزاع العميقة . فلازالنا نستجدي فهم خارطة الطريق .. قبل الحديث عن كيفية الممارسة .. فأنا لم أدع أحد الى أي ممارسة بعد .. ولم أقدّم أي مبادرة عملية .. بل لم أشارك فى أي مبادرة .. كوني بت أشك فى أن القيم المؤسِسة للعمل السياسي الليبي (على الجملة ) خاضعة لمنطق متماسك يجعلها قادرة على رمي الثمار .. ولا أريد أن أصل الى نتيجة أن الصراع بات يدور بين ثقافتين .. ثقافة ترهق المهجر .. وأخرى ترهق الوطن..كلاهما يصح أن توصف بالقديمة.. ويبدو أنه لا مناص من إنتظار رحيلهما معاُ من أجل العبور. كتبت منذ خمس سنوات أقول (.. لاشك أن إنتزاع " الحوار " من خانة الوسائل أو الأدوات والزج به فى خانة الغايات .. يشكل فى حد ذاته بداية غير موفقة لأي نقاش حوله .. فالحوار ـ كان وسيبقى ـ أداة أو وسيلة يستخدمها الإنسان العاقل المتحضر لإبلاغ رسالة ما .. ومحاولة حصره للتخاطب بين الأصدقاء فقط أمر لا يستقيم ـ لا عقلاً ولا شرعاُ ـ.. وإن كان ثمة مِن حصرٍ فالأقرب أن يقال أن الحوار وسيلة للتخاطب بين الفرقاء أو الخصوم .. مهما كانت درجة إنفراج زاوية الخصومة بينهم ..)(1) . وأضفت فى ذلك المقال أن الحوار فى مستواه السياسي مع الدولة الليبية غير مجدٍ لعدم توفر شروطه .. وطالبت بالبقاء على ( مسافة ) من الملف السياسي فقط .. وهو ما أمارسه حتى اليوم .. وربما عليّ أن أوضح أن فكرة البقاء على مسافة من الملف السياسي لم تأتِ من خلفية رفض مبدأ الحوار مع الدولة .. بل لعدم توفر أرضيته فقط .. كون كافة الأزمات السياسية فى العالم جاءت حلولها (صائبة أم خاطئة) عبر الحوار.. وها أنا أطالب المعنيين بالشأن السياسي الليبي ـ مرة أخرى ـ بإعادة قراءة تجارب المنطقة .. علهم يتنبهون الى أن تجريّم مبدأ الحوار ( وليس نتائجه ) لعبة قاتلة .. لا يُنتظر أن يتورط فيها من يصف نفسه بالسياسي .. أو المناضل .. أو حتى المقاتل . أعود لسبب الكتابة اليوم عن نفس الموضوع .. وهو خواطر تجمعت فى سماء الذاكرة على هامش ندوة موقع " المستقبل " ( الثالثة ) (2) والتى كان ضيفها الأستاذ / الدكتور محمد يوسف المقريف .. حيث إنتقد الدكتور ما بدا له أنه خلل فى كلامي فى ندوة المستقبل ( الأولى ) .. وبدوري ما إن أنهى الدكتور كلامه حتى شعرت بالشفقة على المعارضة .. خاصة شقها الذي يصف نفسه بالجذري .. وتأكدت بأنها بالفعل قد تسللت الى ( زنقة لاطمة ) . فقد بدأ لي واضحاً ـ من خلال عرض الدكتور لتجربته ـ أن مبدأ الحوار يقدّم للجيل الجديد على أنه إتجاه معاكس لإتجاه يسمى تعميماً ( بالثبات على المبادئ ! ) .. وهي تسمية مفخخة .. كون تحديد ماهية المبادئ ( فى دنيا السياسة ) يختلف من إيدلوجية الى أخرى .. بل من مدرسة فكرية الى أخرى .. وأن القصة برمتها دارت ليلتها فى فلك " لعبة الصياغة " .. حيث سُمّيت " وسيلة أو أداة الحوار " فى تلك الليلة بأسماء مستعارة .. منها ( اللقاء ) ومنها ( الإتصال ) .. وتمت المرافعة لدفع التهمة ـ عن المسمى المُعمّم ـ عبر الحديث عن ناتج الحوار .. والقفز على فكرة إستخدام الأداة ذاتها ( الحوار) ولو بغير إسمها المحترم عند كافة البشر .. المُجرّم عند بعض ساسة الليبو !.. وهنا تسكب العبرات . ومن زاوية أخرى ـ قد تكون بعيدة بعض الشيء ـ وجدت ذات الحوار ( الذي قدّم فى تلك الليلة بإسم مستعار هو اللقاء والإتصال ) يقدّم على أنه ممارسة ترتبط بشطارة الفاعل فقط .. وهو وصف نرجسي لا علاقة للسياسة به .. فدفاتر السياسة تتكلم عن الحوار وتصفه بالوسيلة المشروعة والأخلاقية .. التى من حق الجميع إستعمالها .. ولم نجد كتاباُ واحداً يقدم الحوار ( كأداة وليس ناتج ) ضمن حزمة الممنوع .. أو غير الأخلاقي .. بما فيها كتاب الله " القرآن " .. فقد شهدت الليلة أيضا إستشهادات دينية ! . لذا .. ليسمح لي الدكتور ( والأنصار ) أن أبدي تحفظي حول المبالغة فى ليّ أعناق المصطلحات لتوافق التجربة الشخصية .. رغم أن الأنصار ليلتها كانوا من الديمقراطية بمكان .. حيث كانوا يرفضوا الكلام حتى قبل أن أنطق به .. ويؤيدون الأخر قبل أن يستلم المكروفون .. وهي عموماً من طباع ثقافة القبيلة غير البعيدة عن محاضن السياسة الليبية فى الداخل والخارج .. تأسفت لوجودها لإن ضريبتها باهضة على المستقبل .. إلا إذا كان المستهدف من تلك الليلة هو فخامة الماضي التليد ! . وفى ذات السياق ضرب " منصور الكيخيا " مثلاً .. وأجدني مرتاحاً لمعاودة ما ترسخ لدي من أفكار حول ممارسة المهجر فأقول بأن الدكتور منصور كان يؤمن بالحوار للجميع كقيمة ومبدأ سياسي .. أما غيره فقد طرح الفكرة كخصوصية آنية مرتبطة بمنطق ونفس أمني بحت .. وكذلك لم يكن الدكتور الكيخيا يفكر فى أي دولة أو نظام عندما يتحدث عن القيم المؤسسة للدولة المدنية .. بل يقدمها صافية فى سياقها القيمي الحضاري .. وهنا يكمن الفارق فى التفكير. وكذلك أود أن أعيد تكرار فكرة قديمة متجددة .. لطالما أشرت إليها .. وأعتبرها أحد الخوازيق المنفرة من فكرة المهجر السياسي .. فقد أطلت برأسها تلك الليلة .. وهي التصور الذهني المغروس فى المهجر عن مفهوم المعارضة .. حيث يتم تسويق صورة واحدة للمعارض .. صورة تجسدها على أرض الواقع ممارسات شخصيات معينة ومعدودة .. تنتمي للحرس القديم ( مع الإعتذار لإستخدام الوصف فلم أجد غيره ) .. صورة تسوّق على أنها التمثيل الحقيقي لمفهوم المعارضة .. صورة باتت عقول الشباب مسكونة بل مهووسة بها .. حتى أوصلتهم الى السخرية من ممارسة السياسة كما يعرفها العالم .. وأورثتهم غروراً ،هداهم بدوره الى حالة الإحباط التي يعيشونها دون أن يدركوا أسبابها ! . وبالمناسبة فهذه الصورة السطحية مسئولة كذلك عن وصول العديد من الشخصيات الوهمية والمتوهمة الى صدارة بعض أطر المهجر السياسي .. وما نتج عنها من فوضى وخبص أدت الى عزوف الكثير من الناس .. فيجب إعادة الإعتبار لمفهوم المعارضة بأن يوضع تحت الشمس مرة أخرى .. وان يرتكز على عمق معرفي .. وحصيلة من الخبرة والتجربة .. وقبل ذلك أن ينطلق من قواعد ممارسة السياسة كما يعرفها ويعرّفها العالم من حولنا .. بدلاً من أساليب هي أقرب الى التهريج منها الى النضال . أمرٌ أخير أود التعريج عليه لكونه كان حاضراً هو الأخر فى ليلة الساعات الـ (6) .. وهو محاولة تدوير لعبة المعارضة بدون مشروع .. وهو أمر غاية فى الخطورة كذلك .. فلا بد من الدفع بإتجاه البحث عن مشروع على الورق ( الشق النظري ) .. يستند الى فكرة دولة المواصفات ويبتعد عن دولة التفاصيل .. فنحن نريد دولة الدستور .. دولة تكافؤ الفرص .. دولة المساواة .. دولة حقوق الإنسان .. دولة التوزيع العادل للثروة .. ولا نريد دولة فلان أو الدولة الفلانية .. وبكل صراحة .. وبصفتي الشخصية جدا .. فأنا ضد الدولة الفاقدة للمشروع .. سواء تلك التى تتستر بالملكية .. أو الأخرى التى تتمترس بالاسلام .. وصولاً الى الثالثة التى تعمل على إستمرار الأمر على ما هو عليه .. تحت مسميات معاد إنتاجها من بقايا أسباب الأزمة الممتدة !. نريد بعث دولة تحت شعار " الشراكة فى الوطن " .. وليس تحت سياسة " تبويس الشوارب" كما قدّم الدكتور محمد كلامي فى الندوة الأولى .. وفى المقابل لدي من الشجاعة ما يكفي أن أقول بأنني أدعو تحت هذا الشعار ( الشراكة فى الوطن ) الى أن نناقش بشيء من الجدية والمسئولية كيفية الوصول الى صيغة توافقية للدولة .. عبر طرح التساؤلات الجادة والواقعية .. بدلاً من تسميم العقول والأجواء بشعارات غير قابلة للحياة .. ولم تستطع أن تثبت جدارتها بقيادة دفة التحولات المطلوبة . أدعو الى التفكير بصوت مرتفع فى إمكانية وجود طاولة وطنية مستديرة لا تقصي أحد .. ولا تمنح طرفاً فيها صلاحية وضع جدول أعمالها .. أدعو بكل حماسة الى أن نتحدث عن حق ولادة مشروع سياسي غير مشروع الدولة يقدم رؤيته المستقلة .. أن نتحدث عن إمكانية التوافق فى المطالب .. أي التفكير فى إمكانية قبول مبدأ التنازلات المؤلمة بين مشاريع المرحلة .. أن نتحدث عن توحيد الأجندة الوطنية على سقف الحد الأدنى من مطالب المرحلة على الأقل .. ثم لنرتفع بها تدريجيا الى عنان السماء عبر مشروع إطار وطني واسع يمنح للخصوصية مساحة معتبرة . وأخيرا .. وللمرة الألف (رغم سوء القصد الواضح تلك الليلة فى تفسير شعار بوزن الشراكة فى الوطن) أقولها بكل وضوح إنّ ما أطرحه ليس شيكاً على بياض .. لا للمؤتمر الثاني (3) .. ولا لمشروع الغد .. ولا لغيرهما .. هو رؤيتي الشخصية لقضية وطن أنا أحد أبناءه شاءت الدولة أم أبت .. وشاءت المعارضة الجذرية أم أبت.. وسأناضل رفقة العشرات من ليبيي الداخل والخارج من أجل المستقبل .. وعبر ما أعتقد أنه الأقرب للصواب .. كوني ـ وبدون تلعثم ـ أفرق بين ثقافة النضال من أجل الحقوق .. وثقافة تسول الحقوق .. وبكل ثقة أقول بأني قد بت منذ أكثر من عشرة سنين أحمل أفكاراً تقبل القسمة على إثنين .. تقبل التحوّل الموضوعي والعقلاني بين الخيارات المتاحة .. وتستجيب للمعطيات المطروحة على طاولة الحالة الليبية .. غير أنها يقيناً ليست للبيع .. ولا للشراء .. ولا للكراء .. ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . والسلام عيسى عبدالقيوم


 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free