إتحـاد كتـاب الإنتـرنت المغاربـة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
خلّ الخوف يخاف منك
ياسين رفاعية
قصص وحكايا جاد الحاج في كتابه الجديد "ثلاثون حكاية" هي أشبه بألف ليلة وليلة حديثة، يرويها جاد الحاج بلغة طازجة، بل ساحرة. هي خليط بين الشعر، وحكايا الناس وأمثالهم، فيتنقل الحاج بين بيروت وكل أنحاء العالم، فهو عاشق للسفر. مغامر إن شئنا. صحافي يخوض المخاطر ولو على حساب حياته، شجاع في مواجهة المرض الذي انتصر عليه بإرادته القوية وبمعجزة أيضاً.
كتب جاد الحاج في كل شيء. له اسلوبه الخاص الذي يشبهه، كتب رواية بالانكليزية كتب الشعر، وله مجموعات عديدة لها نكهتها الخاصة، كما غامر بمشروع كان يمكن أن يشد القرّاء إليه وهو سلسلة الرواية العربية التي دعمتها المؤسسة التي تصدر سلسلة روايات عبير المترجمة الى العربية. فأصدر عدداً من الروايات لكتّاب عرب.إلا أن الرقابة العربية في أكثر من بلد عربي أجهضت هذا المشروع فخسر جاد الحاج الى
جانب الشراكة الداعمة كل تحويشة العمر. متسائلاً: كيف يسمحون لسلسلة "عبير" ولم يسمحوا لشبيه لها يكتبها كتّاب عرب؟ وكانت خيبة قاسية لا شك، ولكن، مثل كبوة الفارس، نهض جاد الحاج مصمماً أن يبدأ من جديد. غير آبه بما خسر، غير آبه بمرض كان يهدد حياته. وفي هذا الكتاب، الجميل "ثلاثون حكاية" يسيح بنا جاد الحاج عبر بلدان ودول بما يشبه العارف بكل شيء المستلهم من كل شيء.. قصصه أحياناً ساخرة، وأحياناً حزينة، وغالباً فيها روح المغامرة، خصوصاً في أيام الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان فأكلت الأخضر واليابس.. معظم القصص خلفيتها هذه الحرب، بمشاهد مؤلمة، ومضحكة في آن، خصوصاً عاهرات شارع المتنبي السيئ الذكر، شارع باسم شاعر عظيم كان بيوتاً للدعارة، لكن الحرب "كنّست الشارع وبمن فيه" فاذا كانت الحرب قذرة الى هذا الحد فمن ايجابياتها خراب وتدمير هذا الشارع الذي جمع في بيوته عاهرات من كل حدب وصوب.
الصداقة
من أجمل القصص هي القصة الأولى "الصداقة العاطفية" وهي صداقة جديدة بمفهوم جاد الحاج.. صداقة عاطفية بين رجل وامرأة دون المساس بالجنس أو الجسد حيث "التجاذب العاطفي إن لم يولّد وصالاً يسبب الاحباط، والاحباط بين المحبين قهر ظالم. إلا أن قلبها لا ينفطر بسهولة، بل يخضع كخادم أمين لمنطقها الصلب، فتمعن في تصوير الصداقة العاطفية كونها أجمل وأبقى أنواع العلاقات. وإذ تلاحظ اعتصامي بالصمت دليل ملل من تكرارها ما شرحته ألف مرة، تكحل خطابها بأقوى أنواع الحجج وأكثرها إحراجاً: "لكن الرجل الشرقي ما زال بعيداً بعد الأرض عن السماء في ما يتعلق بالصداقة العاطفية بها.
عاش جاد الحاج بين استراليا وبريطانيا ردحاً من الزمن، وصار يتنقل بينهما باستمرار، ومثل هذه الصداقات قائمة في الغرب، لكن الرجل الشرقي لا يمكن ان يقتنع بها على مقولة: "ما التقى رجل وامرأة في مكان إلا وكان الشيطان ثالثهما". كيف يمكن أن تقيم علاقة مع امرأة دون غرفة نوم، هو يقول لها: "عندما أراك في كامل أناقتك، كما أنت الآن، متدفقة بالأنوثة والإغراء، لا أعود شرقياً ولا غربياً، بل بشراً سوياً في مبتدأ الوجود ولا يعود في خاطري تصنيف شعوري نحوك، أو وضع حدود لعواطفي تجاهك. أنا لا أعتقد أن الجمال ممكن أن يولد ردّ فعل قبيحاً، وجمالك يا وجدان يبعث في نفسي أحلاماً جميلة، لعلها أحياناً، تجعلك أجمل مما أنت في الواقع".
فترد عليه جواباً مفحماً: "أنت يا عزيزي تريد امرأة في المطلق. امرأة تعجنها وتخبزها وتأكلها على ذوقك، امرأة بلا شخصية ولا رأي ولا موقف فأنت في نظر نفسك منتهى القصد وغاية المنى، وما تشتهيه عليه أن ينضوي كالظل تحت رايتك وإلا فلا. ارجوك ان تفكر ملياً في الموضوع.
ويستمر البطل في هلوسات حبه لامرأة مطلقة، عافت حياتها من العلاقات الجنسية وأصبحت ترنو الى علاقة نظيفة مع الرجل، مبتكرة تلك العبارة الواضحة "صداقة عاطفية" فيها أكثر من الحب وأرقى من الصداقة: "وتعاظمت، مع كل خطوة، لهفتي الى عناقها، الى سماع صوتها الموشّ بشجن صحراوي. لكن ألف "ماذا لو" بدأت تطن كالدبابير في أذني. بينها احتمالات مقلقة، كأن اكتشف ان وجدان ذكر! أو أنها ورطت ساذجاً آخر في صداقتها العاطفية، وسوف أجده متكوماً على الصوفا الجلدية في صحن دارها، كسير العين والفؤاد، محاطاً بوجوه متفجرة لضياء العزاوي، وخيول بيضاء لفائق حسن ونساء مجنحات لسعاد العطار وكتب ثمينة، وتماثيل آشورية تهوج وتموج على الجدران حوله".
ولكن في النتيجة لا يصح إلا الصحيح، بلا صداقة عاطفية بلا كذا، إذ ما ان التقيا مثل ارتطام قطارين وجهاً لوجه، سقط من يدها كيس التفاح، واعتصرنا باقة الورد بين صدرينا في عناق تجاوز الصداقة العاطفية الى العواطف الصادقة، لكن صعلوك كركوك صدق بالنسبة الى ندوب الحريق، وما زالت وجدان، على رغم سبع سنوات لنا معاً ترفض ان تكشف لي عن خاصرتها، فلو لمستها من غير قصد تحت الغطاء تمتمت بأسى "حاذر عراقي".
هذه القصة التي تقدمت المجموعة تملك خامة رواية، يا ريت جاد فعل.
قطار
قطار، هي قصة قصيرة، جميلة عن راكبين في قطار غريبين عن بعضهما ويدور بينهما حوار غريب من نوعه، هي عدوانية قليلاً، وهو مقتحم كثيراً. صورها سريعة بسرعة القطار، خصوصاً عندما يدخل النفق لكن في النهاية، ومع خروج القطار من النفق، يسيطر حس انساني لدى الراكب، خصوصاً عندما رآها تنام، فيغطيها بمعطفه: "يبزغ القطار من النفق، السماء ملاءة بنفسجية على عتبة الفجر، يمر القطار بولدين في الطريق الى المدرسة، يمر بفلاح يشعل كومة قش، يمر بصيادين يلقون شباكهم، يعبر جسراً فوق مياه خضراء، مخيم لاجئين. قافلة غجر.
يمخر القطار جبالاً وبحيرات وسهولاً الى ان يختفي في بهاء شروق الشمس.
ـ انني لا أصدق.. تهمس المرأة في منامها".
"جسر الماء" قصة مؤثرة حقاً، بدءاً من الطفولة والمدرسة الى مشاكل الأولاد، مع مشاهد أقرب الى الشعر، لكن حادثها المؤلم هو الحرب. والأهم تخويف الخوف "بس يصير خوفك يخاف منك..خلص". وهي تروي قصة قبضاي اسمه "الشلف" له أفعال عجيبة، مثل: "ضحك الشلف عن لثة بنفسجية وغمغم: "هربنا الخوف وهربنا حشيشة، وبعدنا منخاف بتبهدل بعد ما تموت.
قصة "احوال الزرافة" عن ساحر يلعب بطريقة عجيبة ويسحر جمهوره لاعجابهم به و"حين تمتلئ القبعة بالمال يستعيد ويز قدرته على الوقوف، يبتسم. يدفن الدولارات في جيبه برشاقة تفوق السحر، فيظهر قلبه في جوف القبعة، يعيد الخافق السعيد الى مكانه وسط تصفيق حاد. أندرو يحس أن قلبه هو سُرق منه. يدير ظهره للساحر وجمهوره ويمشي كأنه في كابوس. راتب أسبوع تبخر في لحظة.. تسع ساعات متوالية كل يوم لدى مكدونالدز وعليك الا تفقد ابتسامتك لأن الزبون ملك "ستوبيد أندرو".
"الساحر يتقدم الجمهور نحو مرتع الزرافات
ماذا يجري؟ صاح أندرو في البنت الصهباء
"ذبابة" صرخت البنت مشيرة الى الزرافة
حقاً ذبابة ذهبية بأطراف سوداء تحوم حول قرني الزرافة
انها ذبابة المريخ يهتف الساحر مشبوباً
انه يوم المجد يرد زنجي سمين
"عاشت الحرية" يصيح عسكري ويعصر خصر خطيبته
"هراء" يبشبش أندرو" انها لعبة اخرى لتسليتكم
الذي يحصل بعد ذلك هذا التواصل العاطفي الذي ينشأ بين أندرو والبنت الصهباء: "روعة" تقول الصهباء، يضحكان ويسيران يداً بيد نحو استراليا الصغرى.
"سويسرا" قصة متخيلة لعالم الريبوت كونترول الذي يحوّل الناس الى ما يشبه الدمية تتحرك بالريبوت، وقد اخترع الكاتب لها بلداً اسمه "أمانستان" على طريقة أفغانستان. باكستان.. الخ. والرموز فيها تكاد تقول عن كل بلد عربي يحكمه حاكم فرد فـ: "الروبوت 16 خبير لدى وزارة الوجدان الوطني، يسكن في حي النداف، حيث البيوت متلاصقة كبيض السمك والناس مضغوطة في شقق مشتعلة بالغسيل المنشور والشجار الدائم. مهمته أن يعاون الشرطة في كشف المعاصي وأسر العصاة لا يتدخل في شؤون أحد ولا يعتدي على مخلوق. لا يضمر ثأراً للذين يشنقون القطط أمام بيته أو يرشقون نافذته بالوحل والروث. بل تراه يمارس يومياته بدقة متناهية: بين السابعة والثلث والثامنة صباحاً يهرول حول الحديقة العامة. ثم يعود الى شقته حيث يستحم ويغيّر هندامه. وفي الثامنة والدقيقة السادسة والاربعين ينتصب كالرمح أمام محطة الباص، لهذه الدقة أطلق عليه أحدهم لقب "سويسرا".
لا يمكن تقديم ملخص لهذه القصص المكتوبة بعصب كاتب موهوب، أعاد للقصة القصيرة هيبتها ومجدها. بعد غياب طويل للقصة العربية. ثلاثون حكاية، ثلاثون قصة، ثلاثون حياة، هي لألف قصة وقصة في حياتنا المعاصرة حيث تنزلق رويداً رويداً نحو الهاوية، فهل الأدب والفن قادران على منع ذلك.
عن المستقبل اللبنانية
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|