http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  ملف حول ماريوفارغاس ليوسا
 


 
ماريوفارغاس ليوسا

حصل الكاتب الروائي البيروفي ماريو فارغاس ليوسا الخميس على جائزة نوبل للآداب لعام 2010، وذلك في اليوم الرابع من أسبوع جوائز نوبل التي تمنحها الأكاديمية السويدية الملكية.
وجاء فوز يوسا بالجائزة "بسبب أسلوبه في بناء السلطة وصوره الغنية للأفراد والمقاومة والثورة والهزيمة"، كما ذكرت اللجنة المانحة لجائزة نوبل للآداب.
ويعتبر يوسا واحداً من أبرز الروائيين وكتاب المقالات في أمريكا اللاتينية، وظهرت شهرته في ستينيات القرن العشرين.
ومن بين أبرز أعمال ماريو فارغاس يوسا، المولود عام 1936 في مدينة أريكبا، الروائية "البيت الأخضر" و"حرب نهاية العالم."
ويأتي فوز يوسا بعد الإعلان عن جوائز نوبل للطب والفيزياء والكيمياء، بينما يتوقع أن يتم الإعلان عن جائزة نوبل للسلام الجمعة، بينما سيعلن عن جائزة الاقتصاد الاثنين المقبل.
وكان الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2009 هي الكاتبة الألمانية هيرتا موللر، التي كرست حياتها لتصوير حياة البؤس والمعاناة في ظل الأنظمة الديكتاتورية، بجائزة نوبل للآداب لعام 2009.
حقائق عن ماريو فارغاس ليوسا الفائز بجائزة نوبل للاداب


حقائق عن الروائي البيروفي ماريو فارغاس ليوسا الذي أعلن فوزه اليوم الخميس بجائزة نوبل للاداب لعام 2010:
- ولد ماريو فارغاس ليوسا في أريكيبا في بيرو في 28 مارس اذار 1936 لابوين من الطبقة المتوسطة ينحدران من اسبانيا. وأمضى فترة من طفولته في بوليفيا ثم عمل صحفيا قبل أن يسافر الى اسبانيا لدراسة الادب.
- أصبح ماريو فارغاس ليوسا شخصية بارزة في النهضة الادبية التي شهدتها أمريكا اللاتينية في الستينات بانتهاجه أسلوبا للكتابة يعتمد التنقل في الزمن والانتقال في السرد بين رواة مختلفين. وكتب في عدة أنواع أدبية من بينها الرواية الكوميدية والبوليسية وروايات الاثارة والتشويق والنقد الادبي.
- كان ماريو فارغاس ليوسا يوما من مؤيدي الثورة الكوبية لكنه تخلى في السبعينات عن ليبراليته وندد بنظام فيدل كاسترو الشيوعي. وأيد نظام السوق الحرة معبرا عن ايمانه بالديمقراطية وكراهيته للنظم الاستبدادية. وأثارت تحولاته غضب كثير من المعجبين بأعماله وزملائه الادباء.
- كانت بيرو تعاني من التضخم المنفلت وعنف حرب العصابات والفساد عندما رشح ماريو فارغاس ليوسا نفسه للرئاسة بصفته مرشحا ينتمي ليمين الوسط ويؤمن بالاصلاح. اقترح خفض الميزانية وانتهاج سياسات السوق الحرة وهو ما أعجب المحافظين الاثرياء واثار مخاوف الفقراء. وخسر أمام ألبرتو فوجيموري وهو أستاذ جامعي اتهم فيما بعد بانتهاك حقوق الانسان في جرائم ارتكبت أثناء رئاسته.
- أثار ليوسا استياء بعض أبناء وطنه عندما حصل على الجنسية الاسبانية وانتقل للاقامة في اسبانيا بعد خسارته انتخابات الرئاسة.
- كان ماريو فارغاس ليوسا يوما يرتبط بصداقة قوية مع الاديب الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز لكن الصداقة تحولت الى واحدة من أشد العدوات في عالم الادب. ووجه فارغاس ليوسا الذي كال يوما المديح لاعمال ماركيز وطلب منه أن يكون الاب الروحي لابنه لكمة قوية لوجه الاديب الكولومبي أثناء وجودهما في مسرح بمدينة مكسيكو سيتي خلفت هالة سوداء حول عينه. وقال شاهد عيان ان فارجاس يوسا غضب لان جارثيا ماركيز حاول التسرية عن زوجته اثناء انفصالهما.
- تحولت عدة روايات من أعمال ماريو فارغاس ليوسا الى أفلام سينمائية ومنها الفيلم الامريكي "تيون ان تومورو" الذي قام ببطولته باربره هيرشي وبيتر فولك وكينو ريفز عالم 1990 والذي اعتمد على روايته "العمة جوليا وكاتب السيناريو".
 
سيرة
ولد الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الثامنوالعشرين من آذار عام 1936. انفصل والداه بعد أشهر قليلة على ولادته، ليتبيّن في مابعد ان والده كان على علاقة بامرأة ألمانية، ما جعل ماريو الصغير يعيش بين شقيقينلأم ألمانية، هما إنريكي وأرنستو فارغاس. حين بلغ يوسا من عمره العشر سنين (1946)،عاد إلى وطنه البيرو مع أبويه الذين استأنفا علاقتهما بعد سنوات من الفتور. قبلذلك، واظبت أمه على إخباره بأن أباه متوفى. فهو كان أمضى الفترة الأولى من حياته فيكوتشابامبا في بوليفيا. وعندما بلغ الرابعة عشرة من العمر، أرسله والده للالتحاقبالأكاديمية العسكرية في ليما. قبل تخرجه بسنة واحدة، كان بدأ العمل مراسلا صحافيالصحيفة "لا إنداستريا"، ثم سرعان ما انسحب من الأكاديمية تلك ليتفرغ للعمل فيالكتابة. اختار دراسة الأدب والحقوق في جامعة سان ماركوس الوطنية في ليما، قبل أنيتزوج بجوليا أوركيدي التي كانت تكبره بثلاثة عشر عاما، فيما كان هو في التاسعةعشرة فحسب. كانت تربطهما صلة قربى، وقد شكل ذلك الزواج المبكر مادة لكتابة عمله "العمة جوليا والناسخ". بعد طلاقه عام 1964، تزوج مرة ثانية في العام التالي، وأنجبثلاثة اولاد: الفارو وغونزالو ومورغانا. تنقل في أنحاء عديدة من أوروبا، وشكلتباريس ولندن ومدريد النقاط الثلاث الأبرز في ترحاله خارج بلاده. بدأ بنشر أولأعماله عام 1957 وكانت عبارة عن قصص قصيرة حملت عناوين كـ"الجد" و"القادة". روايتهالأولى حاربها الجنرالات البيروفيون لما فيها من نقد قاس لممارسات هؤلاء وأسلوبالحياة العسكرية. إلى كونه أحد أبرز الروائيين في العالم، إلا أن للكاتب الحائزنوبل للآداب، هذه السنة، اهتماما ملحوظا بالسياسة. فهوكاتب مقالة من الطرازالنادر، وواحد من أكثر كتاب أميركا اللاتينية المعاصرين قراءة، كما يُنظر إليهكروائي يحمل بصمات في أدب الأجيال الروائية الشابة. يصفه البعض كأكثر كتّاب القارةاللاتينية شهرة وانتشارا، وبذلك يتخطى في نظر هؤلاء أهمية روائيين آخرين كغبريالغارثيا ماركيث على سبيل المثال، الذي جمعهما ما عُرف بتيار "البوم" (boom) الادبي. اشتهر في مطلع ستينات القرن المنصرم مع روايته الاولى "المدينة والكلاب" بين عامي 1963 و1966 وتمحورت حول تجربته في المؤسسة العسكرية. ومع ازدهار أدب اميركااللاتينية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، لمع اسم يوسا ليصبح محط انظارالعالم. تتابعت أعماله كـ"المنزل الأخضر" (عام 1965. نالت أولى جوائز روميللوغوليغوس الادبية عام 1967، واعتبرها الناقد جيرالد ماردين إحدى اهم الروايات فيالادب اللاتيني على الإطلاق). و"محادثة في الكاتدرائية" (بين عامي 1969 و1975). لكنيوسا لم يفرغ كل وقته في الكتابة الروائية، إذ قدم إلى جانب الأعمال التي ثبتت إسمهاللاتيني على أرض العالم، مساهمات نقدية في الأدب، والصحافة بشكل عام. في أعمالهالروائية، تتضح ملامح عديدة يعمد إلى الزج بها وإحاطتها بسياقات وتطورات في العملالواحد، فتلمس الملمح التاريخي، إلى جانب التشويق البوليسي، والمواقف الساخرةوالطريفة، التي سرعان ما تجتاحها تراجيديات متأملة لا تسقط في البكائية، وإنما فيمراجعة الحدث، او الموروث الواقعي (روايتا "الكابتن بانتوخا والخدمة الخاصة" و"العمة جوليا والناسخ" اللتان تحولت كل منهما فيلماً سينمائي في أواخر السبعيناتوأوائل الثمانينات). يبدو تأثر يوسا بمعايشته المجتمع البيروفي تحديدا وسيرتهالشخصية كبيروفي أباً عن جد، واضحا في كتاباته، فهو ينهل من هذه المكتسبات التربويةوالشخصية لتعزيز عناصر عمله الروائي متحدياً المخيلة الادبية بفن الكذب، وبناءخطوطها بصورة متماسكة وعنيدة. إلا أنه لا يخضع لهذه الرؤى بالمطلق وذلك عبراستقدامه شخصيات أخرى تحمل سمات مجتمع آخر في العالم، أو خلفيات ثقافية مختلفة عنسوسيولوجيا البيرو. ولعل هذا اللعب خارج الحيز البيروفي بالمطلق هو ما فتح المجالليوسا نحو اسلوب كتابي قفز من أسلوب الحداثة إلى ما بعدها.  يوسا لا يشذ عن الكثيرمن كتّاب أميركا اللاتينية من حيث انعتاقهم في الشؤون السياسية، الامر الذي ينعكسفي كتاباته. لكن ما يختلف به يوسا عن مجايليه هو تاريخه الشخصي الذي بدأ بانتقالهتدريجيا من المعسكر اليساري الاشتراكي إلى خانة اليمين المتشدد كما يظهر في مواقفهالسياسية. كان أحد المؤيدين للثورة الكوبية وانجذب إلى شخصية فيديل كاسترو تحديداقبل أن ينقلب بشكل صارخ ضد الثائر الأكبر في العالم، وشريكه الاممي غيفارا، وليعلنفي وقت لاحق قطيعته مع الأحزاب والمنظمات اليسارية "المتطرفة"، ليعود فيشن بينالحين والآخر حملات عنيفة ضد كاسترو تحديدا. شارك عام 1988 في تأسيس حركة قامت علىتحالف أحزاب يمينية، وسميت بـ"حركة الحريات"  وقرر ترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسيةالبيروفية عام 1990، إلا أنه مني بالهزيمة أمام المرشح ألبرتو فوخيموري. كانت تلكضربة قاسية ليوسا اجبرته على التخلي عن الطموحات السياسية التي أمل بأن يركبامواجها طمعا بالتغيير. لكن باعه السياسي الطويل أرخى بثقله على تجربته الأدبيةوالشخصية، فأيقن أنه تعلم الكثير خلال أعوام نشاطه السياسي. ولم يتردد غير مرة فيالتطرق الى "فساد السلطة وتحريضها الناس على التضحية بكل شيء في سبيلها". من أعمالهفي الرواية، "شقاوة الفتاة الخبيثة" (2007)، "الفردوس، أبعد قليلاً" (2003)، "حفلةالتيس" (2000)، "حرب نهاية العالم" (1981)، "محادثة في الكاتدرائية" (1969)، "المنزل الأخضر" (1965)، "المدينة والكلاب" (1963)؛ وفي البحث "لغة الشغف" (2001)، "دفاتر دون ريغوبيرتو" (1998)، "رسائل الى روائي شاب" (1997)، "السمكة في الماء" (1993)، "الحقيقة من الأكاذيب" (1990)، "بين سارتر وكامو" (1981)؛ وفي المسرح "مجنون الشرفات" (1993) و"المزحة" (1986). تُرجمت أعماله الى الفرنسية والايطاليةوالبرتغالية والانكليزية والالمانية والروسية والفنلندية والتركية واليابانيةوالصينية والتشيكية، والعربية وغيرها. اما مقالاته فجمعت في ثلاثة مؤلفات صدرت عام 1983، 1986 و1990، وقد قدِّمت في مختارات أعدّها جون كينغ بعنوان "صناعة الموجة". عرف يوسا بمواقفه السياسية المتضاربة، والتي كان بشر بها بتحوله عن معسكر الشيوعيينبعد دعمه الثورة الكوبية. هاجم ماركيث عام 2003، متهما إياه بتملق كوبا والرئيسكاسترو وذلك في معرض بوغوتا للكتاب، ما أثار حفيظة الجمهور الذي لم يستسغ عباراتيوسا القاسية فاضطر الى الخروج من الباب الخلفي للمعرض. كما أن مواقفه الداعمةللسياسات الأمريكية ساهمت في تعزيز الإشكاليات المطروحة بين شخصه وأدبه، أمامباركته للغزو الاميركي للعراق مثلا، فكان عمل على تظهيرها بوضوح من خلال مجموعةالمقالات السياسية الصريحة التي كان يكتبها من دون أن يتعمد البلاغة الخطابية، أواستخدام الاستعارات الادبية، فما للسياسة للسياسة وما للأدب للأدب. حتى أنه زارالعراق، موثقا "يومياته" بنفسه قبل أن يعود فيتراجع عن دعمه للأميركيين، ومن ثميعدل عن موقفه الأخير في ما بعد. كتابة يوسا لا تنتمي الى تيار الواقعية السحريةذلك أنه لا يتعمد صناعة مزيج الواقعي بالفانتازي أو المتخيل على طريقة ماركيز مثلا،فخياله واقعي كما يقول.
في ما يأتي، ترجمة لمقتطف منرواية "الحلم السلتي" لماريو فارغاس يوسا، التي تصدر بالقشتالية في الثالث من تشرينالثاني 2010.

عندما فتحوا باب الزنزانة دخل وميض نور ونسمة هواء،فضلاً عن ضوضاء الشارع التي اطفأتها الجدران الحجرية، استيقظ روجر عندئذ مرتعدا. حاول ان يهدئ روعه وهو لا يزال مرتبكا فلمح طيف الشريف متكئا على الباب. كان وجههمترهلا وشارباه اشقرين وعيناه مقيتتين، كانتا تراقبانه بحقد لم يسع إلى التسترعليه. ها هنا شخص سيحزن بلا ريب في حال منحته الحكومة الانكليزية العفو.
تمتمالشريف كلمة "زيارة" من دون ان يحيد نظراته المتعالية.
نهض وهو يمسّد ذراعيه. تساءل كم استغرق في النوم، والحال ان احد مصادر التعذيب في "سجن بانتونفيل" كانالحرمان من معرفة الساعة. في سجن بريكستون وفي برج لندن كان في وسعه ان ينصت الىقرع الاجراس التي حددت مرور نصف الساعة ثم الساعة، اما هنا فلم تكن الجدران السميكةتسمح بأن يصل الى داخل الزنزانة رجع قرع اجراس الكنائس في كاليدونيان رود او ضجيجسوق ايسلينغتون في حين التزم الحراس الواقفون عند الباب الأوامر ولم يوجهوا اليهالكلام، ولا مرة. فكّ الشريف وثاق يديه وطلب منه ان يسبقه الى الخارج. هل كانمحاميه في الجوار يحمل خبرا مفرحا؟ هل اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارا في شأنه؟ربما كان مبرر نظرة الشريف المشبعة بالتقزز اكثر من اي وقت مضى، اقرار خفض فيعقوبته. مشى في الرواق الفسيح في وسط ابواب الزنازين الحديدية والجدران الباهتة حيثارتفعت نوافذ تفصل بين الواحدة والاخرى نحو عشرين الى خمس وعشرين خطوة وكان يمكن منخلالها رؤية السماء الرمادية موزعةً اجزاء. لماذا أحسّ بالقشعريرة؟ كنا في عزّتموز، في نواة الصيف اذاً، لم يكن ثمة سبب لهذه البرودة التي استبدت بجسده.
عندما دخل الباحة المخصصة للزيارات، شعر بصدمة شديدة. لم يكن المحامي جورجغايفين دافي ينتظره هناك وانما احد مساعديه وهو شاب اشقر وشاحب وبارز العظام التقاهخلال الايام الاربعة التي استغرقتها المحاكمة وكان موكلا حمل الاوراق الى محاميالدفاع. لماذا يبعث الاستاذ غايفين دافي بأحد مساعديه عوضا من المجيءبنفسه؟
توجه اليه الشاب بنظرات ذات برودة طافقة. وجد في حدقيته قرفا وانزعاجا. تساءل روجر عن سبب تلك النظرة "لماذا يبادرني هذا الاحمق بهذه النظرات لكأنيحيوان؟"
-
هل ثمة جديد؟
-
اجاب الشاب بالنفي وهو يومئ برأسه. اخذ نفسا عميقاقبل ان يتكلم:
قال وهو يحرك وجهه على نحو مقيت: "جئت لأكلمك عن طلب العفو، ينبغيلنا الى الان ان ننتظر اجتماع مجلس الوزراء".
شعر روجر بضيق بسبب حضور الشريفوالحارس الآخر في تلك الباحة. على الرغم من انهما التزما الصمت ولم يتحركا، ادركانهما يعيان ما قاله الشاب. جعلته هذه الفكرة يصاب بالاحباط وجعلت انفاسهتتقطع.
-
ألم تصل الاخبار الى سجن بانتونفيل؟ ماذا حصل تماما؟
وفي حال قررالالمان في المحصلة ان يهاجموا بريطانيا العظمى انطلاقا من شواطئ ايرلندا، وفي حالجرى الاجتياح المنتظر وانتصرت المدافع في تلك الاثناء على الوطنيين الايرلنديين، فيحال تطورت الحرب على هذا النحو، فستتحقق احلامه على الرغم من كل شيء.  
قالالمساعد:
-
صار النصر صعبا الان، وربما شبه مستحيل.
كان باهتا وحاول انيتحفظ عن مشاعر الاعتراض، اما روجر فأحس ان الشريف يبتسم على الرغم من انه ادار لهظهره.
-
عمّ تتحدّث؟ كان السيد غايفان دافي متفائلا جدا في خصوص العريضة. ماذاحدث ليبدّل رأيه على هذا النحو؟
أضاف الشاب فيما خفض صوته وصار عسيرا على روجران يفهم ما يقول:
-
ان مذكراته هي السبب. لقد اكتشفتها شرطة سكوتلانديارد فيمنزله في "ايبوري ستريت"
ترجمة ر. ر. عن القشتالية
 
الروائي البيروفي الكبير ماريو فارغاس يوسا لـ"المستقبل
الأدب يمكن أن يستفيد من السياسة لكن لا يمكن أن يُفيدها
المستقبل - الجمعة 8 تشرين الأول 2010 - العدد 3794 - ثقافة و فنون - صفحة 2
حاورته: كوليت مرشليان
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا حائز نوبل للآداب هذا العام زار لبنان، بدعوة من مركز "سيرفانتس" الثقافي في بيروت والتقى قرّاءه ومحبيه في مؤتمر صحافي في جامعة القديس يوسف وفي حفل توقيع لمجموعة كتبه في أكثر من لغة تتحوّل الى تظاهرة ثقافية من قبل الوافدين بهدف لقاء "الروائي ـ النجم"، نعيد نشر المقابلة بمناسبة حصوله على "نوبل للآداب".
ماريو فارغاس يوسا روائي البيرو الأول وأحد مشاهير كتّاب أميركا اللاتينية يعتبر واحداً من الأدباء المناضلين والساعين دوماً الى عالم أفضل بسلاح القلم أو الكلمة. ولد في اريكيبا في البيرو عام 1936 وعاش طفولته وشبابه متأثراً بالجو السياسي العام المحتدم، ما ترك أثراً كبيراً في تكوين ثقافته وإحساسه بالعالم. دخل الكلية العسكرية في منطقة ليما وكان فتياً واستمد مناخ روايته الأولى منها وكان عنوانها: "المدينة والكلاب". هذه الرواية شكّلت انطلاقة قوية له، لكنه أمضى بعدها سنوات في العمل الصحافي قبل أن تصير الرواية عالمه الحسّي وساحة المعركة المفتوحة بجرأة على القول الصريح والنقد اللاذع والسخرية المرّة والفسحة التي يجتمع فيها الواقع بالمتخيّل في هدف واحد أن تكون مرآة العالم الصادقة والمخيبة أحياناً.
عالم ماريو فارغاس تجلّى خطوة خطوة مع كل كتاب كان يصدره ويحمل معه أعباء العالم الخارجي ومعالم عالم جديد يرتسم في مخيلة الكاتب وبعدها في ذاكرة القارئ: "حوار في الكاتدرائية" (1969)، "بنتاليون والزائرات" (1973)، "الخالة فانيا" (1977)، "حرب نهاية العالم" (1982)، "من قتل بالومينو موليرو" (1986)، "الرجل الذي يتكلم" (1987)، "البيت الأخضر" (1966) ومجموعة قصصية أولى (1958)... مؤلفات ماريو فارغاس الغزيرة إن في الرواية أو القصة القصيرة أو في الدراسات والأبحاث الأدبية والسياسية لم تكن كافية لجعله يقول ويحلم ويتمنى كل ما يتمناه لبلاده التي بقيت في أولوياته لما شهده في كل مراحل عمره من حروب وثورات، فخاض الانتخابات الرئاسية عام 1990 لكنه لم يفز بالرئاسة، فعاد الى الكتابة والتأليف وكانت مؤلفات تحكي هذه التجربة الأخيرة بكل تفاصيلها ومفاجآتها وعالمها الخفي والغامض، فكتب: "عيد الكبش" مستعيناً بالواقع لرسم شخصيات الرواية وهي مكرسة لذكرى حقبة سياسية معينة. حاز ماريو فارغاس عشرات الجوائز في حياته كان أبرزها "جائزة أفضل كتاب أجنبي" من باريس عام 1981 عن روايته "الخالة فانيا" والعنوان للرواية مستوحى من كتاب لأنطوان تشيخوف بالروسية "الخال فانيا"، وجائزة "سيرفانتس" الإسبانية التي نالها عام 1995.
عرف ماريو فارغاس حياة حافلة بالمواقف السياسية والفكرية وهو إذ بدأ منتسباً الى الحزب الشيوعي في عمر العشرين، إنحاز كلياً الى اليمين وإلى ليبرالية متطرّفة. وعرف سجالات فكرية واسعة صارت على كل لسان وتناقلتها الصحف، خصوصاً في محاربته للشيوعية وتحديداً كاسترو، فكان لغابرييل غارسيا ماركيز أن وقف الى جانب كاسترو، أما الكاتب الألماني غانتر غراس فدعم ماريو فارغاس وتحوّل في حقبة معينة هذا الرباعي الى بطولة سجالية شكلت الحدث الأول على صفحات الجرائد والمجلات.
عام 1983، أنشأ فارغاس تياراً ثقافياً ليبرالياً مطالباً بالحرية للدول المضطهدة، وأعلن فارغاس أكثر من مرة أنه "يحارب كل الديكتاتوريات اليسارية واليمينية لصالح الديموقراطية الحرة".
كل كتبه تتنفس هواء الحرية وكأن الحرية "أوكسيجانها" وروحها، نذكر أيضاً من كتبه المرصودة للحريات: "السمكة في الماء"، "المجون المستمر" و"ضوء الريح والمدّ" وغيرها... في بيروت كان لنا هذا اللقاء مع ماريو فارغاس لوسا، وفي "أوتيل مونرو" مقابل شارع رياض الصلح أطلّ على بيروت يتأمل ضوءها وأبنيتها وشوارعها وتحدث:
[ كل مؤلفات ماريو فارغاس يوسا تغوص في السياسة، وواقع السياسة المرير في أميركا اللاتينية بشكل خاص. الى أي حدّ تعتبر أن الرواية يمكن أن تكون سلاحاً لمواجهة الواقع أو، بالعكس، وسيلة للهروب من الواقع؟
ـ في هذا المعنى ودائماً يجب ألا ننسى أن الرواية هي وسيلة لتصوير الحياة وكل تفاصيلها وبالتالي فالسياسة جزء من حياة الإنسان، فكيف إذا كنا ننتمي الى بلد يُعرَّف عنه أنه من العالم الثالث حيث تلعب السياسة دوراً أساسياً في حياة الفرد على عكس سياسات الدول العظمى حيث - ولحسن حظهم - هناك ما يشغلهم في الفن والفلسفة والعلم والحياة الاجتماعية أكثر من السياسة على أساس أنها محلولة وواضحة وجلية في كل الأمور، حسب رأي السياسيين فيها، وأعتقد أن الناس في هذه الدول محظوظون. لكن في البيرو وفي كل اميركا اللاتينية السياسة تشغل الناس وبالتالي الكاتب، ولكن أحب أن أضيف شيئاً هنا وهو ان الأدب يمكن ان يستفيد من السياسة لكن الأدب لا يمكن ان يفيد السياسة الا في حال قرار هدم الأدب أو الناحية الأدبية.
حين تصبح الرواية في خدمة قضية لتسويقها أو لضربها يكون الجانب الإبداعي في إجازة لكن ثمة ترابط وثيق وغير مباشر ما بين الرواية والواقع الذي تستقي منه فإذا كان واقع أو محيط الروائي مغمساً بقضايا سياسية ملحة وبالتالي انسانية ملحة لا يمكن ان يغفل الروائي عن واقعه حين يكتب وبالتالي تنتقل أحاسيسه وانفغالاته حيال هذه الأمور من حوله، ولكن يكون الجانب الأهم هنا هو النقد غير المباشر للواقع والإضاءة عليه على أساس أن الرواية هي هنا أقرب من الواقع أو أبعد منه وهذه المسافة هي الفاصل حيث يمكن للإبداع الكتابي ان يشير الى احتمالات أو وجوه أخرى لا نراها في الواقع أو نتوق الى رؤيتها.
[الرئيس والروائي
[ أنت معروف في لبنان على أساس روائي وأيضاً كشخصية عالمية سعت الى الوصول الى رئاسة جمهورية البلاد، في بداية التسعينات. حسب رأيك، ما هو الموقع الأهم: شهرة الروائي العالمية أم موقع رئاسة الجمهورية؟
ـ تعرفين، ليست المرة الأولى التي أجيب فيها عن سؤال مماثل، لكن أحب أن أوضح مرة جديدة الى أنني لست سياسياً بكل معنى الكلمة، لكني مارست السياسة بشكل مختلف لأني في الأساس لم أكن أطمح الى منصب بقدر ما كانت هناك ظروف صعبة جعلتني أشعر بالحماسة للوصول لهدف التوصل الى حلول ممكنة لأمور حياتية ومعيشية وسياسية مزعجة للغاية في بلادي، فأردت أن أتحرك، أن أعبر عن رأيي وكما تعرفين، في بداية التسعينات، كان الجو العام في البيرو رهيباً مع كل الخلافات السياسية وموجات العنف والقتل والوضع الاقتصادي المتردي، مع كل هذا شعرت ومن موقعي كروائي معروف نوعاً ما أنني يمكن ان أخدم بلادي في حال وصولي الى موقع الرئاسة. وبالفعل عملت لهذا الهدف فترة سنوات ثلاث كنت خلالها بعيداً كلياً عن الكتابة إذ لا يمكن ممارسة الأمرين معاً وبالطبع شعرت بأنني لست موهوباً كفاية للاستمرار في هذا المضمار، وعدت الى الكتابة، أي الى موقعي الطبيعي. ولكن لم اتوقف كلياً عن الاهتمام بالأمور السياسية الملحة، فأنا اشارك في ندوات، في برامج، أكتب رأيي في الصحف والمجلات وأعتقد انه ايضاً من واجب المفكر والمثقف ان يهتم بشؤون بلاده والسياسة من حوله.
[المدينة والكلاب
[ لنعد الى بداياتك الأدبية مع رواية "المدينة والكلاب" التي اعطيتها إطار الاكاديمية العسكرية حيث امضيت سنتين من شبابك. هل يمكن القول ان هذه المرحلة طبعت بالفعل كل حياتك وبالتالي أبرز اعمالك الروائية حيث دائماً تكتب عن "الحاجة الى الحرية في وجه القمع وسلطة القوانين المفروضة"؟
ـ اعتقد ان فترة الطفولة والمراهقة وكل ما يجري خلالها من تجارب قاسية أو صعبة هي فترة حاسمة في حياة كل انسان وخاصة في حياة الكاتب لأن هذا الأخير هو في موقع قول أو كتابة أو استرجاع ما ترك أثره فيه، فتطلع عليه هذه التجارب من مرحلة المراهقة المؤثرة. أنا اكتشفت كل مشاكل البيرو السياسية والاجتماعية خلال اقامتي في تلك الاكاديمية العسكرية وتأثرت بشدة حين لمست كم ان البيرو هو في مواقف محتدمة إن في الوضع الاقتصادي أو في ناحية العنف أو في ناحية الفروق الاجتماعية وكل المشكلات التي تنتج عنها من نزاعات وعذابات. لقد نقلت هذا العالم الى روايتي الأولى، لكن الأمر تكرر بأساليب مختلفة في روايات لاحقة وايضاً، كانت لي تجارب أخرى في الحياة توزعت انطباعاتي عنها وأحاسيسي حياليها في كتب أخرى.
[ حين تنظر الى هذه الرواية الأولى "المدينة والكلاب" اليوم كيف تراها وهل كنت لتغير شيئاً فيها؟
ـ بصراحة اراها بعيدة جداً وكأنها في حياة سابقة لي ولكن لا، لا أحب أن أغير فيها. ربما إذا كتبتها اليوم ستكون مختلفة تماماً لأنني أنا تغيرت واكتسبت خبرات كتابية وحياتية مختلفة، لكن الكتاب هو ابن لحظته وتاريخه وموقعه، واحبه كما هو، هناك في تلك الحقبة، وأكثر ما أحب فيه كل المفاجآت التي حملها معه لي، فهو الكتاب الذي جعلني انتشر أكثر وخاصة بعد أن تمت ترجمته الى لغات عدة.
[ روايتك الثانية "البيت الأخضر" كانت مختلفة تماماً عن الأولى، كما هي لا تشبه كل ما كتبته من بعدها.
فهي مميزة بإطارها الجغرافي المتنوع. كيف ولدت هذه الرواية؟
ـ بالفعل هذا الكتاب هو ربما أكثر كتبي الذي يشير الى وجه البيرو في أبهى حقيقته: أنه وجه التنوع وتضارب الحضارات والفوارق الاجتماعية. جعلت الجزء الأول منها في منطقة الغابات البيروفية حيث الإنسان هناك بعيد عن كل التطوّر اليومي، والجزء الثاني تجري أحداثه في منطقة ساحلية قريبة من وسط البلاد حيث الحياة الاجتماعية غنية، ومتعددة، وهذا التضارب والتناقض حاولت اظاهره في البعد النفسي والاجتماعي والميتولوجي لكل منطقة. وهذا امر يميز البيرو بالفعل، فيمكن أن تزوري أمكنة في البيرو متحضرة وتلحق بالتطور الحضاري الى أقصي حد ويمكن بعد ساعات ان تكوني في منطقة نائية تعيش بأسلوب القرن التاسع عشر أو أحياناً القرون الوسطى! وهناك امر آخر أحب أن أضيفه حول هذه الرواية وهو انها من أكثر أعمالي التي عملت فيها كثيراً على شكل الرواية وأسلوبها ومناخها، وهي من الأعمال القريبة جداً مني، فأنا كتبتها وأنا مقيم في باريس في العام 5691 وكنت أشعر بالحنين الكبير الى البيرو وربما لهذا السبب كانت الجغرافيا شيئاً مهما فيها، إذ كنت كلما أفكر ببلادي تتراءى لي مشهدية الغابات الكثيفة وغيرها من المشهديات الحميمة.
[ لو لم تكن مولوداً في البيرو وتحديداً في العام 1936، إلى اي عصر كنتَ تتمنى أن تنتمي؟ وإلى أي مناخ ادبي وفني واجتماعي؟
ـ آه، أنا أحب كثيراً القرن التاسع عشر، انه قرن الرواية بامتياز، ولا يهمني إلى أي مكان كنتُ سأنتهي لأن الرواية تتواصل عبر كل البلدان والعواصم. وأحب الروايات إلى قلبي تلك التي ولدت في القرن التاسع عشر: روايات دوستويفسكي وبلزاك وفلوبير، ملفيل وغيرهم... في تلك الحقبة، كانت الرواية فاعلة.
[ ما هي الروايات التي تركت أثرها فيك؟
ـ الكثير من الروايات، ولكن في سن المراهقة، احببت بشغف كل روايات المغامرات وعلى رأسها كل اعمال الكسندر دوما، بعدها أحببت الكثير من الكتاب الأوروبيين والأميركيين، هؤلاء الذين صاروا اليوم في عداد الجيل المفقود: همنغواي، دوس باسوس، فيتزجيرالد وخاصة فلولكنر الذي اكتشفت معه كيف ابني رواية، كيف أعالجها واصل معها وتصل معي.
وبعدها فلوبير، اكتشفته عام 1959 ثم رحت اقرأه وأقرأه. والطريف في الأمر انني اكتشفت آداب أميركا اللاتينية في أوروبا حين كنتُ اعيش ما بين باريس ولندن، هناك قرأت بورخيس وماركيز، أونيتي، وكورتزار وغيرهم... لأني لم اكن اعرف اميركا اللاتينية في وجهها الحقيقي حين كنتُ اعيش فيها، فهناك البلدان لم تكن تتواصل بالفعل وبالتالي لم نكن نقرأ روايات المنطقة كما نقرأ روايات أوروبية... اليوم، تغير الوضع لكن أنا اتكلم عن فترة الخمسينات.
[طقوس
[ لنتعرف اليك أكثر، هل تخبرنا كل تفاصيل وأمكنة الكتابة لديك؟ اين تكتب ومتى وكيف؟
ـ أنا أكتب كل يوم وفي كل الأوقات خاصة في الصباح الباكر، وبعد الظهر حين أكون في باريس، في المقاهي او في مدينتي ليما ابقى في منزلي.
احب كثيراً ان اكتب في المقهى حين أكون في مدريد او في باريس وفي المنزل حين أكون في ليما أو في لندن انا حالياً اتنقل بين هذه البلدان جميعها.
[ ليست المرأة حاضرة دوماً في أعمالك، الى اي حد تحب ان تكتب عن المرأة أو العلاقات مع المرأة؟
ـ هي دائماً موجودة بشكل أو بآخر، لكن اذا اردت أن اقول انني كتبت فعلاً عن المرأة والحب فهو كتابي الأخير الذي سيصدر قريباً وعنوانه: "مكائد الفتاة المحتالة" او ما شابه. لا أعرف لماذا كتبته الآن لكنها قصة حب طويلة تستمر 40 عاماً: تبدأ في البيرو في الخمسينات ثم تنتقل الى باريس في الستينات وبعدها الى لندن واسبانيا...
[ في كتابك "نصف قرن مع بورخيس" كتبت عن "ذاك السر الذي يدعو الي القلق وهو الكمال". كيف تحدد الكمال؟ وكيف تسعى إلى بلوغه؟
ـ اجل اعتقد ان الكمال هو سر غريب ومقلق. بالطبع لا يمكن أن نبلغ الكمال في حياتنا ولكن نشعر من وقت إلى آخر اننا نقدم باتجاهه خطوات قليلة. هناك دائماً حلم الكمال حيث هناك يحصل الدمج ما بين الشكل والمضمون في كل شيء تختفي الحدود وكل شيء يضمحل ويندمج في شيء واحد.
الكمال ربما هو أيضاَ في الجمال المطلق اضافة إلى الحقيقة المطلقة ولكن هذا صعب لذا لا نقارب الكمال الاّ في لحظات قليلة وباحاسيس خفية تجعلنا نشعر احياناً مثلاً اننا امام شيء من الكمال مثل تحفة فنية او كتاب رائع. امام شيء كهذا نشعر بأننا نمتلئ، نشعر ايضاً بعجزنا، الفن، الادب احياناً قليلة وليس دائماً يعطينا هذا الشعور بالامتلاء بالكمال.
[ هل من أعمال فنية او أدبية جعلتك تشعر بهذا الاحساس بالكمال؟
ـ بالطبع، بشكل أو بآخر، بمقدار أو بآخر يمكن أن أقول مثلاً: "دون كيشوت"، "مدام بوفاري"، "الحرب والسلم"، "عوليس" لجويس "موبيديك"، "الشياطين"، لدوستويفسكي.... وأجمل ما في الأمر ان كل الذين يصلون إلى شيء من هذا الكمال لا يشعرون بالأمر، بل نحن حين نقرأهم نتلمس بعض مظاهر الكمال
الفائزون في السنوات الـ15 الأخيرة بجائزة نوبل للآداب
[ 2010: ماريو فارغاس يوسا (البيرو)
[ 2009: هيرتا مولر (المانيا)
[ 2008 : جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا)
[ 2007 : دوريس ليسينغ (بريطانيا)
[ 2006: اورهان باموك (تركيا)
[ 2005: هارولد بينتر (بريطانيا)
[ 2004: الفريدي يلينيك (النمسا)
[ 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا)
[ 2002: ايمري كرتيس (المجر)
[ 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا)
[ 2000: غاو سينجيان (فرنسا)
[ 1999 غوتنر غراس (المانيا)
[ 1998: جوزيه ساراماغو (البرتغال)
[ 1997: داريو فو (ايطاليا)
[ 1996: ويسلاوا سيزمبورسكا (بولندا)
·          
·         رجل المتوهم ... صديق الكاتب وقرينه
 
بندر عبدالحميد
لعل معظم روايات الكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا تأخذ شكل التحريات الدقيقة عن الإبرة الذهبية في كومة القش. وقد تكون هذه الإبرة حدثاً ما في فترة محددة، أو شخصية ما، تدور حولها أحداث وشـخصيات أخرى
وغالباً ما تأتي التحريات على شكل تحقيق أو شهادات أو استطلاع للرأي والرأي الآخر، ومن هذه وتلك يستجمع يوسا الخيوط الملونة التي ينسج منها حكاياته، أو يرسم مشاهد من صور متحركة، متغيرة على شاشات متعاكسة أو مواربة
هذه التحـريات الروائية الدائبة، بما فيها من التفاصيل الدقيقة، تطمح دائماً الى تحليل الفعل ورد الفعل والشخصيات المركزية أو الثانوية العابرة، وترصد العنف الذي يجلب مزيداً من العنف، وإذا كان غابرييل غارسيا ماركيز يعتقد أن العنـف هو قدر أميركا اللاتـينية فإن ماريو بارغاس يوسا يستعير في افتتاحية روايته «ليتوما في جبال الأنديز» ما قاله وليم بليك في قصيدة «شبح هابيل»: «مدينة قابيل شيدت بالدم البشري، وليس بدم الثيران والماعز»
فالعنف ليس جديداً في أميركا اللاتينية، فهو يمتد بجذوره البعيدة إلى نحو خمسمئة عام، زمن المواجهات الضارية بين السكان الأصليين والفاتحين الأوائل. أما جذوره الجديدة فتمتد إلى نحو نصف قرن، حين تشكلت المجموعات المسلحة المتطرفة كأجنحة للأحزاب اليسارية، أو شظايا انشطرت عنها. في الرياضة الصباحية على كورنيش بارانكو، في «ليما» عاصمة البيرو تلتقط عين الكاتب، الذي كان مرشحاً للرئاسة في هذه البلاد، مشاهد البحر والسماء والطيور وزوارق الصيادين والجزر البعيدة، وهي مشاهد جميلة لأنها طبيعية.
ولكن مشاهد المدينة بعيدة من الجمال، فهي محاصرة بالجدران والشباك الحديد وهوائيات التلفزيون والقمامة والكلاب المشردة، وثمة مشردون يبحثون بين أكوام القمامة عن الفضلات... إنه البؤس، وللبؤس صور تتداعى من الذاكرة، بتأثير المشاهد الخارجية من أحياء ليما الهامشية بما فيها من فقر ودم ورعب.
وهذه صورة زميل الطفولة «مايتا» تزيح كل الصور، وتحتل شاشة الذاكرة، كان مايتا مختلفاً عن كل الآخرين من طلاب المدرسة المتوسطة التي تضم مزيجاً غريباً من الأعراق المختلطة والمركبة عبر الأزمنة.
لا بد من البحث عن مصير «مايتا» بعد ربع قرن، ولكن لماذا مايتا، بالذات، وليس غيره من عشرات الناس الذين عرفهم الكاتب بعمق، وعايشهم أو اختلف عنهم، أو تعامل معهم بالأشكال المألوفة أو الغريبة للتعامل مع الآخرين؟! ربما لأن مايتا شخصية عبثية تراجيدية، وصورته تشبه صورة شعاعية عن البؤس في البيرو. وتأتي خصوصيته من ميله الى التدمير الذاتي والتمرد والانشقاق، وهو ليس انتهازياً على كل حال، فهو بسيط وعنيد، يفعل ما يقول، ويتأمل ما حوله جيداً، ولهذا فهو يتحول ويتغير، ويغامر ويتحمل مخاض المغامرة.
ومع كل هذا وذاك كان مايتا يحمل أوهاماً ويعيشها، وهو يطمح ان ينجز شيئاً ما، يعطيه للآخرين، حتى لو كان ذلك وهماً كبيراً.
حينما كان مايتا في المدرسة المتوسطة كان متديناً في شكل خاص، يرسم اشارة الصليب عندما يمر أمام أية كنيسة، وكان يحرم نفسه من الطعام، باستثناء طبق حساء ظهراً وقطعة خبز مساء، ليتماثل مع الفقراء، بدافع التضامن المسيحي والإنساني، وقد انتهى به هذا النوع من الصوم الى المستشفى. وحينما توفيت أمه انتقل ليعيش مع خالته دونا خوسيفا، لأن والده كان اختفى قبل ان يولد.
كل هذه المعلومات كانت قديمة في ذاكرة المؤلف، ولكن ماذا حدث بعد ربع قرن؟... إنه لا يعرف شيئاً مؤكداً ودقيقاً سوى نتف من الأخبار وقصاصات الصحف التي لا تعطي تفسيراً واضحاً للتحولات التي مرت بها شخصية مايتا من الورع الديني الى التطرف اليساري. انها مهمة صعبة للبحث في تحولات رجل مغمور.
ولكي يستجمع المؤلف كل الخيوط المتشابكة في قصة مايتا لا بد له من الإمساك برأس الخيط الأول: خالة مايتا التي كانت تعيش مع ابنتيها قبل زواجهما وسفرهما الى فنزويلا، وكان المؤلف يعرفها حينما كان يزور بيتها مع مايتا في ايام الدراسة في المتوسطة. يهتف لها فتوافق على ان يزورها، ولكنه يجد صعوبة في موافقتها على الحديث عن كل ما تعرفه عن مايتا الذي ابتعد عنها حينما بدأت الشرطة تبحث عنه.
تطول رحلة البحث وتطول الحوارات مع نماذج بشرية من مستويات مختلفة، وفي كل مرة يؤكد الكاتب للذين يلتقي بهم انه يريد ان يكتب رواية عن مايتا، وأن الكتابة انطلاقاً من التاريخ تحتاج الى الكذب، وحينما تسأله خوانيتا، اخت باييخوس: لماذا كل هذا الجهد، لماذا تحاول تقصي ما جرى؟ لماذا لا تكذب منذ البداية؟ يجيبها: لأنني واقعي، احاول ان اكذب في رواياتي، وأنا اعرف السـبب، انه اسلوبي في العمل... وهكذا يستمر في البحث عن بقايا «مايتا» وحينما يجده تبدأ حكايات اخرى
·         الروائي الذي جعل من أميركا اللاتينية «أرخبيلاً»
الجمعة, 08 أكتوبر 2010
صالح علماني *
في كتابه «معجم عاشق لأميركا اللاتينية»، يقول ماريو بارغاس يوسا «اكتشفتُ أميركا اللاتينية في باريس، في الستينات. وحتى ذلك الحين كنتُ شاباً بيروياً، فضلاً عن قراءة كتاب بلدي، كنت أقرأ بصورة حصرية تقريباً كتاباً أميركيين شماليين وأوربيين، وبخاصة الفرنسيين منهم. وباستثناء بعض المشهورين جداً، مثل بابلو نيرودا وخورخي لويس بورخيس، لم أكن أكاد أعرف كاتباً أميركيين لاتينيين، ولم أكن أفكر في تلك السنوات بأميركا اللاتينية كجماعة ثقافية، وإنما كأرخبيل من البلدان التي لا يربط أحدها بالآخر إلا القليل»
هكذا كانت رؤية بارغاس يوسا هذه لقارته التي صار أحد أبرز وجوهها الثقافية، وأحد خمسة كتاب من بلدان القارة اعتبُروا منذ أواخر الستينات رؤوس ما سمي تيار الواقعية السحرية، غابرييل غارسيا ماركيز (كولومبيا)، كارلوس فوينتس (المكسيك)، خوليو كورتاثار (الأرجنتين)، خوسية دونوسو (تشيلي)، وماريو بارغاس يوسا (البيرو). هذا التيار الذي تزامن مع الثورة الكوبية وحركات حرب العصابات في بلدان أميركا اللاتينية، رسم وجهاً جديداً لقارة كانت منسية، وفرضها على الثقافة والسياسية العالميتين.
واليوم بتكريس هذا الجيل من الكتاب مجدداً بجائزة نوبل لأحد الخمسة الكبار، يعني أن الجائزة الأولى التي مُنحت لغارسيا ماركيز لم تكن كافية، ويجب تأكيدها بآخر، بعد وفاة اثنين من هؤلاء الكتاب (كورتاثار ودونوسو)، على رغم أن الكاتب الخامس، المكسيكي كارلوس فوينتس، ظل يردد منذ العام 1982، أن جيله جله قد نال الجائزة العالمية عندما نالها غارسيا ماركيز.
صاحب الجائزة هذا العام، ماريو بارغاس يوسا ولد بمدينة أريكيبا في البيرو في 28 آذار 1936، وقد برز يوسا إلى الشهرة في العام 1962 بروايته «المدينة والكلاب» وتناول فيها تجربته حين كان تلميذاً في مدرسة لورنثو برادو العسكرية، وقد استثارت الرواية في حينها حنق السلطات العسكرية في بلاده إلى حد الاحتفال بإحراق نسخ منها في إحدى ساحات العاصمة ليما، لما فيها من كشف لفساد الأوساط العسكرية، ولكن بارغاس يوسا لم يتورع بعد ذلك عن توجيه سياط نقده إلى تلك السلطات وفسادها في أعمال أخرى مثل «من قتل بالومينو موليرو» و «بانتاليون والزائرات» التي تحولت في العام الماضي إلى عمل مسرحي أوبرالي عرض في أحد مسارح برودوي في نيويورك. وتعاظمت شهرة بارغاس يوسا مع روايته الثانية «البيت الأخضر» التي نالت جائزة روميلو غاييغوس، أرفع جائزة أدبية في أميركا اللاتينية، وكان أول من حصل على هذه الجائزة عام 1967، لينالها بعده غابرييل غارسيا ماركيز في العام التالي.
ظل بارغاس يوسا على علاقة حميمة بفيدل كاسترو والثورة الكوبية حتى بداية عقد السبعينات، ولكنه منذ العام 1971 فك ارتباطه بكوبا وثورتها، وصار من أبرز المعادين للنظام الاشتراكي فيها، وهو يورد لذلك أسباباً منها التضييق على الحريات واعتقال بعض الكتّاب، بينما يوردون الكوبيون أسباباً أخرى موسعة ومفصلة جداً لا متسع لذكرها، ولكن يبدو أن الجشع المادي أبرزها.
كما أن بارغاس يوسا قطع علاقته بصورة فظة مع صديقه الحميم وصاحب نوبل الآخر من جيله، الكولومبي غارسيا ماركيز، وكان قطع العلاقة بحادثة دراماتيكية عندما وجه لكمة مفاجئة لصديقه الذي كان يتقدم منه ليحتضنه، وقد صدر كتابان في إسبانيا حول تلك اللكمة التي ورّمت عين ماركيز، ولكن أياً منهما لم يشأ أن يذكر سبب ذلك الخلاف.
لقد ظل بارغاس يوسا ينتظر هذه الجائزة منذ عقدين، موقناً من أنه سينالها، ولكن خيبة الأمل ظلت تواجهه سنة بعد أخرى. وقد أخبرني صديق ناقد بيروفي متخصص بدراسة أعمال بارغاس يوسا أن الأيام التي كانت تسبق إعلان الجائزة كل عام تتحول إلى كابوس في منزل الكاتب. فالأسرة كلها تظل متوترة، مشدودة الأعصاب، تنتظر اتصالاً لا يأتي... ولكن هذا الاتصال وصل أخيراً لكاتب جدير بالجائزة حقاً، ويأتي نيله هذه الجائزة قبل أسابيع من صدور روايته الجديدة «حلم الكلتي» التي ستصدر في الثالث من تشرين الثاني ( نوفمبر) القادم، والتي يتناول فيها الوضع الاستعماري في الكونغو خلال الحكم البلجيكي في تلك البلاد، والطريف أن صاحب رواية «قلب الظلام» جوزف كونراد سيكون أحد شخوص رواية يوسا الجديدة.
لقد تُرجمت معظم أعمال بارغاس يوسا إلى العربية، وكان لي شرف ترجمة عشر كتب له، ومن كتبه المترجمة إلى العربية: «البيت الأخضر»، و«بانتاليون والزائرات»، و«قصة مايتا»، و «ليتوما في جبال الأنديز»، و«امتداح الخالة»، و«دفاتر دون ريغوبيرتو»، و «حفلة التيس»، و«شيطنات الطفلة الخبيثة»، ودراسة نقدية تعليمية بعنوان «رسائل إلى روائي شاب».
قبل سنوات، وعندما كنت أقرأ روايته «شيطنات الطفلة الخبيثة»، وكانت قد صدرت حديثاً، التقيت بالكاتب في منزل السفير الإسباني في دمشق، فصارحته بأني وجدت خطأ تاريخياً في الكتاب، وهو شديد الحساسية لمثل هذا النوع من الأخطاء، فسألني غير مصدق: هل هو موجود هكذا في الكتاب؟ فأكدت له، فلم يجد بدلاً من تحويل الأمر إلى المزاح بالقول: إنها سقطة الشاعر. وقد ترجمتُ الكتاب في ما بعد، أبقيتُ الخطأ التاريخي على حاله.
* كاتب فلسطيني، ترجم أعمالاً ليوسا
.
 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free