الذكرى المئوية الأولى لغرق "السفينة التي لا تغرق"
احتفالات وتذكارات وأقنعة وآثار ورسائل في استحضار الـ تيتانيك
كوليت مرشليان
كان ذلك في العاشر من نيسان 1912 حين ترقبّ العالم بأسره وبلهفة لم يعرف مثلها التاريخ الحدث الصناعي والتكنولوجي والسياحي الضخم وهو قيام السفينة "تيتانيك" بأولى رحلاتها من بريطانيا الى الولايات المتحدة الأميركية قاطعة المحيط الأطلسي. كان ذلك بعد حملة إعلانية واسعة في الصحف آنذاك تحدثت بإسهاب عن ذلك الانجاز الكبير الذي حققه الانسان عبر تلك السفينة العملاقة والتي كان شعارها: "السفينة التي لا تغرق".
كان ذلك في العاشر من نيسان 1912 حين ترقبّ العالم بأسره وبلهفة لم يعرف مثلها التاريخ الحدث الصناعي والتكنولوجي والسياحي الضخم وهو قيام السفينة "تيتانيك" بأولى رحلاتها من بريطانيا الى الولايات المتحدة الأميركية قاطعة المحيط الأطلسي. كان ذلك بعد حملة إعلانية واسعة في الصحف آنذاك تحدثت بإسهاب عن ذلك الانجاز الكبير الذي حققه الانسان عبر تلك السفينة العملاقة والتي كان شعارها: "السفينة التي لا تغرق".
وقد رافق يومها احتفال ضخم الإبحار الأول للتيتانيك أمام رصيف "ميناء كوين ستون" البريطاني حيث احتشد الآلاف من الناس ليشاهدوا تفاصيل الحدث: وصول المسافرين، وجمال السفينة العملاقة الراسية على بعد قليل من المرفأ شامخة هائلة بحجمها وروعتها، فارتفعت الهتافات وعلا التصفيق ولوّحت الأعلام للمسافرين على أنغام الفرق الموسيقية المحتفلة. وكان يومها قد تنازع شعور الغيرة أولئك الذين بقوا على الرصيف من المسافرين وكان معظمهم من الطبقة الميسورة نظراً لثمن بطاقة السفر المرتفع نسبياً. كما شعر كل مسافر بالفخر والاعتزاز من دون شك بمشاركة هذا الحدث التاريخي: فالسفينة تلك والتي كان اسمها كاملاً: "آر.إم.سي تيتانيك" اعتبرت أعظم انجاز بشري في الهندسة البحرية وكانت تملكها شركة "وايت ستار لاين" وتمّ بناؤها في حوض "هارلاند آند وولف" لبناء السفن في بلفاست وتعرف اليوم بإيرلندا الشمالية.
الاصطدام
هذه الباخرة التي انطلقت في أولى رحلاتها في العاشر من نيسان 1912 وبعد أربعة أيام من انطلاقها اصطدمت بجبل جليدي ضخم في 14 نيسان قبيل منتصف الليل أدى الى غرقها بالكامل عند الساعة الثانية وأربعين دقيقة عند الفجر، أي بعد ساعتين و40 دقيقة فقط على الاصطدام.
كانت الصدمة هائلة على أصحاب السفينة وكذلك على أهالي المسافرين الذين كان عددهم لحظة انطلاقتها 2223 راكباً فغرق منهم 1517 مسافرا ونجا 706 منهم فقط وكانوا من جنسيات مختلفة، وقد غرق فيها عدد كبير من الرجال لأن الأولوية كانت لإنقاذ الأطفال والنساء. وقد عُزي سبب ارتفاع الغرقى الى سوء تقدير واحد في انجازها وهو أن عدد قوارب الانقاذ كان يكفي لانقاذ 1187 شخصاً في حين أن حمولتها القصوى قد تصل الى 3547 شخصاً. وأبرز التحليلات أشارت الى أن عدد القوارب الخاصة بالانقاذ كانت قليلة لأن بناء التيتانيك كان مرتكزاً على فكرة واحدة وهي أنها الباخرة الوحيدة عبر البشرية التي استخدم في بنائها أكثر أنواع التقنيات تقدماً وحملت الشعار التالي: "الباخرة التي لا تغرق"، وكان من المتوقع لها أن تقوم بآلاف الرحلات السياحية عبر العالم في العشرات من السنوات القادمة، فكانت مهزلة القدر أنها غرقت في أول إبحار لها، فكانت الصدمة عالمية لأنها زودت أعلى معايير السلامة، وحتى اليوم لم تعد هذه التجربة بهذا الحجم.
هذا الحدث الذي لم يعد يعني بريطانيا وحدها، تذكرّه العالم بأسره أكثر من مرة في مناسبات كثيرة، وكان أبرزها الفيلم "تيتانيك" للمخرج الأميركي جايمس كاميرون الذي قدّم تحفة فنية في تصويره للحدث عبر انتاج ضخم قيل انه بلغ ضعف تكلفة السفينة بحد ذاتها، وكان ذلك في العام 1997.
واليوم يحتفل العالم بالذكرى المئوية لغرق السفينة عبر احتفاليات متنوعة في كل عواصم العالم وأهمها معرض "تيتانيك بعد مئة عام" في "متحف الرسائل والمخطوطات" في باريس بين 12 نيسان و29 آب، ومعرض "إسباس تيتانيك في مدينة البحر" في شيربورغ ابتداء من 10 نيسان، كما يُقام في 11 نيسان أكبر مزاد علني في نيويورك لشركة "غيرنساي اكسيونرز اند بروكزر" حول نحو 5500 غرض تمّ العثور عليها في التيتانيك. وقد تكون من أكثر الوثائق المعروضة المؤثرة تلك الرسائل القليلة التي خطّها بعض الركاب الى أصدقاء أو أقارب أو أحباب ووضعوها في البريد قبيل المغادرة أو أودعوها صندوق بريد السفينة أو التليغرافات القليلة المرسلة من قبل طاقم السفينة، منها ما بدأ بوصف الأجواء الجميلة للرحلة الأولى، أو وضع ملاحظات حول بعض الأغراض النافرة إن في مطبخ السفينة أو في الحاجيات المطلوبة من المسافرين، وصولاً أخيراً الى تليغرافات من نوع "نتلقى بعض الرسائل الصوتية حول امكان تزايد الجليد هذه الليلة بسبب رداءة الطقس والبرد الهائل...".
وبعدها ماذا يشير الى مصير مجهول، وأخيراً جبل أسود ابتلعه البحر وأرساه في أعماقه الى الأبد: "يؤسفني أن أبلغكم أن التيتانيك قد غرقت هذا الصباح" تيليغراف أخير لم يكن من السفينة انم من بروس ايسماي الذي كان حينذاك مدير "وايت ستار لاين"... ثم توالت الرسائل التي تحدثت "عن جبل جليدي هائل" وعن "خسائر في الأرواح لم يتم احصاؤها بعد...". الى جانب تيلغرافات كاذبة كانت قد نشرت بعض الشائعات حول مصير السفينة ليلة وقوع الحادثة تمّ إرسالها الى السيناتور في ولاية فيرجينيا جاء فيها: "السفينة بخير وهي تتجه الى هاليفاكس في كندا بعد أن غيّرت اتجاهها وكل الركاب بخير وأمان...". لكن سرعان ما تأكدت الشائعة ومن بين الركاب بقي نحو 750 نجوا من الغرق.
أما أسطورة السفينة التي بدأت خيوطها من حول المأساة لتحويلها الى أيقونة من الأحاسيس البشرية الهائلة والتي فيها الكمّ العظيم من المشاعر القوية: الخوف، القلق، العذابات النفسية والجسدية، الاحساس بالخسارة والفقدان وأخيراً الموت المخيف وسط المحيط الأطلسي الهائل وفي مياهه الباردة والمتجلّدة، فقد صارت رمزاً فيه من البعد الملحمي ما جعل عدداً كبيراً من الفنانين يتأثرون بها ويبدعون في تخليد ذكراها، وفي رأس اللائحة فيلم المخرج جايمس كاميرون "تيتانيك" عام 1997 الذي استند الى بعض الشهادات القديمة حول الحادثة وعلى أربعين صفحة من مذكرات هيلين شرشل كاندي الصحافية التي كانت موجودة على متن السفينة في إبحارها المشؤوم والتي كتبت قصتها أو قصة حبها أيضاً على متن السفينة، غير أنها يوم أبحرت كانت تبلغ 53 عاماً. أما كاميرون فجعلها شابة ولعبت دورها الممثلة كايت وينسلت في قصة الحب الرائعة الى جانب الممثل ليوناردو دي كابريو وكان اسمها في الفيلم روز مع شخصية روز العجوز التي نجت من الغرق وتخبر قصتها من بُعد.
ومن كلمات هيلين كاندي في مذكراتها: "كنت أستعد لأخذ حمام ساخن وكانت الموسيقى الطالعة من موتورات السفينة تعلو وتصدح وتغني بإيقاع. فجأة أحسست بصدمة. نظرت الى الخارج فرأيت "قمة آرارات" تنحدر فوق "سفينة نوح" المنقلبة"... وهذا في وصفها للحادثة وهي احتفظت بمذكراتها في صندوق حديد فلم تتعرض أوراقها للبلل... كذلك كتبت! "... في زاوية كان يجلس هذا الثنائي العجوز وكان الاثنان يشبكان اليد باليد وينظران الى ما يجري حولهما بهدوء. سألهما أحدهم بالصعود الى قارب النجاة ووقع الاختيار على المرأة لأن القانون الذي ساد تلك اللحظة كان انقاذ النساء والأولاد فقط... فرفضت المرأة وابتسمت بهدوء وهي تقول: "سأموت مع زوجي، شكراً"...
كما تعرض بعض الوثائق المتعلقة بالحدث مثل الملصقات الاعلانية التي استخدمت في كل الأراضي البريطانية قبل أسابيع من موعد الرحلة، أو الأوراق المطبوعة التي وزّعت للمسافرين وفيها كل مخطط السفينة ليتمكن من الوصول الى كل الأمكنة التي يرغب في زيارتها أثناء الرحلة: الحمامات، حوض السباحة، غرفة الطعام، الصالون... وصولاً الى أشرطة الـ"دي.في.دي" التي تحوي كل التصوير الذي قامت به الروبوتات التي تمّ إرسالها الى قعر المحيط لتصوّر ما تبقّى من "التيتانيك" وكان ذلك ابتداءً من العام 1985، وقد وصلت الكاميرات الى عمق 3800م وصوّرت الدرج الطويل و"الحمامات التركية" حيث ما زالت الزجاجيات الملونة والمرصعة على حالها...
صور فوتوغرافية مما بقي من "التيتانيك" وأخبار عن أحوال الذين تمّ إنقاذهم، وذكريات حول الذين رحلوا في تلك الليلة الباردة ليغفوا على دفء أحلامهم التي ربما راودتهم في اللحظات الأخيرة قبل الغرق والسفر الى عمق الليل والمحيط.
|