http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  الشتاء والكتابة
 

الشتاء والكتابة
هل يمكن أن يداهمنا فعل الكتابة من خارج سياقاته وأسناده النفسية والإجتماعية والثقافية والسياسية والمكانية والإثنية ..؟ طبعا قد يبدوهذا السؤال مجانيا على غرارسؤالنا هل يؤدي الغرق حتما إلى الموت ؟ أو هل تمازج اللونين الأزرق والأحمريؤدي حتما إلى صنع كيمياء اللون الأخضر؟ يقينا أن فعل الكتابة يأتي من كل ما أحاط ويحيط وماقد نترقب أن يحيط بها من عوامل وأمكنة وقد يأتي أحيانا حتى من الفراغين الفيزيقي والمعنوي : أي من رعب الخواء ورعب الفقدان الجواني ...
ونحن على عتبة الولوج يوم الثلاثاء 21 دجنبر2010 إلى فصل الشتاء بما يغمرنا به من حس متفرد ووجدان خاص إرتبط غالبا بالتكاؤب والرمادية والضبابية والإنطواء والدفق الرومانسي ، هل يمكن أن تنخرط معنا الكتابة في لعبة هذا الفصل القادم ؟
لقد قاربت العديد من المجلات والملاحق الثقافية في بعض محاورها تيمة الصيف والكتابة أو البحروالكتابة لكن قلما حاولت هذه المنابرأن تجترح سرالعلاقة بين الشتاء والكتابة ، تلك المظلة الرمادية التي يحتمي تحتها الكاتب ليخط ذاته على وقع نقرات الأمطارعلى زجاج نافذة غرفته المعزولة أو يكتب بحرارة ذلك الموقد الذي يرتكن إلى دفئه ليحاورنارالكتابة وليجعل من جمرالمواقد وحطبها سلاحا لمقاومة الصقيع ولتأمين إستمرارية وجوده ...
وأعتقد أن القول بإنغمارالكتابة في طقسها البراني هي مجرد خدعة أوإنخداع حيث أنها تبقى خاضعة لعامل النسبية ولوكانت الكتابة تأتمربأوامرفصولها الأربعة لكان جل الأدب الفلندي والنمساوي يقطرماءا ولكان كل الأدب الكارايبي يعبق بنسائم الخلجان العميقة وهديرالأمواج السامقة ... وبعد كل ماقيل هل ستبلل الأمطارحتما أوراقي هذا الشتاء ؟ لست أدري ، كل ما أعلمه أن قصيدة (مطر..مطر..مطر) للشاعرالراحل بدرشاكر السياب لم تولد من رحم مظلة أو من بطن غيمة وهي على كل حال قصيدة إرتقت إلى مستوى القصيدة الهوية .. القصيدة التي إقترن إسم السياب بها أو هي قد إقترنت به إلى درجة صارمعها إسم الشاعر: مطر..مطر..مطر.
إن إحتفاء قصيدة السياب بهذه اللحظة المطرية الشتوية بامتيازلم يأت بعد حفره في الذاكرة عن لحظة بعيدة تحت مظلة رمادية وإنما مرد ذلك إلى إنشغال الإبداع الشعري عند هؤلاء الرواد بدافع عنصرالرمزية الذي شكل عمدا أساسيا من مقومات القصيدة أواسط القرن العشرين . فقصيدة مطرمطرمطرإحتفاء برمزية الخصب والتجدد من خلال تمجيد تيمة الماء
والآن هل تسمحوا لي لحظة كي أعود لكي أطعم موقدي بقليل من الحطب فقد أوشكت ناره على الخمود وأستمتع بقصيدة
مطر مطر مطر
بدرشاكرالسياب

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجذافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر

كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر

تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود" -
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر

أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُرا
    
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free