http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  ماجدوى الكتابة أمام القتل؟
 
ماجدوى الكتابة أمام القتل؟
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 21 ديسمبر، 2010 |
الظروف كانت تعيده للسؤال ذاته
«ما جدوى الكتابة أمام القتل؟»

(فادي أبو غليوم)
بشير مفتي: معظم الروايات
مارست العنف على الشكل الروائي..
لا يُكتب العنف بلغة غير عنيفة
عبر عدد من الروايات، صنع الكاتب الجزائري بشير مفتي موقعا في الرواية الجزائرية الحديثة، جعلته واحدا من طليعة جيل جديد جعل من الكتابة محورا لكتابة هواجس وألم ومناخات تغرف من واقعها، وبخاصة، الحرب التي عرفتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي.
مؤخرا، كان مفتي في زيارة إلى بيروت، حيث كان هذا اللقاء:
لنطرح سؤالا تقليديا، لنعد إلى بدايات الكتابة، كيف جئت إليها أو كيف جاءتك، وبخاصة أن النسبة الكبيرة من قراء المشرق ما زالوا يجهلون أدب المغاربة؟
^ أظن أني جئت إلى الكتابة عن طريق القراءة، كما يحدث مع أغلب الكتّاب على ما أعتقد. تقرأ كتبا في لحظة مفصلية من حياتك ثم تجد حالتك قد تبدلت وشعورك بالعزلة يزداد وفرديتك تقوى أكثر فأكثر. القراءة هي البداية، عبرها يحدث التفاعل الأول ثم تحاول عبر الكتابة أن تجد طريقك الخاص، وأنت تسأل نفسك ماذا تريد من الكتابة؟ ماذا تريد منها بحق؟ طبعا الآن لا اسأل هذه الأسئلة، أشعر بأن الكتابة صارت جزءا من حياتي الخاصة، الحميمية، وحتى العامة. أعيش الكتابة، أتنفسها، كل شيء صار يمر عبرها. الحياة هي الكتابة والكتابة هي الحياة... بينهما لا أدري ماذا يوجد. لا أقول الفراغ ولكن لحظات للتأمل وعيش «هوامش صحية» إن صح التعبير.
من هم الذين قرأتهم في تلك البدايات ووجدت عندهم صلات قربى وفتحوا أمامك الطريق لكي تكتب؟
^ كانت قراءاتي تقليدية في البداية بمعنى كل ما كان يوجد بمكتبة البيت، روايات عبد القدوس، نجيب محفوظ، أمين يوسف غراب، طه حسين، العقاد، سهيل إدريس... لم أكن منتبها لأهمية نص على نص، كنت أقرأ بنهم كبير، ثم جاءت مرحلة الإحساس بأن بعض الأعمال أهم من الأخرى، أولها إيقاع مختلف. كانت فترة غسان كنفاني، جبرا ابراهيم جبرا، غالب هلسا، إبراهيم أصلان... الخ.. ثم شيئا فشيئا خلق الاهتزاز بداخلي مع رواية «مدار الجدي» لهنري ميللر التي لا أدري كيف أصف وقع قراءتها على نفسي، لقد قلت هذا ما أريده ومن يومها صار همي أن أجد الكتّاب المختلفين . أظن أن من أثر عليّ أكثر من غيره لم يكن إلا كافكا، إرنستو ساباتو، ميشيما... وغيرهم لكن كانت قراءات سعيدة وحتى مؤلمة للغاية.
مشارق ومغارب
عطفا على السؤال الأول، هل تظن حقا أن ثمة مناخين في الكتابة العربية: مشرقية ومغربية؟
^ أتصور أن هناك مناخات عدة ليست فقط مشرقية ومغربية، بل هناك مشارق ومغارب. أظن أن المناخ الجزائري في الرواية يختلف تماما عن المغربي وقد نجد تقاطعا بين الرواية اللبنانية والجزائرية أكثر مما نجد هذا التقاطع بين روائية جزائرية وتونسية، ثم هناك البيئة، التاريخ، التراجيديا، أي الأشياء التي تميز حتى داخل الرواية الجزائرية كاتبا عن كاتب آخر... نحن أبناء التراجيديا بامتياز. أبناء ابوليوس صاحب أول رواية في تاريخ البشرية «الحمار الذهبي»، أبناء «نجمة» رواية ذلك الملعون والجميل كاتب ياسين، أبناء «الدار الكبيرة» لمحمد ديب و«الشقاء في خطر» لمالك حداد... ربما المناخ الذي عشنا بداخله هو مناخ الأحلام والكوابيس، الحياة والموت، الحب وفقدانه... تجربتنا مغايرة وإن كتبت باللغة العربية.
بمعنى آخر، وكأنك تقول إنك ابن الرواية الجزائرية بامتياز على الرغم من التأثيرات العديدة التي وجدتها عند الكتّاب الغربيين؟
^ لقد تأثر كاتب ياسين في روايته الملحمة «نجمة» بفولكنر، لكن هذا لا يمنع نجمة، حتى لو كتبت بلغة العدو أيامها، أن تكون جزائرية بامتياز. ما تقرأه يؤثر فيك من حيث يدفعك إلى التعبير عن ذاتك ومحيطك لا أن تقوم بعملية محاكاة ساذجة فتعيد اجترار ما هو موجود. أنا أعتقد أن القراءة الحقة هي التي تعمق أصالتك لا تلك التي تلغي هويتك. قراءاتي كانت دائما في هذا الاتجاه، أحيانا تشحنني الروايات المميزة بطاقة على الإبداع ونادرا ما تسحقني لكي أعيدها بشكل آخر...
لقد قيل أن كافكا كان معجبا بفلوبير الفرنسي وكان يحفظ مقاطع كثيرة من رواياته لكنه عندما كتب أعطى نصوصا لا علاقة لها بفلوبير.
تبدو الرواية الجزائرية اليوم، المكتوبة بالعربية، وكأنها بدأت تحفر لها مجرى حقيقيا وبخاصة عند الجيل الجديد. عديدة هي الأسماء التي نجدها: أنت، عمارة لخوص، ساره حيدر، فضيلة الفاروق، سمير قسيمي، ياسمين صالح، حسن علام، إبراهيم سعدي، احميدة عياشي... وغيرهم. هل حقق هؤلاء الروائيون طريقا خاصا بهم وكيف تنظر إلى هذا التراكم الذي بدأ يتكون؟
^ بدأ أغلب كتّاب الجيل الجديد الكتابة في عشرية التسعينيات حينما عصفت بالجزائر موجة عنف متوحشة. لقد أثرت حتما على الجيل الذي أنتمي إليه وجعلته من جهة شاهدا على تلك المرحلة ومن جهة أخرى بصمته بدمغة العنف المخزنة... أظن بأن كلّ كاتب من هذه الأسماء التي ذكرت والأسماء التي لم تذكر يحاول أن يخلط طريقه في وسط ملغم، كثير الأسئلة. صحيح أنه في السنوات الأخيرة نجد البعض يتهرب من مواجهة سؤال العنف، أو يحاول كتابة رواية متحررة من أثر الحرب. لكن السمة الغالبة هي أننا نعيش في تلك الأجواء ولم نبرحها بعد وأظن أن الرواية الجزائرية لن تقدر على أن تكون رواية – فرح – لأنها مثقلة بفواجع واقعها، كما أن حياة الكاتب الجزائري ملتبسة بذلك، هناك من يهرب للرواية التاريخية، لكن أينما تولي وجهك في تاريخ الجزائر فستجد العنف، الحروب، الصراع بين الشعب والسلطة كأنها معارك تتكرر حقبة بعد حقبة، وزمن بعد زمن، بالنسبة إلي شخصيا، أعتقد بأنه من الضروري مواجهة أكاذيب المؤسسة الرسمية وقراءاتها لتاريخنا الوطني بعد الاستقلال. لا يمكن أن نصل بعد أربعين سنة استقلال إلى حرب أهلية مدمرة، طبعا هذه الهواجس قد تبدو خارجية، غير ذات أهمية، لكن في ظني الرواية هي عالم متعدد يسمح بكل شيء، يسمح بالتنقيب والحفر والبحث من دون توقف، شخصياتي أغلبها تتساءل بحرقة عن الذي حدث؟ ولماذا حدث؟ ضمن قالب فني، روائي مفتوح.
هل تجد أن هذه الكتابة كانت بحاجة إلى زلزال قوي كي تنفجر؟ بهذا المعنى، يقودنا السؤال إلى اعتبار الرواية على أنها ملحمة العصر الحديث؟
^ إلى حدّ ما نعم، عندما بدا العنف، لم يستطع الشعر الجديد الذي ظهر مع نهاية الثمانينيات وكان له أصواته المميزة على مواجهة ذلك. فجأة انفجرت الرواية، التي وجدت عند الكثيرين من الكتاب طريقها لكي تقول تلك المحنة، ربما لأن الجزائر تميزت بأنها بلد الروائيين أكثر من المغرب (القصة القصيرة) وتونس، وربما لأنه مع بداية مرحلة العنف، كان جنس الرواية هو الأقدر على استيعاب التراجيديا بأشكال مختلفة، وأثر عليها بشكل كبير. فمختلف الروايات التي ظهرت، مارس العنف عنفا على شكلها الروائي، كما لو أنه من غير المعقول الكتابة عن العنف بلغة غير عنيفة. هذا لا يعني أن كل ما كتب كان مهما. ربما لن يذكر التاريخ أغلبه لكن مهدّ لظهور كتّاب مميزين، سيستمرون بالتأكيد.
الرواية والحرب
ألا تجد في ذلك مفارقة «غريبة». الرواية اللبنانية الجديدة، بأفضل تموجاتها، ولدت من حرب أهلية. الجزائرية أيضا. نعرف، وفق لوكاتش، بأن الرواية هي ابنة المجتمع، لكن هاتين الروايتين: اللبنانية والجزائرية، ولدتا في غياب المجتمع وانهياره؟
^ مفارقة غريبة – كما تقول – والأمر يعود إلى أن الرواية ينتجها المجتمع الذي تكتب فيه. لقد أنتج المجتمع الفرنسي في مرحلة ما، الرواية الجديدة، لقد عبرت عن حياديته وبرودته، كما عبرت كل الرواية الجزائرية واللبنانية عن تلك اللحظات التي يتوقف فيها العقل عن ممارسة دوره، فالعنف يلغي العقل ويفتح باب الإحساس بالدمار ونهاية العالم... لقد كتبت أنا شخصيا في هذا الأفق، أفق الأساس أن كل شيء توقف على أن يكون له معنى، وكنت عبر رواياتي السبع أبحث عن هذا المعنى، أو سرابه على الأقل حتى نقدر على الاستمرار. طبعا الحرب وراءنا الآن، لكن آثارها باقية ومستمرة فينا: خراب أرواحنا وأجسادنا وأحلامنا. الكتابة أحيانا تصبح نوعا من التطهير، نوعا من العودة الأليمة التي ستبقى تعود للأبد، ومن الصعب الخروج من هذه الدائرة. عندما أقرأ الرواية اللبنانية، هدى بركات، الياس خوري، حسن داود الخ، أشعر بالتقارب بالفعل مع حكاياتهم، أسئلتهم، أتفهم أكثر من غيري أي مصيدة هي الحرب التي قد تتوقف، لكن لا تتوقف أبدا في وجدان الكاتب.
وأين أنت من هذه التجربة كلها؟
^ بدأت النشر عام 1992 مع مجموعة قصصية بعنوان «أمطار الليل» ثم عام 1995 مجموعة أخرى نشرها الطاهر وطار في منشورات جمعية الجاحظية بعنوان «الظل والغياب». ثم كتبت روايتي الأولى بعنوان «المراسيم والجنائز» عام 1997 نشرتها جمعية الاختلاف، لتستمر التجربة بعدها مع «أرخبيل الذباب» عام 2000 و«شاهد العتمة» 2003. في عام 2003 وبمناسبة تظاهرة سنة الجزائر بفرنسا ترجمت تلك الروايات إلى الفرنسية وصدرت «الأرخبيل..» عن منشورات «لوب»، و«شاهد العتمة» عن «عدن باريس»، وشعرت بأنني انتقلت فجأة من كاتب محلي إلى كاتب «عالمي» (يضحك!)، بمعنى أنني أصبح لي قراء أجانب، ينظرون للرواية بشكل مغاير ويطرحون عليّ أسئلة جديدة كانت فرصة عبر زيارات ولقاءات كثيرة أن أشعر بأهمية الكتابة الروائية كعمل محترف. صحيح في ظل ظروف حياتنا الصعبة أن تعيش للكتابة فلقط، أو أن تفكر ككاتب محترف. عدت بعد ذلك العام للجزائر أكثر تحمسا لكن ظروف العنف والحرب كانت تعيدني للأسئلة نفسها والهواجس ذاتها أي ما جدوى الكتابة أمام القتل والموت العبثي. أصدرت عام 2005 «بخور السراب» والتي أعاد طباعتها صديقي نبيل سليمان بدار الحوار، بالموازاة كتبت مجموعة قصصية «شتاء لكل الأزمنة»، ثم رواية «أشجار القيامة» عام 2007 إلى أن شعرت أنني نحوت فيها نحو نص روائي مفتوح. لقد جربت مع كل رواية طريقة سردية مختلفة، صحيح أن الهواجس بقيت على حالها كثوابت تحدد العمل الروائي منطقه الخاص، لكن الشكل صار أكثر دينامية، انفتاح وتفجر إلى أن كتبت رواية «خرائط لشهوة الليل» عام 2009 وهنا عدت للحكاية الخطية، فكرت أن على الرواية أن تحكي حكاية من البداية إلى النهاية وهو نفس الشيء الذي فعلته مع روايتي الأخيرة «دمية النار» حيث تسرد سيرة ذاتية لرجل اسمه رضا شاوش منذ طفولته على آخر لحظات حياته، وقصة شاب تحول من حالم إلى شخصية غامضة في النظام..

 

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free