شهادة :احمد لمسيح
زوربا دكالة الذي يظهر ويختفي
كتبهاعزالدين الماعزي
هذا النص الى العزيز الأستاذ اسماعيل قصاب صديق البحر والأصدقاء اعتقد انه يحلو لي ان أتذكر الأصدقاء بحجم نبضة يدي ، يدي الملتفة في جيبي خوفا من انفلات وهروب من ساحة صدري المتسع لهم ولغيرهم في كبرياء الدهشة كلما حاولت الرجوع مرات الى الوراء يتراءى لي سي احمد طودا شامخا نبراسا ، قوس قزح تشكلت منه طفولتي التي حاولت ان أضع لها قديسا احتمي به من انعراجات الطريق وانشطارها او قدوة كما كان يقول لي أساتذتي لكي نحب الحياة اكثر ضع لك شبيها في الطريق وسر ، احمد كان بالنسبة لي وانا الصغير وهو يدرس في فاس يحمل دوائر العالم ، ضجر الفلسفة وعطر الأرض ، أحوم حواليه مستمتعا بحلاوة الحديث بالعوالم الجديدة التي تشدني منه فيه وهو يحكي عن الكلية وإضراب الطلبة والبوليس والشعر والسياسة …عن عمر وبنبركة وغيفارا وع الناصر وفؤاد نجم وخالد محيي الدين …صدمت كثيرا وأنا ارثي وابكي عمر باول نص شعري كان هو البداية للهم الشعري الذي مازال يسكنني احمد دائما يمسرح الحديث الودي ، يشكل من الموقف لحظة النكتة ، غرائبه يحكيها الأصدقاء ولم يسلم من سخريته إخوته يشكل بانسيابه لوحات من الفكاهة ، اذكر حلقات المسرح الفرجوي التي كان يقلد فيها ولد الجابرية بطوله وعرضه وبوشعيب بجنونه والعباد بجلسته وولد باق بحكمته ونزقه ..كنت أضع يدي على قلبي وانا أتفتت ضحكا .. خفية وتوجسا من هذا العملاق النحيل الذي يقف في الحلقة يزرع الكلام المنثور في كل ناحية ، شيء ما يشبه قلق الكائن.. سيسمعون ضحكاتي ويطردوني من الجلسة وسأخسر ما لا أود خسرانه ، ينتفض سي احمد كعادته طاووسا وهو يضرب اليد باليد مقلدا عباس مرة والكايم مرة أخرى ، وراء بوابة الدكان الخشبي أمامي كفتا الميزان النحاسي أحاصر ضحكاتي المتعددة المكتومة بشهيق و..وهو يضرب ويضمس الكارطا للآخرين يمارس عليهم بهلونياته التي يتقنها بمزاج المغازلة حينا وأخرى بفضائح وطقوس الورطة احمد بالنسبة لي لغز محير يسير عبر ردهات الساقية في الدوار صباحا رفقة ريم وغسان يصيح بأعلى صوته ، يخط ببالغ الحساسية لغة هي سرد من العشق والألم والجنون القابع داخله.. قلت لآمنة : لماذا يصرخ احمد هكذا طول الساقية ؟ ضحكت وقالت لي اسأله انت ؟ قلت بخيبتي المعتادة ..ربما يجرب الحبال الصوتية او يعبئ كعادة الشعراء جعبته بسلال الفوضى بهدوء المترنح قريبا من ضجيج التجليات . هو الذي يختبر هذه الأشياء ويعرف نزاهة الأمكنة ، هل يمكن ان تسأله عن الأحداث والأمكنة في قريته عن سر النخلة التي لم تكبر والتي كتب عنها نجمي ذات مرة والمقبرة وعن مجموعة من الأشخاص آخرهم كنت ، هو الذي بدأ الحديث واقفله في حوار مع ازغاي في النشرة من الممكن ان نظل نكتشف تعدد الرحلة والاختلاف وسيرورة التحول والانضباط فوضى الحواس وسر مزاج السكرة ..كلما حاولنا ان نقتحم جزيرة صندوق المعرفة الذي يمتد شامخا عنيفا أنيقا ، يكاد احمد يتكلم حتى لا يسمعه اقرب الناس إليه ويكاد يتحدث وهو صامت كصمت زوربا الحكيم ..هو الوحيد الذي لم يكبر والذي قال سأكبر حين تظهر الديمقراطية ، وعندما سئل عن الشيب الذي تسلل الى رأسه قال هذه بوادر الديمقراطية ..هو هكذا ..وهكذا هم الأصدقاء الذين عبروا قرب قبر المحبة وسكنوا كهوف الوجد ، تحت القمر الساطع او تحت حبات المطر دالية تسقي الجميع ..مشهدا للإحالة والألفة والإبداع الى تجاوز الكائن إلى الفناء والجدية في العمل ، كثير ، قليل جدا من هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم قرابين الجهاد والجد ، لتطريز الماء بهذا الشكل في أفق كله أمل والتحام من اجل تبديد ظلمة الفجر ورسم معالم غذ جديد .. يملأه أخ عزيز بحجم احمد لمسيح هذا الممتد أمامنا ، يكفي أن تراه ساعة ليختفي عنك عاما ، أعواما ، وعبقه يملأ الأمكنة .. يكفي انه نبت في دكالة وتقولب عندكم في الرباط ..
|