http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  جسد «الأحرار»
 


جسد «الأحرار»
بقلم :إبراهيم توتونجي
في المغرب يتسبب عرض مسرحي مونودرامي بضجة إعلامية من تلك التي تحبطك. نحن إزاء تجربة نوعية نفذتها الممثلة الشابة لطيفة أحرار (عرفناها في السينما في أفلام منها أبواب الجنة) بعنوان «كفر ناعوم»، تقدم فيها أداءً جسدياً لأحوال انفعالية ترتكن الى أشعار ياسين عدنان في ديوانه المؤثر «رصيف القيامة» الصادر قبل سنوات عن دار المدى أوتي لهذه التجربة، التي سوف يرصدها الجمهور قريباً في الأردن والامارات، عناصر من الزخم الفني، تجعلك متحمساً للدفاع عن العرض (الدفاع لفظة موجبة في زمن تشتد فيه سطوة الجهل) قبل مشاهدته، ويبقى للمراجعة هامشها. عوالم عدنان، الفاعل في المشهد الثقافي المغربي والعربي، كما الجسور التي تربط هذا المشهد بآفاق غربية.. عوالمه الشعرية تختزن فضاءات وجودية وتأملية غنية لكي يغرف منها أي مستوحي مسرحي، فكيف اذا كان الديوان تحديدا «رصيف القيامة»، وكيف اذا كان المستوحي هي لطيفة المشغولة طوال الوقت بالتجريب وكسر المألوف والتجرؤ على النمط ثم هناك اسمان لامعان في عالم تصميم الرقص، الكوريغراف، هيئا الممثلة لمهمة صعبة في مواجهة الجسد وطواعيته للتعبير عن الافكار والانفعالات: المغربي المقيم بفرنسا خالد بنغريب الذي شاهدنا عرضا لامعا له في بيروت قبل فترة، وقد دعم القوة الجسدية للممثلة في تحركها على الخشبة، والايراني الكندي الحائز على جوائز عالمية ساشار زاريف، الذي تولى تدريب لطيفة على البعد الصوفي لـ«جسد يبحث عن روحه، يريد ان يتحرر من أعباء الحياة»، على حد قولها تجربة هذا الرباعي، لا يمكن اختزالها بمشهد لم يرض ذائقة جمهور قاعة دار الثقافة في مراكش، او بعض الصحافيين من عينة شائعة في العالم العربي، تقوّم ولا تقيّم، مستندة إلى الأحكام والمعايير «الأخلاقية»، التي لم تعد نسبية كما هو مفترض، بل أصبحت بحد ذاتها كتابا وجب تقديسه. لم تثر التعليقات التي قرأتها في المنتديات الالكترونية حول هذا المشهد (بالمناسبة هو لحظة تخفف من ملابس قامت بها الممثلة في سياق درامي)، والتي ارفض اعادة سردها كونها تخدش، بحد ذاتها، جمال الحياء وحياء الجمال لم تثر غضبي، فقد اعتدت على الوقوع بين حين وآخر، بالصدفة، في فخ المطالعات النقدية الجاهلة للأعمال الابداعية العربية الكلاسيكية (ان خالفت المعيار الاخلاقي الشعبوي)، فكيف ان كانت تجريبية؟ هنا، سنصطدم بجهل مضاعف قيمي ومعرفي في آن. لكنني حزنت لجر البطلة والشاعر الى دائرة التعليق والردود على تلك الترهات ولو كنت مكانهما ما فعلت
اما المغامرة فمثلت في نقل الجمهور من مقاعد المسرح الى أمكنة تفرج على الخشبة ذاتها، واشراكه في العرض، وهو أسلوب مسرحي شائع في تجارب غربية (شاهدت عروضا كثيرة على هذا النمط في مهرجان أدنبرة العالمي للمسرح العام الماضي) ونادر في العالم العربي، وأجد حماسة شديدة في الحديث عنه، في مقام آخر. رغبت لطيفة، ومعها ياسين وبن غريب وزاريف، في مواجهة الجمهور بواقع استسلامه لعجز العبودية، جسدا وروحا، فكان لهم ما أرادوا، اذ ما فتىء يواجههم بهذه العبودية ويدافع مفتونا عنها.. بلا كلل!
ibrahimt@albayan.ae
 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free