للكلمة أبراجها
عبد الغني سيدي حيدة
(كاتب صحفي وباحث)
أين لوحات الرواق الوطني الدائم للفنون التشكيلية بمكناس !
لا شك تكون قد وقفت بالبهو الذي أحدث بباحة باب منصور العلج بالعاصمة الإسماعيلية ، ونوهت في داخلك بالذين كانوا وراء اخراج هذا الإنجاز الرائع الى حيز الوجود وبالعقلية المتفتحة التي تبنت فكرته ، وتمنيت فيأعماقك لو أن ذلك الفضاء يحتضن "الرواق الوطني الدائم للفنون التشكيلية" ، خصوصا وقد تناهى الى علمك أن بلدية مدينة مكناس تتوفر على مجموعة نادرة من اللوحات الفنية والتي كانت مخصصة أصلا لتأثيت ذلك الرواق .
فما هي قصة الرواق الوطني الدائم للفنون التشكيلية بمكناس واللوحات التي كانت تؤثته !
اليك ببعض التفاصيل :
عن طريق الصدفة ، وأثناء انجاز تحقيق صحفي حول "متحف دار الجامعي" خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي ، علمت بأن متحف دار الجامعي كان يحتضن خلال الستينات من نفس القرن ضمن أجنحته رواقا للفنون التشكيلية . ففي أواخر الستينات ، عندما كان المرحوممولاي سلامة بن زيدان باشا على مدينة مكناس ، سعى بدافع حسه الرفيع نحو كل ما يرتبط بالثقافة ولغيرته على تلك المدينة ، الى احداث "رواق وطني دائم للفنون التشكيلية" يكون مقره متحف دار الجامعي قرب ساحة الهديم . وكلف لهذه الغاية محافظ الخزانة البلدية لمدينة مكناس آنذاك ، الذي تكفل بجمع (76) لوحة ، بعضها عن طريق الإتصال المباشر بمشاهير التشكيليين بالمملكة ، ومن بينهم المرحوم العلامة والوزير محمد الفاسي وكان وقتها وزيرا للثقافة والتعليم الأصيل الذي شارك بأربع لوحات هي عبارة عن منمنمات . ولحبابي عبد الإله بثلات لوحات ، والقاسمي محمد بلوحتين، وبنكمون عبد القادر بلوحة واحدة ، وخالد ولد الهاشمي بلوحتين ، والشعيبية طلال بثلات لوحات ، والفقيه الركراكي محمد بلوحة واحدة ، وعزيزي عبد القادر بست لوحات ، والفروج حسن بلوحتين ، وفاطمة حسن بلوحتين ، والكلاوي حسن بلوحة واحدة ، ومولاي علي العلوي الإسماعيلي بلوحتين ، والورديغي حليمة بلوحتين ، والرصيفي محمد بأربع لوحات . اضافة الى جوليان ماتي J.Mathey) ) بلوحة واحدة ، وادموند فاليس E.Vales)) بثلات لوحات ، واللائحة طويلة .
ودشن فعلا ذلك الرواق بمتحف دار الجامعي ، الا أنه لم يعمر طويلا لأسباب ليس هذا المقام مكان سردها ، حيث نقلت اللوحات التي كانت تؤثته الى بلدية مكناس في رعاية الخزانة البلدية وأمانة محافظيها . وقد وضع لها سجل خاص بها يحمل بيانات في غاية الدقة ، ضمنها رقم واسم كل لوحة ، واسم الرسام الذي أنجزها وعنوانه وعدد اللوحات التي شارك بها ، بل ويحمل السجل أيضا حتى مقاسات طول وعرض كل لوحة ، زيادة في الضبط والإحتياط والحرص حتى لا يقع استبدال اللوحات الأصلية ، أو تعويضها بلوحات مقلدة ، أوقرصنتها .
وحتى لا ندخل في متاهات التفاصيل ، أكتفي بالقول ، وقد تجمعت لدينا كل دلائل الإثبات ، بأن السجل الأصلي الذي وثق اللوحات عند جمعها أول مرة في أواخر الستينات ، يقتضي منا هذه الملاحظات :
- لقد تغير مقاس اللوحة رقم 25 للفنان خالد ولد الهاشمي . فالمقاس الأصلي للوحة والذي هو 47.35 أصبح في خانة الملاحظة 68.48 .
- لقد شطب على اسم اللوحة 40 للفنان بنكمون عبد القادر والتي لها شهرة خاصة La Valeur du Temps وكتب بدلها اسم لوحة أخرى Composition بمقاس 081.065 .
كيف حدث ذلك ! ولماذا ! ومن كان وراءه ! أسئلة نترك شأن الإجابة عنها للجهات ذات الإختصاص .
فقط ، نشير الى أن السجل الأصلي لتلك اللوحات ، والذي كان في الأصل يتضمن 76 لوحة ، قد أضيفت اليه عدة لوحات أخرى . ونسخة السجل التي نتوفر عليها تتضمن 85 لوحة (خمسة وثمانين لوحة ) .
فأين تلك اللوحات التي كانت ذات أيام من القرن الماضي رواقا دائما للفنون التشكيلية بمتحف دار الجامعي بمكناس والتابع لوزارة الثقافة !
يجب أن يتسع خيال البعض ليتصور الشحنة الإيجابية التي ستبثها تلك اللوحات داخل رواق جميل وأنيق ، يلعب دوره كرافد من روافد السياحة الفنية والثقافية بالحاضرة الإسماعيلية ، وقد أيقن الجميع بأنه لم يعد هناك مجال ، في المغرب الحديث ، للذين يراهنون على أن قدر بعض المدن أنها لا تعبأ بكنوزها من البشر والحجر وما يرتبط بهما أوأنها حتى اذا ما فعلت فانما لتضعها في ركن خفي من زوايا النسيان .
لا شك أنك أدركت بحدسك الرفيع أنه مقام من برج لا مجال فيه لإهمال الثروات الإبداعية التي تعتبر احدى المكونات الأساسية لهوية أي بلد ، في عالم يتجدد باستمرار ويراهن عقلاؤه على تربية الناس على الحس بكل ما هو جميل .
عبد الغني سيدي حيدة