الحسين القمري: تغريبة أزمنة وشذرات
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 25 يناير، 2011
الحسين القمري: تغريبة أزمنة وشذرات
شهادة لبشير القمري
1 ـ يصعب أن أتحدث عن أخي الحسين القمري، كما يُفترض لمجرد أنني أخوه، أخوه الوحيد، (لنا أختان: راضية وأمينة). سبقنا آخرون وماتوا في صغرهم، كما مات آخر وأخريات، لو بقي الجميع لكنا قرابة أحد عشر.
هو نفسه، الحسين، يصعبُ عليه أن يتحدث عن نفسه متى أراد، مثلاً، أن يكتب عن نفسه سيرته الذاتية الخاصة، والسبب كثرة التفاصيل. هناك السيرة الشخصية، أو «الترجمة الشخصية»: ولد (ت)، نشأ (ت)، ترعرع (ت)، إلخ، هذا سهل، وهناك «نص الحياة»: طفولة، لعب، مرض، دراسة، بلوغ، مراهقة، مغامرات، ممارسات، مهنة، حب، زواج، رياضة، سفر، عائلة، أصدقاء.
الصعوبة تأتي أيضاً من كوني أعرف أشياء وتغيب عني أشياء. هناك أشياء كثيرة أعلمها وهناك أيضاً أشياء كثيرة لا أعلمها، كما أن هناك أشياء لا يمكن أن تُروى وستظل سرية، هو نفسه، الحسين، لا يريد (لها) أن تقال، أن ترى النور، لأنها حميمية، لأنها محظورة، ممنوعة، محرّمة، لا يجوز أن تُذكر، فيها وفيها، متى قيلت ستضرّ، حكايته الخفية، حكاياته الدفينة في ذاكرته، مع النساء مثلا، الصعلكة، نضالاته النقابية وهو دون العشرين، انتماؤه الى حزب التقدم والاشتراكية مع مطلع السبعينيات، هناك تفاصيل لا أعرفها بعد ذلك، لأنني لم أكن معه/ إلى جانبه دوماً. هناك تقطعات، فجوات، ثقوب، بياضات، هوامش، نقط حذف، كما أن الذاكرة لا تسمح بكل شيء. الذاكرة غربال وليست ساعة يدوية أو رملية، قد تكون منبهاً، مثل كأس أو فنجان قهوة، لكنها تظل غربالا أو شبكة صيد في مياه راكدة أو بحيرة شاسعة الأطراف أو بحر بالتمام والكمال، السباحة محدودة، محفوفة بالمخاطر ومداهمات أسماك القرش والدوامات.
2 ـ ولدنا في أسرة بسيطة متواضعة قريبة من سلم الفقر. أصولنا من بني وكيل، أولاد رحو بنعيسى، مثل وْلاد موسى، بطاهرات، گراشات، تريشات، في السهل والجبل، الدير، في الطريق إلى مشرع حمادي (سد ملوية)، وقبله حاسي بركان، عند نقطة البعاج حيث يرقد جدنا محمد بن احمد، يقال: الحسين بن علال بن بوعزة بن محمد بن احمد، إلى نهاية السلسلة التي تربطنا بشرفاء بني وكيل والأدارسة. أبونا الحاج علال القمري (من مواليد 1905) كان جندياً، شأنه في ذلك شأن جدنا، من جهة أمي، القايد البشير، أب عائشة، أمي، ثم احترف التجارة إلى غاية 1959، دكان لبيع المواد الاستهلاكية، غير بعيد عن منزلنا في الحي المديني مقابل الحي العسكري، أقبل بعد ذلك على العمل في البناء في مرحلة قاسية من مراحل أزمة مادية نتيجة خسارات في الاستثمار والبيع والشراء، ولأنه أقبل على الصلاة والعبادة والزهد، فقد تلقى الوِرد وأصبح مقدماً تيجانياً، إلى أن توفي. كان له مريدون وأصبح منزلنا محجاً لهم ولبعض حفدة سيدي أحمد التيجاني، كما الزاوية، قريباً من المنزل، لا تبعد أكثر من ستين أو سبعين متراً، ويعود الفضل في بناء هذه الزاوية إلى الفقيه العربي المصلوحي الذي كان منزله الفسيح، قرب منزلنا، مْسيداً لتحفيظ القرآن، وفيه درس الحسين رفقة أبنائه: محمد، أحمد، عبد الله، وفي هذا المسيد، درستُ أنا أيضاً، قليلاً، قبل أن ألتحق بالتعليم العصري في مدرسة ابن خلدون الابتدائية وثانوية الشريف محمد أمزيان بعدها في منتصف الستينيات.
3 ـ البيت، الحي، المسيد، السوق، الساحات الفارغة التي أصبحت «قشلة»، الغابة، البحر، العراصي، هي الفضاءات التي كانت متنفساً للجميع قبل اكتشاف السينما. أما الحسين، فكانت له جغرافيته الخاص، لا أعرف عنها كل شيء، منها البحر ثم «الشلة» التي تشكلت من أجل الدرس والتحصيل والثقافة. الحسين كان دائماً مهووساً بالبحر وشراء الكتب والمجلات الأدبية: مجلة «الهلال«، مجلة «الأديب، ثم «الآداب»، و «شعر»، مجلة «المسرح»، «المشاهد»، «العربي»، «كتاب الهلال»، «الكتاب الفضي»، كتب الفلسفة، كتب طه حسين، كتب العقاد، روايات نجيب محفوظ، مسرحيات وكتب توفيق الحكيم، الأغاني، دواوين الشعر الجاهلي، دواوين الشعر العباسي، مقدمة ابن خلدون، أحمد شوقي، مطران، حافظ إبراهيم، جبران، أبو ماضي، وأعتقد أن هذه المرحلة هي التي أفضت بالحسين إلى السياسة والأدب والكتابة والمسرح بالتحديد.
4 ـ أسس الحسين سنة 64/1965، بمعية عدة أصدقاء مثل أحمد شوقي المعاشي ومحمد القضاوي وعيسى (لا أذكر اسمه الكامل) فرقة «المشعل المسرحي»، بعد أن أصبح معلماً منذ سنة 1961، وقدمت هذه الفرقة عروضها في مدينة الناظور على خشبة «سينما الريف». وفي مدينة بركان على خشبة «سينما الأندلس». في نفس المرحلة، عرضت في الناظور مسرحية «العاطلون» لعبد القادر البدوي، كما عرضت مسرحية «ولي الله» لفرقة المعمورة وأحمد الطيب العلج. كتب الحسين وأخرج، بشكل جماعي وديكور أحمد شوقي وتشكيلي آخر يغيب عنّي اسمه الآن، عدة نصوص ـ عروض، أبرزها «المتمردون» متأثراً في ذلك، كما أفترض، بفيلم إسباني «لُوسْ تْريسْ تْراكَا ذُوريسْ»، وترجمته «الأشقياء الثلاثة»، على ما أعتقد، ونجد في السينما المصرية، بالأسود والأبيض دائماً، فيلماً بنفس العنوان.
مثلت، وأنا في حدود خمس عشرة سنة، مع الحسين في مسرحية «النور»، مسرحية دينية، كان فيها أحمد شوقي الشيطان الأكبر (الأب) وأنا والحسين ابنيه، وكانت عروض فرقة «المشعل المسرحي» تفتتح عادة بسكيتشات كوميدية ارتجالية أشخصها مع عبد الكبير بلگناوي. وفي عرض يدور حول عودة الملك الراحل محمد الخامس جسّد شخصيته الحسين البركاني. أحياناً تتخلل العروض وصلات غنائية يقدمها مسعود الذي كان يقلّد محمد عبد الوهاب غالباً بعزفه الخاص.
5 ـ الحسين إبداعياً انتقل من الشعر العمودي الى كتابة «الشعر الحر» في لحظات لا أعلم كل تفاصيلها، وحده هو يستطيع أن يكشف عن ذلك، لكنه، من المؤكد، فعل ذلك منذ بدايات السبعينيات، مفتتحاً مشروعه بإصدار ديوانه الأول «ألف باء» الذي وضع غلافه الفقيد محمد منيب البوريمي، ثم توالت بعد ذلك دواوينه الأخرى. المؤكد أيضاً أنه «تحول» في تجربته الشعرية، من الميسم الرومانسي، الذاتي، النفسي، الروحي، الى الطلائعية غير بعيد عن هموم الوطن بتأثير من النضال والوعي السياسي والنقابي، غير أن شعره، عموما، يظل وفيا للمكان والالتزام بقضايا الانسان، في المغرب وفي الوطن العربي، ومن ثم يغلب على هذا الشعر نوع من القول الايديولوجي الذي يقود غالبا الى تعرية الواقع وإدانته.
في شعر الحسين القمري أيضا نزوع إلى ضرب من ضروب الصوفية خاصة عندما يلح الموت ويختفي الاهل والاقرباء والاحبة والاصدقاء، عندما يشتد الوجع والألم النفسي، عندما تدق مسامير العزلة الفقدان، عندما تنكشف أسرار العالم المرئي، واللامرئي، عندما تسقط الاقنعة وعندما وعندما.
6 - للاحتفاء بالامكنة طقس جنائزي في شعر الحسين القمري، الناظور، وجدة، سبتة، مليلية، فاس، طنجة، مراكش، بيروت، بغداد، مدن، فضاءات تتحرك في شعر الحسين القمري كما تحركت ،تتحرك في نصوص أغلب مجايليه ممن أطلق عليهم نعت شعراء المغرب الشرقي، حسن الامراني، محمد علي الرباوي، محمد منيب البوريمي، محمد بنعمارة، محمد لقاح، الطاهر دحاني، وتحركت أحيانا في شعر آخرين كالمجاطي والكنوني والملياني، الاشعري جزئيا وغيره.
تحضر الامكنة في شعر الحسين كما يحضر الزمن النثري، الزمن الذي تكرسه الرواية بامتياز، زمن العبور الى ميتافيزيقا الذات والوجود والكينونة، زمن اللامعنى، الزمن الذي طار وطرفة كما طارد المتنبي والشابي والسياب او درويش وسعدي يوسف. وكما يحتفي شعر الحسين بالامكنة وبالزمن، يحتفي ايضا باللغة: لغة الحسين لغة شفيفة، رقراقة، معتقة كالنبيذ، مثلما نجد لدى بنطلحة والكنوني والمجاطي، أتحدث هنا عن المعجم والتركيب والصياغة كما أتحدث عن المجازات والاستعارات والتشبيهات، وهذا ما يوفر للدارس إمكان الحديث عن تحولات اللغة الشعرية في الشعر المغربي المعاصر، لأن هذه التحولات الآن اصبحت لها قياسات اخرى.. الشعر الحالي طلق هاجس الحفر اللغوي لصالح الحفر في معمارية النص، بينما توخى تعتيق اللغة كان له ارتباط بهوية انطولوجية اخرى تقبل من خارج النص.
سابقا: كان ا لشاعر يطارد اللغة، الآن،في الوقت الراهن، اللغة هي التي تطارد الشاعر والكتابة الشعرية. لم يعد النص يفكر، أصبح النص يفكَّر فيه الى حد انتهاك معماريته ووجود لا نص في نص - في النص. كل نص، الان، يكتب، ينكتب، بلاحد ويظل منفتحا لكتابة نص آخر. إنها الحداثة تقتل الحداثة وتتوارى لتتفرج على غريمتها المتفسخة. الحداثة لا تعني القتل الرحيم ولا النفس الاصطناعي، الحداثة تعني تشخيص الصراع الابدي بين الاشكال.
7 - لولا اخي الحسين القمري (من مواليد 1944) لما كنت ما أنا عليه الان، علمني، ساعدني، ضحى من أجلى ومن أجل العائلة، الصغيرة والكبيرة لولا الحسين لما اصبحت الفتى الذي رحل و اختزل المسافات، كأنه طرفة رفقة خاله المتلمس او ديك الجن الحمصي، وإليه يعود الفضل في جعلي امتلك زمني الخاص، في فاس والرباط، ثم تفرقت بنا السبل. الازمنة تمر سريعا، ومنها ازمنة الاعطاب الكبيرة والصغيرة، الازمنة تدور وتدور، مثلما ساعة في جدار أصم،يقتلها الشرخ، تعبث بها الميتافزيقا، تحركها العتمات، تخنقها البياضات، تؤججها الصدمات، تضيئها إشراقات عابرة ونادرة، ولعلها تشبه تغريبة ملاح لايملك سوى شراعه وبوصلته وما مر به من غرائب وعجائب في التيه والنسيان. البوصلة هي الذاكرة، وحدها الذاكرة تشفي بعض الغليل. غليل العابرين في الحياة والزمن والكتابة والحب. الحسين له بوصلته وذاكرته. ذاكرة مسكونة بنصوص وتجليات مدينة الناظور الساكنة على طرف المتوسط. في موتها وحياتها، في صخبها وفي هدأتها، في امتدادات تواريخها المختلفة منذ قرن ونيف. مدينة أمجاد كثيرة، لكنها أيضا مدينة خسارات وقد اختلط حابلها بنابلها، وتفشت فيها روائح اللامعقول الى حد ضياع النص، ضياع «نص المدينة» الى أجل غير مسمى.
8 ــ أتحدث هنا عن «النص الثقافي»، التاريخ والمجتمع والناس والعلائق المادية والرمزية. أتحدث عن الغناء والرقص والتعبيرات والتمثلات. أتحدث عن نص مكتوب ونص شفوي ، عن قصص وعن محكيات، عن قصص الجند والبحارة والتجار والحرفيين والصناع ولاعبي الكرة والشطار والمهمشين، كما أتحدث عن تجربة جمعية «الانطلاقة الثقافية»، عن مرزوق الورياشي والقاضي قدور والحسين الفهيمي ومحمد أقوضاض وعبد الله شريق، أتحدث عن جحافل من الباحثين والمؤرخين والعلماء والكتاب والمهندسين والاطباء، عن تاريخ آهل وعن تاريخ التشظي، ينسحبان منا، الحسين وأنا ومن الذين ذكرتهم وغيرهم، ولاتنفع فيهم الذاكرة وحدها. تاريخ مركب مثل دوامة، مثل سرداب، مثل متاهة، الوجوه حاضرة بينما الاحداث تحلق في سماء السراب، وجوه حافرة - غائبة، لكنها تحلق في طيات الذاكرة، وجه جدي، وجه أبي، وجه أمي، وجه عمتي الزهراء، عمتي يامنة، عمتى فاطنة، وجه دادة الزهرة، وجه الطيب، وجه عبد القادر، عشرات الوجوه، أصدقاء الحي، أصدقاء المدرسة، أصدقاء اللعب، والحسين معي، أنا معه، نبحر الآن، بوصلتنا الذاكرة والمتاهة والحنين والفقدان والالم ولحظات حميمية للضحك، مجرد الضحك، لترميم الوقت الميت في قرارة المكان.
9 ــ هي تغريبة، تغريبة الاسم العلم والهوية والرحيل، اسم علم يتجول في ترجمانة نسل علي، هو الحسين (اسم أبي الحقيقي علي، وحوره الاسبان الى علال)، اسم علم موروث عن جدي لأمي، هو البشير، ربما عن أحد أحفاد سيدي أحمد التيجاني، هوية عربية وسط الريف تضيع لغتها كما يضيع موروثها المتنوع، في الحكاية وغير الحكاية، كما في الغناء مثلا:
«آلالة مولات لبلوزه الخضرا!. ****كويتي قلبي مابغى يبراَ»
«آذيك الواقفة عند الباب****عندي انتي عز مل حباب، مولات الشيكي والصقلي***** حنثَتْ لفقيه فالجمعا تصلي.
لغة البدو، بدو العروي والاصقاع الى غاية زايو وتاوريرت وبركان، للغناء، المنكوشي، يشبه بعض شعر الراي ولا يشبهه، ثم الرقص، رقص النساء، رقص الرجال، الرقص المشترك، في الاعراس والحفلات الفلاحية، طقوس، تعبيرات، حياة كاملة تندثر. ما أقسى التلاشي!
10 - الحسين يستطيع أن يتحدث عن هذا أكثر وأفضل مني، ثم هناك سيرة أبي الواسعة وسيرة جدنا القايد البشير الذي ساهم في إنجاز الطريق بين الناظور والحسيمة، قبل طريق الوحدة فيما أظن، وخلال ذلك تزوج عائشة المرأة الثانية جدتي لأمي، هي الأولى اسمها غامض، أميزار أم أو صاحبة الازار غيبها الموت قبل ولادتنا كما غيب الموت بناتها باستثناء أمي، ميلادها كان وسط الثلاثين لأن أبي عقد عليها وهي دون العاشرة، توفيت في مقتبل الثمانينات أقل من سنة بعد وفاة أبي.
سيرة أبينا الحاج علال القمري، من الجندية إلى الفلاحة والتجارة والالتزام الديني الصوفي سيرة متعددة ولا أعلم ما مدى قدرتي على تتبع هذه السيرة بما يتطلب ذلك من بحث واستقصاء وتدوين وتحليل كل ما سمعته أو رأيته ضاع أغلبه، وحدها صورته رفقة أمي، معلقة في غرفتي مكتبتي الآن في الرباط، وعالقة في الذاكرة على مشارف ذاكرة ملفوفة في مهجة متبّسة مثل الرخام والحجر الصلب، ووحده الحسين بإمكانه أن يوقظ المدى ويستنطق المنسي من أيامنا وأيام الذين ذكرتهم وتدفقت وجوههم وملامحهم كما تدفقت علامات مدينة الناظور وهي تتشكل على مدى قرن ونيف من «محلة» للعسكر الاسباني إلى ماهي عليه الآن من عمارة وعمران وتعمير آخذ في التطور كما يقال لي كل مرة دون أن أتمكن من الوقوف على ذلك بنفسي.
لم أزر الناظور منذ أكثر من عقد. أخشى السفر إلى الناظور خشيتي أصبحت مزمنة، لا أريد أن أفقد صورة الناظور الأولى، أفضل التسكع في ناظوري أنا، ناظور السر المتوارية خلف قضبان رسمتها الايام والليالي والساعات الرتيبة التي تفصلني زمنيا عن كل شيء أمت بصلة إليه، كأنني أتخلص من ذاكرتي، كأنني اختار المحو، كأنني لا أعترف بالزمن، كأنني أرفض هويتي المتمزقة كأنني أنا لا أنا أو أنا غيري ذلك المضاعَف فيّ والذي يرافقني ويجالسني ويواجهني ويسرع احتضاري في أجمة اللغة والكلام وفي صحراء الخرس والابهام ولا أملك غير الصمت، الصمت لغة أخرى لاختزال المسافات مع الذات والذاكرة في الصمت .. العلامات وتستقيظ الهوية ياليتني أعرف كل شيء لأقول بعض الشيء لأقول شيئا يستحق أن يكون في جحيم الذات!
11 - لا بأس من البوح أحيانا، البوح بوح، لكنه يشفي من جروح النفس ما يشفيه بلسم ما، ولو عرضا. البوح سلاحي الآن في استعادة تغريبة أزمنة متعددة تتخللها أزمنة يصعب التقاطها بما يلزم من التفصيل، ولأن سيرة الحسين ملتصقة ببعض سيرتي والعكس قائم، فإننا سنكتب سيرتنا معا أو ستنكتب عبر الكلام المشترك مذكرة بسير أخرى قريبة بعيدة من سيرتنا، لأننا لم نكن أبدا وحدنا، لم نعش حياتنا وحدنا، كنا دائما وظللنا وسط الجماعة في العائلة، في الدراسة، في السياسة، في الأدب والكتابة، وفي الكهولة الآن، هو يقارب السبعين وأنا أهتبل الستين، لا بأس من البوح، البوح بلسم لتجاوز المتاهة وتجفيف الهوية وإخصاب الذاكرة.
الرباط-الحسيمة:3يوليوز 2010
الرباط:11يناير 2011
1/25/2011
|