http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  عربة خضار
 

عربة خضار
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في السبت، 15 يناير، 2011

عربة خضار
أحمد عبد الحسين

تونس الخضراء لم تشتعلْ بسبب عربة خضار
صحيح ان شابّاً عمره 26 سنة اسمه محمد البوعزيزي كانتْ مهنته بيع الخضار في عربة، قرر فجأة أن يترك العربةَ والخضار وتونس الخضرا والعالم، ليحرق نفسه احتجاجاً على ظلمٍ يريد أن يتأبد. هذا الشابّ أعطى درساً للانتحاريين في كيفية الانتحار، لم يأخذ أحداً معه إلى الآخرة كما يفعل "مجاهدون" و"مقاومون" يكرهون الحياة والأحياء ويقدسون الموت والموتى.
لكنّ المسألة أكبر من عربة خضار. هناك شعب حيّ بحراك ثقافيّ مستقلّ تماماً عن الدولة ومؤسساتها، هناك فاعليات مدنية لم تتلوث بسخام الديكتاتور ومطيبيه ومبخريه، وهناك أيضاً مثقفون لم ينحنوا يوماً لالتقاط هبات ومكارم طاغية.

أعرفُ مثقفين تونسيين كباراً كانوا لا يستطيعون حضورَ نشاطات ثقافية تقام في الدول المجاورة، لأنهم لم يكونوا يمتلكون المالَ الكافي للسفر، وأعرف أنهم في منتدياتهم الخاصة يتصرفون كما لو كانوا أحراراً في بلد حرّ، لم يثلم من حريتهم شيئاً أنهم في دولة يحكمها رجلٌ يريد أن تبقى مومياؤه حاكمة بعد وفاته.الحريةُ تكمن في أعماق الفرد، تعاشُ وتُتداول وتثمر دون النظر إلى تجلياتها خارجاً، من يريد الحرية عليه ببساطةٍ أن يتصرف بحرية، لهذا كانت الثقافة التونسية تشقّ طريقها بمعزلٍ عما يجري في قصور الرئاسة أو في المؤسسات الرسمية، لم يحدثْ عندهم الابتذال الثقافيّ الذي شهدناه في العراق سنيَّ صدام، لم يحدث أن مثقفين تونسيين اشتغلوا مهرجين في سيرك، ثم بعد ان طويت خيمة السيرك صاروا مقدسين مبرأين من العيب.سيمرّ وقت طويل قبل أن يتمّ الكشف عن أثر الثقافة التونسية المستقلة في إثارة هذا الرفض والعصيان اللذين أطاحا بزين الهاربين.أمس في تلفزيون "نسمة" التونسيّ دار نقاش بين إعلاميين تونسيين أحرارٍ حول ما يمكن فعله بعد حقبة الديكتاتورية، لم يكنْ في كلامهم ما يشير إلى تحكيم نزوات أو رفع شعارات ثأر، اتفاق عامّ على تحكيم القانون والتسامح، إلى أن اتصل بهم "من دبي" أحد أقارب زين العابدين، ليقول لهم: سنتذكر وجوهكم وسنصفيكم واحداً واحداً!، ردوا عليه: سنأتي بك من الإمارات وسنحاكمك! شعبٌ فيه هذه النخبة المثقفةُ التي لا ينسيها الهياجُ أعظمَ مقتنياتها من التسامح وتحكيم سلطة القانون وتغليب مصلحة البلد، شعبٌ ستنتصر ثورته حتى وإنْ كانت شرارتها قد انطلقتْ من وراء عربة خضار تركها صاحبها وأحرق نفسه! لو ان في كلّ عاصمة عربية عربة خضار كهذه، لو ان مثقفين كهؤلاء وجد قليل منهم هنا أو هناك، لو ان نار محمد البوعزيزي تنتقل من مدينة إلى أخرى، لو
...!

الخضارمحمد البوعزيزي
تونس الخضراء لم تشتعلْ بسبب عربة خضار.صحيح ان شابّاً عمره 26 سنة اسمه محمد البوعزيزي كانتْ مهنته بيع الخضار في عربة، قرر فجأة أن يترك العربةَ والخضار وتونس الخضرا والعالم، ليحرق نفسه احتجاجاً على ظلمٍ يريد أن يتأبد. هذا الشابّ أعطى درساً للانتحاريين في كيفية الانتحار، لم يأخذ أحداً معه إلى الآخرة كما يفعل "مجاهدون" و"مقاومون" يكرهون الحياة والأحياء ويقدسون الموت والموتى.لكنّ المسألة أكبر من عربة خضار. هناك شعب حيّ بحراك ثقافيّ مستقلّ تماماً عن الدولة ومؤسساتها، هناك فاعليات مدنية لم تتلوث بسخام الديكتاتور ومطيبيه ومبخريه، وهناك أيضاً مثقفون لم ينحنوا يوماً لالتقاط هبات ومكارم طاغية.أعرفُ مثقفين تونسيين كباراً كانوا لا يستطيعون حضورَ نشاطات ثقافية تقام في الدول المجاورة، لأنهم لم يكونوا يمتلكون المالَ الكافي للسفر، وأعرف أنهم في منتدياتهم الخاصة يتصرفون كما لو كانوا أحراراً في بلد حرّ، لم يثلم من حريتهم شيئاً أنهم في دولة يحكمها رجلٌ يريد أن تبقى مومياؤه حاكمة بعد وفاته.الحريةُ تكمن في أعماق الفرد، تعاشُ وتُتداول وتثمر دون النظر إلى تجلياتها خارجاً، من يريد الحرية عليه ببساطةٍ أن يتصرف بحرية، لهذا كانت الثقافة التونسية تشقّ طريقها بمعزلٍ عما يجري في قصور الرئاسة أو في

المؤسسات الرسمية، لم يحدثْ عندهم الابتذال الثقافيّ الذي شهدناه في العراق سنيَّ صدام، لم يحدث أن مثقفين تونسيين اشتغلوا مهرجين في سيرك، ثم بعد ان طويت خيمة السيرك صاروا مقدسين مبرأين من العيب.سيمرّ وقت طويل قبل أن يتمّ الكشف عن أثر الثقافة التونسية المستقلة في إثارة هذا الرفض والعصيان اللذين أطاحا بزين الهاربين.أمس في تلفزيون "نسمة" التونسيّ دار نقاش بين إعلاميين تونسيين أحرارٍ حول ما يمكن فعله بعد حقبة الديكتاتورية، لم يكنْ في كلامهم ما يشير إلى تحكيم نزوات أو رفع شعارات ثأر، اتفاق عامّ على تحكيم القانون والتسامح، إلى أن اتصل بهم "من دبي" أحد أقارب زين العابدين، ليقول لهم: سنتذكر وجوهكم وسنصفيكم واحداً واحداً!، ردوا عليه: سنأتي بك من الإمارات وسنحاكمك! شعبٌ فيه هذه النخبة المثقفةُ التي لا ينسيها الهياجُ أعظمَ مقتنياتها من التسامح وتحكيم سلطة القانون وتغليب مصلحة البلد، شعبٌ ستنتصر ثورته حتى وإنْ كانت شرارتها قد انطلقتْ من وراء عربة خضار تركها صاحبها وأحرق نفسه! لو ان في كلّ عاصمة عربية عربة خضار كهذه، لو ان مثقفين كهؤلاء وجد قليل منهم هنا أو هناك، لو ان نار محمد البوعزيزي تنتقل من مدينة إلى أخرى، لو ...!

 

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free