http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  قصص على حبل الغسيل
 
قصص على حبل الغسيل
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الجمعة، 7 يناير، 2011 | 0 التعليقات
قصص على حبل الغسيل
اسماعيل واري
اكترى غرفة منزل قديم، تتقاسمه عدة أسر. يشرف على المحيط. مكون من طابقين حيث
 
 
 
أسقفه من ركائز الخشب، وحيطانه ذات لون باهت، ندية بالماء المتسرب عبر شقوق جدرانها.
هذا ما وجده في هذه المدينة القديمة.
شيخ عجوز غطت التجاعيد قسمات وجهه، يمسك بلجام حصانه، والسوط لا يفارق يده، يمر بعربته عبر الأزقة الضيقة، التي يحفظها، هو والحصان جزء من تاريخ المدينة. جلس بجانبه المهدي، التائه وسط الزحام، أخبر العجوز بالعنوان، قال : سأختصر هذه الأحياء، وأتجنب الأماكن المزدحمة لأوصلك إلى مبتغاك.
بعد لحظة توقفت العربة. والمهدي لا يدرك أنه قد وصل، عقله شارد في متاهات المدينة. التي تنبعث منها كل أصناف وأطياف سحرها، دخان وشحاذون وصخب الأصوات المختلط. النساء ينشرن مآزرهن متبادلين أحاديث الصباح مع الجارات عبر النوافذ المتقاربة والمتقابلة.
نزل المهدي. دق الباب الكبير. فتحت له سيدة، يبدو من ملامحها أنها مالكة المنزل.
قال لها : هل تذكرتني، أنا المكتري الجديد، جئت بأغراضي وأثاثي إلى غرفتي.وهي تتمعنه.
قالت : تذكرت تفضل أسي المهدي.
الصبيان تجمعوا حول الحصان، شغبهم الطفولي أحال الذابة إلى لعبة. يجذبون أذنيه وذيله. نهرهم الشيخ.
فروا لكنهم عادوا.
بعد انشغالهم بنقل المحتويات إلى الغرف، الموجودة في الأعلى بجوار سطح المنزل، ومن كثرة انزعاج الحصان، ركض وعدا بالعربة.
خرج الشيخ لم يجد شيئا. لقد فر رفيق عمره. صب جام غضبه على من حوله سب وأزبد فمه من كثرة الشتائم.
أنقده المهدي. وقال : (والعرق يتصبب من جبينه) سأجده، إنه يعرف هذه الأزقة مثلي.
أغلق الباب. وصعد الدرج ليلملم أغراضه.
كل ما عند المهدي سوى الكتب، التي نظمها ورتبها في الخزانة المطلية بطلاء بني، والمنقوشة بزخارف عادية.
في الركن وضع مكتبه الصغير، وبجانبه سريره المتداعي الذي كسرت إحدى أرجله.
أشرع النافذة، حيث نسيم البحر يداعبه. سمع بعض الطرقات. فتح الباب. وجد أمامه كنزة ربة المنزل. جاءته بخوان فيه طعام وفاكهة. رحبت به. شكرها. ودلف إلى غرفته.
ابتهج كثيرا ، أخيرا أصبح له مقام في العاصمة. البحر أمامه والمدينة خلفه.
نام لبعض الوقت. وخرج ليتمشى عبر الدروب، ويضع خريطة ذاته،حتى لا يضيع في الزحام.
كل ما تريده موجود هنا. الحرفيون، أصحاب المأكولات الشعبية، بائعوا الخضر، الجزارون، الدباغون، البزازون ... لكن كل ما لا تحبه مختبئ بين ثناياها، البغايا، المتسولون، المخمورون، المقاهي التي تنبعث منها رائحة الكيف والحشيش، وكؤوس الشاي المنعنع.
بعد جولته القصيرة هذه. والتي أفعمته . بإحساس متناقض، وجميل. إحساس فيه توجس وترقب وخوف من الذوبان في عالمه الجديد الذي لم يألفه بعد.
حل الليل. اشترى بعض الأغراض. فتح غرفته. ضغط على الزر لكن الضوء لم يشتعل. لعن المكان بما فيه. سيقضي ليلته في الظلام. قلب في درج مكتبه حيث وضع فيه علبة من الشمع.
أشعل فتيل الشمعة، وانزاح غبش الظلمة. طل من على النافذة. حيث أمواج البحر وهديرها، يجعلك تسخي بسمعك، وعينيك مثبتة وتائهة في الأحلام.
أشعل شمعة أخرى، بحث في رفوف خزانته المملوء بروايات وقصص، للمنفلوطي، وتيمور والعقاد، ونجيب محفوظ. وزفزاف شكري وبوزفور.
قلبها، أخذ منها. الخبز الحافي. وجلس يطالعها في مكتبه. جادت عليه بإلهام قصصي، لعل عوالمها هي نفسها التي يعيشها.
تناول بعض الأوراق ، وشرع في كتابة قصة قصيرة، عن الشيخ، والحصان والسيدة كنزة. انتهى منها. أعاد قراءتها. نقحها. أشعل سيجارة ونفث دخانها وتلك عادته عندما يفرغ من كتابة أية قصة.
قال : لقد اكتمل العدد، لدي عشرون قصة.فأل حسن.
حلمه أن يبدع وينجز مجموعته القصصية، أن تنشر له ، أن يكون له اسم، أن يكون مثل أولئك المؤلفين الذين تشبع بكتاباتهم. والذين يؤثثون رفوف مكتبته.
لكنه يائس من كثرة المحاولات التي أرسلها الواحدة تلو الأخرى إلى الملاحق الثقافية. لكن لا يجد قصصه. يحلم يوما أن يعثر على عنوان قصته واسمه مكتوب بجانبها ، سيبتهج، وسيزداد إصرارا على الكتابة.
الملاحق مكومة في أسفل خزانته حتى غدت صفراء. اقتنع بأن النشر يقتضي انتماءا حزبيا ونقابيا. وانخراطا متماهيا فقط من أجل أن ينشر لك.
أطفأ الشمعتين. وغفا. في الصباح تأبط إضبارته التي ضمت أعماله. وخرج.
قالت له السيدة كنزة :
مبروك العواشر إنه يوم عاشوراء.
بارك لها. أيضا.
وجهته كانت البحث عن دور النشر التي خط كل عناوينها في مذكرته. اتصل بها. دق أبوابها. لكنه كان يخرج منها وعلامات الغضب والإحباط بادية على محياه.
من كثرة المشي. تمزق حذاؤه، وتورمت رجلاه.
جلس في كرسي الحديقة، التي تتوسط شارع المدينة الجديدة. وضع رأسه بين يديه وهفا في تفكير طويل.
لا أحد يريد باكورة إنتاجي، يقولون إنني مبتدئ، والتعامل مع كل مبتدئ في حد ذاته مغامرة.
أراد أن يمزق أوراقه، وأن يرميها في القمامة. راجع نفسه، رغم اليأس.
عاد إلى متاهات المدينة القديمة . التي بدأ في الاستئناس بها، كانت إلهامه الأخير.
وهو يصعد الدرج. فاجأته كنزة، وصبت عليه الماء من الطابق العلوي، وهذه عادة يوم عاشوراء، حيث الناس يرش بعضهم بعضا بالماء.
وقالت : إغسل نفسك، ليكتب لك الحظ ويتحقق الحلم.
تبللت ملابسه وإضبارته. أراد أن يلعنها، لكنه كتم غيظه لقد ضاع حلمه.
وقال في نفسه : عن أي حظ تتحدثين أيتها الملعونة أضعت كل أعمالي.
بعد هنيهة ، خرج إلى السطح، ونشر كل قصصه على حبل الغسيل.

 

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free