http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  في محطة ما من العالم
 
في محطة ما من العالم
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 4 يناير، 2011 | 0 التعليقات


في محطة ما من العالم
 
 
 
 
 
 
 
 
أنيس الوهابي

هناك بين الجبلين الذين اشتعل رأسهما بياضا، وسط وفرة من الخضرة، تنتصب البناية الوحيدة لمحطة القطار. تظهر البناية من بعيد، بلونها الأصفر المصر. تظهر عالية مثل حصن قروسطي لم يستسلم بعد.تظهر من بعيد لافتة المحطة السوداء ذات الإطار الأبيض وأعمدة الإضاءة المعقفة. ويلمع أيام الصيف خطا السكة الممتدة كأنما قدا من
.
المحطة نشطة في كل المواسم والأوقات. لا همّ إن كان برد الشتاء أشد من المعتاد، أو إن نزلت السيول بغزارة من أعلى الجبلين، أو إن كان قيض الصيف أقوى من المحتمل. صباحا مساء، يقف رئيس المحطة بقبعته الرسمية وحذائه اللامع، يتفقد حالة الرصيف ونظافة قاعة الانتظار ويرتفع صوته أحيانا منبها بوجوده.
صباحا، في بداية كل دورية، يستحث العمال خطاهم لكي يتسلموا عهداتهم في الموعد. مساء، يغادرون المحطة وقد أثقلهم التعب. يختفون هنا وهناك بين شعاب الجبل وقد تواعدوا على غد جديد.
هناك، يجلس معاون رئيس المحطة في مكتبه يعيد ترتيب بعض الأوراق، ويتثبت من مواعيد القطارات المنتظرة يوما. ويجلس بائع التذاكر يكرر عد تذاكره بنشاط المرة الأولى. وتمر المنظفة بين الكراسي تستريب وجود شيء وراء لافتة إعلان قديم.
هناك، وراء المحطة، ترقد العشرات من عربات القطار القديمة وقد اهترأ كل شيء فيها بفعل الحر والبرد والسيول. ترقد ساكنة دون عجلات ولا أبواب، حذاء قاطرات أكل الزمن مفاصلها مثل مثيلاتها في محطات أخرى.
هناك، المكان مفعم بالحياة. يتحرك العمال بنشاط ونخوة. ينظفون أدواتهم مثل محاربين على أهبة. يتفصد العرق على جباههم مثل كل العمال الذين يحترمون أنفسهم. ويشعلون النار بين القاطرات صيفا وشتاء ليجلسوا حولها أوقات الفطور منتظرين عودة الراحة الأسبوعية.
هناك، تحمل اللافتات تفاصيل الرحلات: أوقات وصول القطارات واتجاهاتها والمحطات التي ستقف فيها. ويرتفع صوت أنثوي جميل حينا بعد حين مذكرا بقواعد السلامة ومنع التدخين.
هناك، يجلس رئيس المحطة في مكتبه آخر العشية ليقرأ جريدة الصباح. يبدأ دوما بصفحة الخدمات التي تحمل تفاصيل رحلات القطار لينظر بفخر لاسم محطته في برامج قطارات الجنوب. ويسعد أحيانا بمقال يتحدث عن جودة خدمات النقل الحديدي أو عن حسن الاستقبال والمعاملة في المحطات.
هناك، في تلك المحطة، في مكتب الرئيس، في جريدة الصباح أو حتى في جريدة المساء، لن يتكلم أي مقال عن أي قطار وصل متأخرا، أو عن أية فوضى في برمجة الرحلات. لأنه ببساطة، تلك القاطرات والعربات التي تقبع وراء المحطة وغيرها من المحطات الأخرى، غادرت السكة منذ زمن.
وحده الأمل مازال يسكن رئيس المحطة ومساعده وبائع التذاكر وعاملة النظافة وعمال الصيانة والآخرين. الأمل في أن تتناهى إليهم في يوم ما، في تلك المحطة القابعة بين جبلين، صافرة قطار يتهادى من بعيد.

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free