أولاد حارتنا
عبده حقي
من أية تربة أيها السادة تنبت بيننا أشواك هذه البشاعات بعنفها اليومي الذي يشوه ملامح وقسمات أجمل بلد في العالم (المغرب) كما يتغنى بذلك الإعلان السياحي !! ويجعل بعضنا يتوسدون حقائبهم إستعدادا للرحيل فجرا وعلى متن أول طائرة أوباخرة إلى الضفة الأخرى وهم(ن) مشحونين(ات) بتلك القنبلة المسيلة لدموع الفراق (PARTIR) التي فجرها الكاتب المغربي الطاهربن جلون ذات رواية مجهضة.
أحقا أنها ضريبة إختيارنا الديموقراطي الذي قطعنا به وحسبنا أننا دفنا الماضي معه في ما يسمى في قاموسنا الحقوقي الحديث ب(سنوات الرصاص) .. هوإختيارمن دون شك قطع فيه قطارالمغرب مسافة محترمة جعلتنا نشعربحق أننا إنفلتنا والحمد لله من عتمة نفق الإحتقان السياسي وأصبحنا نكحل عيني هذا الوطن العزيزبإثميد الأنوارالتي يغمرنا بها العهد الجديد .
أيها السادة ماالذي يجعل شابا مغربيا يتحول إلى فاعل مرفوع بالقرقوبي ويتدجج بساطورليس بينه وبين غياهب السجن المؤبد سوى حركة طائشة قد لايقدرفداحتها إلا بعد أن يصلصل خلف ظهره زكروم الزنزانة ، حيث لن ينفعه الندم على مدى ماتبقى من عمره الضائع .
وأي شياطين متوارية أومختلسة أيها السادة بيننا توضب بخطاياها سيناريوهات هذا القبح اليومي الذي يمسخ بعض شبابنا إلى روبوتات عمياء تقترف جرائمها في واضحة النهارولا أحد فينا جميعا يدري في أي صندوق سري أسود تنكمن آلات التحكم عن بعد في هيستيرياها الشبابية.
أحقا هي بعض أخطاء ديموقراطيتنا الفتية الناعمة والتي حولت زنازن الأمس إلى فنادق من خمس نجوم تؤثثها الطنافيس والزرابي والستائرالمخملية والقفات الحبلى بأصناف الدجاج المشوي والديسيرالراقي والثلاجات والتلفزات والهواتف النقالة وعلب السجائر الراقية ومعازل الخلوة ومواويل سهرات الأعياد التي بات يصدح على منصاتها بعض المطربين والمطربات وبات يهرج على ركحها بعض الممثلين والممثلات الذين يسيل لعابهم على الوقوف أمام الكاميرات .. وكل هذا طبعا من باب الحق في دعم ومؤازرة شرذمة من المجرمين والقتلة والعصابات (récidivistes) الذين ينغصون على المواطنين التمتع بجمال وطنهم وهدوء أيامهم ...
قدري أيها السادة وعلة علاتي أن أولد وأعيش مثقفا مغربيا .. ولم أنزل إلى جحيم أونعيم هذه الثقافة المغربية بمنطاد مستعارأوبقناع أشباه المثقفين المشبوهين .. ولكن هويتي الثقافية التي هنا والآن هي محصلة تربية أصيلة وبعيدة في الزمن الطفولي الستيني الممهور بعبق فجرالإستقلال ... وهي أخيرا إصرارعلى دراسة عصامية وعشق حد الموت بروعة وفتنة الكلمة الإبداعية وسحرها البيانية المكين .
كوني مثقف يعني في فلسفتي الخاصة أن أكون دائما عبدا خدوما لوطني .. مقاتلا للخبث ومدججا بباقات الورد .. معناه أن أخرج فجرا مع أسراب العصافيرلنغرد للأمل المغربي .. أن أكون يراعا يصدح بمملكة مغرب الأماني التي لاتغرب عنها الشمس .. أن أكون إنسانا يقتسم رغيفه مع قطط القمامات وفرحه مع الشحاذين وماسحي الأحذية حين لايجد ما يمنحهم وحين تكون جيوب معطفه مملوءة فقط بالثقوب والريح .. أن أقتسم نورالقمرمع العابرين في ليل دربنا الطويل وأرش عطرحبري على سترات المقيمين في دفاتري وكتاباتي .. قدري هوقدرالمثقف الواقف كالنصب الأزلي في عمق هويتي .. قدري أن أحارب المسخ المتربص ببهاء وطني .. أن أكون في طليعة المتطوعين المقاومين لنحبط كل مناورة يحبك خيوطها الأعداء الحاسدين الحاقدين وراء المحيطات ... أولئك الذين يسفكون دماء شعوبهم بخناجرالخيانة والكذب السياسي ويهدرون بترول شعوبهم ضد شعب المغرب الذي لابترول له .. ليجعلوا من هذا البلد الأمين كابوسا يقض مضاجع أمته الآمنة .. أولئك الذين يعملون في السروالعلن ، بالديناروالدولاروكل عملات السمسرة على جعل خارطة المغرب تختصرفي زورق ورقي جاهزكل ليلة للهجرة السرية ..
قدري أيها السادة أنني مغربي ككل المغاربة لايعرفون معنى للإنتقام .. معنى للنقمة .. للغيظ .. للحنق .. فأنا مجرد كاتب بسيط أرتع في بؤسي وأحلم فقط بوطن يتسع للجميع .. وبسماء زرقاء صافية يتدثربها الجميع .. وبقصيدة يصفق لها الجميع ...
قدري أن أقلب وأفتش في ثنايا ذاكرتي عن جواب حقيقي لسؤال هذا الساطورالمغربي الذي هوى على جسد سيارتي وأنا على متنها مع سيدتي نردد مع أنشودة الراديو(بلادي يازين البلدان .. ياجنة على حد الشوف .. ياأرض كريمة مضيافة وجمالها شايع معروف .. ناسها نخوة وضرافة .. وكرمهم شايع معروف .. شحال يابلادي ولافة .. واللي سال يجي وشوف )
أحقا ولعلعة ذلك الساطورماتزال تطن في أذني أن ناس وطني مازالوا نخوة وظرافة !!؟.. قدري كقدر كل مثقفي العالم أن أقايض هذا الساطور بباقة ورد مهما إتسع جرحي النفسي وانسفك من دم الهلع من جسدي .. أن أطلب فقط من قاتلي أن ينزاح قليلا حتى أرى شمس وطني الجميل قبل أن يهشم رأسي الثمل بالأحلام .. أن أعلق على صدره وردة من باقة تسامحي الكبيرالذي يستمد رحابته من صفح الأنبياء والشرفاء والأدباء النبلاء وكل المناضلين الذين يتلفعون في أكفان الوطن.. أن أتنازل له عن حقي السماوي والأرضي .. القانوني والشرعي .. الوضعي والعرفي .. فلربما يعود غدا وفي نفس الطريق وفي نفس الموعد ليستقبلني بمشموم ورد ثم يعانقني ويذرف دموع ندمه على كتفي وكل نشوتي لحظتئذ أن أجعل منه بتسامحي مواطنا مغربيا (حتا الموت) يسبح بمقدساته ويردد شعاره الخالد بكرة وأصيلا ويحرق في خياله جميع زوارق الهجرة السرية .
وقدري أخيرا أيها السادة أن أقول له بالرغم من جرحي النفسي الغائر وبالرغم من وجهه المتقنع ببشاعة حفارالقبور: كن جميلا ترالمغرب جميلا .