http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  موجة كتاب الجالية المغربية
 
موجة كتاب الجالية المغربية ، سؤال الهوية دائما .
الكاتب عبدالقادربنعلي


مراسلة مصطفى الحمداوي*
من هولاندا
خاص بالموقع
 
 
 
لعل الأوساط الشعبية المغربية لا تعرف من الأسماء ذات الثقل الاجتماعي الوازن في هولندا غير هؤلاء اللاعبين الذين تثار حولهم دائما نقاشات متفاوتة من حيث إيجابياتها أو عدمها . لكن رجل الشارع المغربي يغفل أسماء كثيرة ومؤثرة في المجتمع الهولندي ، وفي مختلف المجالات . ولعل السياسة كانت أولى الميادين التي عرفت ولوج مغاربة لهذا الميدان عبر السياسي الفذ محمد الرباع المتقاعد الآن، اليساري الذي كان ينتمي لحزب الخضر الهولندي. قبل أن تتوالى أفواج المنشغلين بالسياسة وفي مختلف درجاتهم. لكن سيكون أحمد أبو طالب  المنتمي لحزب العمال، أول مغربي يصبح وزيرا في عهد حكومة بالكنند السابقة. قبل أن ينال شرف عمودية مدينة كبيرة من حيث قيمتها الاقتصادية واشعاعها العالمي. مدينة روتردام ، " القلب الاقتصادي النابض لهولندا " مدينة التجارة والأعمال وبورصة  البترول والورود والكثير الكثير .
 
غير أن الملفت للانتباه،  هو ظهور موجة من كتاب مغاربة أفرزتهم لحظة معينة كانت نتيجة تراكم لتجارب جيل تشرب قيم الإبداع والكتابة في كل الميادين. وهنا لا يمكننا تجنب الحديث عن الكاتب الذائع الصيت في هولندا، عبد القادر بنعلي الذي استطاع منذ إصداره لأول رواية له، أن يفرض اسمه كأحد الأسماء البارزة  في فضاء الرواية الهولندية. وقد نالت روايته الأولى " عرس على الشاطئ " عدة جوائز وترجمت إلى عدة لغات، وهنا يتحدث عبد القادر بنعلي صاحب الحس الخفيف والشخصية البسيطة التي تنعكس على تعامله العفوي مع محيطه ومحدثيه. لكنه في المقابل يعطي انطبعا حقيقيا نابعا من حقائق ملموسة بأنه مثقف كبير وقارئ نهم يتحدث حوالي ست لغات .
 
يروي عبد القادر بنعلي أنه دعي مرة إلى مهرجان ثقافي في إسبانيا باعتباره كاتبا هولنديا معروفا في بلده . إلا أن عبد القادر بنعلي سيفاجأ حين سيصده حارس بوابة مقر المهرجان الثقافي ويمنعه من الدخول.  لا شك سيكون الحارس قد تساءل في نفسه على النحو الذي نعرفه جيدا حول جيراننا في الضفة الشمالية: " هل هكذا يكون الكاتب الهولندي ؟!!!! " ورغم المحاولات المتكررة لعبد القادر بنعلي لكي يفهم الحارس  أنه قادم من هولندا وبدعوة خاصة من المهرجان، إلا أن الحارس يعتبر بنعلي مجرد " مورو " يكرس الصورة النمطية القاصرة لدى الكثير من الاسبان عن الإنسان  المغربي. بل لا يمكن لعقل هذا الحارس أن يتصور بنعلي هولنديا ولا يمكن  أن يتصوره حتما أن يكون كاتبا أيضا، وكأن على الهولندي أن يكون أشقر الشعر وبملامح شمالية أوروبية ، وحتما عليه أن لا يكون ببشرة سمراء قليلا وبشعر أسود فاحم.
 
إلى جانب عبد القادر بنعلي نجد هناك كتاب آخرين فرضوا أنفسهم بجدارة كالشاعر مصطفى ستيتو الذي يعتبر أحد أكبر شعراء هولندا ويمثلها في مختلف الملتقيات الشعرية العالمية . وكما كان الشأن بالنسبة لعبد القادر بنعلي الذي حاز على جائزة " ليبريس " عن روايته " الذي انتظرناه طويلا " هذه الجائزة وقيمتها 50 ألف أورو، وهي تعد بالمناسبة  بمثابة جائزة الغونكور الفرنسية وما شابهها من الجوائز التي تجعل من صاحبها أحد أكبر الكتاب العالميين .
مصطفى ستيتو أيضا حاز على أرفع جائزة في الشعر تمنح في هولندا، جائزة " VSB " وقيمة الجائزة 25 ألف أورو. تجدر الإشارة هنا بأن مصطفى ستيتو الذي ينحدر من أصول تطوانية يعتبر نفسه هولنديا بحتا، بينما عبد القادر بنعلي المنحدر من قرية محمد شكري ، يحافظ على توازن معين يمكنه من الالتفاف على الموقف بذكاء وقناعة أيضا. ولعل الدليل على ذلك سعيه لتعلم اللغة العربية وكتابة رواية في بيروت، حيث صادف العدوان الذي شنته إسرائيل سنة 2006على لبنان، ورفض مغادرة بيروت رغم مناشدة أخته ووالده اللذان كانا يتصلان به من هولندا . وقد خرج عبد القادر بنعلي من هذه التجربة الفريدة بتأليف كتاب حمل عنوان " رسائل من مدينة محاصرة " ولعل العنوان يقول لنا كل شيء، فرغم عدم الانحياز الذي ينبغي أن يبديه عبد القادر بنعلي إلى قارئ هولندي غربي متشرب بنظرة نمطية معينة نحو الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أنه تجاوز كأي كاتب أصيل كل الحساسيات الضيقة ليستجيب لضمير الكاتب فيه.
 
 وبذلك كرس كل من عبد القادر بنعلي ومصطفى ستيتو أسماءهم ضمن أكبر الكتاب الذين تفتخر بهم هولندا. وهولندا ليست على غرار فرنسا مثلا ، فرنسا تعتبر أي كاتب مزدوج الجنسية كاتبا فرانكفونيا ، بينما هولندا تعتبر الكاتب رغم احتفاظه بجنسيته الأم كاتبا هولنديا بحتا . ودائما ما يوجه مثل هذا السؤال لكل مغربي ينبغ في مجال معين : هل تعتبر نفسك مغربيا أم هولنديا ؟ وحيال هذا السؤال تختلف أساليب الأجوبة، لأن الجواب الصريح الذي يقول أنا كاتب مغربي،  من شأنه أن يعرض صاحبه للتجاهل التام من قبل الإعلام والنقاد. ولطالما تم تضخيم أسماء لمجرد أنها تتنكر للهوية الإسلامية أو العربية، أو تطعن في التقاليد المتولدة عن أصولنا الإسلامية. في مجتمع لائكي   يعتبر مثل هذا الكلام، كلاما  متخلفا ينتمي إلى عصور الانحطاط، بل وينطوي أيضا على نوع من الترفع كما هو مكرس في المخيال الغربي عامة.
 
وإذا كان عبد القادر بنعلي ومصطفى ستيتو يعتبران من أكبر كتاب هولندا، فان حفيظ بوعزة هو أيضا يعتبر كاتبا من الأسماء التي فرضت نفسها بقوة عبر كتاباته الأدبية، خصوصا الروائية منها، حيث بدوره فاز بجائزة " البومة الذهبية " وهي جائزة قيمة تحظى بمواكبة من قبل أكبر النقاد في بلجيكا الفلامانكية وهولندا. وهناك أيضا  خالد بوضو ونعيمة البزاز ورشيد نوفير ومحمد بنزاكور، وغيرهم كثير.  هؤلاء  يعتبرون من الأسماء التي لا يمكن تجاهلها في المشهد الثقافي الهولندي. ولكن رغم كل هذا النجاح الذي يحظى به الكتاب المغاربة في هولندا، إلا أن هناك قناعة راسخة مفادها أن جمهور النخبة المثقفة والنقاد " على الأقل أكثرهم " لا يمكنهم تقبلك وتقبل أفكارك باحترام وبتقدير كما ينبغي لأي فكر غير متطرف أن يعامل. بل عليك أن تعلن رفضك الواضح للثقافة الإسلامية  وخضوعك  التام والملموس للثقافة والهوية الغربية. حينذاك سيكون مرحبا بك حتى وان كان نتاجك أدبا  رديئا لا قيمة له، وإلا فأنت مجرد جسم دخيل لا يستحق أن يحمل لقب " هولندي ". وهو الأمر الذي يلمس بوضوح من خلال تعامل وسائل الإعلام الهولندية مع المغاربة من الجيل الثالث. سيسمون حتما مغاربة إن هم قاموا بفعل إجرامي أو "إرهابي" مثلا ، ولكن سيتم الاحتفاء بهم وبمبالغة زائدة أحيانا كما يحدث لبعض المغنيين والكتاب، ومن يعزف بفلكلورية على تقاليدنا وثقافتنا، عزفا ساذجا  سيضحك المثقف الهولندي ويستهويه لا شك. وفي هذا الصدد لا داعي لذكر الأسماء، لأنهم والحق يقال، كثر.
 
نستنتج في الأخير أن النخبة المثقفة هي المنوطة بتشكيل الرأي العام حسب المبادئ والقيم الإنسانية السامية ، لكن حين تخضع هذه الفئة لشوفينية ضيقة ، حينذاك تفسح المجال للفكر المتطرف ومن كل الأطراف. ولعل ظاهرة السياسي الهولندي المثير للجدل خيرت فيلدرس. السياسي المتطرف المعادي للإسلام والمغاربة والعرب، لهو إفراز لظاهرة معكوسة. بحيث تخلت النخبة المثقفة عن لعب دورها الأساسي المتمثل في تصحيح مسار التاريخ وتقويم الاختلالات في المجتمع، لتترك المهمة لأشخاص هم أبعد الناس عن فهم طبيعة التعايش وتلاقي الحضارات في بعدها الإنساني العميق الجميل.
 
*كاتب مغربي مقيم في هولندا
 
 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free