http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  بين الإنتقاد والسخرية
 


 
بين الانتقاد والسخرية
قراءة في" ربما غدا" للقاصة السعودية شيمة الشمري (1)
 
 
 
حميد ركاطة
ناقد من المغرب
 
نلمس في قصص هذه المجموعة ، صوت الأنثى الخافت وهو يفجر ينابيع الغضب والفرح والحزن ، صوتا هادرا لا يهادن ولا يسالم في محاولة لإبراز مواقف صادمة من وقائع الحياة تتجاوز الوصف إلى الانتقاد الساخر، ضمن أبعاد الحدث الواحد وهي تفتح أفق التأويل المتعدد .
قصص شيمة الشمري تعري عن معاناة الأنثى ، تفضح قهرها وانكسارها، بحثا عن مكانة حقيقية ولائقة بها ، فهي( القصص) أصوات باحثة باستمرار عن صدى غالبا ما يكون مبحوحا وخافتا أو بدون معنى ، يبرز عمق التيه والحيرة الضارب في أعماق الحسرة ، قصص  بقدر ما تشيد صورة الرجل العملاق بداخلها تعمل على انهيارها أو تفرقعها كبالون مليء بالهواء ليضحى لا شيء وكأنها تطارد خيط دخان واهم أو شبحا فاقدا للقدرة على الحب والإخلاص والحنان والصدق ، فكل المواقف التي تواجه الأنثى في علاقتها بالذكر تبرز أن هناك خللا ما ،  خيطا رابطا واهنا يتم سحبه من جهة واحدة  لنقف على عالم يتلاشي دون القدرة على دعمه أو إسناده .
لقد استحوذت القصص التي تطرح العلاقة بين الجنسين على مساحة كبيرة ، أبرزت نماذج من العقليات الذكورية بحمولاتها الثقافية والنفسية ومرجعياتها المتأثرة بالمجال الجغرافي ونمط العيش الأسري التقليدي البدوي المحافظ ، في مقابل محاولات المرأة النازحة والراغبة بقوة نحو التحرر من عقال رجال أسرهم الماضي برتابته وأثقاله وتقاليده وخصوصياته ما جعل التمرد علىالتقاليدمطلب مستعجل مادامت تجعلها (المرأة) في مرتبة دونية بسبب الأنانية وعقدة التفوق التي استمدها الرجل من منظومة دينية  دون الالتزام بتعاليمها الحافظة لكرامتها ، والحافظة لضعفها  إلى درجة سعى فيها بكل ما أوتي من حيلة إلى  تحويل المرأة إلى "شيء" .
"فتشيء" المرأة أفقدها قدرتها وحريتها ، ما جعل احتجاجها يقوم على مبدأ الانتقاد والسخرية  وفضحها لصورة الجلاد الكامنة في أعماق الرجل ، وهي صورة زائفة مصطنعة تحاول الكاتبة من خلال شخوص هذه المجموعة  إماطة قشرتها لتصبح المسافة أكثر قربا والرؤية أكثر وضوحا وعمقا .
كما تطرقت المجموعة إلى معاناة الذات الكاتبة ونقصد بها ذات المبدع بصفة عامة (لكن بصيغة المؤنث) وهو ما أبرز مواقف حقيقية إزاء العديد من القضايا الثقافية نفسها وبكون المثقف لا يحمل من همومها سوى القشور التافهة بينما يظل لبها ضائعا وهي الصورة التي تقدمها الكاتبة عن بعض الرموز ( الكتاب) .
ربما غدا عنوان يضرب لقاء في غد غير مؤكد  يلفه شك وريب ، ويبرز ترددا داخليا غياب قناعة ، أو يقين كما يبرز رهبة وحيرة وكلمات متحجرة كالصقيع ، ربما غدا إحالة على جبل الثلج الذي لا يبرز إلا رأسا صغيرا شامخا نزرا قليلا مشرئبا  نحو السماء ، لكن ما خفي منه  كان أعظم وأخطر، لكونه ملفوفا ببياض الورق ومحاصرا بنقط الحذف ، يشمت ويستهزئ ويتمرد ما دامت المعاناة تمتد من الذات الكاتبة في لحظات انسيابها أو انحباسها لتترجم نزيفا خارجيا وداخليا مع عسر ولادة كلمات تعلن قصصها الحداد منذ البداية لكونها تبخس الذات التي تتعرض دوما للقهر وتشعر بالدونية وهي في حلبة صراعات جانبية مفتعلة بالمرة ،والتي لا ندرك تفاهتها وعدم أهميتها إلا بعد فوات الأوان ،.
إنها كتابة تحفر بإزميل المعاناة في صمت حائط متجمد المشاعر، لا يعمل إلا على تكريس القسوة والهباء والهذر يغتال فرحة اللحظة يحولها لمأتم رمادي الكلمات عابس القسمات .
لقد تميزت نصوص مجموعة شيمة الشمري بجرأة في تناول العديد من القضايا الحساسة :
الإحساس بالقهر / التفاهة / العنف / الدونية و التهميش / الانخداع و الخيانة / الألم / الجحود / الغصة / الحزن / الانفصام / الضياع / الجنون / الكآبة / الكتابة ..
 
قبل تحليل نصوص هذه المجموعة لا بد من التساؤل حول المرتكزات والخلفيات المؤطرة لكتابة القاصة السعودية شمية الشمري،وكذلك حول طبيعة الرسائل التي ضمنتها مجموعتها القصصية القصيرة جدا ربما غدا ؟
تضم المجموعة واحد وتسعون نصا قصصيا قصيرا وقصيرا جدا والمجموعة من الحجم المتوسط صادرة عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي في طبعتها الأولى سنة 2009
 
I العلاقة مع الذكر بين التنافر والتجاذب
 
 لقد استحوذ موضوع العلاقة بين الجنسين  على الحيز الكبير من نصوص المجموعة ، مما يدل على خصوصية مجتمع بأكمله تطرح للنقاش، فالنظرة الذكورية لكل ما تنتجه المرأة لا ترقى دوما إلى تطلعاتهم ، وتبقى غير ذات أهمية رغم أنها تنجز بحب وكد وتعب رغبة في تحقيق حظوة أو إعجاب أو تقدير ، تقدير يبقى غائبا بالمطلق بل يواجه بجفاء .
في نص " من هذا ؟ " ص 8 نلمس ردة فعل الزوج الغير مبالي وهو يكافئ زوجته يقول السارد " تسمرت أمام اللوحة ساعات ...أنهتها وهي تعاني من إرهاق لا يخلو من لذة ..دخل عليها متأملا تلك القسمات تم نظر إليها متسائلا : من هذا ؟" ليظل الرجل كصوت متعال جاف القسمات ومتصلب الأحاسيس، لا مبال وكأن ما تقوم به المرأة لا يعدو أن يكون شيئا تافها، فهي مجرد شيء ضمن ممتلكاته، تقول الساردة   في نص "ألم " ص 19 " تقوقعت حول نفسها بعد أن أوسعها زجرا وتوبيخا لملمت شتات كرامتها المتناثرة ..جففت دموعها .... أخفت وجعها وارته خلف ستارة النسيان لتبدأ رحلة ألم جديدة "
فالمرأة ضمن المجموعة ، شبح بلا صوت أو ملامح دائمة الشقاء وكأن التعاسة قدرها المحتوم، فهي مجرد نموذج للحظ السيئ كما في نص " أخرى " ص 10 تقول الساردة " اقتنع بأن الأمل كان موجودا منذ البداية لكن مع أخرى"
لكن يجب أن نتساءل لماذا تشيد القاصة شيمة الشمري صورة الرجل في نصوصها القصيرة جدا بهذه السخرية التي وصلت حدا كاريكاتوريا ؟
لعل  الصور صادمة ومدهشة تصفع بقوة عمق الذكورة وتفرغها من القيم السليمة والإنسانية، لا نجد سوى  رجال بملامح قاسية لا يعرف الصفح والحلم والنبل سبيلا لقلوبهم أو أنفسهم .
لقد لامسنا نوعا من التنافر الكبير والصراع الخفي الدائم حد الجنون بين مكونات المجتمع داخل نصوص المجموعة فالرجل اقترن التعبير عن أفعاله وسلوكه ونظراته وتصرفاته بنوع من الاستخفاف  الذي طال كل أنحاء جسده تقول الساردة " رمقها بنظرة خبيثة وابتسامة تفوح منها رائحة الغدر" ص 12( نص وباء)/ " حزنت لفراقه ...قذفها إلى ساحل الألم ..تنهدت فخرجت رائحتة من جوفها " ص 14 (فراق)/ " يعانق جبينا أنتن منه " حذاء " ص 29 قذارة تبرز كذلك في نص سمعة ص 52 والبطلة تضع قدمها في بحيرة " ندمت فقد لازمتها رائحة نتنة"
فالرجل ينتمي دوما إلى مجتمع غير متوازن ، فجسد المرأة يقترن لديه دوما بمفاتنها التي تزلزل رغبته الوحشية لم يستطع التشذيب المتواصل لتربية النساء تغيير ملامحها القاسية في نص "حسرة "نلمس عنف اللغة والكلام الذي يصل حد من البذاءة دون اعتبار لشخص المرأة أو لحرمتها تقول الساردة " خرجت مع صغيرها من المركز التجاري باحثة عن سيارة أجرة ..(السائق الأول) تبسم ..وهو يغمز / تفضلي ياقمر) (السائق) العربي (نهارنا ! ياقشطة) الثالث ( تفزلي مدااام ) ركبت السيارة وفي قلبها حسرة" ص 57
إن هذه الطلقات  من شأنها تشويه العلاقات الانسانية وكذا الاعراف والقيم والمبادئ والأعراف.
فالرجل شبيه بآلة قتل حادة كما هو الآمر في نص "غدر" ص 38 تقول الساردة "تزينت بشوقها ..لملاقاة حبيبها الذي كان في الوقت ذاته يسن (ساطور) الغدر." ص 38 أو بارتكاب جريمة " فجأة ظهرت زوجة أحدهم وفي يدها سلاح الجريمة ، وملابس ملوثة بالدماء ، صاح زوجها أيتها (..) خيانة أخرى !!! "
فالرجل بقدر ما شكل في أوضاع مختلفة بدا أكثر عنفا وشدة وبطشا وعقوقا للحب ونكران لجميل المرأة تقول ساردة نص " تسلية" مساء كان حزينا ..تراسلا كثيرا.. فرح بها ..شعرت بقربه.. تعلقت به.. صباحا تجاهلها ! " ص 49
 لقد بدت المرأة كذلك دائمة الشكوى كما هو المر في نص " ثرثرة النون" ص 79 بحيث لا يهدأ لها بال مهما كانت ظروف عيشها مع الرجل فالانتقاد يطال شخصه وسلوكه تقول الساردة " تشتكي إحداهن من حالة زوجها ، فهو دائم الخروج ..ردت الثانية ..هو ملازم للبيت إلى درجة أن وجوده المستمر يضايقني .. الثالثة علقت ساخرة ( يمدحون المسيار) .. الرابعة تبسمت وهي تهز رأسها عجبا " ص 79
إنها زوايا التقاط مختلفة لموضوع واحد ومواقف متضاربة تعلن أن النقصان هو سيد الموقف فليس هناك رجل كامل أو حياة زوجية مستقرة فالهباء يلف العلاقة بل يقتات من سعادتها ولا يدعها تستقر على بر الأمان .
 
II صورة المرأة من خلال بعض نصوص المجموعة
 
في حين نلمس جنون النساء وغرابتهم في العديد من النصوص التي ترصد عمق الخبل الضارب في الأعماق إما تمردا أو تحديا أو كرها في نص " ليكن" ص 85 تبرز البطلة سلوكا مستهزئا إزاء مواقف زميلاتها وسخريتهم حول لون الفستان وقصره لكن ردة فعلها كانت أقوى من انتقاداتهم تقول الساردة " عاتبوها على تحير أكمامه .. زجروها لضيق مقاسه خلعته ومضت .. !"
إن هذا الجنون مارس غوايته على مجموعة من النصوص داخل المجموعة وصل حدا من عقاب الذات والنفس ولومها بل الدفع بها للعيش بشكل انفصامي أو في أحسن الحالات بحثا عن فرصة ثانية كما هو الأمر في نص "حنين" حيث تتساءل البطلة وهي تلتقي صدفة  زوجها السابق رفقة زوجته وصغيره " ياه أيعقل أنه أمامي الآن ولا أستطيع الارتماء على صدره ؟ ...عادت إلى منزلها محملة ببركان ثائر من الذكريات لتحيا به ما تبقى لها من عمر " ص 94
إن الموقف ما يلبث أن يبرز سلطة المرأة وتجاوزاتها فالقارئ لا يبصر حقيقة العالم المتخيل للكاتبة في حقيقته حيث يصبح المونولوغ الداخلي حوارا لا واعيا (سيكولوجيا) يعمل على حجب حقيقة الواقع بقدر ما يعمل على كشفها ، وهو ما ينتظر القارئ وهو يلاحظ ما تتعرض له شخوص بعض النصوص من ضربات موجعة كالتمييز العنصري الذي يمارسه الأفراد ويجعلون منه عائقا دون تحقق مراد / علاقة طبيعية ، في نص " عرق" نلمس عمق التصوير الساخر الذي تجعل فيه الكاتبة العنصري ( الأبيض)بقلبه الأسود ونظرته للأخر التي تكشف السواد الحقيقي بنوع من الدونية للرفع من قيمة الفرد المهان تقول الساردة " منعوها من الزواج به لأنه أسود البشرة لم يغفر له بياض قلبه وعشقه لها تنظر إليهم وتتعجب من هذا السواد الذي يسكنهم وهو لا يشعرون" ص 63
إن البناء القصصي الرشيق والحذق يرسم بشكل متواز وضعا عنصريا قذرا بقدر ما يكرس الدونية وموت القيم الأخلاقية يجعل عقلية الإنسان القوي في قفص الاتهام ليتم محاكمتها من طرف المتلقي بإيعاز من الساردة وبتحريض منها كما هو الآمر في الجزء الأخير من النص .
لقد أثارت النصوص قضايا خاصة بين النساء ( الغيرة والتنافس على الزوج الواحد) بالنزوح نحو النصب والمراوغة للكشف عن واقع أخر وبمنظور المرأة ذاتها إلى بنات جنسها في نص "الغاضبة " تتحول الخادمة "العشيقة القديمة" بعد القيام بمحاولة انقلابية على مشغلتها (غريمتها) لاسترجاع حق أضاعته ظلما فالرجل المتنازع عليه في النص بدون ملامح أو هوية مجرد شيء قابل للتمليك تقول " الخادمة "لربة البيت في رسالتها " عندما تقرئين رسالتي هذه سأكون في رحلة لقضاء شهر العسل مع رجل ظلمته طويلا ، وآن الأوان أن ينعم ببعض السكينة ويمارس حياة التفاؤل والهدوء .. أعدك بأن أجعله يتذوق طعم السعادة التي حرم منها منذ عرفك " ص 112
هذا الصراع يمتد لنصوص أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر نص " القناع" ص 104 الذي يبرز زيف الصداقة التي تمتد إلى مرحلة الطفولة والتي تضحى في بعض الأحايين  مجرد قنطرة للعبور سعيا نحو تحقيق أغراض خاصة كالاستيلاء على الزوج تقول الساردة " كانت صديقتها منى مستشارتها الخاصة وكاتمة أسرارها ..يطلق هاتف منى صرخاته باحثا عن إجابة ..تتلعثم ..تحاول أن تلغي المكالمة لكنها خطأت تضع مكبر الصوت ولينطلق صوت "فيصل" زوج مريم معلنا سقوط القناع " ص 104
 
III صورة المثقف
لقد شكلت صورة المثقف في نصوص شيمة الشمري بدرجات مختلفة الخطورة ففي نص " ربما غدا " تبرز تعاسة زوجة المبدع وهي تسترجع ذكريات الأيام الجميلة يقول السارد " آه لو نعود كما كنا أو تعود تلك الأيام الجميلة .. قبل أن يصبح كاتبا لامعا مشهورا " ص 107 فالمثقف يبني مجده الخاص على حساب سعادة العائلة التي يقوضها ويهدها تحقيقا لمجده الخاص ما يبرز التفكك واختلال نظام حياة بأكمله تقول الساردة " غيابه طال عني وعن صغيرته " ص 108 وبعدم الالتزام بكل المواعيد مهما كانت أهميتها أو طبيعتها ما يتسبب في نوع من الافتقاد والحرمان تبهت قيمة الأشياء مهما بلغت رمزيتها تقول الساردة على لسان الزوجة " العشاء جاهز ..ومميز (ابتسمت) سنتناوله معا ونتحدث فقد ..اشتقت إليك كثيرا ..
ـ أكلت في المكتب ..سآخذ (حماما) سريعا وأخلد للنوم .." ص 109
إن هذا الإيقاع الذي اتخذته الحياة الجديدة تندر بانفجار وشيك وباتساع الهوة شيئا فشيئا بين الكاتب وعائلته نفس الموقف جسدته الكاتبة بشكل مجازي في نص " شاعر وقصيدة" ص 15 من كون الكاتب مرهون بعشق الآخرين على حساب من يعشقونه فهو لا يكتفي بما لديه وكل من يقترب من
دائرته يدخل بؤرة نور ونار حارقين تقول الساردة " وضعت رأسها (القصيدة ) على صدره وهي ترى خيالات عشرات القصائد تقفز هنا وهناك و الشاعر واحد ..شعرت بغصة ..غادرت بهدوء "  فالحب الذب ينصب الشاعر شراكه من خلاله للاخرين والنظرة التي يقدمها عن نفسه هي نظرة خادعة لا تعكس جور حقيقته وواقعه وعمق أحاسيسه حياة الكاتب بهذا المعنى يشوبها الزيف والخداع والمراوغة والنذالة لآنها حياة مليئة بالأحزان والانكسارات والمواجع في واقع الآمر عكس ما يعتقد الكثيرين في نص " تراجع" نلمس مشكلة انحباس الكتابة وما يسببه من أرق وتمر بل موت إكلينيكي تقول الساردة " تحمس كثيرا لفيض قادم ..أمسك بقلمه هم ببداية جادة مع أول حرف انكسر القلم !!فأعلن الحداد " ص 62
إنها مواقف تذكرنا بمحن المبدعين عبر التاريخ وحكاياتهم الطريفة حول نفس القضية بين من يتوضأ ويتعطر ويهيئ الأجواء في غرفته وكأنه يستقبل ضيفا عزيزا ، وبين من يظل مواظبا على نفس الإيقاع بطقوسه الخاصة والصارمة لأشهر وفصول بحالها لكي يعتقل فقط فكرة واحدة يكتبها كما هو الأمر بالمسبة لكتاب الهايكو ، فالانحباس والانحصار في الأفكار قد يزول فجأة وتأتي الكتابة منسابة كالسيل الجارف في لحظة غير منتظرة كما هو الأمر في نص "فكرة" تقول الساردة " استقرت عنوة في رأسه وسببت البلبلة والتوتر ..في ساعة متأخرة رمى بها على مساحة بيضاء وغفا " ص 62
المثقف حالات رغم حالاته النفسية وتقلب مزاجه وجحوده أو اعترافه رغم خبله وحمقه هو إنسان بالدرجة الأولى تحكمه العديد من النقاط المتضاربة بين القوة والضعف وقد ينهار لمجرد الإحساس بالدونية في نص مثقف " ص 37 نلمس كيف قاد البحث عن كتاب ضمن كتب قديمة في مكتبة إلى عثور الشاعر على ديوانه هو الآخر " دخل مكتبة ..باحثا عن كتب قديمة ...,إذا به بديوانه يرقد حزينا بين مجموعة من أقرانه متوسدا الكآبة " فالمثقف معرض لكثير من الهزات القوية يدفع ثمنا غال جدا كما أنه معرض للقيل والقال والسنة الناس بالسوء رغم شرف مقصده في نص "سواد " نلمس كيف تم تشييد هذه الصورة المقيتة بنوع من البغض لتصير مثيرة جدا وبالغة الدلالة تقول الساردة " تجمعن صدفة ..أثرين الجلسة بعطر الثقافة وهمس الشعر ونور المعرفة ..أترن الجدل ..أشارت إليهن الأصابع السوداء ..هاجموهن بتهمة متحررات !! " ص 39
فالمثقف بقدر ما يصنع تاريخه ومجده بأناة وصبر وكد قد يتم صنعه بغتة من طرف جهات أخرى تدعيما لمكانتهم وتسخيره كبوق للدعاية لهم لكن بمجرد ما يستطيب له المقام يتم العصف بمكانته ما دام مجرد قطعة غيار تتحول إلى أداة للقتل يقول السارد "في نص قلم " ص 47 " انغمست في عالمهم أصبحت من أشهر الأقلام مكانة ..ذات يوم استبدلوا بقلمها سكينا سامة "
 
IV القصة القصيرة جدا بين صراع الغرائز والقيم
أ‌)      صراع الغرائز
 
لعل الألم النابع من الأعماق يفرز بنوع من التوازي القيم الاجتماعية في صراعها بالغرائز الإنسانية من خلال استحضار طبيعة العلاقات الزوجية وهي تنتهك دون احترام للرباط المقدس وعدم الإقرار بأهمية الحدود التي يجب الوقوف عندها بقدر ما تتحول إلى نوع من التمادي في البحث عن لذة الجسد على حساب القيم تقول الساردة في نص "وباء" " سار وزوجته في بهو الفندق ..أخذ يتجول بطرفه ..يلتهم النساء بعينيه ..ركزت نظرها على صديقه ..هذا الأخير ...رمقها بنظرة خبيثة وابتسامة تفوح منها رائحة القذارة " ص 12
ولعل تمادي الذكور في تكسير طابع الخصوصية مع النساء الغريبات دون مراعاة للحدود في مجال التخاطب اليومي والحديث "العادي " نجد ساردة نص " الألوان" تسوق كيف يتمادى الذكور إلى حدود لا رجعة بتحويل مجال التخاطب ومكانه على غرفة النوم والمخاطبة إلى عشيقة بالقوة وقد حدث شرخ لا شعوري داخلي تم من خلاله تكسير كل خصوصية بحدوث نوع من اللاشرعية اللغوية التي لا ينفع معها الاعتذار ويصبح خلاله التراجع أشبه بمعركة غير محسومة رغم تساؤل البطل دون اعتذاره لعدم إحساسه بطبيعة الطعنة التي وجهها لمخاطبته تقول الساردة " اسمحي لي إن كنت قد بالغت أو تجاوزت الخطوط الحمراء ، ردت وهي تكاد تبتسم : لقد تجاوزت كل الخطوط وبكل الألوان " ص 16
إن هذا السحب بقدر ما هو تغرير وإغراء قد يكون غير مقصود تتماهى من خلاله ذاتي المخاطب/ والمخاطب ويحدث تلذذ مفعم برغبة تدفع لا شعوريا نحو تكسير الخصوصية والتصنع وهو تصرف بقدر ما يدخل الحبور إلى النفس يكون ذلك الانطباع السريع على الشخص وطبيعته المرحة مما يخلق نوعا من الجاذبية ويكون الشخص مقبولا لدى النساء ، في حين نلمس في نص "اختناق " صورة معكوسة لنص " الألوان" والبطل يلتهم بالتحديق جسد امرأة متسببا في خفقان قلبها وإحساسها بشعور غريب سرعان ما عصف به البطل وهو ينهرها دون رأفة " " استتري يامرة"  ص16
 
ب ) المرأة صفحة للكتابة الأبيسية
كيف يتحول جسد المرأة على صفحة للكتابة الذكورية ومرآة عاكسة في الوقت ذاته لانكساراتها وانتصاراتها ضمن مسار صراع خفي متعدد الأشواط ؟
أنه الصفحة الوحيدة التي تؤرخ لانكسارات الرجل كذلك وانهزامه أمام دهاء المرأة بل وذكائها ودهائها فجسد المرأة يتضمن من الرموز ما يعجز النظام الذكوري بأكمله على حل شفراته أو فهمه دون أن تضع الحرب التي فجرتها حواء منذ فجر التاريخ ولم تتوقف إلى اليوم فوعي المرأة بذاتها وكينونتها منحها قوة لا تضاهى وهي تبحث عن مكانتها الحقيقية وهويتها وكينونتها التي تم اختزلها عبر السنين في شيء واحد أو أشياء أو جزء من أشياء أو في مجرد قطعة ضمن ممتلكات السيد "الرجل" وهي تخوض نضالاتها المريرة قبل دخول ساحات حرب باردة قاتلة فإذا كان الرجل يعتمد على قوته الجسمانية وجموحه فإنه كان دوما يقع ضحية لدهاء المرأة وقد لامسنا ذلك في العديد من نصوص المجموعة ( أكثر من عشرة نصوص ) مثلا نص "مرحلة" ص 53 تقول الساردة " مر بها عابرا ، بينما هي كانت تؤثث قلبها ليسكنه مدى الحياة " وهي صورة تتكرر بنفس الحدة والروعة في نص لقاء " ص 32 تقول الساردة " اصطدم بها ..تبعثرت أغراضها ..جمعها معتذرا ..نظر إليها ، فاستلت قلبه دون اعتذار" في حين يبرز نص "لعب ص 42 استهتار الرجل بكل المشاعر الإنسانية وهو يبحث عن شريكة حياته يحدث من الخسائر الفادحة دون الإحساس بعقدة الذنب أو تأنيب ضمير ما أبرزه بشكل عبثي وهو يحطم القلوب ويدوس المشاعر تقول الساردة " نظر إلى حديقة لونتها ورود زاهية ..اقترب بشغف ..داس البيضاء ../ قطف الحمراء ..هرس الصفراء ../ أخذ نفسا عميقا وهو يقول : ما أجمل رائحة الورود!! " فالمرأة في نصوص شيمة الشمري شكلت مجالا للحب وللحياة ورمزا للخير أغلب الأحيان فهي التي تعيد البصر إلى الأعمى كما هو الأمر في نص أمنية "أضاءت حياته ..لم يعد أعمى.." وهو عمى رمزي دال على الحياة الحقيقية المليئة بالحب والخير والطمأنينة فهي تبحث دوما عن الاستقرار و لا مجال للعبث في حساباتها الدقيقة في نص عمق تقول الساردة" خارت قواه أمام تلك العاصفة ..استسلم . فتح ذراعيه لتأخذه حيث تريد ..أما هي فقررت الولوج إلى أعماقه '" ص 45
 
 
فقصص مجموعة ربما غدا لشيمة الشمري راهنت بقوة على تقديم صورة  عن واقع المرأة والنظرة إليها سواء من طرف الرجل أو من طرف بنات جنسها ما ساهم في كشف
القصة القصيرة جدا من خلال ومضها وإضمارها وكثافتها بل وامتداد مساحات البياض الصادمة أحينا والكاتبة بكل احترافية تشيد عوالم متعددة منها الداخلية النفسية ومنها المتخيلة ، ناهيك عن تجربتها الحياتية الكبيرة وثقافتها .
كتابات شيمة الشمري ساعدت على فهم الواقع السعودي ومن خلاله عقليات أفراده وأمزجتهم في علاقتهم بالقيم الأخلاقية وما يتمتع به الرجل من سلطة مخولة بفضل القوانين الشرعية والوضعية ولاعتبار دور المرأة الثانوي  وهي تقاوم في صمت هيمنته المطلقة فلا اعتبار للمثقفة او الأمية  أو ذات الحسب أو ...
نصوص شيمة الشمري صرخة نساء متألمات تعانين في صمت قهرا اجتماعيا وتميزا عنصريا بين الذكر والأنثى تمييز لم يقره الله تعالى ولا أقرت به الأديان  السماوية بل نبذته وكفلت حقوق المرأة وكرامتها لكن  طبيعة الانتقال المجتمعي السريع من نمط الحياة البدوية الذي يعرف تجدر السيطرة الذكورية وغياب حقوق الإنسان إلى نمط حياة جديد منفتح ولجت فيه المرأة حقول التعليم والعمل وتقلدت مناصب حساسة  ربما قد تكون من بين عوامل التي أفرزت  هذا الضغط الذي أبرزته نصوص المجموعة التي أضحت صرخة ضد القهر والتمييز /صرخات شخوص يعلن حالات استنفار مطالبات بالمساواة والحقوق المدنية لتحقيق سلم اجتماعي ودفء إنساني فالمرأة ( أم وأخت وزوجة وإبنة وزميلة في العمل ) نصف المجتمع الذي ننشد الرقي به وتطويره لتحقيق السعادة ، فهل يمكننا الاستغناء عن كل خدماتها وبالتالي ما نوع المستقبل الذي ننشده وما طبيعة الأجيال التي ننتظر؟
 
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)     شيمة الشمري ربما غدا " مجموعة قصصية نادي المنطقة الشرقية الأدبي 2009
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                  
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free