http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  حليب التين
 
حليب التين
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الأحد، 26 ديسمبر، 2010 | 0 التعليقات
سامية عيسى ترفع «القناع»
عن جسد الحكاية لتمارس
لعبة الكتابة حرية في «حليب التين»
صراع الثنائيات الهائمة بالاغتراب
سلمان كاصد
خصيصتان اثنتان تميزت بهما الرواية العربية الحديثة، خصيصتان من النادر أن نجد رواية عربية لم توسم بهما، إحداهما فنية والأخرى موضوعاتية، وهما جزء من بنية التحولات السريعة التي يمكن أن نصف بهما تركيبة الذهنية العربية والعلاقات الاجتماعية والتحولات الفكرية.
خصيصتان، إن جاز لي القول، لا يمكن أن تبتعد عنهما الرواية العربية، فهي تسير في اتجاههما، تمثلهما، وتصبح - الرواية - نتاجاً لهما، الأولى هي السيرية في الرواية، إذ بدا أن السيرة الذاتية صارت أقرب إلى السرد الروائي، ويمكن أن ننحت مصطلحاً جديداً في هذا الحقل نطلق عليه “السيرواية”، أي الرواية السيرية، ولا أقصد هنا بالسيرية أن تكتب الرواية سيرة مؤلفهما، بل هي سيرة بطلها، سيرة حياته ضمن بنية اجتماعية وضع فيها، وفي هذا الإطار تتحرك الرواية سريعاً في السرد الذي هو حدث متحقق في زمن، مبتعدة كثيراً عن الوصف الذي هو (فعل) حدث بلا زمن.
السيرية هنا تتضح من خلال أولاً رؤية الشخصية وتحولاتها السريعة في زمن ممتد مع الاعتماد على الخلاصة في تكثيف الأحداث، وتتابعها العاجل كي تقدم لك أكثر مساحة سردية في حياة البطل، دون الذهاب بعيداً في تحليل بنية الشخصية وعلاقتها بالبنى المحيطة به، إذ تظل هذه الشخصية محكومة بتصوير الأحداث التي مرت عليها، وهذا بالضد تماماً من صراعات رواية الحدث أو رواية الشخوص ويمكن الاطلاع عليهما في كتاب “بناء الرواية” لادوين موير.
التناول الموضوعاتي
الخصيصة الثانية التي تمتاز بها الرواية العربية الحديثة هي التناول الموضوعاتي المتكرر للجنس والسياسة والغرب الأميركي، إذ يلعب الروائيون هذه الأيام على حبال الجنس والمحرم، وتقديم فورة الجسد وعذاباته وهواجسه، كونه جزءاً من عذابات اجتماعية واقتصادية ونفسية صارخة، وهذا ما يجد لدى المتلقي قبولاً ورغبة في سبر أغوار هذه الشخوص التي يستعيض عنها المتلقي ذاته ـــ في حال تخيلها أو وعيه بأن هناك كاتباً يرفع اسمه على غلاف الرواية ـــ بأن هذه الهواجس هي من تخيلات هذا الكاتب، ومدى معرفته وخبرته باستثارة حواس المتلقي، أي أنه “مفجر الحواس النائمة”، وقد نتساءل ما الغاية من ذلك؟ وهل بنيت الأعمال الروائية الكبرى التي أنتجتها الأمم على مفهوم استثارة حواس المتلقي؟ والشواهد كثيرة.
الجنس، مركز مهم في روايتنا الحديثة، ولا أدل على ذلك من النتاجات الجديدة التي اتخذته قيمة مهمة لكشف عالم المرأة الخفي عند الروائيات السعوديات وعالم المجتمع المطمور عند عبده خال في روايته “ترمي بشرر” مثالاً ليس إلا. الصراع العربي الأميركي محور ثان في مجمل طروحات الرواية العربية الجديدة، أو لنقل المداخل السياسية وأثرها في إنشاء نص روائي يكون فيه الصراع حاداً بين رؤية العقل العربي وطموحات العالم الغربي، وسلفية الذهنية العربية وحداثية العالم الغربي، وهمجية البنية الفكرية الأميركية ودفاع الفكر العربي عن كيانه المستلهب، المستهدف.
الضد والـمع
ليس أمام الروائيين العرب سوى هذين الطريقين، إما الجنس وإما السياسة، وإذا أردنا أن نبحث في صلب السياسة لا نجد غير أميركا، ولا أدل على ذلك من الروايات الست الجديدة للبوكر العربية التي تتناول في موضوعاتها هذا الاتجاه بكل أبعاده، حيث “أميركا والغرب الأوروبي” بوصفهما بؤرة الصراع مع الشرق، ومن الغريب حقاً وما يثير الدهشة أن بعض كتاب هذه الروايات يعيشون في الغرب الأوروبي وأميركا، وهم مقتنعون بأن الرؤية تنشطر هنا نصفين، الأولى تتعلق بالكتابة - الضد - والثانية تتعلق بالحياة - التوافق - المع - فعندما يريدون الكتابة يظل شاغلهم أميركا والغرب الأوروبي وعندما يريدون أن يعيشوا حياتهم يجدون في أميركا والغرب الأوروبي ملاذاً، وإذا أراد القارئ أن يتأكد من هذا الاستنتاج فليتصفح موضوعات الروايات الصاعدة في قائمة الـ(6) وليتساءل أين يعيش بعض كتابها؟.
حسناً أنا لست معنياً هنا بالحديث إلا عن الرواية كونها رواية أخذت تهيمن عليها خصيصتان وهما السيرية أولاً والجنس والسياسة ثانياً.
حسناً.. هذه مقدمة بانورامية عامة عن طبيعة توجهات الرواية العربية - الآن - ولا تعني عدم جمالية النص العربي، بل أنني أجد أن هناك جمالية آخاذة وساحرة في هذين الاتجاهين، إذ من الصعب أن نرصد بنى اجتماعية من خلال ذات فردية منهارة، وهذا دليل على كفاءة النص الروائي المطروح.
الرصد البانورامي
ومثالنا على هذا الرصد البانورامي لبنية المكون الاجتماعي العربي على الرغم من عدم غياب المؤثر الجنسي هي رواية “حليب التين” للروائية الفلسطينية سامية عيسى الصادرة عن دار الآداب في بيروت العام الجاري، حيث نجد فيها حياة زاخرة بالاضطرابات والفقر والموت الجسدي والهواجس المخيفة في الواقع، والمعلنة في الورق. تقول الروائية واصفة حياة إحدى بطلتي الرواية وهي “فاطمة”: “من أين تبدأ؟ من صمتها أم من ضجيج الشتات؟
من عمرها أم من الهباء؟
من حكايتها أم من وطن الحكايات؟
من نكبتها أم من نكبة الأبناء والأحفاد والشهداء؟”
فالروائية هنا تريد أن تسرد حكاية “أولاً” وسيرة ذاتية “ثانياً” وسيرة نكبة “ثالثاً” فهي شاهد على أجيال تمثلهم امرأة اسمها فاطمة.
في البدء حاولت سامية عيسى أن ترفع “القناع” عن جسد الحكاية لتمارس لعبة الكتابة بكل حرية، فليس هناك ما يمنعها من أن تدخل إلى أعمق نقطة في حياة هذه المرأة، وبذلك مارست لعبة رفع القناع على مستوى عنوان الفصل “تزحزح القناع” وعلى مستوى الفعل الروائي اختراق الجدار، الذي لن يتحقق إلا بالصوت / الإنصات لامرأة تمارس لعبة مع ذاتها، مع جسدها، حيث كان “ركاد” يسمعها عبر جدار “الحمام” في أحد مخيمات اللاجئين في بيروت.
وما بين لعبة الإخفاء والإظهار تبدأ الروائية في تقديم شخوصها، بين الحياة السرية والمعلنة، بين الجدران وخارجها، بين الأقنعة والكشف لتلتقي في النهاية الرغبات.
شخصيتان مأزومتان جنسياً “فاطمة” التي تعيل “صديقة” زوجة ابنها أحمد القتيل وأطفالها، و”صديقة” التي فقدت زوجها.
لعبة الثنائيات تمارس في رواية “حليب التين” فما بين الداخل والخارج.. الداخل في بيروت حيث الأزمة في أعلى تجلياتها والخارج في دبي حيث الانفتاح الذي يقود حليمة للسفر تخلصاً من جوعها وجوع أبنائها.
في كلا العالمين نجد الهواجس ذاتها، إلا أنها متحولة بين الكشف والإخفاء في عالمين مختلفين في خضم السرد نتتبع حياة فاطمة.
“فاطمة كانت امرأة عادية في حياة صارت غريبة عليها، تحاول أن تمضي أيامها وتقضمها في فراغ النكبة”.
إذ لا خصوصية للمرأة، حيث الخفاء مهيمن وقامع، ولم تستطع “فاطمة” أن تجد صوتها إلا مع ذاتها.
وتسافر صديقة لتجد “نوال” في انتظارها لتمارس عليها لعبة تسخير الجسد وتحطيم رغباته، هنا تتشابه البنية المضمونية بين المرأتين “فاطمة وصديقة” حينما تتجه الثانية إلى “الحمام “ لتؤسس منه تحفة فنية تدهش “وليد” عشيقها في الغربة.
هنا يصبح هذا المكان “الحمام” هو المحفز على تثوير الرغبات وتحجيمها ومن الغرابة أن العائلة جميعها عندما رحلت إلى “أسكتلندا” أسست شركة تعهدات بناء المراحيض وصيانتها.
“لقد أسسوا شركة تعهدات لبناء المراحيض وصيانتها وواصلوا حياة مستعارة تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الغياب”.
عبر هذه الأحداث تقودنا الرواية إلى الضياع في عتمة الغياب التي تتجلى في “الشرك”، الذي وقعت فيه فاطمة، حينما اختارت شباكها في حمامات المخيم و”الشرك” الذي وقعت فيه “صديقة” عندما اختارت الهجرة و”الشرك” الأخير الذي وقعت فيه الأسرة عندما اختارت “الغياب” النهائي في أوروبا.
تمثل رواية “حليب التين” آلام امرأتين، وضعتا في قدر جمعهما معاً ونال من رغباتهما التي لا يمكن أن تنطفئ، إذ أن عالمهما يبقى جافاً في كلا العالمين الشرقي القاسي والغربي المغرب، فهل نستذكر من خلال ذلك رواية “امرأتان” للبرتومورافيا وعذابات فقرهما وتغربهما.
لم أتطرق إلى البناء السردي الذي اعتمد استرجاعات وفقاً لسياق سرد الروائية / الراوي كلي العلم حينما قدمت مشاعر المرأتين وفق لعبة الإخفاء والإظهار، مستهدفة بنى اجتماعية تمارس القهر والإذلال.
رواية “حليب التين” جديرة بالقراءة.
اقرأ المزيد : صراع الثنائيات الهائمة بالاغتراب - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=89234&y=2010#ixzz19Co1i2k4

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free