http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  قراءة في :قوس قزح
 
قصص الزمن الثالث
قراءة في :قوس قزح
حميد ركاطة

كلما قرأنا قصص حسن برطال إلا وانفجرت أسارير وجهنا وندت عنها ابتسامة عريضة قبل أن يحدث انقباض مفاجئ بعد ذلك ، فهي قصص ساخرة قابلة لقراءات متعددة تجعل من الاشتقاقات المحتملة للمصطلح كفيلة بتغيير المعنى مرات عديدة ، ما يجعلها قصص زئبقية بامتياز بل عنقودية متماسكة بعضها ببعض نظرا لتشابه حجمها . كما أنها مستنبطة من واقع الحياة المغربية الشعبية في بساطتها وتعقيدها وهي تقتنص أعتى اللحظات المنفلتة في سياق الحياة اليومية العادية ، وسلوك الأفراد وفلتات ألسنتهم ، وخبلهم وجنونهم ، وحسرتهم ، وفرحهم ، وغبنهم ، قصص سعت إلى تحويل الزائغ / والمنفلت / والمعوج / والناشز / ..للحظات تأمل لما تنطوي عليه من عبر وحكم .فهي شيدت على إيقاع الانتقاد والسخرية ، بنوع من الوفاء للإضمار والحذف والتكثيف المطلق الذي أضحى السمة البارزة التي قد لا نكاد نعثر على سواها لدى كتاب آخرين لأنها من مميزات الكتابة القصصية للأستاذ حسن برطال لإيمانه المطلق حسب ما جاء في تقديمه لمجموعته بقوله " كلما كنت قصيرا جدا ..كلما كنت الأقرب إلى الأرض " ص 5" وهذه المجموعة القصصية ، تعبر بشكل أو بآخر عن المبدأ الذي اعتمده الأديب حسن برطال ، وصدر به مجموعته ، ....بمعنى أنه كلما كان دقيقا في اختيار الألفاظ المؤدية إلى المعنى كلما كان أكثر تعبيرا عن الأشكال و النماذج البشرية المشكلة لفئات المجتمع." ( 2) كما أنها تختزن فلسفته ويمكن اعتبارها ميزته وعلامته الخاصة به فلا يختلف اثنان في كون حسن برطال أحد أعلام ورواد هذا الفن في العالم العربي بامتياز وأعماله محط درس وتحليل في أكبر الجامعات في الوطن العربي . فهي قصص أشد ارتباطا بالواقع وشخوصه لأنها بقدر ما ترصد بعمق وقع المأساة والانهزام والزيف تروم تقديم بدائل واقعية ومواقف جلية في النص الذي اتخذ كعتبة للمجموعة " قوس قزح" يقول السارد " المسكن فاخر بمدخله الراقي ..بطلائه اللامع ..وزجاجه البراق ..ولما ظهر الوجه على الشرفة لم أر ( سواد) العيون ..الخد ( الوردي) ..والشفة ( الحمراء) فقلت في نفسي لا ثقة في كل هذه الألوان التي تهجر هذا الوجه وتلون الحجر " ص 5 وللإشارة فالمجموعة هي من الحجم المتوسط وضمت 144 نصا صدرت عن مطبعة أنفو برانت بقاس سنة 2009 ولوحة الغلاف من إنجاز الأستاذة خديجة العروسي . وتعتبر هذه المجموعة ثاني عمل قصصي قصير جدا للقاص حسن برطال بعد مجموعته الأولى الصادرة عن وزارة الثقافة " أبراج " ضمن الكتاب الأول ثم صدر له مؤخرا عن وزارة الثقافة ضمن سلسلة إبداع مجموعة قصصية ثالثة تحت عنوان " قصص على نسق jpj " فما هي أهم الأفكار والآراء والمواقف التي تضمنتها هذه المجموعة وما هي الرسائل التي يوجهها القاص لقرائه من خلالها ؟ ثم أين يمكن تصنيف هذا العمل القصصي بالمقارنة مع ما راكمته الساحة الأدبية المغربية في مجال القصة القصيرة جدا ؟ لعل ما يلفت الانتباه إليه في هذه المجموعة هو كون القاص حسن برطال ظل وفيا لنهجه وطريقة كتابته وتشييده لقصصه / فهي قصص ضامرة جدا ونحيفة تحافظ على رشاقتها وقصرها لإيصال معان ذات حمولات إنسانية كبيرة تبرز عمق الانهزام ونوع الضربة القاضية التي يتلقاها الإنسان ما يبرر سحر الالتقاط السريع والدال في نفس الوقت فالاشتغال يتم بتشييد المعنى المضاد المضمر داخل المعنى الأصلي وكأننا أمام عمليات تفكيك للنقيض ونقيضه من نفس النوع فبذرة القص تحمل في طياتها عوامل حتفها منذ البداية بعدما تغلف بمقاصد غير دالة أو واضحة المعالم لا تحمل من صفاتها غير الدالة أو الواضحة المعالم سوى قناعا شفافا قابلا للتحلل أو التشظي في أية لحظة . إن من عادة المهتم بالكتابة القصصية أن يميز بين زمنين زمن الوقائع وزمن السرد ، زمن الوقائع هو الزمن الذي حدثت فيه أحداث القصص ، وزمن القص هو الزمن الذي سرد فيه الكاتب أحداث قصصه . لكننا عندما نعاود قراءة قوس قزح لا نلمس هذا التمييز بين الزمنين ، فالكاتب حسن برطال عنده زمن واحد يجمع بين الزمنين ، بمعنى أنه خلق لنفسه زمنا ثالثا يوحد الأزمة ، مما يجعل هذه القصص قابلة لجميع الفضاءات الممكنة و المتخيلة".(3) إن دلالة المصطلح هي في الأصل دلالات متعددة ومعنى الكلمة الموضوعة بين قوسين هي معان غير محددة كذلك دلالة على التعدد وتنبيها للقارئ من الانزلاق السريع لكن قراءتها تكون عادة سريعة دون إعطاء أهمية لتنبيه الكاتب ما يجعل من قصص حسن برطال قصصا تقر أ أكثر من مرة وفي كل مرة نعثر فيها على بعد ، فهي قصص مضغوطة حمالة لدلالات ومعان كثيرة"'فاللعب المتعدد وجه من أوجه القصة القصيرة جدا وهو أمر ينجلي بوضوح تام كأحد أركان القصة القصيرة جدا ومن بين مقوماتها الأساسية بحيث يتم اللعب على المعنى انطلاقا من بناء مركب بدقة وبكلمات محملة بمعاني متعددة قاسمها المشترك الإحالة على الصور المتقابلة التي تبرز احتمالات متعددة يفهمها كل حسب قدراته واجتهاداته وتأويلاته. وهو نوع من اللعب الذي يبرز القدرة والحركية سواء في الكتابة أو اللعب بالدلالات لإبراز ذلك الوجه اللعوب للقصة القصيرة جدا(4 ) . لنسوق القرينة السردية التالية يقول السارد في نص الأم الثانية ص 9 " المعلمة تنادي اسم التلميذ الذي ماتت أمه ليلة البارحة ..تطلب حضور أبيه تسأله ، ماذا لو وضعنا اليد في اليد وعملنا سويا على تربية هذا اليتيم ، ومساعدته ؟ صمت ..لم يتكلم ، لكنه في مكتب المدير قال : المعلمة تطلبني للزواج " إن البحث الضمني سيجعل من المعنى الظاهري مجرد جسر للعبور إلى جراح الذات الإنسانية المثخنة ، وعمق انهزامها ، وأميتها وعدم قدرتها على مسايرة الواقع ، فأمية ولي التلميذ من خلال هذا النص تبرز بألوان قوس قزح درجات وإيقاعات قد تتداخل لتصبح مجرد أطياف تمتص بقوة ألوان الحياة وإيقاعات كل العوالم والقوانين المتفق عليها اجتماعيا كما تجعل مستويات الخطاب محط انتقاد كبير في غياب تساو بين المستوى الثقافي للمربية ( صورة المدرسة) والأب ( المجتمع) وهو ما يبرز تعارضا خطيرا وإسقاطا لثمتلاث رجل الشارع وتعارضها مع إسقاطاته ومستوى خطاب المؤسسة الثقافية وأبعادها وهو ما يحدث الصدمة أو الاصطدام الثقافي بين أفراد ينتمون لنفس المجتمع لكن لا تحكمهم نفس المنظومة فالحديث عن أبعاد المعنى ودلالته في قصص حسن برطال قد لا تتطلب من القارئ جهدا كبيرا لكن ما يصعب تقليده هو الكتابة في نفس الحيز المكاني الضيق جدا وتشيد نص مكثف تتداخل في مستويات بنانه مواصفات خاصة قد تضيق العبارة إذا ما أضفنا غليها كلمة واحدة أو حذفناها من بنائها لأن نقط الحذف التي تتخلل الجملتين أو السطر الواحد أو السطرين يلعبان الدور الأكبر في الإحالة على المعنى الضمني والمراد من النص يقول السارد في نص " لباس داخلي وسروال" " لما تعذر عليه الخروج من (سرواله) و(قميصه) .. أدرك بأن جدران سجنه من (قماش)../ ص 13 " قصص حسن برطال العاصفة تفرض نوعا من التأمل في بلاغة الدلالات وعمق المضامين اعتمادا على أرضية أخلاقية وتاريخية ودينية وتراثية ونفسية تدمج بقوة عصارة كل المعطيات لتضع القيم الإنسانية محط تساؤل ونقد وتأمل في نفس الوقت لأنها لا تسالم ولا تهادن تحاول الانفلات دوما من قبضة النقد بعدما تسلب القارئ قدراته على الإمساك بها من أول وهلة ليظل عالقا بتلابيبها متمليا في أوجهها اللعوبة ومضامينها المتعددة بعد كل قراءة وفي حمولاتها ولغاتها الكثيفة ومرورها المبرق المومض كالسحابة " فالاشتغال المدروس للقصة الومضة على المفارقة والسخرية بجرأة فنية يعمق إحساسنا بالحياة ويزيد من رصيد وعينا بالقضايا الحساسة (5). ) إن الأحالة على دلالة اللون في نصوص المجموعة غالبا ما اتخذت بعدا أساسيا يروم إبراز مكونات سياسية في تقاطباتها وتجادباتها وتعارضاتها أو وفاقاتها من خلال اللعب بالألوان ورمزيتها في نص " فنجان بلا لون" تضحى العتبة سيدة الموقف والناقطة بسخرية بليغة تحسم في بعضة كلمات مضمون النص الذي يضحى بتفسيراته مجرد تابع وحمال لأثقال المعنى ..وأوزاره بالألوان يقول السارد " عند البائع كانت ( القهوة) تتكلم عن (لونها) .. و( لونها) .ز(الحليب) يتكلم عن ( بياضه) (لونه) .. لكن ، على مائدة الفطور كان ( الأبريق) يتكلم عن (الوفاق) ..( الكثلة) .. وسط حشد الكؤوس والفناجين"ص 14 أنها قصص تختزل العالم وأطيافه السياسية وقيمه الاجتماعية بدلالة الألوان والأشياء التي تأخذ ملامح إنسانية وتقوم بلعب الأدوار الواقعية من خلال عكسها للواقع كما تم اللعب على الأطياف / النور / الظلام / الظل / للتعبير عن موقف ومدى تحول الحدث الاعتباطي العادي إلى حدث له مغزاه ومعناه وتأويلاته المغرضة ما يبرز نظرة المجتمع وعدم دقتها إزاء الكثير من المواقف التي يمكن أن ندعها تمر لو شئنا دون إيلائها أهمية لكنها أحيانا تضحى في تشكلها الساخر دلالة على هشاشة المجتمع ، في نص ضربة شمس يقول السارد اشتعل ( الظل) ثم رسم صورة صاحبه على الاسفلت .. وفي المساء وبينما المارة يتكلمون عن ( حادثة سير) كانت الشمس التي داست الصبي في طريقها إلى البحر "ص 15 فرمزية الألوان تتخذ معانيها الدالة أحينا بوضوح كبير وأخرى بشكل ضمني ما يجعل من دلالة العتبة والمرور عبر سؤالها أساسيا فالنصوص تبقى مغلقة أحيانا دون ربطها بالعناوين في نص " الخط الأحمر" ص 30 حيث يصف السارد وضعا أدعى للدهشة بين عصفورة في القفص وطائر ضال يحاول اقتحامه دون جدوى ما دفع السارد لطرح سؤال قد يبدو منطقيا ضمن دائرة السخرية " أيها السجين ؟ " لكن بإخضاعه للتأمل نجد أنهما معا داخل نفس السجن ويتقاسمان نفس مرارة الاعتقال مع فارق بسيط وداخل هذا الحيز البسيط جدا أي ضمن حلقة السؤال تبرز أهمية الحرية واللا حرية ورمزية الفضاء المغلق / والمفتوح / الجائع الحر والسجين المتخم الذي ينعم بالراحة زكل ظروف العيش ( الإنسانية ) داخل سجنه دي الخمسة نجوم / فاللون دال على حد فاصل بين واقعين زمنين ومكانين وشخصين يقول السارد " عصفورة داخل القفص .ز أكلت ..شربت .. حضنت بيضها . طائر ضال ، جائع يحاول سرقته ما يأكله فتصده أسلاك القفص أسأل نفسي هكذا : أيهما السجين ؟؟ فأخاف على نفسي من الجواب لأنني والطائر الغريب في نفس المكان " ص 30 ف"القاص حسن برطال يمارس قراءته القصصية للأشياء والعالم ، أعني تأويله الأدبي بسخرية ومتخيل يقلب الأشياء ، وأحيانا يبنيها بمعادلات أخرى تسخر من الخطابات المكتوبة والشفوية ومن حواصل الأزمنة"(6) فالمقارنة في النص ترتقي في محاولتها لاختراق خطوط قزحية كثيرة في محاولة للبحث عن إجابة هي في الواقع محصل عليها لكن السارد يحاول من خلال مناورته توريط القارئ بالمشاركة في أعطاء وجهة نظره الخاصة فالتساؤل حول الجوع في مقابل الحرية / والثخمة في مقابل السجن تدفع إلى البحث عن إقامة مقارنة لكنها لا تبرز الأفضلية لصلح السارد والطائر الغريب وتبنين انهما معا في سجن كبير لكنه غير واضح المعالم بدلالة تعقيب السارد " فأخاف على نفسي من الجواب " في إشارة لغياب حرية التعبير وكدلالة على العيش داخل مجتمع يتم فيه التضييق على الحريات العامة وأن ما بيدو للآخرين من نعيم بالحرية هو في الواقع مجرد زيف وتزوير . ــــ الكتابة عند حسن برطال يقول الشاعر والصحفي عبد الغني فوزي حول خاصية الكتابة عند حسن برطال أنه" اختار القول القصصي القصير جدا ، وتراه يقول هنا ” كلما كنت قصيرا جدا..كلما كنت الأقرب إلى الأرض ” . وبالفعل هو قريب من النبض اليومي الغاص بالتفاصيل ؛ لكنه يقطع الواقع كلقطات متسارعة في الالتقاط ، كل لقطة تسعى إلى تشخيص واقعة أرضية تطوي على مفارقة ،. وبالتالي فقصص حسن برطال هي مفارقات على شكل معادلات رياضية كما يمارس يوميا ؛ لكنها في القص بدون يقين ، أعني مشبعة بالمتخيل وفاعلياته ."(7)" فالمفهوم عند حسن برطال، يتلون حسب الظاهرة ، لكنه لا يكتمل إلا بولوج الكشف عنه داخل مساحات بيضاء، وبين نقط الحذف والاسترسال، ومن خلال اشتقاقات كل كلمة بين قوسين، تحذيرا للقارئ وتنبيها على ضرورة الاستنتاج الرصين لمضامين النصوص ، من خلال عمليات القراءة ."(8) هل يجدر بالقاص كتابة نصوصه على نفس النسق ؟هل القصة بهذا المهنى هي الوفاء لتقنية الكتابة دون البحث عن خلق نوع من التغيير والتنويع ؟ ربما ما يثير الانتباه إليه في كتابة القاص حسن برطال هو الوفاء المطلق لنفس تقنية الكتابة إلى درجة إذا ما صادفنا نصا غير مذيل باسمه قد نتعرف عليه من النظرة الأزلى فهو بهذا خلق هندسة ومعمارا خاصا بقصصه ما شكل بقوة تيارا أو حساسية جديدة خلقت لها أتباع بكل من المغرب وتونس والسعودية وسوريا بل في دول عربية أخرى قصص لها مواصفات وتعتمد تقنية لا تحيد عنها وهو أمر لمسناه من مجموعة لأخرى " أبراج / قصص على نسق jpg اختارت نهجها وصارت عليه فهل يمكننا الحديث عن المدرسة " البرطالية " في كتابة القصة القصيرة جدا ؟ وهي مدرسة من مميزاتها كذلك غزارة الإنتاج والنشر سواء ورقيا أو أفتراضيا نصوص تعتبر ظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل نظرا لارتكازها على عناصر القصر ومقوماته ولسرعة نفاذها وقوة عصفها فهي تسبر أغوار اليومي في أدق تفاصيل وحيثياته كما أن أغلب المشاهد ملتقطة من الأحياء الهامشية أو الشعبية فهل يمكن الحديث عن قصة قصيرة شعبية ؟ كما أن اعتمادها وتوظيفها للموروث الثقافي الشعبي بكثرة جعلها قصص شعبية وهي صفة أطلقها الناقد جميل حمداوي على حسن برطال باعتباره "كاتب شعبي" (9))لكون نصوصه تنشر ظلالها على فئات بسيطة وعادية جدا وللدلالة على هذا الطرح يمكن الانتباه إلى التوظيف اللغوي المعتد في العديد من النصوص كما ان اغلب المشاهد هي أصلا ملتقطة من نفس الوسط فالقاص حسن برطال تمكن من تصوير الواقع المغربي في جزئه المهمش والمنبوذ والمنسي . الضمور وسيادة الغموض أحيانا يتحول القص إلى حبل في جيد القصة قد يخنقها بسبب حدوث حركة طارئة أو غير محسوبة فالقصر عامة والنحافة من شروط القصة القصيرة جدا بل من مكوناتها الأساسية غير أنه أحيانا تبدو بمعالمها تلك أقرب إلى النكتة لكون بنائها يبدو مفتعلا وغير محسوب فمتلقونا ليسوا على نفس قدم المساواة معرفيا أو فهمهم لطبيعة الجنس القصصي وجنسه وماهيته كما أن المعنى قد يفقد بريقه ويضيع لعدم قدرة المتلقي على التفاعل معه أمر لا حظناه في العديد من نصوص مبدعي هذا الجنس فتوظيف النكتة ربما يجب أن يقتصر على جانب من المساحة الضيقة دون الوصول إلى احتواء النص بحيث لكل جنس خاصية وملامح ومميزات نفس الأمر بالنسبة لتوظيف الموروث الثقافي والحكاية الشعبية وغيرها ..بعض هذه الملاحظات أثيرها بدافع الحب الذي نكنه جميعا كمبدعين للقص القصير جدا الذي يشيد على الحلم والارتعاش والرهافة لا يستوي عوده إلا عند جلوسه على عرش الحكي . ربما إثارتنا لهذا النوع من النقاش قد يثير حفيظة البعض لكن أعتقد أنه آن الأوان لمناقشة قضايا القص القصير جدا الخاصة والتي كي لا نتسبب في دوران القصة في مسار محدد دون القدرة على تجاوزه وهو ما انتقدناه في القصة القصيرة قبل دخولها مضمار التجريب وارتقاؤها في بعد جديد أطلقنا عليه البعد الثالث فالكثير من كتاب القصة القصيرة جدا لم يستطيعوا التخلص من تقنيات الكتابة المنباسية فهل يجذر بالكاتب الحفاظ على نفس التشكيل البصري لنصوصه ونفس البناء مع الحرص على تخسيس وزن النص أكثر فأكثر لإدخاله مضمار القصة القصيرة جدا ؟ فالرهان يجب أن ينصب على طرح قضايا القصة ذاتها ( الكتابة) داخل قوالب متعددة وأن ينصب على مواضيع تخلق الدهشة وطرح قضايا الإنسان الجوهرية ولعل هذا الطرح نلمسه في قوس قزح يقول السارد ص 41 'الفم ( الاصطناعي ) في آنية .. العجوز تبحث عن بقايا الطعام في الماء وزوجة الابن ترى ( نفايات) القذف والشتيمة" إن العالم الذي يتم تشييده انطلاقا من استنطاق الأشياء تجعل من وظائف القصة المتعددة تتناسل وتتراص ضمن متوالية قصصية تروم تسريب أكثر من معنى بالقوة إلى المتلقي وهي تعري عن صراعات وأحقاد بالإحالة على الدلالة الفعلية للشيء في واقع آخر وهذا الاستيراد سيساعد على تأثيث رحم القصة بمعطيات من غير واقعها لتضحى بمكوناتها كلوحة مكونة من العديد من القطع الغير متجانسة من حيث الشكل واللون والحجم لكنها في النهاية تبرز جدارية ضاجة بالحركة والحياة المليئة بالسخرية والسحر في نفس الوقت هذه السخرية بقدر ما تبرز الأمية والجهل وعلو كعب المكر تبرز الخيانة والغدر وهشاشة القيم يقول السارد في نص الوصية " وهو على فراش الموت .. وقع شيكه على بياض .. قرر أن يحول ما تبقى لديه من أموال لفائدة ابنه الذي لا زال في البطن ..بلا ( اسم ) ..الزوجة ( الحامل) التي تقف إلى جانبه تبدد حيرته بقولها : ـ أكتب ( لحاملته) .. نظر إلى البطن المنتفخ ..ابتسم وتفذ الأمر ../ أنها قصص تتضمن حكما بليغة مصدرها تجربة حياتية ومعرفية حقيقية للواقع صيغت بشكل درامي وحققت من خلال الحوار روعة ملفتة للانتباه وقد تضمنت المجموعة العديد من القرائن السردية الدالة على توظيفات مماثلة فقصص حسب برطال المضغوطة بقدر ما تتضمن عبرا تقدم دروسا للتاريخ وللحقيقة ّ، فهل ستظل القصة القصيرة جدا فقط قصة تنتقد وتسخر وتحتج ،أم أنها ستبحث لنفسها عن مسلك آخر للعبور نحو أفاق أخرى أكثر رحابة من الواقع ، وأوسع مجال من الحلم ، وأغرب من الفنتاستيك ، وأجمل من التشكيل ؟ أم أنها حددت اختياراها ومسارها وأفقها في اتجاهاه معاكس للأبد ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــ (1) حسن برطال قوس قزح قصص قصيرة جدا مطبعة أنفو برانت 2009 (2) الأستاذ محمد يوب "النكثة والحكاية الشعبية في "قوس قزح لحسن برطال http://www.anfasse.org/portail/index.php?option=com_content&task=view&id=3817&Itemid=3 (3) عبد الغني فوزي مجموعة قوس قزح" للقاص حسن برطال : أقواس خفيضة وموغلة" http://laghtiri1965.jeeran.com/archive/2010/1/997794.html (4) ركاطة حميد "بين الاوتباط بالشرط الانساني والخطاب المنفلث قراءة في أبراج لحسن برطال " المنعطف الثقافي عدد (5)د مصطفى يعلى( كلمة العدد)مجرة عدد13 خريف 2008 (6)محمد يوب مرجع مذكور سابقا (7) عبد الغني فوزي مرجع مذكور سابقا (8) حميد ركاطة مرجع مذكور سابقا (1) (9) الدكتور جميل حمداوي " القصة القصيرة جدا بالمغرب قراءة في المتون" ص15منشورات مقاربات سلسلة دراسات 2009

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free