http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  الكتابة بالجسد كتابة المرئي
 
الكتابة بالجسد كتابة المرئي
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الإثنين، 27 ديسمبر، 2010 | 0 التعليقات


الكتابة بالجسد كتابة المرئي
رولا حسن
الكتابة عن التجارب والرغبات الحسيّة باتت شائعة في الكتابات الجديدة حتى إن قصيدة النثر اقترنت بهذا النوع من الكتابة لدرجة صارت تلك الكتابة علامة فارقة في تشكيل التجربة الشعورية وفي لعبة إعادة إنتاج الواقع داخل القصيدة الجديدة وإن كانت صادمة لذاكرة المتلقي ومفاجئة له أحيانا ولا سيّما حين يكون مصدرها شاعرة وليس شاعرا. وإيمان إبراهيم واحدة من الشاعرات السوريات التي تكتب قصيدة النثر بعلامتها الفارقة تلك وأعتقد أن إيمان أتقنت تلك اللعبة بامتياز واستطاعت أن تأخذنا بخفة الشعر التي لا تحتمل إلى أماكن قصية في أرواحنا. وديوانها «وحيدة قرن» الذي صدر أخيرا في سوريا عن دار عبد المنعم – ناشرون حلب 2010 بطبعتيه العربية والإنكليزية الأنيقتين ترجمة نور أسود خير مثال على ذلك.
لا بد أن إيمان إبراهيم كانت واعية لكل ما يمكن أن يلعب دوره في تشكيل الوعي بالحواس داخل القصيدة الجديدة وأهمها التحولات التي طرأت على الشاعر وخاصة تلك التي إلى نقلته من النبوءة والمركزية إلى التهميش، ومن وضعية مركزية دائرة الكون ليصبح مجرد جزء بسيط من محيطه. وفي هذا الوضع الجديد أدركت الشاعرة أنه لم يتبق لها سوى المعرفة الحدسية التي تتأسس على الانطباع الشخصي والمباشر عن الواقع والمركزية الجديدة التي صارت تحكم واقعها الشعري التي هي ولا شك مركزية الجسد وذلك داخل تجربته اليومية بعد أن تنازل الشاعر الجديد عن مركزية الذات داخل الكون. وهكذا تحول الجسد داخل القصيدة الجديدة إلى ما يشبه الجزيرة المعزولة في محيط الرغبات التي لا تحتاج إلى طرح أسئلة كبرى ولا تنتظر إجابات ما ورائية لكنها تصبح الأفق الوحيد والمتاح للشاعر. الذي بات لا يهمه أكثر من حدود إدراكه ولا يعنى سوى بتجاربه اليومية حيث الجسد محورها الأساسي وهكذا تتحول قصيدة النثر الراهنة لتصبح كلها كتابة جسدية طالما الهاجس اليومي أصبح موضوعا لها.
أهدروني / أفرغوني من حشواتي /لم يتبق مني /غير عظام قاسية /سيضربون بها الدواب /وجلد ينتعلونه/
كأحذية أبدية. ص4
كتابة الحواس
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكتابة بالجسد ليست مجرد إفصاح فردي فقط لكنها تمثل موقفا من الواقع ومن القيم السائدة وهي لا تتحقق على الأغلب إلا على المستوى الشكلي وحده. وهنا تصبح الكتابة إدانة للواقع أكثر منها إفصاحا غرائزيا وكشف عن فساد القيم أكثر منها وسيلة للاستثارة وهنا تبدو الكتابة بالأعضاء التي تتخذ أشكالا متعددة يعد كل منها معادلا نفسيا لإحدى التجارب الداخلية. حيث لا يصبح تناول الأعضاء هدفا بحد ذاته لكنه يكون أقرب إلى المعادل الموضوعي عن المشاعر والأحاسيس التي تكتنف الشاعرة في تجربة ما وبذلك تقوم الشاعرة بالتعويض المادي من المعنوي ويحدث نوع من العلاقة بين الملموس والمحسوس.
تحت سريري /قطة تمارس الحب /وأنا فوق أرتعش من الوحدة. /ماذا تبقى مني كي تنتظرني؟ /...وجه شاحب, /وجسد أتلفته المرايا /وشعر قصير لا يمكنك التشبث به. ص 35
فالأعضاء من خلال هذا النص ونصوص كثيرة تزدحم بها المجموعة مثل «ماذا تعرف»، «سجادة»، «وحدة «الخ.. تعد بمثابة الحامل الذي يشير إلى محمول مفهومي في ثنايا النص أي أنها (الأعضاء) تحولت إلى وسيلة للإفضاء من دون أن تكون غاية لهذا الإفضاء كما يمكن أن يتخيل الكثيرون ولذلك يجب برأيي تناول النص بقوانينه الداخلية فقط لأن النص الشعري لا يخضع سوى لمنطقه الخاص.
وإذا كان الجسد بيت الحواس فإن الكتابة عبره لا بد أن تمر عبر هذا المسرب لذا لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الحواس في قصيدة النثر حيث يتم إدراك العالم بواسطة الحواس بل ويتحدد موقف الشاعر من الظواهر الخارجية طبقا لها.
فالحواس في ظل هيمنة الجسد على النص أصبحت وسيلة الشاعر لاستشراف الواقع ومعاينته لها وعن هذه العلاقة الجدلية يمكن أن نبتدئ بجماليات الرائحة التي استغلتها الشاعرة لاستشفاف العالم وتأكيد أحاديته بالنسبة لها كامرأة في بحثها الدؤوب عن بديل ملون ومتعدد.
بقدر ما أنا قادرة على قراءة جسده /أنا عاجزة عن أن أكونه. /أغسل جسدي, /أدعكه جيدا, /أتشمم إبطي ونهدي. كيف أقتل رائحتي اللعينة/رائحته؟ /تتناهى إلي عربداته: /هكذا أشي بك. ص48
وإذا انتقلنا إلى حاسة أخرى وهي اللمس فالشاعرة تتحدث عن مفردات العالم حولها وتؤكد وجوده باللمس ونستمع إليها باللمس. فاللمس إذاً بوابة الجسد الذي يعاين من خلالها العالم ويتصل به فاللمس لا يشير فقط إلى تجلي الغائب فقط واقترابه إلى درجة الامتلاء به والتشبع منه فحضور الآخر من خلال اللمس يغدو حضورا كثيفا. هكذا تلعب حاسة اللمس دورها الحيوي في إحساسنا بالعالم بل وفي تجسيد مشاعرنا تجاه الآخر.
المرئي
ولكي نتحقق من العالم لا بد أن نراه فنؤكده لأن وجوده البصري هو وجوده الحقيقي حتى الأفكار المجردة التي ندركها جيدا تقوم المخيلة بتحويلها إلى صورة مرئية ليتحقق الوجود الفعلي للفكرة. فالبصر يلعب دورا لا يمكن التغاضي عنه في قصيدة النثر بحيث أصبح للبصر سلطة استثنائية داخل النص.
وحدها الريح /تطرق بابي /سندريلا أنا /وحذائي ابتلعته /الساعة الثانية عشرة /وحدها حقيبتي تعرفني /تحتمل أشيائي /مرآتي ودميتي /مناديلي وعطري /ولا تضيق ذرعا /بقصائدي التي لا يقرأها أحد.
إيمان إبراهيم تستغل كل ذلك وبطريقة لماحة جدا لإضاءة علاقتها بذاتها والعالم عبر لغة تكشف من خلال مستوياتها الإسلوبية المتعددة رغبة جامحة في الابتعاد عن الاستعمالات اللغوية التركيبية التي تصب في صياغات لغوية معقدة الغرض منها تمويه أو طمس الإيحاءات والإشارات التي تحيل على عوالم الذات الأنثوية وجغرافيتها الروحية الداخلية فنحن دائما أمام مشاهد مكثفة وموجزة صممتها على مقاس القصيدة مشاهد موغلة في الألم والخسارة والخيبة والإقصاء نقلت الشاعرة من خلالها عوالمها الداخلية المتشظية والتي ليست إلا انعكاسا حقيقيا للعالم الخارجي الذي بات هو الآخر متشظيا وليس على سلام مع نفسه.
رولا حسن
الكتابة عن التجارب والرغبات الحسيّة باتت شائعة في الكتابات الجديدة حتى إن قصيدة النثر اقترنت بهذا النوع من الكتابة لدرجة صارت تلك الكتابة علامة فارقة في تشكيل التجربة الشعورية وفي لعبة إعادة إنتاج الواقع داخل القصيدة الجديدة وإن كانت صادمة لذاكرة المتلقي ومفاجئة له أحيانا ولا سيّما حين يكون مصدرها شاعرة وليس شاعرا. وإيمان إبراهيم واحدة من الشاعرات السوريات التي تكتب قصيدة النثر بعلامتها الفارقة تلك وأعتقد أن إيمان أتقنت تلك اللعبة بامتياز واستطاعت أن تأخذنا بخفة الشعر التي لا تحتمل إلى أماكن قصية في أرواحنا. وديوانها «وحيدة قرن» الذي صدر أخيرا في سوريا عن دار عبد المنعم – ناشرون حلب 2010 بطبعتيه العربية والإنكليزية الأنيقتين ترجمة نور أسود خير مثال على ذلك.
لا بد أن إيمان إبراهيم كانت واعية لكل ما يمكن أن يلعب دوره في تشكيل الوعي بالحواس داخل القصيدة الجديدة وأهمها التحولات التي طرأت على الشاعر وخاصة تلك التي إلى نقلته من النبوءة والمركزية إلى التهميش، ومن وضعية مركزية دائرة الكون ليصبح مجرد جزء بسيط من محيطه. وفي هذا الوضع الجديد أدركت الشاعرة أنه لم يتبق لها سوى المعرفة الحدسية التي تتأسس على الانطباع الشخصي والمباشر عن الواقع والمركزية الجديدة التي صارت تحكم واقعها الشعري التي هي ولا شك مركزية الجسد وذلك داخل تجربته اليومية بعد أن تنازل الشاعر الجديد عن مركزية الذات داخل الكون. وهكذا تحول الجسد داخل القصيدة الجديدة إلى ما يشبه الجزيرة المعزولة في محيط الرغبات التي لا تحتاج إلى طرح أسئلة كبرى ولا تنتظر إجابات ما ورائية لكنها تصبح الأفق الوحيد والمتاح للشاعر. الذي بات لا يهمه أكثر من حدود إدراكه ولا يعنى سوى بتجاربه اليومية حيث الجسد محورها الأساسي وهكذا تتحول قصيدة النثر الراهنة لتصبح كلها كتابة جسدية طالما الهاجس اليومي أصبح موضوعا لها.
أهدروني / أفرغوني من حشواتي /لم يتبق مني /غير عظام قاسية /سيضربون بها الدواب /وجلد ينتعلونه/
كأحذية أبدية. ص4
كتابة الحواس
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكتابة بالجسد ليست مجرد إفصاح فردي فقط لكنها تمثل موقفا من الواقع ومن القيم السائدة وهي لا تتحقق على الأغلب إلا على المستوى الشكلي وحده. وهنا تصبح الكتابة إدانة للواقع أكثر منها إفصاحا غرائزيا وكشف عن فساد القيم أكثر منها وسيلة للاستثارة وهنا تبدو الكتابة بالأعضاء التي تتخذ أشكالا متعددة يعد كل منها معادلا نفسيا لإحدى التجارب الداخلية. حيث لا يصبح تناول الأعضاء هدفا بحد ذاته لكنه يكون أقرب إلى المعادل الموضوعي عن المشاعر والأحاسيس التي تكتنف الشاعرة في تجربة ما وبذلك تقوم الشاعرة بالتعويض المادي من المعنوي ويحدث نوع من العلاقة بين الملموس والمحسوس.
تحت سريري /قطة تمارس الحب /وأنا فوق أرتعش من الوحدة. /ماذا تبقى مني كي تنتظرني؟ /...وجه شاحب, /وجسد أتلفته المرايا /وشعر قصير لا يمكنك التشبث به. ص 35
فالأعضاء من خلال هذا النص ونصوص كثيرة تزدحم بها المجموعة مثل «ماذا تعرف»، «سجادة»، «وحدة «الخ.. تعد بمثابة الحامل الذي يشير إلى محمول مفهومي في ثنايا النص أي أنها (الأعضاء) تحولت إلى وسيلة للإفضاء من دون أن تكون غاية لهذا الإفضاء كما يمكن أن يتخيل الكثيرون ولذلك يجب برأيي تناول النص بقوانينه الداخلية فقط لأن النص الشعري لا يخضع سوى لمنطقه الخاص.
وإذا كان الجسد بيت الحواس فإن الكتابة عبره لا بد أن تمر عبر هذا المسرب لذا لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الحواس في قصيدة النثر حيث يتم إدراك العالم بواسطة الحواس بل ويتحدد موقف الشاعر من الظواهر الخارجية طبقا لها.
فالحواس في ظل هيمنة الجسد على النص أصبحت وسيلة الشاعر لاستشراف الواقع ومعاينته لها وعن هذه العلاقة الجدلية يمكن أن نبتدئ بجماليات الرائحة التي استغلتها الشاعرة لاستشفاف العالم وتأكيد أحاديته بالنسبة لها كامرأة في بحثها الدؤوب عن بديل ملون ومتعدد.
بقدر ما أنا قادرة على قراءة جسده /أنا عاجزة عن أن أكونه. /أغسل جسدي, /أدعكه جيدا, /أتشمم إبطي ونهدي. كيف أقتل رائحتي اللعينة/رائحته؟ /تتناهى إلي عربداته: /هكذا أشي بك. ص48
وإذا انتقلنا إلى حاسة أخرى وهي اللمس فالشاعرة تتحدث عن مفردات العالم حولها وتؤكد وجوده باللمس ونستمع إليها باللمس. فاللمس إذاً بوابة الجسد الذي يعاين من خلالها العالم ويتصل به فاللمس لا يشير فقط إلى تجلي الغائب فقط واقترابه إلى درجة الامتلاء به والتشبع منه فحضور الآخر من خلال اللمس يغدو حضورا كثيفا. هكذا تلعب حاسة اللمس دورها الحيوي في إحساسنا بالعالم بل وفي تجسيد مشاعرنا تجاه الآخر.
المرئي
ولكي نتحقق من العالم لا بد أن نراه فنؤكده لأن وجوده البصري هو وجوده الحقيقي حتى الأفكار المجردة التي ندركها جيدا تقوم المخيلة بتحويلها إلى صورة مرئية ليتحقق الوجود الفعلي للفكرة. فالبصر يلعب دورا لا يمكن التغاضي عنه في قصيدة النثر بحيث أصبح للبصر سلطة استثنائية داخل النص.
وحدها الريح /تطرق بابي /سندريلا أنا /وحذائي ابتلعته /الساعة الثانية عشرة /وحدها حقيبتي تعرفني /تحتمل أشيائي /مرآتي ودميتي /مناديلي وعطري /ولا تضيق ذرعا /بقصائدي التي لا يقرأها أحد.
إيمان إبراهيم تستغل كل ذلك وبطريقة لماحة جدا لإضاءة علاقتها بذاتها والعالم عبر لغة تكشف من خلال مستوياتها الإسلوبية المتعددة رغبة جامحة في الابتعاد عن الاستعمالات اللغوية التركيبية التي تصب في صياغات لغوية معقدة الغرض منها تمويه أو طمس الإيحاءات والإشارات التي تحيل على عوالم الذات الأنثوية وجغرافيتها الروحية الداخلية فنحن دائما أمام مشاهد مكثفة وموجزة صممتها على مقاس القصيدة مشاهد موغلة في الألم والخسارة والخيبة والإقصاء نقلت الشاعرة من خلالها عوالمها الداخلية المتشظية والتي ليست إلا انعكاسا حقيقيا للعالم الخارجي الذي بات هو الآخر متشظيا وليس على سلام مع نفسه.


 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free