http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  رواية المكان إعادة لإنتاج الذاكرة
 

 

كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 23 نوفمبر، 2010 |

رواية المكان إعادة لإنتاج الذاكرة
خالد البسام بعد روايته 'مدرس ظفار':
الروائي والكاتب البحريني خالد البسام أصدر رواية جديدة لفتت الانتباه بشدة تحمل عنون 'مدرس ظفار'. وربما كان موضوع الرواية جزءاً لا يتجزأ من طابعها المثير وأحداثها المتلاحقة، فهي تتناول ثورة ظفار التي نالت في تاريخ الثورات العربية الحديثة أهمية دفعت العديد من الروائيين إلى تدوينها بطرق شتى.
كان خالد البسام يزور القاهرة في الشهر الماضي، وكانت الرواية الجديدة مناسبة لهذا الحوار.
وقد تمكنت خلال أيام ليست طويلة من قراءة رواية 'مدرس ظفار'، وكتاب مصور للبسام أيضا عن تاريخ البحرين وجانب ليس قليلا من روايته 'لا يوجد مصور في عنيزة.'، وهو الأمر الذي ترك لدي بعض التساؤلات، التي بعثت بها الى البسام عبر البريد الإلكتروني.
بعض هذه التساؤلات يتعلق أولا بغرامه بالمكان في الروايتين. فما الذي يمثله سحر المكان الخاص؟ وهل الطرح الروائي العربي الجديد لا زال يحتفي وينظر للمكان بنفس الحنين؟ وكيف يمكننا أن نفسر سيادة رواية السيرة الذاتية في المشهد الروائي العربي؟ وكيف ننظر إلى بطل رواية البسام 'فهد' المدرس الذي يعيد انتاج المعنى المثالي للمثقف الثوري الحالم مقابل الانتهازية السياسية التي تشير إليها الرواية دون أن تتحول إلى خطاب شعاري عالي الصوت؟ وما هي دلالة مسحة القداسة التي تضفيها رواية 'لا يوجد مصور في عنيزة' على المكان والسحر الخاص الذي يظل رباطا مقدسا بين المكان وبين قاطنيه؟ وما الذي أسفرت عنه الثورة العربية في نهاية المطاف؟ وهل كان للوثائقية التي يعتمد عليها بعض الروائيين مثل عبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم وغيرهما دور في توجيه شكل الرواية العربية، وكيف نرى مفهوم السرد الروائي في إطار البلاغة العربية أي مفهوم اللغة الوظيفية في مقابل اللغة المركبة؟ وإلى أي حد تخدم اللغة السردية البناء الروائي؟ وكيف يرى البسام المشهد الراوئي البحريني الراهن؟
ومن جانبه اعتذر البسام عن لغته المبتسرة التي تحتفي بالاختزال، مجيبا عن بعض الأسئلة تاركا بعضها الآخر لقارئ الرواية.
وخالد البسام كاتب وباحث، عمل بالصحافة في العديد من الصحف والمجلات في البحرين ومنطقة الخليج في الفترة ما بين 1981 وحتى اليوم.
أصدر مجموعة كبيرة من المؤلفات في تاريخ البحرين والخليج والعالم العربي منها: 'تلك الأيام'، 'رجال في جزائر اللؤلؤ'، 'القوافل'، 'خليج الحكايات'، 'مرفأ الذكريات'، 'صدمة الاحتكاك'، 'حكايات من البحرين'، 'نسوان زمان'، 'يا زمان الخليج'، 'كلنا فداك'، 'ثرثرة فوق دجلة'، 'يوميات المنفي.'
له ثلاثة كتب أدبية هي 'بريد القلب'، و' بساتين'، و 'عزف على السطور'، ورواية بعنوان 'لا يوجد مصور في عنيزة'.
حصل كتاباه 'خليج الحكايات' عام 1993 و 'صدمة الاحتكاك' عام 1998 على شهادة أكثر الكتب انتشاراً في بريطانيا حسب تقييم الصحف العربية في لندن.
فاز بالمركز الأول في استفتاء كتاب الأعمدة المفضلين في الصحافة البحرينية في تموز (يوليو)1999.
عمل رئيسـاً لتحرير مجلة 'هنا البحرين' الأسبوعية في الفترة ما بين 2001 - 2005 م. قام بإنجاز مشروع تاريخ رواد الصحافة البحرينية المتكون من خمسة كتب بتكليف من وزارة الإعلام البحرينية.
عضو لجنة تحكيم جائزة الصحافة العربية (دبي) دورة عام 2008 .
تم تكريمه من جريدة 'الوسط' البحرينية اليومية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 م على جميع كتبه في التاريخ والكتابة الصحافية.
وهو الآن متفرغ للكتابة والتأليف.
وهنا نص الحوار :
* حدثني أولا عن سحر المكان الذي يغلف أجواء روايتيك 'مدرس ظفار' و' لا يوجد مصور في عنيزة'؟
* يسحرني المكان كثيرا، بل أستطيع القول انه العالم بالنسبة لي. والمكان هو مصدر فرحي عندما اشعر فيه بالراحة وسعادة الحب والطمأنينة.
لقد عشت في أمكنة كثيرة وبيوت أكثر، بعضها في وطني وغيرها في الغربة. غير أن أكثر مكان أو بيت لا يزال يثير الحزن واللوعة داخل قلبي وروحي هو البيت الذي ولدت فيه في مدينة عنيزة في نجد. فقد زرت مكان البيت قبل عدة سنوات مع قريبي وصديق الطفولة ووجدته مكانا خاليا، مهدما وتم مسحه بالإسفلت الأسود القبيح ليصبح مجرد موقف سيارات كما يحدث كثيرا منذ سنوات مع بيوت الخليج والجزيرة العربية القديمة.
حبست دموعي لحظتها على المكان الجميل الذي اختفى. وقاومت الرغبة في البكاء لكنني نثرت وداع البيت في روايتي الأولى 'لا يوجد مصور في عنيزة'. وعندما انتهيت من كتابة الرواية شعرت بأنني رثيت البيت وربما المدينة بما يليق به وبها.
أستطيع أن أقول بصراحة أنني ورثت حب المكان وعشقه وسحره من والدتي عاشقة عنيزة بامتياز شديد وعجيب طوال إقامتها في البحرين. فقد كانت تضع قارورة من الزجاج ممتلئة من رمل مدينة عنيزة في الجانب الأيمن من غرفة نومها وتعلق صورة البيت قبل هدمه على يسار الغرفة، هل يحتاج الإنسان إلى حب للمكان أو تعليم للحب أكثر من ذلك؟
اليوم فعلت ذلك بالضبط، أخذت من التراب ووضعت في قارورة وقمت بنسخ صورة البيت في عنيزة.
وعندما زرت القاهرة بعد ثلاثين سنة من الدراسة الجامعية ذهبت إلى الشقة التي كنا نسكن فيها مع بعض الزملاء وتأملت العمارة الصغيرة في منشية البكري في مصر الجديدة وقمت بتصويرها، وفجأة اكتشفت أن دموعي تنهمر. وفعلت نفس الشيء عندما ذهبت إلى الدقي شارع الدكتور السبكي حيث كان يقع مقر اتحاد طلبة البحرين، كان المكان جميلا ويزدحم بمئات الذكريات الحلوة والحزينة أيضا.
أتعامل مع المكان كأنه إنسان بالضبط لذلك أحبه واعتني به وأدافع عنه واعتز به.
* وكيف تنظر إلى رواية السيرة الذاتية في الرواية العربية الراهنة؟
* السيرة الذاتية صارت جزءا مهما في الرواية العربية واظنها في الرواية العالمية كلها. فأجمل الروايات على الإطلاق هي تلك التي يكتبها الكاتب لا عن نفسه فقط ولكن عن تجربته ومغامرته وعن خيباته وشجاعته.
هل تتصور الرواية بدون غابيريل ماركيز مثلا؟ لقد كتب الرواية وكأنها سيرة له ولعائلته ولمدينته، والأمثلة كثيرة.
* وهل لا زال فهد بطل رواية 'مدرس ظفار' يمثل حلما ؟
* فهد في رواية 'مدرس ظفار' ليس بطلا خارقا، لكن شجاعته جعلته يعترف بكل شئ، بكمّ الأخطاء وبكمّ المصائب أيضا التي رافقت ثورة ظفار. وأنا اعرف بشرا شاركوا في ظفار يرفضون حتى الآن الحديث عنها، وهناك غيرهم يرفضون إدانتها بأي شئ باعتبار الثورة عملا ً مقدساً ونقده حرام!
و' مدرس ظفار' تجربة حقيقية خضتها بنفسي وهذا اعتراف مني بذلك!
* مشكلة المكان نفسها تتسرب في ثنايا روايتك 'لا يوجد مصور في عنيزة '، هل أنت راو من رواة المكان؟
* رواية 'لا يوجد مصور في عنيزة' رواية مكان بامتياز شديد. فعنيزة المدينة الصغيرة في شمال نجد في السعودية هي مكان ولادتي وملعب طفولتي، هي حبي الأول للمكان وربما عشقي الأخير أيضا. ولهذا فالرواية اعتراف بالمكان وبسحره وأهله وبيوته ونخيله الباسق حتى الآن.
* في أكثر كتبك التاريخية نلاحظ انك تنتقد الوقائع نفسها وأحيانا تشكك في الأحداث.. هل يمكن تفسير ذلك؟
* أنا لا انتقد أحدا، لكنني أحاول دائما أن انتقد نفسي وعملي. فأكثر كتب التاريخ العربي ينقصها لا التوثيق ولا الوثائق ولا المراجع ولا التحليل، ولكن أشياء بسيطة مثل التشويق والسرد بطريقة عصرية والاهم من كل ذلك أن يجعلوا القارئ يعشق التاريخ. كما أن اخطر مهمة في رأيي هي كيف يختار المؤرخ موضوعه ودراسته، فالمشكلة عندنا أن الجميع يختارون المادة السهلة التي يجدون عنها مئات المراجع عنها، ولا يتعبون أنفسهم في الكتابة أو البحث في مناطق تاريخية لم يتطرق إليها احد من قبل. هذا هو المطلوب الآن في رأيي هو الكتابة بشكل مختلف سواء في بحث الموضوعات الجديدة واستخدام أساليب كتابة جديدة وغيرها.
* باختصار.. ماذا استفدت من التاريخ بعد كل هذه الكتب؟
* التاريخ يفيد في كل شيء. عندما تكتب في الصحافة فهو يفيدك وعندما تكتب في الأدب فهو يزيدك ثقافة. التاريخ جميل لأنه يعلمنا كيف نقرأ من بعيد، ونعيش كأننا حاضرون في نفس الوقت.
* في بعض كتبك التاريخية هناك اهتمام واضح بوثائق التبشير الأمريكي التي جاءت إلى الخليج في نهاية القرن التاسع عشر.
* وثائق الإرساليات الأمريكية في الخليج هي من أعظم الوثائق في رأيي التي كتبت عن مدن وقرى الخليج والتي تجول أعضاؤها فيها منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية الستينيات من القرن العشرين. إنها تقارير مهمة جدا كانت تصف الحياة والناس والعادات ووسائل المواصلات وتحكي عن الأمراض وتتحدث طبعا عن التبشير الفاشل وغيرها. إنها كنوز يجب أن تتم ترجمتها بالكامل من قبل مركز متخصص أو مراكز متعددة، وهذه الترجمة سوف تخرج منها عشرات الكتب الجميلة وبالصور النادرة أيضا.
* لديك كتاب هام عن البحرين والقضية الفلسطينية كشفت فيه عن وثائق هامة ونادرة عن اهتمام البحرينيين المبكر بالقضايا العربية !
* في كتاب 'كلنا فداك.. البحرين والقضية الفلسطينية' هناك بحث طويل وموثق اشتغلت على تجميع وثائقه من البحرين والأردن وبريطانيا وقبرص على مدار أكثر من خمسة عشر عاما. في هذا الكتاب حاولت شرح ما قدمه البحرينيون من مساندة ودعم مادي ومعنوي ومحبة للشعب الفلسطيني منذ عام 1917 حتى عام 1948 م، أما السبب في تركيزي على هذه الفترة فهو أن غالبية الفلسطينيين والعرب يعرفون أن البحرين والخليج لم يساندوا فلسطين إلا بعد نكبة 1948 م وهذا غير صحيح إطلاقا، بل وأثبته بالوثائق والمنشورات وصور المظاهرات وصفحات الجرائد المختلفة والتبرعات التي بدأت منذ عام 1917م.
* تكتب التاريخ وكأنك نصير الناس وصديق بطولاتهم ومناصر ثوراتهم وشجاعتهم.. حدثنا عن ذلك؟
* إذا لم تكتب عن تاريخ الناس فماذا يمكن أن تكتب في التاريخ؟ التاريخ الذي كتبه المنتصرون والسلاطين والمستعمرين وغيرهم هو تاريخ كتب بالمزاج وأحيانا بالضغط والإكراه، ولكنه ليس مصدري ولا هو المصدر الذي اعتمد عليه. فالتاريخ يصنعه البشر بمعاناتهم وحروبهم وبؤسهم أو كما يقول المثل الفرنسي الشهير 'الشعوب السعيدة ليس لها تاريخ'، وشعوب الخليج في بداية هذا القرن وحتى منتصفه على الأقل لم تكن من الشعوب السعيدة على الإطلاق.
القاهرة ـ 'القدس العربي' ـ من محمود قرني:

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free