http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  التشكل وممارسة كتابة المحو
 
 التشكل وممارسة كتابة المحو
قراءة في ديوان *بعيدا قليلا *
للشاعر عبد الهادي روضي

حميد ركاطة قاص وناقد من المغرب
أولى الإشارات التي نلتقطها عند تصفحنا لهذه الأضمومة في تشكيلها البصري الجذاب الممتد على سبع عشرة قصيدة، والصادرة عن مطبعة أنفو برانت بفاس سنة 2008 ، بعتبة موحية " بعيدا قيلا " وهو عنوان مفتوح الدلالة على مجال ، لكنه بعيد عن نقطة ارتكاز يعتبرها مجاله الحقيقي، ما يمنح الانطباع على التواجد في فضاء ثان ربما سيتم من خلاله القيام بمقارنته مع المجال الثاني وهي مقارنة ستتداعى ظلالها على قصائد الأضمومة، بهذا المعنى سنجد النصوص لتي قد تتحول لقذائف مصوبة رسائلها من أعماق الواقع نحو فضاء الحلم المرتقب .

بعيدا قليلا، قصائد تغلب عليها مسح حزن وكآبة، وانتظار نحيب تجثم فيه الريح وهي تحمل أشجان شاعر الصحراء ، بحثا عن مزن قد يشكل آخر التشكل أو بداية للمحو ، قصائد حابلة بالمجاز، تبحث عن تخطي حدود الرؤيا والارتقاء إلى مدارج أرقى. لكن هل سيشكل المكان هاجسا إلى الحد الذي يصبح فيه مرتكزا في بناء القصيدة ؟ وهل حبه أو كراهيته له هو مجرد تفاعل كيميائي قد يكون غير مكتمل وغير جاد ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد صدمة مع الواقع الجديد الذي يفرض انسجاما مع الحفاظ على مسافة قد لا تسمح بالتماهي والانصهار ؟ لماذا يرفض الشاعر المدني " القادم من المدينة" البادية ؟ وأين يكمن سر رفضه لها أوقبوله المشروط ؟ . لعلها أسئلة قد تنير بعضا مما التبس داخل قصائد هذه الأضمومة التي كتبت بحرقة كبيرة، ثم هل قدر الشعر أن يظل حابلا بالاحتراق والألم، أم أنه تحليق في الأعالي بحثا عن لحظة فرح وخلود ؟. 1- التشكل والمحو ولعبة الخلق الأولى: التشكل والمحو عنصران أساسيان في صراع الكاتب مع ذاته، ورفضه للماضي لطفولته المنكسرة، ورفضه الأليم الذي شكل كرها للمدينة ذاتها : من أحقر الجغرافيات حيث كثير من شرفاء هذا الوطن ينامون على انكسار الحلم " ص 9 وهذا الانكسار هو الذي سيولد الحرقة في المجال الجديد ما دامت حرقة تعتصر خراب الزمن وتحاصره في الغربة أمر سيدفعه إلى ممارسة المحو وإعادة التشكل منذ البداية يقول الشاعر: كن / سيد مداي يا محوا يتوحد في ظلال الأبجدية ني بك أمارس شدوي و أ ت ش ك ل " ص 12 وهو تشكل سيأتي على شتات اللغة الذي أصبح ضمن القصيدة مكانا مثاليا، من خلال ظلالها ستبدأ لعبة الخلق الأولى نحو الحياة الجديدة على شكل تدفق للرؤى تختصر المسافات بين الانخطاف والاكتواء، فالغريب / والغربة / والاغتراب أتربة تعلق بعباءة الشعر، تمتنع عن الترويض والتشكل، فهي وصاحبها قادمان من موطن آخر، والذات بقدرما ترفض الانصهار وفقد تااته لهوية تضحى كالشجرة غير قابلة لفتح مسامها لاستقبال نسغ الحياة الجديدة، مما يجعل القادم يسلك معابر منها ما تكشفه له لغة الوجد، ومنها ما تصدمه تضاريسها المليئة بالرفض والسخرية، فهو ممقوت إلى حد أنه نشاز في خارطة العدم، أمر سيخلق تحديا من نوع أخر يقول الشاعر: ما ذنبي إذا أعدت اكتشاف لغة الوجد في الحجر وأيقظت العصافير أو حرضتها ضد الطبيعة. ص 14 فتصرف الشاعر مراقب، بل محسوبة تحركاته وأنفاسه، فهو صار محط تبئير ومراقبة لصيقة: ماذنبي إذا ما احتواني الماء وحرستني ضد الجاذبية أو نأيت باسمي عن اسمي .." ص 15 وضع سيخلق محوا ذاتيا واتجاه نحو العدم . ومما يميز هذه النصوص هو حوارية بعضها وهي تنسج ملامح صراع غير متكافئ بين الأنا والآخر المتمثل في المحو، ليتحول الحدث نحو الداخل نحو الأعماق المرتجة، وهذا التفاعل سيفرز لا محالة حوارا جميلا، لكنه يرسم هم شاعر يبحث عن كينونته ووجوده من خلال القريض الذي سيتحول الناطق باسمه ، والأثر المبحوث عنه بعد مرور المحو العسير والتشكل الجديد: أنا وريث سره لليل للنهار للشاهدة التي تحرسه للصغار للكبار سأروي مائيته " ص 17 فالغياب لم يكن دون أثر / دون تشييع / دون ذكرى / دون وصية / " وهل وصاك لالموال خيرا " (؟) ص 18 إن الجسد المنذور للمحو لتسلبه اللغة، وسيتحول إلى صوت حي وكأنه على شاكلة صاحبه الأولى، إنه تحول نحو السيولة نحو شيء لا يمكن صنعه " ماء" / يجري / يسقط مطرا / رذاذا / ينتقل مع الريح غيما / مادامت تسكنه لغة ورثت الهوس والجنون والتحدي يورث نوتاته لموجودات الطبيعة يقول الشاعر: كل الدروب هنا تخون والذين عبروا الظل كالغزاة للريح حكموا أسرار المحو ومضوا خاسئين " ص 19 إنها هاوية الريح حيث المكان فيه تضيع لغات الوجد، ويتحول إلى جرح تدوسه حوافر الخيل، وقد احتدم الصراع داخل القبيلة حول رجل في مهب العاصفة، بينما وقف هو محتارا بين غنج النازحات " وجاذبيتهن وبين حراس النوايا في "( أديس / والريح ).هي حتما التقاليد المقيدة للغريب، بل الراسمة له مسارا إن حاد عنه هلك، وهو أمر يصور بفداحة مآل الشعر الذي أريد له أن يتحول إلى "ناسك " يدفعه إلى الإحساس بالمحو يقول: ماجدوى الشاعرية لا التفاعيل غيرت منطق الجسد ولا النثر اخترق العادة صارت الفداحة نشيد الأرض " ص 22. تساؤل يبرز انحباسا داخليا واختراقا بلغ أوجه ووقعه إذ يقول الشاعر: وقع محوك وتشرب كأس ا ل أ ف و ل " ص 22 فالصراع الدائر رحاه بين الشاعر "والمدينة / القبيلة / الدوار " هو صراع يجد مبرراته ومنطلقه منذ الاستهلال في هذا الديوان، وهو يسقط على وقع الرؤيا : لا تشذب الريح كمن مروا مجد محوك وامض كراء شذ عن هوى القبيلة " ص 5 هذا الرائي سيضحى صوتا مليئا بالدلالات يرفض: لا تكن رائيا ( ..) لا تورث أحزانك لأحد " ص 23 هي نصوص مليئة بالشكوى والأحزان تنتقد وضعا قاتما، بل تنبذه وهي تسترجع تاريخا مليئا بالضياع والجنون والموت: هلين التي عبرت مدارج القلب لن تتكرر انسلالها إليك ستسرب العدم . " ص 26 والشاعر بقدر ما حاول من خلال نصوصه منح تشكيل بصري مختلف سواء من حيث الرسم أو التضمين، وهي تأخذ ملمحا شذريا وامضا حول اللغة، مسترسلة في الخطاب إلى ندف حارقة معتقة بحكم رهيبة وصورها تتداعى دون تحقيق متعة الاستواء، مادام البحث عنها لا يكتمل إلا من خلال جمع كل قطعها الفسيفسائية الثلاثة غير المليئة بالإشارات والحمالة للدلالات تترتوى من رحيق الأساطير والتاريخ والدين في تناص عجيب يتساءل الشاعر: من يفتح صدر الرمل للخراب وحدي أكتب سيزيفيتي " ص 29 ياهلين كلما تشتهيتك صرت عبد رؤياي ها نحن نعدو جراح المدى مصلوبين نصلي " ص 30 هل يصل الأمر بالمبدع إلى الحد الذي تنزف جراحه، وقد شعر بتحول عميق بداخله ؟ هل الإحساس بالتفاهة والتقلص يصير الذات منبوذة مكروهة، وقد تحول الكيان كومة من الهلوسات الخضراء التي تتعقب انحدار الريح بل تتسلى به ؟ هذا الخواء كم هو مخيف ؟ هذا العالم اللامرئي، الموشى بالتعاويذ يخلق مسارات سرية للتعقب، تترك الاستعارة القاسية ونزيفا ينداح كالماء جهة العدم ..هل نحن إزاء سر من أسرار المحو أم في حضرة المحو ذاته ؟ فعوالم الشاعر بقدر ما يرسمها ويشكلها حسب رؤاه، تضحى واقعا خاصا بالنسبة إليه يدمن نتائجه وتأويلاته نفسيا، مادامت الرؤيا مجازا بل استحالة / ممكنا/ هذيانا/ هلوسات / ستحول الذات غيما يراقص الريح .. بل نسغا مجهولا يبين مائها . هذا التحول ناتج بسبب الخوف / والرفض / وهو ما سيترتب عنه مواقف صريحة ضمنها الشاعر في " مجازات الذات . يقول : لن أثق في الظلال القادمة لن أسرب أسراري لإمرأة أدمنت فعل الماكياج في الطريق إلي " ص 34 . وهذا الرفض ناتج عن موقف وقرار سيتم الحرص على تنفيذه يقول: سأكون حريصا على المحو وعلي محوا .. أ ت د ث ر " ص 35 وهو أمر سيتكرر حد الاقتناع ونذر الجسد " أنا من تأججت حرقته واستوى محوه " .. كله في قصيدة "كأنك الماء " ص 38 2- صراع الشاعر والمدينة: سيوجد تناص بين أحداث الماضي وهو ما يعيد للأذهان حروب طروادة والصراع الذي دار حول هيلين، وهو صراع تكبدت فيه القيم أفدح الخسائر ما دامت " طروادة شربت كأس خسارتها، فالواقع الحديث في " ولت" هو نفسه ، وكأن التاريخ يعيد نفسه من خلال استبدال القطع فوق رقعة شطرنج قديمة، لتصبح الرؤية متحولة من العالم القديم نحو الواقع المعاش، ومن البحر نحو الصحراء، هذا التحول تم تصويره بدقة يقول الشاعر: من هنا جحافل الطغاة تسللت إلى شغاف النهر هربت نداوة النخيل لم تترك للمدى ريحه ولا للماء ظله " ص 43 والصراع بين الخير والشر / الحب والكراهية، هو صراع تاريخي عانت البشرية في كل بقاع العالم من ويلاته ولا تزال شماله وجنوبه، شرقه وغربه: ماذا سنقول للجد الذي اغتلنا جذوره وبأي سر سنبوح بغداد آخت بين الورد والحجر وبابل أسلمت سرها للغزاة " ص 43 ..ماتت نخوة الجياع / ماتت نخوة القراء الشرق تعرى .." ص 44 3- صورة المرأة في الديوان: هل يمكن النظر إلى المرأة فقط من خلال صورتها الخارجية ؟ بمعنى هل يمكن الحكم عليها فقط من خلال الحكم على جسدها ومظهرها ؟. عند التعامل مع الأنثى بشكل تجزيئي ونحن نقصد فقط فعل التعرية، لما ينطوي عليه من سبق إصرار وترصد، ستبدو صورتها أكثر بشاعة ومقتا، وهو أمر يمكن إرجاعه لمدى أثار الجراح التي تسبب فيها الكائن الآخر، أمر سيحول صورة المرأة إلى صورة غير التي يمكن أن تكونها . يقول الشاعر " امرأة تقايض في قارعة الطريق أثداء مراهقتها وتدعي العفة . ص 47 موقف لم ينبن على وقع الإثارة، وحدوث التفاعل الكيمائي بين جسدين، بقدر ما بني على مواقف مسبقة منها أصلا : وجهي ضيعته القبيلة ضيعني غنج نازحات. ص 20 لن أسرب أسراري لإمراة أدمنت فعل الماكياج في الطريق إلي ." ص 34 / " ياهلين / كما تسهيتك / صرت عبد رؤاي" ص 30 لكن هل هذا الواقع سيظل نفسه ؟ سوف نلمس مواقف معاكسة تماما لما سبق، وهو انقلاب مفاجئ يعكس ربما تراجعا في النظر إلى ماهية الأنثى وذاته،ا وكان تصالحا وقع بين القبيلة والشاعر يقول: صدقت النبوءة مخطئ من أجج الوشاية مخطئ من سماك العاهرة . ص 39 وهذا الطرح سيتأكد من خلال البيت التالي: بينيلوب لم تعد تحرس سماء القبيلة " ص 45 لقد تحولت المرأة إلى مصدر للإلهام، فهي بداية المحو وآخر التشكل، والملهم للقراء الذين يقول عنهم : بلا نسغ تباعا يجيئون دير امراة شاردة حد الغياب " ص 53. كما ينتقد ذاته ويتراجع عن أفكاره السابقة: لن أخون الماء والحبيبة الأولى " ص 57 وهو ما سيفضي في النهاية إلى تقرير المصير الشخصي بعيدا عن أراء الآخرين ومضايقتهم: لن أكون معنيا إلا بخسائري الفادحة في الحب . ص 58 وهو ما سيخلق شروط تحول جديد مشروط بخاصيات ومقاييس حول المرأة التي يحلم بها يقول الشاعر: لا تأتيني باردة الرؤيا تحنين إلى جسدي في توقظه لا تقولي أحبك بكبرياء البحر " ص 72. وسيصير التعاطف مع المرأة إلى حدود بعيدة، وقد عبر عن مواقفه بحياد بارد: رأيت نسوة يكشفن للعابرين جراحهن . ص 77 إن هذا الاقتناع الممزوج بحذر هو وليد وضع قائم مبني أصلا على تعارض مصالح وتضاربها، في غياب الانسجام مع الوسط الجديد ومكوناته، وغياب فرص للنظر إلى الوافد الجديد " الغريب"، الذي يظل كذلك في أعين الجميع، مادام تشكله وانسجامه واندماجه عصي جدا، أمر سيترك هوة سحيقة بين الطرفين وسيجعله محط تتبع لصيق ومراقبة ستخلق تذمرا وسخطا ورفضا وخسائر فادحة من العزلة والصمت يقول: تتيه خطاي أتعثر أتيه في بهاء الرؤيا أتبعثر وحدي أصير قس كاتدرائية في آخر الليل وحدي أصير أصير وحدي " ص 55 هذا الوضع الرتيب سيخلق تحليقا من نوع خاص هربا من الرتابة والضجر والموت " فيطالعه الحنين للماضي ، للمستقبل الذي سيستشرفه قبل أوانه وقد انمحى وتحول وصار قابلا للتشكل على هوى الطبيعة وقد تسربت إلى أعماقه قناعة المحو الذي صار منذورا له: لن أهادن الريح لن أكتف ب ا م ت د ا دي. ص 6 إلى حد الاحساس المطلق بنشازه وغرابته رغم عيشه في وسط آهل بالبشر . أنا هنا أتمرن ضد الروتين ضد التحجر ص 70 قلت ما قال الغريب للغريب : لا مجاز يحيل إلي " ص 77 وهو أمر سيؤدي إلى الإحساس بالتقدم في السن: شاخت حواسي شخت " ص 74 لكن هذه الوضعية بقدر ما خلخلت كيان الشاعر، ولدت سلسلة من الإحباطات والاستسلام، بل تحول الوهم إلى يقين مطلق: هذه البلاد ضيعتني عمدتني بالخطأ. ص 79 هل يجدر بنا مكالبة البلد بما قدمه لنا ؟ أم كان يجب طرح السؤال معكوسا " ماذا قدمنا لهذا البلد كي لا نضيعه ؟ لعل هذا التصور الخاطئ سيؤدي إلى كراهية كل بقاع العالم بل هجاء كل ربع يحوينا جنونا وانفلاتا ، ولعل هذا الأمر نابع من الإحساس بالقهر والوحدة والضيم إلى حد الجنون: وحدي رأيت الذي لم يروه رأيت ولت تغازل الريح رأيت ولت تربي العدم " ص 84 بعيدا قليلا قصائد تتعدى خطوط الرؤيا، لتمارس تحديقا ممعنا في الجموح،تحديق ينشد تحقيق امتلاء الروح ، واسترجاع الحقوق المصادرة في العيش والحب والكرامة الإنسانية. إنها بحث عن الذات الممزقة الماهية الممسوخة من خلال استهجانها واسترجاعها بحكم قديمة، مستمدة من الثقافة الإنسانية، ومن تجارب سابقة مع الألم والعسر، والقهر والاستبداد والظلم ( نوح / هيلين / سيزيف ). إنها نصوص أعارت ذاكرتها للريح والصمت لتتحول إلى أشعار عاصفة مبرزة عاهات وطن وحماقاته: وطن يودع للبحر صبيته . ص 86 أو رمال تمتص من كتاب الفداحات رحيق المحو .. في ربوع تمانارت، أقا ،فم الحصن، ولت، وهي فضاءات ألبسها الشاعر ثوب الخطيئة، ما دام يرفض أن تكون منتهاه وهو يتحداها: وحدك تلبسين جناس الخطيئة وحدك تلبسين الندم " ص 75 لأنه في النهاية ليس معنيا / بها " حسب وعمه : لن أكون معنيا إلا بخسائري الفادحة في أي شيء وإن كنت تغريني كرائحة الناي "ص 58 إنها نصوص ذات نبرة حزينة منذور فرحها للمحو/ وللريح، في امتدادها وامتداده على السواء ، مادام يستحيل إلى ريح تكنس أرصفة المحطات الفارغة، إلى هذا الهم والثقل دافع الشاعر إلى رفض تحوله إلى سيزيف الحامل لصخرة المعاناة الإنسانية، ما دام قد تحول إلى رائي أتعبته رؤاه " كما هو الأمر في قصيدة ولت تربي العدم " ص 77 . هذه الابصارات العميقة عمقت جراح صمته فنطق مخاطبا صديقه "رشيد الخذيري: بما أخبرك يا رشيد نديمي في الشعر وفي العزلة ضاقت رؤاي لم أعد سيزيف الوطن ضيعتني الأحجيات / هذي البلاد ضيعتني عمدتني بالخطأ" ص 97 وهي رؤى بقدرما تلهم الإحساس بالضياع تبرز إنسانية الإنسان ورقة الشاعر الرافض للظلم: أدهشتني رؤاك كنت الرائي عابرون من هنا مروا عبروا التلال تشردوا قبلي عبروا الوجوه عبروا الكتابة وحدي رأيت الذي لم يروه" ص 84 إن قدرات تحول الشاعر صاحب رؤى صادقة لكنها ذات سحر مجهول وهويتوغل: يجابه الريح بالريح يؤتث تتشكل هاويتي بخفق سماوي لا يرى لم يسلمني سر مدارجه " ص 85 . وهذا يحول الشاعر إلى كائن منساق بإكراه من قوى خارجية، لكنه غير مغلوب على أمره يقول: بي ضاقت رؤاي وأنا برؤاي ما ضقت " ص 88. فهول لا يملك حلمه ولا رؤاه وهو ما يجعل من سيمفونية السديم تكتسح الرؤيا والحكاية، لأن بعيدا قليلا تختفي نصوصها باتساع المحو. على سبيل الختم: *بعيدا قليلا* محاولة لإعادة التشكل داخل شتات اللغة من خلال ممارسة الكتابة والمحو الحضور الغياب انطلاقا من استثمار رمز الأدب الإنساني،ما يجعلها قصائد ترفض الانصهار وفقد الهوية،أو الاستسلام فهي نقش على الحجر،وتحريض ضد الاحتواء والمحو ذاته . من هنا نلمس حضورا للحكي من خلال انسياب اللغة التي أضحت مكان انصهار الذات وتحليقها مع الريح،لتضحى أحد مكونات الوجود،ومن خلال مرورها تعيد قراءة آثار لأمكنة وتستحضر أزمنة كل الذين عبروها،وحكوا أسرارهم للريح ليستنتج الشاعر أن الغريب سيظل غريبا ترفضه القبيلة،وهو يسمع صدى الذين مروا تهزه الريح كما تراقص أوراق الأشجار من هنا نلمس أن الاستعارة مهد لكتابة عجائبية ورسم الخطوط العريضة للقصائد التي تحلق في عوالم غير مرئية وهو ما منح الإحساس بكونها تفقد خيوط صورها المتداعية أحيانا المثقلة بالهم الإنساني لكن ما يثير الانتباه إليه هو قدرتها على المحو والتشكل السريع محو يطول الذات واللحظات يختصر الوقائع من خلال فتح متون قديمة وقضايا شخوص الأدب والتاريخ كما لا ننسى توظيفها لجانب صوفي محض متجل في دلالة الرؤية ومعناها إلى حد استوائها على أغصان قصائد لا بد من اقتحام مجالات التأويل لفك رموزها استعاراتها فالقاموس الموظف هو قاموس تم انتقاؤه بعناية ليضحى في خدمة استواء المحو وتحققه كما نشير أن حضور المراة في قصائد عبد الهادي روضي كان بصور عديدة من خلال ما أبرزه جسدها ، وإذا كان للجسد قيمته الجذابة فإن هذا الجسد يظل دون معنى في غياب روح صاحبته وصدقها ما يحيل على شعر يرفض تحول جسد المراة لشيء يتم مقايضته أو تسليعه كما يرفض مظاهره الخارجية فالمرأة التي ينشدها هي مصدر الالهام امرأة تكون بداية محوه وآخر تشكله فهي امرأة تعيد الروح إلى جسد تحبه حبا جما ولعل المدينة هي الأخرى قد تقاسمت والمرأة الكثير من الخصائص والأوصاف والشروط ما جعل حضورها متميزا هي الأخرى سواء في الحب أو الكره فالقبيلة ضيعته وتمنع نسائها كذلك وسوف نلمس تصرفا حذرا منها " لن أسرب أسراري لإمراة قصائد هذا الديوان حاولت مقاربة وضع انساني وتقديم منظور شخصي حول وقائع عديدة بعين المحب تارة والغاضب ، والمتمرد والمتصوف تارة أخرى ، قصائد تبرز درجة من الوعي سواء في تشكيلها البصري أو في بنائها الأسلوبي وهي تروم خلق جسر كبير للعبور من الخارج نحو ألداخل ما جعلها ترقى بالهم الانساني وبهواجس الشاعر مراق متميزة .

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free