http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  الى دعاة التكفير
 
الى دعاة التكفير
 
بقلم ذ عبدالرحمان الغندور
خاص بالموقع
كفروني إن شئتم فلم يكن الحلاج آخر من صلب بسبب تعبده و عدم تدينه , أقول دائما و أمارسها : إني لست متدينا و لكني متعبد...التدين يعني الانتماء لطقوسية معينة يصبح فيها الشكل أهم من الجوهر ، و التعبد يعني تفجير الطاقة الوجدانية الروحية كمكون أساسي من مكونات الذات الإنسانية منذ ظهور الإنسان العارف
homos-sapiens
 
التعبد يوحد الكائنات و يوحد العايد بالمعبود بدون وسائط ويوحد الإنسان بالطبيعة و تصبح الرموز فاقدة لكل معنى.....و الفلاسفة المتصوفون خير من عبر عن ذلك فلسفة أو شعرا أو شطحات...ابن عربي...الحلاج...الجنيد...ذو النون المصري....و غيرهم.....المتعبد لن يكون أبدا ضد الدين....بل هو مع كل الديانات
التدين هو في الأصل تعبد بطقوس معينة تتضمن صلوات و أدعية و قراءات و حركات جسدية و إمساكات محددة في أوقات معينة و قرابين في مواسم معلومة......و كل الديانات "أرضية كانت أو سماوية" لها طقوسها في ممارسة تعبدها. و لكن الأمر المهيمن هو طغيان الطقوس بأشكالها المختلفة على جوهر العملية التعبدية فيصبح التدين هو ممارسة هذه الطقوس حتى في غياب الجوهر...بل إن هذه الطقوس تكتسب قدسية أكبر من قدسية العلاقة بين العابد و المعبود....الشيء الذي يحول التعبد في بعده الفردي كعلاقة مباشرة بين الذات الإنسانية و ذات متعالية تمتلك الكمال المطلق....إلى إكراهات اجتماعية تجبر الفرد على ممارستها لا خوفا أو طمعا في الكائن المتعالي بل خوفا من المجتمع و طمعا في رضاه. التدين كما هو في الواقع إذن فعل اجتماعي ، لا يمكن فهمه إلا باعتباره ظاهرة اجتماعية بكل مواصفاتها و إكراهاتها.
لا ننكر حضور الجانب التعبدي في بعده الجوهري داخل كل ممارسة دينية لدى العديد من المتدينين...و لكنه في نفس الوقت يضل محكوما بقدسية الطقوس التي تعطيه قيمة القبول .
أما التعبد فهو بالأساس تعبير عن جوهر الإنسان منذ بلغ به التطور إلى امتلاك القدرة على المعرفة المجردة حيث حاول من خلال مواجهة الطبيعة لتلبية حاجاته الحياتية الملحة لاستمرار حياته و استمرار نوعه معرفتها و تفسيرها ليسهل عملية السيطرة عليها ، هذه المعرفة التي تطورت عبر مئات آلا لاف من السنين من حالة فتيشية fetichisme ملأ تصور فيها الطبيعة مليئة بالأرواح الخفية و الغيبية باعتبارها المسؤولة عن كل ما يحدث من ظواهر .مما دفعه إلى التقرب منها و العمل على إرضائها عبر مجموعة من الطقوس و الحركات و الرقصات و القرابين و ابتكار مجموعة من الطابوهات و المقدسات....الخ و قد قابل هذه الحالة نموذج من التفكير لا زال مستمرا إلى الآن و هو التفكير السحري. لتأتي بعده، و بعد تطور فكري طويل و هائل عملية مرحلة تحويل الأرواح التي تسكن الأشياء و الظواهر إلى آلهة متعالية مفارقة للأشياء.فكانت مرحلة تعدد الآلهة polytheisme كما يعكسها التفكير الأسطوري لدى الأشوريين و البابليين و المصريين القدماء و اليونان . ومع نضج الفكر الإنساني ستبدأ الإرهاصات الأولى لمرحلة وحدة الإله monotheismeمع أخناتون الفرعون المصري ثم مع الموسوية التي ستؤسس للديانة اليهودية.
التعبد على هذا الأساس توجه معرفي للإنسان يكتسب أمام عجز و نسبية المعرفة الإنسانية بعدا روحيا للاتحاد بالكون عبر كائن أوحد يجمع كل الكمالات التي تنقص الإنسان و تحد من قدراته. الكائن القوي القادر العالم الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور العزيز الرحمان الرحيم الغفور الشكور الجميل.....الخ التعبد هو هيمنة هذا الكائن على روح الإنسان و توجيهه نحو مراتب الكمال النسبية...التعبد هو تمثل هذا الكائن اعتقادا و سلوكا و استبطانه في العلاقة مع الذات و مع الآخرين و مع الطبيعة و الكون بأسره.
لقد اتخذ التعبد أشكالا طقوسية عبر تاريخه فأصبح ديانات معينة لا سيما في الديانات المسماة سماوية . و أصبح أمام هذه الطقوسية يتوارى الجوهر ليحل محله الطقس سواء تعلق الأمر بالعبادات أو التشريعات و لا سيما حين يرتبط التدين بمجموعات بشرية معينة ، فتتركب الأمور ليصبح غياب البعد التعبدي و طغيان البعد التديني مجالا صراعيا بين البشر بل وحتى بين أتباع الدين الواحد. و لا سيما عندما تتطور الوسائل المعرفية للإنسان و لا يعود الدين أو التعبد عموما أداة لفهم الطبيعة و اكتشاف قوانينها بحلول الفكر العلمي كأداة للمعرفة و الإنتاج و السيطرة على الطبيعة. مما سيجعل التعبد شأنا روحيا يلبي ذلك النزوع الإنساني نحو الكمال و الطمأنينة النفسية و سلامة العلاقة مع الآخرين و العيش في انسجام مع قوانين الكون.
أن يتعبد الإنسان بطقوس دين معين مستحضرا الجوهر الروحاني العميق للتعبد لا يجب أن يجعله في عين المتعبدين بطقوس دينية أخرى كافرا أو ملحدا أو خارجا عن الملة. إن المتعبدين مهما اختلفت طقوسهم يعبرون عن جوهر واحد هو التوجه نحو الكمال الذي لا يمكن بلوغه و لكن يمكن استحضاره كمنارة للفكر و للسلوك. إن المتعبدين مهما اختلفوا في شعائرهم يشكلون "أمة" واحدة تتقاسم قيم الحق و الخير و الجمال و تتسلح بالمعرفة و القيم و الوجدان و تسعى إلى تحقيق أعلى درجات التوازن و الانسجام.... و أينما تولوا وجوهكم فتم وجه الله.
أنا متعبد بمعرفتي الساعية نحو الحق و الحقيقة، متعبد بوجداني، بجعل المحبة أساس مشاعري . متعبد بالقيم الكونية التي توحد الإنسان جاعلا من كرامته هدفا أسمى. و هذا التعبد يبعدني عن اعتبار الدين حقلا للصراع و مدعاة للتعصب و مبررا للعدوان و الاعتداء و أكفر بالتكفير مهما كان أصحابه و دعاته دون معاداة وبمزيد من الحوار الحر و المسؤول
 
 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free