http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  مسلسل محمود درويش
 

مسلسل محمود درويش يجعل الشاعر في متناول حتى الأميين
دمشق: سعاد جروس



للشرق الأوسط
هل ستخضع سيرة محمود درويش التي تم البدء بتصويرها لنفس حملات المحاسبة والعداء التي جوبهت بها غالبية السير الذاتية التي صورت للأدباء والفنانين؟ ما الجهود التي يقوم بها فريق العمل لتجنب المنزلقات الخطرة؟ تحقيق يلقي الضوء على الكيفية التي يتم بها التحضير لمسلسل «في حضرة الغياب» والصعوبات التي تواجه صناع مسلسلات السير الذاتية. مع اتساع سوق المسلسلات التلفزيونية، لا سيما في الموسم الرمضاني، تزايد إقبال صناع الدراما في السنوات الأخيرة على السير الذاتية للشخصيات العامة، بغية التنويع وجذب الجمهور بموضوعات مثيرة عن حياة المشاهير. إلا أن نهم المشاهدين للتعرف على الجوانب الخفية للشخصيات لم يحد من اللغط الذي يرافق تلك الأعمال في مجتمعاتنا العربية، ومهما جاء العمل مجاملا على مبدأ «اذكروا محاسن موتاكم» لا فكاك من اتهام بالإساءة والتشويه. أمر لا نراه على الدرجة ذاتها من التشدد في مجتمعات أخرى وبالأخص الأوروبية والأميركية؛ حيث تصنع عشرات الأفلام عن سير ذاتية لشخصيات عامة مختلف عليها عبر قراءة فنية وفكرية تحض على إعادة النظر في تجاربها، وليس فقط الاحتفاء بها والتذكير بإيجابيتها. في حين أن الدراما العربية سينمائية كانت أم تلفزيونية لا تزال مقاربتها للسير الذاتية مغامرة شائكة لا تحمد عقباها. فإذا نجت السير التاريخية، بعد النأي عن كل ما هو إشكالي، من محاكمة المؤرخين وتجاوزت مآزق السياسة والمجتمع، فإن السير المعاصرة قد لا تنجو من استياء الورثة وجمهور المعجبين. كما جرى مع عدة مسلسلات مثل ناصر وأم كلثوم وعبد الحليم وسعاد حسني وليلى مراد وأسمهان. تقول إيمان عمر، مهندسة معمارية: «إن مسلسل أسمهان أساء لها كقامة فنية وأساء لعائلتها وقدمها كشخصية مهزوزة بدلا من أن يعيد إحياء فنها وصوتها». أما مسلسل ليلى مراد فتقول عنه إيمان: «الأداء كان هزيلا.. لم أتعاطف معه أبدا». ولا تدري إيمان سبب الفارق الكبير بين الأعمال الغربية حول السير الذاتية والأعمال العربية، وتستدرك: «ربما لو كانت الشخصيات التي يتناولونها تخصنا ما رضينا عن الأفلام التي تتناول حياتها»!! هناك من يقول إن رضا الجمهور حاجة لا تدرك، فإذا كان الأمر كذلك، ما الذي يدفع كتاب السيناريو نحو أعمال عن سير ذاتية معروف سلفا أنها لن تنال الرضا العام؟ السيناريست قمر الزمان علوش، كاتب سيناريو مسلسلي «نزار قباني» و«أسمهان» ويعمل حاليا على سيناريو «بديعة مصابني»، يقول: «أعمال السير الذاتية تطلب من قبل الشركات المنتجة، ولا يخاطر أي سيناريست بكتابة أي عمل لا سيرة ذاتية ولا غيرها قبل الاتفاق مع الجهة المنتجة. وبالنسبة لي أنا أكتب ما تطلبه مني شركة الإنتاج، وعلى وجه الخصوص السير الذاتية. وعندما أوافق على الكتابة أضع في حسابي أن أعطي النص كل الجهد الممكن والاهتمام اللازم كي يأتي بمستوى يليق بالشخصية موضوع العمل». هذا بالنسبة للسير الذاتية عموما، أما السير الذاتية للأدباء الذين باتوا محط أنظار الدراميين، ففيها مآزق أخرى كأن تكون حياتهم الشخصية خالية من الدراما، مثلا: حياة الشاعر الكبير نزار قباني كما يصفها السيناريست علوش الذي وجد صعوبة في تحويلها إلى مسلسل من 30 حلقة. ويقول: «إن عمل نزار قباني كان مرهقا؛ لأن حياته الشخصية تخلو من الأحداث الدرامية والصراعات التي تتطلبها الدراما؛ فقد عاش حياة معقمة ومريحة تخلو من الفعالية، اللهم إلا إذا كان الشعر وحده مختزلا لهذه الفعالية». ويتابع علوش: «إن حياة نزار قباني يمكن استيعابها في حلقة واحدة أو حلقتين على الأكثر. ولم يكن هناك حل سوى تناول الأحداث التي عاشها في عصره، فتابعت أحداث المرحلة التي عاشها الشاعر وتفاعل مع أحداثها أكثر من حياة الشاعر نفسه». إلا أن القاصة والسيناريست كوليت بهنا ترى أنه عندما «لا تكون هناك قدرة لدى الدراما العربية على تقديم مقاربة موضوعية وصادقة للسير الذاتية، فمن الأفضل عدم مقاربتها، وترك الشخصيات العامة محفوظة ببهائها في الذاكرة الجمعية»؛ لأن تحويل السير الذاتية إلى عمل درامي يتطلب تحقيق عدة شروط برأي بهنا، أولا: «أن تكون حياة الشخصية مليئة بالتحولات الدرامية لا أن يضطر السيناريست إلى اختراعها». وثانيا: «تعهد أصحاب حقوق ملكية السيرة الذاتية بعدم التدخل في العمل». وتقول بهنا: «لكن في حال عدم توافر هذه الشروط فمن الأفضل عدم إنتاج أعمال سيرة ذاتية مهلهلة». حياة الأدباء تختلف عن حياة الفنانين التي تتعيش الصحافة الفنية على فضائحها، وتسجل على مر الزمن مادة درامية ثرية بتفاصيلها عن حياتهم. يتفق مع هذا السيناريست قمر الزمان علوش ويؤكد أن «نمط حياة الفنانين أكثر غنى من الناحية الإنسانية وأكثر صعوبة؛ لأنهم في ظهورهم المباشر عرضة للاحتكاك مع المجتمع، والمواجهة تكون أشد والصراع أقسى في حياة النساء». ومن خلال تجربته في كتابة مسلسل أسمهان يقول: «أسمهان عاشت حياة مليئة بالأحداث الأسرية الشخصية والوطنية وتنقلت في أكثر من مكان، كافحت، تمردت، رضخت للظروف، إلى ما هنالك من مصطلحات تساعد الدرامي على بناء عمارته الدرامية عنها». معرفة ما خفي من حياة الأدباء تحتاج إلى التنقيب في كتاباتهم، وتقليب السطور لقراءة ما وراءها وبما يعين على فهم تجربتهم الإبداعية. فعلى الرغم من كل ما كتب من دراسات وما قدم من أعمال فنية عن جبران خليل جبران لا تزال هناك جوانب مجهولة من حياته، بين فترة وأخرى يكشف عن ملمح منها. وهنا يشير السيناريست والروائي علوش إلى أنه من الصعب الإحاطة بجميع تفاصيل وأسرار حياة الشخصية موضوع العمل التي تفيد الكتابة الدرامية، ويقول: «حتى لو تم التوصل إلى معرفة بعض الأسرار لا يمكن كتابتها؛ لأنها تندرج في إطار الخصوصية، إلا إذا كانت الشخصية قد تركت وراءها أثرا مكتوبا وبالتالي تصبح الأمانة جزءا من اهتمامات العمل». المشكلة أن حياة الأدباء الشخصية التي تتسرب أصداؤها إلى أعمالهم الأدبية، تبقى بعيدة عن الأضواء. فمنهم من يعيش حياة عادية، أو العكس، ومنهم من يعيش حياة ملتبسة مليئة بالأحداث الإشكالية مقاربتها لا شك مضنية، مثل حياة درويش الذي بقدر ما جمع حوله من المعجبين، أثار انتقادات رفاق النضال والقلم، لا سيما ما يتصل بعلاقته مع الرئيس ياسر عرفات، وعضويته في الحزب الشيوعي الإسرائيلي خلال الستينات، وعودته الأخيرة إلى حيفا ومزاجيته الحادة وأهوائه التي قد يكون الحل الأمثل لتناولها فيلما وثائقيا لا عملا دراميا من 30 حلقة تبث في الموسم الرمضاني. السيناريست والكاتب الصحافي حسن م. يوسف، الذي تصدى لكتابة سيناريو «في حضرة الغياب» عن حياة الشاعر محمود درويش، استغرق عمله عامين، قرأ خلالهما إنتاج درويش الأدبي الشعري والنثري كله، وقرأ رسائله ومقابلاته وشاهد الأفلام الوثائقية وكل ما هو موجود عنه، يقول: «أعطيت هذا العمل كل ما عندي من حب ووقت واهتمام». أما الصعوبة التي واجهها فكانت أن محمود درويش شخصية «متكتمة» ويعطي حسن م. يوسف مثالا على ذلك أن «محمود درويش لم يذكر ولا مرة واحدة اسم زوجته التي عاش معها 4 سنوات. وعندما سئل عنها قال: قيل لي إنني تزوجت، ولكنني لا أذكر التجربة»؛ لذلك يقول يوسف إنه دخل إلى عالم محمود درويش «من خلال شعره بالدرجة الأولى والشيء الذي أثر فيه شعريا». كما يبدو واضحا من تحضيرات مسلسل «في حضرة الغياب» أن المنتج والممثل فراس إبراهيم يسعى جاهدا لتوفير كل العناصر اللازمة لاجتياز تحد صعب، بعد هجوم شرس تعرض له بمجرد إعلانه نية القيام بهذا العمل، وذلك بعد فترة قصيرة من وفاة درويش. فإضافة إلى ما كتبته الصحافة لثنيه عن تنفيذ العمل، تشكلت مجموعات في «فيس بوك»، قامت بحملات طالبت بمنع إنتاج المسلسل، أولاها حملة كانت أقرب إلى نداء استغاثة بعنوان «أنقذوا محمود درويش من براثن فراس إبراهيم»، وآخرها لا تزال مستمرة تطالب بالتضامن «معا لمنع فراس إبراهيم من تمثيل شخصية محمود درويش». ولدى إعلان بدء التصوير الأسبوع الماضي أسقط في يد البعض فكتب معلقا في «فيس بوك»: «ما بقي إلا نبوس يد فراس إبراهيم كي لا يمثل شخصية محمود درويش»، و«الله يحمي محمود درويش». الغيرة الشديدة التي أبداها المهاجمون لحماية صورة درويش زادت في إصرار فراس إبراهيم للمضي في تنفيذ العمل، الذي يقوم فيه بدور شاعر يصفه سلفا بالشاعر «الأسطوري»، فبذل كل جهده للتماهي مع الدور إلى حد جعل نغمة جواله مقاطع شعر بصوته. كما استعان بالمخرج نجدت أنزور المعروف بولعه بالصورة المبهرة، وبالسيناريست والقاص المثابر حسن م. يوسف لكتابة النص، وبالموسيقي الفنان مرسيل خليفة صديق الشاعر درويش لوضع موسيقى العمل وألحانه، ولتأدية شخصيته المندرجة في إطار أحداث المسلسل إلى جانب نخبة من ألمع نجوم الدراما السورية. وتؤدي سلاف فواخرجي شخصية ريتا الحبيبة الأشهر للشاعر درويش وغسان مسعود شخصية إدوارد سعيد وسوزان نجم الدين شخصية أم محمود درويش. كما اختير الطفل يزن حاج خميس ذو المواهب الخاصة في حفظ وإلقاء الشعر ليؤدي دور محمود طفلا. كما جرى لقاء بين فراس إبراهيم ومرسيل خليفة مع شقيق محمود درويش وأصدقائه في عمان ونوقشت مسائل تخص العمل. وبحسب المعلومات المتداولة في الصحافة فإن الإنتاج سيكون بتكلفة ضخمة، فقد تم ترميم قرية في محافظة القنيطرة لتكون مشابهة لقرية البروة التي ولد فيها محمود درويش. كما ستقدم الكثير من القصائد المغناة بصوت مارسيل خليفة لحنت خصيصا للمسلسل.

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free