http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  محمد بنيس
 

الشاعر المغربي محمد بنيس يكشف علاقة الجسد باللغة

خالد المنوري
-
عن دار "توبقال" للنشر، وضمن سلسلة ذاكرة الحاضر، صدر، حديثا، للشاعر والناقد المغربي، محمد بنيس، كتاب جديد يضم بين صفحاته مجموعة من النصوص الإبداعية الموسومة بـ"كلام الجسد".
يقع الكتاب الجديد، الذي زين غلافه بلوحة للفنان هيمت، في حوالي 160 صفحة، حملت بين ثناياها 18 مقالا، استهلها الكاتب بمقدمة حملت عنوان "استقبال الشطح"، وختمها بملحق ضم "رسالة إلى الشاعر عبد الله راجع عن هذا المغرب الثقافي" ومقالتين وردت الأولى بعنوان "يوم في حياة محمد بنيس"، بينما حملت الثانية اسم "قصيدة تبحث عن مجهولها."
في هذا الكتاب يشدد بنيس على أن الجسد ممر إلزامي للغة، باعتباره منبع للكتابة، فمن دونه تفتقر الكلمات إلى خلاياها العصبية. تتحول إلى أدوات تدور في الفلك البعيد للمعنى.
في "كلام الجسد" يستخدم بنيس، حسب ما ورد في قراءة للكاتب جهاد الترك، مهاراته الجيدة في التعبير عن دقائق اللغة، في إثبات أن اللغة تولد في مصنع الجسد. تلونها الحواس، ثم تصقلها، ثم ترتقي بها إلى الحد الذي تصبح جديرة بأن تنتسب إلى ملكوت الجسد. هناك، في ذلك المعترك المجهول، لا تعود اللغة هي إياها. تصبح لغة ينطق بها الجسد وحده. تنضم إلى ممتلكاته، إلى ألعابه، التي لا يلجأ إليها بداعي التسلية فقط، بل لينتقل بها، ومن خلالها، من دائرة الوجود الصامت إلى متاهة التعبير الصاخب. يحتاج الجسد إلى اللغة ليقول كلمته في كل شيء. ليعبّر عن حزنه وفرحه، ليعلن استياءه، ليتمرد على نفسه وعلى اللغة أيضا. ليستدرج الإنسان إليه في أعز ما يملك. والأرجح ليشارك في صنع الحضارة أو ليتجرأ على الاعتراف بأنه هو الحضارة نفسها.
وفي هذا السياق، يقول محمد بنيس، في مقدمة كتابه، "كنت، منذ نهاية السبعينيات، وضعت الجسد في مركز القصيدة. لم يكن ذلك اعتباطاً ولا نزوة. كتابات وأعمال دلتني على معْنى الجسَد الواقعي، الحي، في العمل الشعري. وكان ديوان «في اتجاه صوتك العمودي» ثم «بيان الكتابة» شطحا وافدا على القصيدة وعلى فكرتها. هكذا أحسست الجسد وهو ينطق بكلماته الأولى. لم تتأخر آراء معترضة على الإعلان عن نفسها، بحجة الحقيقة الشعرية التي تنتصر للفكرة على الكلمات، للمفهوم على الجسد، أو للحقيقة الإيديولوجية، التي تعبر عن تقدمية مريضة. أنظر اليوم إلى مقاومتي لتلك الآراء المعترضة، فأجد المعرفة وحدها كانت تؤيّدني وتحْميني من الندم أو النكران".
ويضيف "لا شيء أوقف الجسد عن الكلام، ولا منعَ الجسدَ من الاستمرار في اكتشَاف واستكشاف كلامه. سنواتٌ كان الجسدُ يبحَثُ عن كلامه، الذي لم يكن رهن إشارتي ولا موضوعا في حق من أحقاق البلاغة. لا شيءَ من ذلك. كان الجسد هو نفسه الذي يدلني على كلامه، في الكتابة. وأنا أتتبع الصوت وأهتدي بالأثر. وإذا كنت أرى أن الكتابة هي التي لازمت ممارستي الشعرية وغيرَ الشعرية، فإن النصوصَ التي تجتمعُ في هذا الكتاب، كانت تنبثق مرة بعد مرة. معَ الحواس تنبثق. فليس الجسدُ بالنسبة إلي سوى هذه الحواس وهذه الأعضاء، التي بها يحسُّ الجسدُ نفْسه وغيرَه في آن".
وفي المنحى ذاته يتساءل بنيس: "أليس الجسد هو المادة الأولى لحياتنا؟ سؤال يفيد أن الجسد صنو الحياة. فلا حياة دون جسد ولا جسد دون حياة. عندما ينتفي الجسد، نكون أمام الموت. والموت وحده. ولأن الجسد حي، فإن كلامه لا نهائي. كلام الذات التي لا تعْرف الاستقرار. رحيلُها دائم، رحيل في المجهول. ولذلك، فإن الكلامَ، كلامَها، كلام الجسد، مهدد أبدا، من شك إلى شك، ومن مضيق إلى مضيق، حيث الحبسة تتكلّم، والصمت يعيدنا إلى البدئي، وجها لوجه مع ما لا يُسمّى. وليس لكَ، عند ذاك، سوى أن تستقبلَ الشطح الوافد منك عليك، كلاما يمجد الهذيان، ينقلك إلى المنفلت، المتمرّد، المخيف."
ليخلص إلى القول "هكذا يظهر الجسد أمامك في المكتوب، يمتد في متعة وشهوانية لا حدود لهما. تخرج الكلمات على ذاتها. تضيع. فلا شيء غير الليل، فيها وفي الكلام. وأنت لا تدري أي قوة جَذبتك وقادتك إلى هناك. تتبع الكلام في جسدك، تتشظى، بين ليل وليل، حتى لا نهاية لما أنت فيه. ولا علاج لك منْ كلام هو أنفاس الحياة فيك. فلا تندم، ولا تستعجِل.
كلام كان ينبثق في غفلة عني. ويدي كانت تلازم تلك الانبثاقات. مرة بعد مرة تكتب مذكرات، في شكل نصوص لها وضعها الشخصي. لم أمنعْها ولم أتخلّ عنها. تركتها حرة. فهي كانت تفاجئني بعالمٍ مجهول، لا أعرف أين كان من قبل يختفي أو كيف كان يهجم في أوقات مباغتة. توتراتٌ في أقصى حَالاتها. ويدي تكتبُ المنفلتَ، المتمرد، المخيف. كلام ينفجرُ شطحاً بين الأصابع. وأنَا أستقبله. ذلك نفسُه ما يأمر به قارئَه، الذي يقبل بجسد قارئ حيٍّ، يستقبل بدوره كلام الجسد، الشطح، فلا يتخلّى أو يتراجَع. سيكون مع المحسوس، الحيوي، الراقص. وكمَا أن كلام الجسد لا نهائي فإن قراءتَه لا نهائية. لها التوليد والتأويل. وفي كل مرة تدل على فضاءات مقبلة منَ المستقبل، في المستقبَل.
بذلك أمرني كلامُ الجسد، بعد أن استحوذ وملَكَ، في نص، تركيب، كتابَة. هناك، في هذا الكلام، ما يلمع بغير المُطمئن. وأنت تعثر على أنفاس تنتعش، تتعرّى. جسد يتكلم. ولك نعمة أن تكتب".


 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free