http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  لماذا الشعر..؟
 
لماذا الشعر..؟
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في السبت، 25 ديسمبر، 2010 | 0 التعليقات


لماذا الشعر..؟

محمد بشكار
بما أن الشعر منذ فجر الأزل، كان دائماً الرديف الوجودي للإنسان، يعسر على بعض الأقلام الملتوية في رؤوسها المسنَّنة بالقرون الإيديولوجية لـ «نهاية الشعر» ، أن تدمغنا بمعية كل مختبرات التحليلات الدموية والجينية حتى، ببرهان أن الإنسان قد مات أيضاً!؛ وإلا من نكون بكل هذا الدبيب الحياتي الذي ما زلنا نتلمَّس أصدق أنبائه الجوانية، في ما تتناقله جمالياً، مجسات الشعر؟.
الشعر لم يمت، إنما فاض بما انهال على حوضه العميم، من ركامات جلمودية صنعها زمننا العنكبوتي العصيب؛ وانسرح هذا الشعر أبعد من الإطار الكلاسيكي لمفهوم القصيدة، بحثاً عن أراض متنية أشسع في قدرتها الاستيعابية، لنداءات معيشنا المتشظي بين الجمال والقبح؛ وغدونا نقرأ مساحات طللية من الشعر لا تنحَدُّ طبوغرافيتها في الرواية والمسرح والقصة القصيرة، وحتى التشكيل الذي وهب مسانده الآبنوسية، وسائد منفوشة بالنعومة، لأنثى الشعر التي لا يروي ظمأ لذتها لَوْنٌ ؛ يأتي هذا الكَلِمُ عن الحداد الذي يُقمِّطُ مومياء الشعر في العالم، بمناسبة انبثاق كتاب تحت ميسم: «لماذا الشعر: الإرث الأورفيوسي؟» (دار بوكيت الفرنسية، 248 صفحة)؛ وهو لدكتور الفلسفة، الباحث الفرنسي «فابريس ميدال» الذي سلف وألَّف كتاباً عن العلاقة بين الحداثة والفنون تحت عنوان : «فهم الفن الحديث» (دار بوكيت، 250 صفحة)، وله نصوص حول البحث عن الروحانية التي تمزج التجربة الجمالية والتأمل؛ إن هذا الكتاب ليحذونا إلى استحضار قول الشاعر «بول سيلان»؛ «إذا كانت القصيدة بمثابة يد ممدودة، فإن مصافحتها بالقراءة، لا تتبدى مربوحة سلفاً»؛ وهو المعنى الذي حدسه أيضاً «فرانز كافكا» في مستهل القرن العشرين، حين قال: «الشعراء يمدون أياديهم باتجاه الناس، لكن الناس لايرون أياد صديقة، بل يرون قبضات متشنجة تستهدف أعينهم وقلوبهم»؛ إنها عدوانية واستخفاف فظيع بالشعر، مقابل الأعمال الكبرى المزعومة لهذا العالم؛ وبهكذا حافر لا يمهر توقيعه في هامش الأدب، إلا بالركل، يتجلى كم يستبخس بعض المحسوبين على قلة الأدب، من الضرورة الوجودية للشعر، فقط لأن صوته لا يقترعه النّبر الجماهيري؛ أو لأن الشعر لا ينخرط في منطق اللعب السائد اليوم؛ ومع ذلك مازال الشعر موقد الفتيل، وميثولوجياه تنقشع بالدهشة؛ ونذكر أنه حين فاز هذه السنة (2010)، الكاتب الفرنسي «ميشيل هوليبيك» بجائزة الغونكور، عن روايته «La Carte et le Territoire» (دار فلاماريون، 428 صفحة)، أسَرّ أنه طالما وضع الشعر فوق كل الأجناس الأدبية، ويتوق لأن يغدو معروفا أيضا بقصائده؛ ليجزم أن الشعر مازال يقاوم بين الألق والنسيان؛ لكنه يبقى في نظر الرأي العام، فنا مهملا؛ بل كما تألم الشاعر الفرنسي «بول فاليري»: «لدى أغلب الناس، فكرة غامضة عن الشعر، بحيث أن ذات هذه الفكرة الغامضة هي تعريفهم للشعر»؛ ومن أجل تبديد هذا الإبهام الذي يُلفّع الطبيعة الحقيقية للشعر، وإضاءة أرضه المعتمة، يجدر بنا أن نقرأ البحث «لماذا الشعر» للدكتور «فابريس ميدال»؛ فهو ينهمر في هذا الكتاب بالسؤال عن أرومة الشعر، وشروط بقائه في عالم يضج بـ«الثرثرة والخطاب» اللذين يهددان وجود هذا الشعر في كل لحظة؛ لكن الكاتب لا يكتفي بأن يحكي التاريخ؛ من فرجيل إلى أرطو؛ إنما يوغل بالبحث في هذه المقصدية الأبدية التي تؤسس بيت الشعر، عبر العصور والأجناس الأدبية؛ فما هي التجربة الشعرية؟؛ بالنسبة لفابريس ميدال، يجب العودة إلى الأسطورة المؤسسة؛ إلى صورة أورفيوس الذي جازف بالنزول إلى الجحيم للعثور على معشوقته «أوريديس» ؛ تلكم هي وضعية الشاعر؛ أن يعثر على المكان حيث يكمن الجذر، والمجازفة بالنظر إلى العالم المقلوب، وذلك بتعيينه في لغة تجابه الكلام اليومي، منعتقا من كل مشروع تواصلي أو إيديولوجي بذيء؛ لنقل إن الأعمال الشعرية الكبرى التي يتوطّنها هذا الخطر، مثل؛ (دانتي، رامبو، شار، سيلان...» لاتزال، تقاوم هذه الأضغاث أحلام الساذجة، والغنائية البلهاء، وكل ما قد يقرنه الناس بالشاعر حين لا يفهمون شيئا، أو حين يقرأون شعرا رديئا؛ وتحضر هنا شاعرة لا تستشعر لرهافتها ذبحا من فرط ما هي مشحوذة وألمعية، الروسية «مارينا ستافيتايفا» (1941 - 1892)، التي قالت إن الشعر ينطلق من الأرض، وذلك هو الميللمتر الأول من الهواء فوقها، مُعبِّرة عن ثورتها الشفيفة والقادرة على إيقاظها انطلاقا من «رعشة قطرة ماء» (حسب هنري ميشو)؛ ولا شيء أكثر، فالقصيدة يمكنها أن تُشرع درباً جديداً في واقعنا؛ وكما يسهب في الشرح «فابريس ميدال»؛ فالشعر بمثابة حركة أساسية تُحرِّر لنا حسابات المردودية، وتشنُّج المفاهيم، وبلاهة الانفعالات (...) التي تقوم دائما مقام الزاد؛ وما زلنا نلفظ أنفاسنا الأولى في كَلِمِ الشعر، حتى سطرنا بماء المآقي، أن تعريف الشعر هو الشجاعة؛ شجاعة الانعتاق من معرفتنا الصدئة، والدنو أخيرا من التجربة الأصيلة للعالم...


 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free