إتحـاد كتـاب الإنتـرنت المغاربـة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
هل انتهى عصر الصحافة المكتوبة ؟
أرقام وحقائق مفزعة عن أزمة الصحف في أمريكا والعالم
التجديد العربي
السيد زهرة
الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير طلب مني الكتابة عن هذه القضية كان يحدثني عن تقرير قرأه يناقش الأزمة التي تعاني منها كبريات الصحف اليابانية على الرغم من انها توزع ملايين النسخ. قلت له ان حال الصح اليابانية يعتبر جيدا جدا بل ممتازا اذا قارناه بأزمة الصحافة في امريكا
اليوم التي وصلت الى حد مرعب بحسب التقارير المنشورة بهذا الخصوص. قال:
هذا موضوع مهم يستحق ان تبحث فيه وتكتب عنه.
وكانت محصلة البحث هي هذه الصورة التي نقدمها للأزمة الطاحنة التي تعاني
منها الصحافة في امريكا وفي العالم عموما اليوم.
الذي يقرأ التقارير والتحليلات التي تتناول القضية في امريكا سوف يجد
انها جميعا
تحمل عناوين من قبيل "موت الصحافة" و"نهاية عصر الصحافة" و"محنة الصحف"،
و"وداعا للصحافة"، و"هل خسرت الصحافة المعركة؟"، وعناوين كثيرة اخرى تحمل
نفس المعاني.
أزمة الصحافة الامريكية وصلت الى درجة من الخطورة بحيث فرضت نفسها على
جدول اعمال الكونجرس الامريكي. في 21 ابريل الماضي، عقد مجلس النواب
جلسات استماع لمناقشة الازمة في ابعادها المختلفة وما الذي يجب عمله
ازاءها. وفي خلال ايام سوف يعقد المجلس جلسات استماع اخرى.
بالطبع، الصحافة المقصودة هنا هي الصحافة الورقية المطبوعة، وليس أي
اشكال اخرى للصحافة.
وأزمة الصحافة في امريكا هي صورة لأزمتها في العالم كله في حقيقة الأمر،
بما في ذلك الصحافة في الوطن العربي. ومن هنا اهمية ان نعرف ابعادها
بالضبط، واسبابها، وما الذي تعنيه بالنسبة للدولة والمجتمع بصفة عامة.
***
الأزمة
ما هو المقصود بالضبط عند الحديث عن أزمة الصحافة في امريكا؟
الأزمة لها ابعاد ومظاهر كثيرة جدا، لكن يمكن تلخيص اهم ابعادها ومظاهرها
المباشرة فيما يلي:
* عشرات من الصحف الأمريكية ماتت بالفعل، أي توقفت عن الصدور، او هي في
طريقها للموت.
مثلا: الصحيفة العريقة "كريستيان ساينس مونيتور" (عمرها 101 عام)، والتي
تعتبر اكبر مصدر للأخبار والتحليلات العالمية في امريكا توقفت طبعتها
اليومية عن الصدور. صحف يومية كبرى اخرى مثل "شيكاغو تريبيون" و"لوس
انجليس تايمز" و"فيلادلفيا انكوايرر" اعلنت انها في حالة افلاس ومن
الممكن ان تتوقف عن الصدور. صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" تخسر مليون
دولار اسبوعيا وسوف تتوقف. صحيفة "روكر ماونتين" في دنفر، توقفت. الصحيفة
اليومية في سياتل "تايمز" على وشك التوقف. وايضا صحيفة شيكاغو "سان
تايمز" ونيوارك "ستار لدجر" على وشك التوقف. وفي نيويورك، الصحيفتان
اليوميتان "ديلي ميل" و"رجستر ستار" اوقفتا طبعتي الاحد والاثنين. صحيفة
"سياتل بوست انتلجنيس" توقفت. وهذه مجرد نماذج لعشرات الصحف التي توقفت
عن الصدور او على وشك التوقف.
وفي الفترة القليلة الماضية، اعلنت شركة تربيون مثلا، التي تمتلك صحف
"شيكاغو تربيون" ولوس انجليس تايمز، "التيمور صن" انها بصدد اعلان
افلاسها قريبا.
غير ان التطور الذي اثار فزع عالم الصحافة في امريكا، كان اعلان صحيفة
"نيويورك تايمز"، كبرى الصحف الامريكية مؤخرا ان ديونها بلغت 400 مليون
دولار.
ومنذ ايام، اعلنت مجموعة "ايه سي ان" الصحفية، التي تنشر عشرات من الصحف
والمجلات في اربع ولايات امريكية، انها سوف تعلن افلاسها، وذلك بعد ان
بلغت ديونها 136 مليون دولار.
* بالطبع في خضم هذه الازمة، اقدمت الصحف على اجراءات تقشفية شديدة
القسوة في محاولة للبقاء على قيد الحياة. هذه الاجراءات اتخذت مظاهر
كثيرة مثل اغلاق مقار ومكاتب صحفية، واغلاق مكاتب في الخارج، وتقليص
اعداد الصفحات.. الخ.
غير ان الاجراء الاشد قسوة تمثل في الاستغناء عن اعداد هائلة من العاملين
في الصحف. والصورة هنا قاتمة جدا.
تشير الاحصاءات الى انه في عام 2008 وحده، تم الاستغناء عن 16 الفا من
العاملين في الصحف.
وفي الاشهر الاولى من العام الحالي، استغنت صحيفة "لوس انجليس تايمز" عن
300 من العاملين فيها ، و"ميامي هيرالد" عن 205، و"اتلانتا جورنال" عن
156، و"هارتفورد كوارنت" عن 100 و"سان دييجو تربيون" عن .90 واعلنت "ستار
ليدجر" انها سوف تستغني عن 40% من العاملين فيها. ومجلة كبرى مثل مجلة
"تايم" اعلنت انها سوف تستغني عن 600 من العاملين.
واعلنت مؤسسة جانيت، التي تمتلك 85 صحيفة يومية انها سوف تستغني عن 10%
من الثلاثة آلاف عامل لديها.
وقدرت احدى المؤسسات المعنية بشئون الصحافة في امريكا انه في عام 2009،
سوف يتم الاستغناء عن 25% من العاملين في الصحافة في امريكا.
وفي اطار هذه الأزمة الطاحنة، اصبح الكثيرون في امريكا يتحدثون عن ان
مدنا امريكية كثيرة سوف تصبح قريبا بلا صحف محلية.
هذه باختصار شديد الابعاد والمظاهر الاساسية المباشرة لأزمة الصحافة
الامريكية اليوم.
***
الأسباب
السؤال الذي يجب ان يطرح بالطبع هو: كيف وصل الحال بالصحف الأمريكية الى
هذه الحال؟ ما هي الاسباب التي قادت الى الأزمة الطاحنة التي تعاني منها
على هذا النحو؟
بطبيعة الحال، الاسباب المباشرة التي اوصلت الصحف الى هذه الحال تتعلق
بأوضاعها المالية وما وصلت اليه من تدهور.بعبارة ادق، تتعلق بالانخفاض
الكبير في عائدات الصحف ومواردها المالية.
الارقام العامة بهذا الخصوص تشير الى انه في عام 2008 وحده، انخفضت عوائد
الصحف الامريكية الاجمالية بنسبة 23%. وهو انخفاض كبير جدا.
اما كيف حدث هذا الانخفاض؟ فمعروف ان عوائد الصحف تأتي من مصدرين كبيرين،
هما، التوزيع والاعلانات. وفيما يتعلق بالمصدرين معا، شهدت كل الصحف
الامريكية تراجعا كبيرا جدا.
فيما يتعلق بالتوزيع ومعدلاته، تشير الاحصاءات الى ان توزيع الصحف
اليومية الامريكية انخفض من 2،55 مليون نسخة في عام 2002 الى 7،50 مليون
نسخة في 2007، أي بنسبة انخفاض بلغت 8%.
حدث هذا قبل ان تتفجر الازمة الاقتصادية الحالية. أي ان الوضع اصبح الآن
اسوأ بكثير جدا.
وهذا التراجع في التوزيع هو اتجاه مطرد في السنوات الماضية. فعلى الرغم
من ان السكان في امريكا زادوا بنسبة 23% في العقدين الاخيرين، فان توزيع
الصحف تراجع في نفس الوقت بنسبة 20%.
بالطبع، تفاوتت نسب التراجع في التوزيع من صحيفة الى اخرى. في الاشهر
الماضية، تراجع مثلا توزيع "لوس انجليس تايمز" بنسبة 5%، و"شيكاغو
تريبيون" بنسبة 7،7%، و"بوستون جلوب" بنسبة 1،10%، و"فيلادلفيا انكوايرر"
بنسبة 11%، و"فيلادلفيا ديلي نيوز" بنسبة 2،13%، و"اتلانتا جورنال" بنسبة
6،13%.. وهكذا.
اما الكارثة الكبرى التي حلت بالصحف، فتتعلق بالتراجع الرهيب في حصيلة
الاعلانات.
دخل الاعلانات يمثل نحو 80% من عوائد الصحف في امريكا، وفي كل الصحف بصفة
عامة.
وتشير الاحصاءات هنا الى ان دخل الصحف الامريكية من الاعلانات انخفض من
8،15 مليار دولار في عام 2003 الى 10 مليارات في عام .2008 أي بنسبة
انخفاض بلغت 37%. وهي نسبة مهولة.
وخلال الربع الاول من العام الحالي، شهدت حصيلة الاعلانات انخفاضا اضافيا
كبيرا مقارنة بالعام السابق. فقد انخفضت حصيلة الاعلانات بالنسبة لكل
الصحف الامريكية بنسبة 30%.
اذن، الانهيار الذي حدث في المصدرين الاساسيين لعوائد الصحافة على هذا
النحو، أي التوزيع وحصيلة الاعلانات، هو السبب المباشر وراء ازمة الصحافة
في امريكا اليوم.
***
المعركة
بداهة، يبقى التساؤل مطروحا: وما هي الاسباب التي التي قادت الى هذا
الانخفاض الهائل في مصادر عوائد الصحف؟ لماذا انهارت اعداد التوزيع
وتراجعت حصيلة الاعلانات على هذا النحو الكبير جدا؟
الحديث هنا يطول. وهو حديث عن تطورات جذرية هائلة شهدها العالم في
العقدين الماضيين على اصعدة شتى.
لكن يمكن القول ان ثمة ثلاثة عوامل وتطورات كبرى بصفة خاصة يتم الحديث
عنها عند التطرق الى ازمة الصحافة في امريكا وفي العالم:
العامل الأول: يتعلق بوسائل الاعلام الجديدة وبالاخص الانترنت، ودورها في
ازمة الصحافة.
القضية هنا ان الكثيرين يعتبرون ان الانترنت، هو واحد من اكبر التطورات
التي قادت الى ازمة الصحافة الورقية الحالية. يعتبرون ان الصحافة تخوض
معركة شرسة مع منافس شديد الضراوة هو الانترنت.
اما كيف اضر الانترنت بالصحافة على هذا النحو وقاد الى ازمتها، او كان من
اكبر العوامل، فمن اكثر من زاوية.
من جانب، قدم الانترنت اشكالا جديدة من الصحافة ، اكثر اتساعا واكثر
تنوعا ، واكثر تعبيرا عن قطاعات اكبر بكثير جدا من تلك القطاعات التي
تخاطبها الصحافة الورقية.
خبراء الاعلام يطلقون على صحافة الانترنت "صحافة المواطن" في اشارة الى
المعاني السابقة.
ومن اخطر الادوار السلبية للانترنت في تأثيرها على الصحافة، اجتذابه
لقطاع كبير جدا من سوق الاعلانات. وقد كان هذا فيما يرى الخبراء عاملا
كبيرا وراء انهيار حصيلة الصحف من الاعلانات على نحو ما اوضحنا.
ومع الانترنت، وايضا وسائل الاعلام الاخرى كالفضائيات التي انتشرت في
العالم بشكل هائل، فقدت الصحافة الورقية واحدا من اكبر مصادر قوتها.
والمقصود بهذا السبق الخبري. طبعا باستثناء المصادر الخبرية الخاصة
بالصحيفة. فأي حدث يحدث في أي مكان في العالم، اصبح بمقدور المتصفحين
للانترنت او المتابعين للفضائيات ان يتابعوا وقائعه لحظة بلحظة بعد ثوان
من وقوعه او في نفس لحظة وقوعه.
اذن ومن هذه الزوايا وغيرها، اعتبر الكثيرون ان الانترنت هو الخصم الاول
للصحافة في معركتها من اجل البقاء والاستمرار.
ومع هذا، فان آخرين يرون ان المشكلة ليست في الانترنت وما يشكله من
منافسة، وانما تكمن في عجز الصحافة التقليدية عن التطور بما يتلاءم مع
العصر الاعلامي الجديد.
العامل الثاني: يتعلق بتوجهات الاجيال الجديدة في العالم كله
واهتماماتها.
الفكرة الجوهرية هنا ان اجيال الشباب في كل انحاء العالم لم تعد تهتم
كثيرا بقراءة الصحف الورقية. اصبحت تميل اكثر فأكثر الى التعامل مع
الانترنت ووسائل الاعلام البديلة الاخرى.
هذا على الاقل هو ما اظهره كثير من الدراسات الاستطلاعية التي جرت في
امريكا ودول العالم الاخرى بهذا الصدد. وهذه الدراسات اظهرت ان قطاعات
الشباب المهتمة بمتابعة الاخبار والتحليلات السياسية في دولها وفي العالم
اصبحت تعتمد اكثر فأكثر على الانترنت.
المشكلة هنا ان هذا الاتجاه يتزايد عاما بعد عام.
بمعنى انه في كل عام يكتسب الانترنت مثلا ملايين جديدة من المتعاملين معه
من الشباب. وبالمقابل تخسر الصحافة الورقية ملايين جديدة من قرائها.
هذا الواقع هو الذي دفع كينشي مياتا، كبير محرري صحيفة "اساهي"
اليابانية، التي توزع 8 ملايين نسخة لأن يقول: "انني اعمل في صناعة
تحتضر. والسبب الاساسي ان الشباب لا يقرأون الصحف".
العامل الثالث: يتعلق بالطبع بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح
امريكا والعالم كله.
والأزمة عمقت جراح الصحافة وأزمتها على كل المستويات.
فمن جانب، هي عامل اساسي وراء الانخفاض الكبير في حصيلة الاعلانات، حيث
اصبحت مختلف المؤسسات والشركات اكثر تحفظا في اوجه انفاقها، ولم يعد
بمقدورها بشكل عام ان تمول الحملات الاعلانية كما كان الحال في السابق.
ومن جانب آخر، اثرت الازمة بطبيعة الحال بشدة على القدرة الشرائية للقراء
الذين فقد عشرات الملايين منهم في العالم وظائفهم اصلا، وتراجعت دخولهم
بشدة بشكل عام.
***
وما هي المشكلة؟
وما هي المشكلة اصلا؟ ما هي المشكلة اذا انهارت الصحافة الورقية او حتى
ماتت؟
قد يبدو التساؤل غريبا ، ولكنه مطروح.
البعض ممن يعتبرون انفسهم من المؤمنين بالتقدم التكنولوجي وضرورة مسايرة
العصر يعتبرون انه ليست هناك مشكلة كبيرة تستحق كل هذه الضجة. بعبارة
ادق، يعتبرون انه ليس هناك ما يستحق ذرف الدموع عليه حين تنهار الصحافة.
في رأي هؤلاء ان هذه هي سنة الحياة التي يجب التسليم بها. وفي رأيهم ان
انهيار الصحافة الورقية او حتى موتها لا يعني موت "الصحافة" عموما وانما
شكل واحد من اشكالها. فسوف تبقى اشكال "الصحافة" الاخرى ممثلة في صحافة
الانترنت وغيره، وهي "صحافة" اكثر عصرية ومسايرة للتقدم.
هذه وجهة نظر مطروحة، وان كان الذين يتبنونها ليسوا كثيرين.
لكن في مواجهة هذا، فان الكثيرين جدا في امريكا وفي كل انحاء العالم
يعتبرون ان هذه الأزمة الطاحنة التي تعاني منها الصحافة هي تطور في منتهى
الخطورة يهدد الدول والمجتمعات، ويطلقون صيحات التحذير ويدقون ناقوس
الخطر مطالبين بحتمية العمل على تجاوز هذه الأزمة وحلها، وانقاذ الصحافة.
والامر لا يقتصر هنا كما قد يظن البعض على الصحفيين او الناشرين او
العاملين في مجال الصحافة عموما، وانما يمتد الى الساسة والاساتذة
والمفكرين وكل المعنيين بشئون المجتمع.
هؤلاء في رؤاهم وفي مواقفهم دفاعا عن الصحافة ودعوة الى انقاذها من
ازمتها، يقدمون عشرات من الحجج القوية لا نستطيع ان نعرض لها تفصيلا هنا،
ولكن سنكتفي بذكر بعض منها:
أولا: ان انهيار الصحافة يعني في جوهره ضربة قاصمة للديمقراطية، وموتا
لركن اساسي من اركانها.
الكثيرون يستعيدون هنا المقولة الشهيرة لتوماس جيفرسون، عنما قال: "اذا
كان عليّ ان اقرر الاختيار بين ان تكون لدينا حكومة من دون صحف، او ان
تكون لدينا صحف بدون حكومة، فلن اتردد لحظة في ان اختار الخيار الثاني".
في هذا السياق، وتعليقا على الازمة الراهنة للصحافة الامريكية، كتب نيل
هنري، عميد كلية الصحافة في جامعة كاليفورنيا يقول: ان ركنا اساسيا من
اركان ديمقراطيتنا يختفي امام اعيننا، سواء ادرك الرأي العام ذلك ام لا.
وكتبت مجلة "نيسن" الامريكية الشهيرة تقول: الصحافة تنهار، ومع انهيارها
تأتي اكبر التهديدات للديمقراطية وحكم القانون كما تفهمه الولايات
المتحدة.
ثانيا: ان "صحافة" الانترنت او أي صحافة اخرى، لا يمكن ان تكون بديلا
للصحافة الورقية المحترفة، ولا يمكن ان يحل احد محل الصحفيين المؤهلين
المحترفين في الصحف الورقية.
ذلك ان "صحافة" الانترنت قد تكون اكثر تنوعا، وقد تكون اكثر جذبا لقطاعات
من القراء، لكنها في حالة فوضى، وهي اجمالا صحافة تتسم بالخفة والضحالة
وحتى التفاهة في كثير من الاحيان. وهي صحافة لا تهتم كثيرا بالتدقيق
وتقصي الحقائق كما هو الحال مع الصحافة الورقية.
ثالثا: ان الانترنت ووسائل الاعلام الاخرى تعتمد في واقع الامر على
الصحافة الورقية. بمعنى ان الانترنت واجهزة الاعلام هذه تتبع الاجندة
التي تحددها الصحافة الورقية فيما تناقشه من قضايا وما تطرحه.
ومن ثم، فان انهيار الصحافة الورقية، سوف يقود الى انهيار اشكال الصحافة
الاخرى، وسوف يجعل شرعية ومصداقية اجهزة الاعلام الاخرى محل شك.
رابعا: ان انهيار الصحافة الورقية وتراجع دورها سوف يعني غياب اداة
اساسية من ادوات الرقابة على الاداء الحكومي. وسيعني هذا بالضرورة
استفحال الفساد واستشراءه في المجتمع بصفة عامة.
هذا هو ما اكدته دراسات علمية تم اجراؤها.
على سبيل المثال، في عام 2003، نشرت مجلة "جورنال اوف ايكونوميكس" دراسة
هامة لثلاثة من الباحثين البارزين تناقش العلاقة بين الفساد وبين "حرية
توزيع الصحف اليومية لكل فرد"، وهو معيار يربط بين توزيع الصحف وحرية
الصحافة.
والنتيجة التي انتهت اليها الدراسة هي ان العلاقة وثيقة. بمعنى انه كلما
انخفضت حرية توزيع الصحف اليومية في بلد، ارتفعت معدلات الفساد، والعكس
صحيح.
نفس النتيجة انتهت اليها دراسة اخرى اجريت في الولايات المتحدة في عام
2006، اذ اثبتت ان نمو وتزايد الصحف عامل اساسي في تقليل الفساد الحكومي.
خامسا: ان انهيار الصحافة الورقية لا يعني فقط استشراء الفساد الحكومي
وفي المجتمع عامة، وانما يعني ايضا استشراء الفساد الاعلامي.
الفكرة هنا كما يثيرها خبراء الاعلام والسياسة هي ان صحافة الانترنت على
تنوعها، الا انها اكثر تحيزا، وهي اكثر عرضة لأن تكون صحافة مأجورة.
ذلك انه نظرا لغياب الرقابة، ونظرا لعدم تدقيق صحافة الانترنت فيما ينشر،
فانه من السهل جدا شراء كثير من مواقع الانترنت وتجنيدها للترويج لمواقف
ووجهات نظر متحيزة لصالح هذه القوة او تلك، وهذه الجهة او تلك، والتي قد
تكون مدمرة لمصالح الدولة والمجتمع.
وبهذا، المعنى، فان انهيار الصحافة الورقية سوف يعني فساد الاعلام نفسه.
***
هذه اذن، وبأشد ما يكون الاختصار في الحقيقة، اهم ابعاد ازمة الصحافة في
امريكا والعالم اليوم، واسبابها ونتائجها.
هل انتهى عصر الصحافة اذن؟
الاجابة على وجه اليقين: لا. لم ينته ولن ينتهي.
هذا الجدل حول نهاية عصر الصحافة هو شبيه بالجدل حول: هل الكتاب
الاليكتروني سوف يقود الى نهاية الكتاب الورقي؟ وهو حتى شبيه بالجدل
القديم الذي اندلع عندما ظهر التليفزيون، وهل سيقود ذلك الى نهاية عصر
الراديو؟.. وهكذا.
لكن الامر الذي لا شك فيه كما رأينا ان ازمة الصحافة الآن ازمة عميقة
وخطيرة فعلا.
كيف يمكن ان تتجاوز الصحافة هذه الأزمة؟
هنا، فان عشرات الافكار والرؤى مطروحة من جانب الخبراء والاساتذة
المختصين في الاعلام والسياسة، ومن جانب العاملين في الصحافة. وهي افكار
ورؤى تتعلق بالمهنة نفسها وكيف يمكن تطويرها في العصر الحالي، كما تتعلق
بدور المجتمع والدولة في معالجة الأزمة.
الحديث هنا يطول جدا. وقد نعود اليه في حديث آخر
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|