http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  هل هو زمن القصة القصيرة في المغرب؟
 
هل هو زمن القصة القصيرة في المغرب؟
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 21 ديسمبر، 2010 | 0 التعليقات
هل هو زمن القصة القصيرة في المغرب؟
عبد الرحيم الخصار

للقصة المغربية خصوصياتها لكن طبع المجاميع على حساب الكاتب لا يوحي بازدهار حقيقي
في الوقت الذي انشــغل فيه المشرق العربي منذ سنوات بالخطابات التي تتــبنى شعار «زمن الرواية» يبدو المغاربة اليوم كأنهم مشغولون بزمن آخر، ليس زمن الرواية ولا زمن الشعر، إنه ربما «زمن القصة القـصيرة»، فالشكل الذي تظهر به القــصة الــيوم في المغرب يوحي بأنها صارت ديـوان المغاربة، هذا إذا نظرنا إلى عدد كتّـابها وكاتباتــها الذي يتزايد باستمرار، وإلى عدد الأنشطة الثقـافية المقامة من أجلها، وعدد الإطارات التي تشتغل عليها نقدا وإبداعا وتنشيطا. لكن هل يكفي هذا لنقول إننا نعيش زمن القصــة القصيرة بالمغرب؟
ما موقع القصة المغربية اليوم بين مثيلاتها في العالم العربي؟ وهل التجريب هو السمة الوحيدة التي تميز النصوص المغربية؟ ما رأي القصاصين والنقاد في هذا التجريب؟ ما الذي يعانيه هذا الجنس الأدبي من إكراهات من حيث التداول والنشر في زمن تتغير ملامحه بسرعة؟ وهل وجدت القصة مكانا شاسعا لها بين زحمة الشعر وطول ظل الرواية؟
هل استطاعت القصة المغربية أن تفرز جماليات نوعية خاصة بها تؤهلها لتشكيل مدرسة سردية في العالم العربي؟ والجيل الجديد هل هو فعل جيل مبتكر أم أنه اعتدى على القصة حين كسر عمودها الفقري - أقصد الحكاية -؟
هل هو فعلا زمن القصة في المغرب أم إنها مجرد احتفالات وبيانات ومهرجانات فيما تظل القصة نفسها وحيدة في البرد وبعيدة عن كل هذا الضجيج؟
تختلف رؤى الكتاب المغاربة، فالروائي والقاص محمد عز الدين التازي – أغزر الكتّاب المغاربة إنتاجا - يرى أن الإبداع الحقيقي هو الذي يعيش كل الأزمنة في زمنه الخاص، عبر المراهنة على التجاوز والتخطي، كفعلين أساسيين يوجهان مسار الكاتب داخل تجربته الخاصة وداخل ما يكتبه غيره من الكتاب، إذ يبدو هنا – حسب التازي - أن الإبداع الأدبي إذا لم يكن تجديديا فهو قائم على التكريس، وإذا لم يكن يحمل قلقه الخاص بمجتمعه وتحولاته وببناء الأشكال، فهو قائم على التقليد.
ومن تجربته الخاصة يعلق صاحب (أبنية الفراغ): «ربما أجد نفسي ميالا إلى زمن الرواية في المغرب، على الرغم من انشغال تجربتي في الكتابة بكتابة الرواية والقصة القصيرة معا، فقد أصدرت – إضافة إلى كتبي في الحقول الأخرى - تسع مجموعات قصصية، وأنا ما زلت، ومنذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، مواظبا على كتابة القصة القصيرة، ولدي مجموعات قصصية لم تنشر بعد، ذلك أن سحر القصة القصيرة، وتصيدها للحـظات والمحكيات والمعاني، وشعرية لغتها، وقدرتها على التكثيف، واحتفاءها باليومي وبالمتــذكر والمحلوم به، تجعل لها جاذبية وسحرا خاصين، ومتعة في الكتابة».
طفرة
أما أنيس الرافعي أحد قصاصي الجيل الجديد فيرى أن المغرب يعرف ظاهريا طفرة حقيقية في مجال القصة إذا ما استندنا إلى ما شهده خلال العقدين المنصرمين من سيرورة وحراك ودينامية من مؤشراتها الأساس: البيانات، التيارات، الإطارات، الملتقيات، الإصدارات، المواكبة النقدية والمجهود الترجمي، لكنه يجيب على سؤالنا بأسئلة أخرى: «هل يتوفر المغرب على قاص عالمي واحد؟ وما هي مساهمتنا كمنجز في السلم القيمي لمنجز القصة الكونية على صعد التقنيات والنظائر العليا للكتابة ضمن ﺃحيزة هذا الجنس؟ وكم عدد نصوص القصة المغربية التي ترد بين تضاعيف المختارات أو اﻷنطولوجيات التي تصدرها دور النشر الكبرى في بريطانيا وأميركا وفرنسا وأميركا اللاتينية؟ ولماذا تستنكف وتحجم وزارة الثقافة على تمثيل البلد خارج الحدود بواسطة كتاب القصة؟ ولماذا رفض اتحاد كتاب المغرب غير ما مرة تنظيم مهرجان سنوي للقصة العربية والمتوسطية، وتحويل إحدى المدن إلى عاصمة للقصة؟ ولماذا ينشر القصاصون مؤلفاتهم على حسابهم الشخصي أو خارج الوطن في الدور المشرقية إذا كان المغرب يعرف كل هذه «الطفرة»؟
الخيال السردي
لكن كلام الرافعي والتازي لا ينفي أن الزمن في المغرب اليوم يكاد يصير زمن القصة، هذا ما يراه الكاتب مبارك حسني: «نعم تحضر القصة القصيرة بقوة وتتبوأ مكانة خاصة ومميزة، كتابها كثر، جمعيات مخصصة لها، إطارات ترعاها، مهرجانات تقـام لها هنا وهناك، المجاميع القصصية تخرج من المطابع تباعا، مع قياس واعتبار الظرف والفارق، فأخيرا أطلق عنان الخيال السردي من عقاله، ومن الطبيعي أن يحدث هذا، الانخراط في العصر يمر عبر بوابة القدرة على الحكاية. كل بلدان العالم المتقدمة لها إنتاج أدبي قصصي رفيع وكثيف ومتنام، ولا أقصد أميركا وأوروبا فحسب، بل الصين وكوريا والبرازيل، ولم تعد القصة القصيرة تشعر ببعض «الدونية» و«القصور» اللذين كان البعض يلصقها بهما».
يؤكد هذا الكاتب أن الزمن الحالي هو زمن القصة، لكنه يتساءل عمّا إن كان الأمر سيظل كذلك لمدة أطول، وفي الوجهة ذاتها يؤكد الكاتب المغربي المقيم بأميـركا نور الدين محقق أن القصة القصيرة لم تعد مجرد محطة إبداعية في الطريق إلى الرواية، فقد عرفت في السنوات الأخيرة طفرة نوعية تحتاج إلى المزيد من التوقف النقدي الجاد والمسؤول، ومتابعتـها بشكل مستمر ومتواصل إذ «هناك أسماء أدبية جديدة تكتب القصة القصيرة بكثير من العـمق والجمالية من دون أن تحـظى بأية متـابعة نقدية أو تغطيـة إعلامـية هي جـديرة بها، الشيء الذي قد يجعــل الرؤية ضـبابية وتحتاج إلى ضوء كبير حتى تأخذ مساحتها من الإبصار».
ويلاحظ نور الدين محقق أن عدد القصاصين المغاربة في تزايد مستمر معلقا «هذا طبعا شيء إيجابي لا سيما أن أعمالهم القصصية تتوفر على الكثير من الرصانة والجدية سواء على مستوى التيمات التي تطرحها أو على مستوى التقنيات الجمالية التي تنهجها».
وتفسر القاصة مليكة نجـيب هذا الحضور القوي للقصة اليوم بكون هذا الجنس الإبداعي يطابق الزمن السوسيوثقـافي الذي نعيشه لكونه يلتقط الجزئيات المتفــرقة ويقدم صورة من الصور في لحظة زمنية، وهو سرد مكثف ومختصر وهذا يوافق غياب ذلك الوعي الكلي الذي يدرك السياق التاريخي في شموليته، كما تجد مليكة تفسيرا موازيا لذلك، وهو دور الصحافة عبر ملاحقها الثقافية حيث تخصص حيزا مهما لنشر القصة القصيرة وهذا ما لا يتأتى للرواية مثلا.
وعن حمى التجريب في المغرب تقول مليكة نجيب: «أنا لا أهتم بأن يكون النص تجريبيا أو تمرينا أو واقعيا أو رومانسيا، ما يهمني أساسا هو المتعة التي يخلقها لدى الكاتب والقارئ، فالنص الذي لا يحرك السواكن ولا يحول المتخيل إلى خيال ولا يبدل أوهاما بأوهام أكثر سعة ورحابة لن يكون له مكان» وتضيف: «الإبداع يكمن في تلك القدرة على تحرير العمل الإبداعي من نظامه الخاص بطرائق خاصة كذلك، وإذا كان هذا هو مسعى متزعمي التجريب، فسنكون بحق أمام جيل مجدد ومبتكر ومبدع، أما أن ننـساق مع ردود الأفعال أو التنطع لعباءة الشيــخ والتنكر له، فأعتقد أن ذلك لن يأتي بقيمة مضافة ولن يؤثر إيجابا على العمل الإبداعي في حقلنا الثقافي».
زمن القصة
ويبدو للكاتبــة حنان درقاوي أن زعــم الكثيرين بأن الزمن زمن القصة كلام مبـالغ فيه، و ترى أن قراء الأدب في الغالب هم الكتّاب أنفسهم، إذ كيف يمكن أن نعيش زمن القصة القصيرة – تقول درقاوي - وسحب القصص لا يتجاوز ألف نسخة؟ وحتى الكــبار كمحمد زفزاف مثلا كان يسحب خمــسة آلاف نسخة، لكي نعيش زمن جنس أدبي ما يجب أن تكون قاعدة التلقي كبيرة وأن تقرأنا ربة البيت العادية، لكن ربات البيوت المغربيات أميات في أغلب الأحوال.
تضيف صاحبة (طيور بيضاء): «الأمية وإغراق الأسواق بثقافة صفراء من جهة ثم صدور مجاميع يستعصي على الجميع فهمها من جهة أخرى يجعلني أتحرز من القول إننا نعيش زمن القصة».
تتوقف هذه الكاتبة المقيمة في فرنسا عند أزمة النشر، نشر المجاميع القصصية تحديدا «الناشر لا ينشر إن لم يكن يعرف الكاتب أو يعرف من يعرف الكاتب، في حين أن مهمة الناشر الحقيقية هي التعريف بمن لا نعرفهم، لهذا يلجأ أغلب القصاصين إلى النشر على نفقتهم الخاصة وتقاسم المبيعات مع شركة التوزيع وهذا واقع كاريكاتوري في بلد بالكاد يخرج من الشفاهية إلى المكتوب».
أما عبد الحميد الغرباوي أحد شيوخ القصة في المغرب فيرى أن «الزمن ليس زمن القصة القصيرة أو القصيرة جدا، كما قد يبدو للكثيرين، وهو ليس بالتأكيد زمن القصيدة أو الرواية، بل هو زمن الكبوات والإحباطات والدسائس والشللية، والحسابات الضيقة والنفاق، واللهاث وراء المكاسب الشخصية، وعليه، فالزمن ليس زمنا إبداعيا خالصا».
ولا يعتدّ الغرباوي كثيرا بهذا الحشد الهائل من الأسماء التي تكتب القصة، فهو لا يعتقد أن القصة القصيرة تعيش أزهى أيامها بل عكس ما يتبادر للرائي، إنها تعيش فوضى، ويرجع هذه الفوضى إلى كون كل من حلم بإصدار كتاب إبداعي، يمتطي ظهر القصة القصيرة، إنها – على حد تعبيره - حمار الإبداع، لا يتورع أي كان على امتطاء ظهره بحجة الالتحاق بسوق الكتابة الإبداعية أو حلقة الحكي، وعليه «فليس كل من أصدر مجموعة قصصية بغلاف براق هو مبدع وقاص».
الناقد عبد الرحــيم مؤدن يلوم الجيل الجديد من الكتّاب الذين استغلوا غيــاب أو شـلل الحركة النقدية القائمة على التحليل المنهجي مما أسهم في تفريخ متابعات صحفية سريعة تجعل من محاولة قصصية أولى عند كاتب مبتدئ فتحا إبداعيا، يضيف مؤدن: «ومن السلبيات المنتشرة في الساحة الثقافية في هذا السياق ازدياد حدة الشللية عند الكتاب الجدد، فالكثير منهم حمل معاول الهدم لكل ما سبق، وانطلق في نبش قبور العقود السابقة بسادية تثير أكثر من سؤال».
كما يرى أن العديد من التجــارب المكتوبة من قبل المرأة وما يحيط بها من كتابات موازية «سقطـت في النسوانيــة والسيــاسوية وتحويل النص القصصي وسيلة لمعــركة شرعية لها أدواتها وخطاباتها ومنها الخطاب القصصي».
أما القاص عبد العزيز الراشدي فيرى أن القصة المغربية قوية بفعل الأقلام التي تُقدّم هذه القصة في المنابر العربية وتساهم في إيصال صوتها في الملتقيات وتمثلها من خلال الجوائز المهمة. ويبدو له التجريب أحد أقوى سمات القصة المغربية، إلا أنه ليس السمة الوحيدة التي تميّز نصوصنا عن نصوص المشارقة، ذلك أن «الخصوصية المغربية واللغة العربية المغربية التي تسري في جسد النصوص، والروائح والأمكنة وعلاقات الناس، وكل السمات التي استطاع الكثير من قصاصينا بثها في النصوص تساهم في تقريب النصـوص إلى القارئ المختلف، وتعطيه صورة وافية عن الواقع المغربي وأدبه».
يضيف صاحب (زقاق الموتى): «الحديث عن مدرسة في القصة المغربية ممكن، بل وضروري جدا، بعد الاقتراحات الجمالية المهمة التي صاغها أحمد بوزفور في معظم نصوصه، وقبله محمد زفزاف والأمين الخمليشي وادريس الخوري الذين كتبوا بلغة عربية مغربية وتتبعوا تفاصيل الحياة. وبعد كل ذلك الاجتهادات الرائدة لجيل جديد بكامله يكتب في الريــح والبرد من دون كلل، لأن الكتابة بالنسبة له أصبحت شأنا وجوديا، لا يريد منها سوى تواب الله وخدمة الأدب. القصة بهذا المعنى مرتاحة ودافئة وتتطور، لكن القاص يرتعش من البرد وأخشى أن يصاب بالزكام».
عن صحيفة السفيراللبنانية
(الرباط)


 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free