http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  لماذا تراجع العرب؟
 

الثقافة العربية وصدمة المستقبل
لماذا تراجع العرب؟

د. عبدالله تركماني

بداية، يطرح واقع الثقافة العربية مجموعة تساؤلات: ما هي أهم إشكاليات الثقافة العربية؟ وهل هناك تفسير لأسبابها؟ وما هي التحديات الجديدة التي تطرحها العولمة على الثقافة العربية؟ وهل نستطيع أن نبلور أسئلة تساهم في تحديد استراتيجية ثقافية مجدية؟ لقد عرّضت الثورات المعرفية والتكنولوجية والمعلوماتية العالم العربي لما يسمى بـ 'صدمة المستقبل'، بكل ما تنطوي عليه من تحديات وأخطار تمس الكيان العميق للأمة العربية. وتزداد الأخطار تأثيراً بسبب ما يعانيه الكيان العربي نفسه من عوامل الضعف المتمثلة في: انتشار الأمية، وتخلّف برامج التربية والتعليم عن حاجات المجتمعات العربية ومتطلبات العصر، ونقص الحريات، وانعدام المشاركة الشعبية الحقيقية والفاعلة، وعدم شمولية السياسات الثقافية، وضعف الصناعات الثقافية، وسيادة الإعلام السطحي. فضلاً عن عوامل أخرى تتصل بالسياسات الثقافية العربية، مثل: ضعف التخطيط الثقافي قطرياً وقومياً، ومحدودية الاهتمام بالثقافة في النطاق العربي وبإشعاعها خارج العالم العربي وبصلاتها مع الثقافات المعاصرة. إنّ النظام الثقافي العربي ساهم، إلى حد بعيد، في إبعاد العرب عن دائرة المشاركة الفعلية في النظام الثقافي الكوني، وجعلهم أسرى الثقافة الاستهلاكية. وفي المقابل، حوّل الثقافة التراثية إلى قلاع مُغلقة تحاول تسوير نفسها خوفاً من رياح التغيير، وتحتمي وراء التقليد وترديد مقولات السلف الصالح. ولا شك أنّ أزمة الثقافة العربية هي جزء لا يتجزأ من أزمة الدولة الوطنية من جهة. وهي من جهة ثانية، أزمة بنية ثقافية عربية تندرج في إطار بنية اقتصادية ـ اجتماعية تتسم بالركود والتأخر والتبعية. مما يسمح لنا بأن نطرح السؤال المقلق الذي أثاره الأمير شكيب أرسلان في مطلع القرن العشرين: لماذا تراجع العرب وتقدم غيرهم؟ وتساؤلَ عبدالله العروي في كتابه 'الأيديولوجية العربية المعاصرة' عن واقع الثقافة العربية، وتفسيره أزمتها بأنها أزمة وعي، أو بالأحرى أزمة انعدام الوعي بواقعها الخاص. على أنه في كتابه 'مفهوم العقل' الصادر عام 1996، انتهى إلى أنّ أزمة الفكر العربي هي أزمة الفعل في منهجه العقلي، أو بالأحرى أزمة انعدام الفعل. أي أنّ أزمة الثقافة العربية المعاصرة تتمثل، في وجه من وجوهها، باختلال العلاقة بين الوعي والفعل، بين الوعي المنقوص والفعل العاجز، بين التوفيقية الملتبسة وافتقاد القدرة على الحسم. وفي زمن العولمة، فإنّ طبيعة المخاطر المهدِّدة للثقافة العربية لا تتعلق بعمليات العولمة وتداعياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، بقدر ما تتعلق بمدى قدرة هذه الهوية الثقافية على تجاوز أزمتها، خاصة ما يتعلق منها بالتنمية الشاملة وتوسيع إطار الديمقراطية، وتعزيز مؤسسات المجتمع'المدني، وتفعيل قيم الحوار والتعددية، وقبول الرأي والرأي الآخر، وتوفير حرية البحث العلمي، وإنشاء نظام تعليمي مختلف عن النظم القائمة حالياً في الأقطار العربية، مختلف في مادته وفلسفته، يقوم في الأساس على تأهيل وإعداد كوادر تعليم عالية المهارات، واحترام عقل المتلقي، وتوفير وسائل تمكينه من الاستيعاب الناقد للمعلومات والآراء وإبداع الأفكار، واختصار الزمن في مناهجنا التعليمية، وإطلاق العنان للطاقات الشابة في كل المجالات لكي تفكر وتبدع وتعزز ثقتها بإمكانياتها. وللخروج من هذه الحالة الضعيفة للثقافة العربية، خاصة في ظل ثقافة العولمة، لا بد من التأكيد على مجموعة جوانب مترابطة للتغيير الثقافي، الذي يمكّننا من القطيعة مع التأخر والانطلاق إلى مسارات النمو والتنمية الذاتية: (1) ثقافة الدور أو الواجب الحضاري، أي إحياء فكرة الإعمار التي هي من أهم الأرصدة الثقافية للحضارة العربية - الإسلامية، بما هي واجب الإنسان في الكون. خاصة وأنّ القول قد حلَّ محل الفعل في أداء رسالة الدور الحضاري في ثقافتنا العربية، حين اطمأن العرب إلى دورهم في الماضي، فعكفوا على تمجيده، دون الإضافة إليه. (2) ثقافة الامتياز والإنجاز، إذ أنّ الفائزين في المنافسة الحضارية هم مَنْ يسعون لتحقيق أعلى معدلات وأرقى مستويات الأداء في مجالات الحضارة المختلفة، وبخاصة مجالات الإنتاج والاقتصاد. وتتطلب ثقافة الأداء والامتياز التأكيد على معنى رئيسي وهو أنّ العالم قد هجر التفاخر بالأصل، والنوع، والهوية، وجعل القيمة الحقيقية اللازمة للاحترام والهيبة هي الإنجاز. (3) الانفتاح والمبادرة الإيجابية، حيث أنّ الانكماش واتخاذ موقف الدفاع حيال ما يسميه البعض بـ 'الغزو الثقافي' هو استراتيجية بائسة وفاشلة تماماً، فلم تعد الاستراتيجيات الدفاعية قادرة على إنقاذ الذات الحضارية من الهزيمة أو التبعثر، وإنما صار الأمل الحقيقي في الصمود رهناً بالتعلم واستيعاب وإتقان ما لدى الآخرين من رصيد المعارف وفنون الإنتاج، ثم في الثقة بالذات والشعور بالواجب الحضاري، وإصلاح شؤوننا الداخلية بعدما فسدت وتدهورت. وهكذا، يبدو واضحاً أننا أحوج ما نكون إلى إعادة صياغة الخصوصية الثقافية العربية، بمعنى أننا في أمسِّ الحاجة إلى عملية إحياء ثقافي، فالثقافة العربية الراهنة تمرُّ في مرحلة انحطاط وردة واضحين«'فهناك استفحال للخطاب الماضوي الذي يجهد في محاولة إرجاع العالم العربي إلى العصور المظلمة، ويحفّزه على التشبث بمرجعية ماضوية، وكأن الماضي ينبغي أن يحكم الحاضر والمستقبل. وانطلاقاً من المعطيات، الموصوفة أعلاه، ثمة أهمية كبرى لصياغة استراتيجية عربية للحوار مع الثقافات الأخرى، مما يستدعي القيام بدور نقدي مزدوج: الاستيعاب النقدي لفكر الآخر، بمعنى المتابعة الدقيقة للحوار الفكري العميق الذي يدور في مراكز التفكير العالمية، وفي العواصم الثقافية الكبرى. والنقد الذاتي للأنا العربية، باعتبار أنّ ذلك هو الخطوة الأولى في أي حوار ثقافي جادٍّ. وهنا تبرز مهمة المثقفين بالتوجه إلى الحداثة كهدف وككل متكامل، بما ينطوي عليه ذلك من تبنّي لسلطان العقل على النقل، والفصل بين الديني والسياسي، والتخلّي عن الشعارات والأوهام، وفهم اتجاه الحقبة التاريخية المعاصرة، والدعوة إلى التحديث السياسي باعتباره المدخل الحقيقي لأي تحديث آخر، والدفاع عن المواطنة التي قوامها المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، والتمسك باحترام الحق في الاختلاف انطلاقاً من نسبية المعتقدات والقناعات حسب قول الإمام الشافعي 'رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب'. ومن المؤكد أنّ العنصرية الصهيونية المتجددة في فلسطين قد وضعت الأمة العربية ـ مرة أخرى ـ على المحك، حين لم يتمكن المثقفون العرب من الوصول في مستوى تعبيرهم عن مساندة الشعب الفلسطيني باتجاه إنشاء مؤسسات ثقافية يكون في رأس مهماتها الوصول إلى الضمير العالمي للكشف عن تجليات هذه العنصرية بحق الشعب الفلسطيني. د. عبدالله تركماني

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free