http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  قراءة في 'حكايات صور'
 
قراءة في 'حكايات صور'
كتبها : مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في الثلاثاء، 4 يناير، 2011 | 0 التعليقات


قراءة في 'حكايات صور'
لشرف الدين ماجدولين:
من البورتريه الأدبي إلى التأويل النقدي
د. محمد المسعودي
 
عرفت الساحة الثقافية المغربية والعربية الكاتب شرف الدين ماجدولين ناقدا وباحثا جادا ومجتهدا في ممارسته النقدية عبر كتبه التي أصدرها ومقالاته التي نشرها في منابر أدبية مختلفة، وها هو وجه الناقد المتمرس بالكتابة السردية قديمها وحديثها يكشف عبر كتابه الأخير 'حكايات صور' عن مقدرة إبداعية في كتابة البورتريه ومناوشة الكتابة السردية الإبداعية. فما ملامح كتابة البورتريه عند شرف الدين؟ وما القضايا التي تتناولها هذه البورتريهات؟ وبماذا تتميز تجربة كتابة البورتريه عند الناقد عن كتابات البورتريه الأدبي لدى بعض كُتابه الآخرين من المبدعين؟ وما ملامح التأويل النقدي في الكتاب؟
يضم الكتاب بين دفتيه ثلاثة أقسام: حمل القسم الأول اسم 'وجوه'، وهو القسم الذي اشتمل على بورتريهات ترتبط بالشخصيات الأدبية الآتية أسماؤها: محمد برادة وعبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي ومحمد شكري وأحمد المديني وعبد الكريم الطبال ومحمد بنعمارة. وتعد هذه الصور السبع عبارة عن محكيات سردية ورسوم فنية لبعض خصوصيات هذه الشخصيات الإبداعية والإنسانية منظورا إليها من خلال رؤية ذاتية للكاتب/الناقد شرف الدين ماجدولين، وهي تعكس تفاعله مع هذه الشخصيات وتمثلَه لها ذهنيا ووجدانيا.
 


وإضافة إلى اشتمال الكتاب على هذه الحكايات التي أثارتها صور شخصيات مختلفة في ذاكرة ووجدان الكاتب نجد قسمين آخرين في الكتاب ضم أحدهما تفصيلات ترتبط بالمكان أو الكتابة أو ببعض المجلات التي أدت أدوارا هامة للثقافة العربية؛ وهو القسم الذي حمل عنوان 'تفصيلات' وهو أقصر فصول الكتاب. أما ثاني هذين الفصلين فقد سماه الكاتب 'تأويلات' ويضم قراءات نقدية في أعمال إبداعية (رواية وسيرة) ونقدية وفكرية عديدة، ويمكننا تصنيف مقالات هذا القسم حسب ما يلي:
-في الرواية: تم تناول ثلاثة أعمال وهي: طوارق والمرأة والصبي ولحظات لا غير.
-في السيرة: ضمت قراءات في خواطر الصباح، وعن إدوار سعيد رواية للأجيال.
-في النقد الأدبي: نجد قراءة في غواية التراث وفي آفاق نقد عربي معاصر.
-في الفكر: نعثر على قراءات حول الدولة الجذابة وبدايات والعين والمرآة.
-في وصف المدن: نلقى قراءة واحدة بعنوان: التراث وروح المجال.
بعد جرد أقسام الكتاب وتحديد جوانب من محتوياته، نعود إلى طرح السؤال الذي سألناه من قبل:
ما ملامح كتابة البورتريه عند شرف الدين؟ وما القضايا التي تتناولها هذه البورتريهات؟ وبماذا تتميز تجربة كتابة البورتريه عند الناقد عن كتابات البورتريه الأدبي لدى بعض كُتابه الآخرين من المبدعين؟
للوقوف على هذه العناصر التي أشرنا إليها في هذه الأسئة نأخذ نموذجا من الكتاب للكشف عن تجليات كتابة البورتريه نصيا، ثم نجمل أهم النتائج التي نصل إليها في الأخير.
يقول الكاتب متحدثا عن عبد القادر الشاوي:
'... حين أحاول اليوم أن أستعيد الظرف الاستثنائي الذي تعرفت فيه إلى اسم 'الشاوي'، تختلط لدي الصور والمواقف والفضاءات، دون أن أفلح في انتشال نقطة ضوء واحدة من سديم التفاصيل، ويكاد يهيأ لي أنني وجيلي ممن انحدر من تلك المدينة القصية في خريطة الوطن (شفشاون)، امتزجت في خلايا أذهاننا تفاصيل المدينة بأسماء ونصوص كتاب كـ:'عبد الكريم الطبال' و'محمد الميموني' و'عبد الحميد عقار' و'عبد القادر الشاوي'...، وسرعان ما أضحى قسط كبير من ولعنا بهذا الفضاء وارتباطنا به إحساسنا بالانتماء إلى تلك الأسماء، واكتشافنا المبكر لانغراس المدينة في متخيلهم ووجودهم الذهني، وفرحنا الدائم بالشعور بالمواطنة المشتركة.'(ص.28-29)
نلمس من خلال النص كيف يعبر الكاتب عن بداية تعرفه على اسم الشاوي في سياق امتزاج حضور هذا الاسم إلى جانب أسماء أخرى شكلت وجدان وذهنية جيل الناقد من أبناء مدينة شفشاون. ولعل الإحساس بالانتماء إلى هذه الأسماء هو الذي حرك ولع هذا الجيل بمدينته وفضائه، إلى جانب ولعه بالمعرفي والثقافي. وبهذه الكيفية يركز الناقد في هذا البورتريه على القيمة الرمزية للشخصية المتحدث عنها ويربط هذه القيمة بالمكان؛ وإضافة إلى ذلك يلح على مدى التأثير الذي خلفه في نفسيته وذهنيته ثلة من مبدعي المدينة الصغيرة الذين جعلوا منها معلما هاما من معالم المغرب المعاصر ثقافيا على الرغم من أنها مدينة قصية في خريطة الوطن. وعبر هذا البورتريه الثقافي الذي لا يكتفي بتقديم الشخصية من خلال شكلها الخارجي أو عن طريق سرد ذكريات ربطت الذات الكاتبة بها، يستطيع شرف الدين تشكيل سمات أخرى للبورتريه حينما يجنح إلى توسيع دائرة اشتغال هذا الفن ليقف عند التأثير المعرفي والذهني والوجداني الذي تتركه الشخصية المتحدث عنها في الكاتب وفي جيله أو في بيئته ووسطه، بل إنه يرصد، أحيانا، مدى تأثير صاحب البورتريه في واقع الثقافة المغربية أو العربية أو الإنسانية. ولصياغة هذه البورتريهات يجمع الكاتب بين لغة السرد بطابعها الحكائي ولغة النقد التأملية/ العقلانية، وعبر هذا المزج بين اللغتين يتمكن من منح نكهة حية للبورتريه الثقافي الذي يصوغه بنوع من الفرادة والتميز يختلف عن البورتريهات التي كتبها بعض المبدعين.
لنتأمل جميعا هذا المقطع من نصه حول عبد اللطيف اللعبي:
' أتمثل الآن ذلك الإغراء الرهيب الذي جعلني أحول مسار رحلتي مستجيبا لدعوة الكاتب الكبير لمرافقته إلى الرباط، أستحضره على نحو شبيه بالصور التي التقطتها ذاكرة اليفاعة من 'يوميات قلعة المنفى' و'تجاعيد الأسد'، ففي ثنايا الاسترجاع التخييلي، اكتشاف جديد لقدرة التجاوز، وتثبيت لأحاسيس يتربص بها البعد والغياب. من هنا، تحدوني الرغبة، فترة بعد أخرى لاستعادة دفقات الحبور التي اجتاحتني وأنا أستمع إلى اللعبي، وأتابع بنهم ثرثرته الوديعة، وهو يقود سيارته البيضاء الصغيرة، وكأن في الاقتراب من تلك اللحظة الهاربة، احتماء من الزيف والابتذال، برهنة للذات على أن الأدب بحث عن التوازن الأخلاقي، وجدلية مطردة بين الخطاب الصادق والاختيار النقدي في الحياة وبين الناس.'(ص.25)
إن المتأمل في هذا النص يجد أن الكاتب يسرد تفاصيل هامة عن رحلته رفقة عبد اللطيف اللعبي نحو مدينة الرباط، وهو يستعمل في هذا السرد لغة وصفية مشهدية إلى جانب لغة تصور أفعال الشخصية وحركاتها. وفي نفس الآن يربط اللحظة بالاسترجاع والتخييل، لكنه يأبى في الأخير إلا أن يختتم هذا البورتريه بنغمة نقدية تأملية تربط تلك اللحظة الإنسانية الحميمة بين الناقد وبين الشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي إلى لحظة تأمل نقدي وفكري تبين أهمية التوازن الأخلاقي وجدلية الخطاب الصادق والاختيار النقدي في الحياة وبين الناس باعتباره خيارا عقديا طالما آمنت به الشخصية المتحدث عنها وانطلقت منه في كتابتها الإبداعية.
نستنتج من خلال كل ما سبق أن فن البورتريه عند شرف الدين ماجدولين يتميز بعدة سمات نجملها في العناصر التالية:
- الإمساك ببعض السمات الإنسانية المميزة لدى كل شخصية من الشخصيات التي يرسم الكاتب صورتها.
- التركيز على بعض اللحظات الحميمة: لحظات القربى والتفاهم والارتباط الوجداني والإنساني بالشخصية المتحدث عنها سواء كان الاتصال مباشرة أو عبر قراءة أعمالها الإبداعية والفكرية.
- العناية بالجوانب التي أثارت الكاتب في الشخصية التي يعرض صورتها كما تمثلها في ذهنه ووجدانه سواء عن طريق معرفتها مباشرة أو عبر التفاعل مع كتابتها وإبداعها.
- الإصرار على ربط المعرفي/ الثقافي بما هو إنساني في أبعاده الشاملة والعميقة من خلال البورتريه.
- ربط الشخصية بالفضاء الذي تنتمي إليه وما تمثله من رمزية في علاقتها بالمكان.
- الحرص على سبك لغة النصوص، وعلى جمال التصوير باعتبار أن البورتريه فن تصويري ينبغي أن تهيمن عليه الوظيفة الجمالية.
- صياغة البورتريه في لغة سردية/ حكائية وعبر نبرة تأملية/ نقدية تشي بالاشتغال الأساس للكاتب.
وفي الأخير نركب المعطيات السابقة في عجالة:
إذا كان القسم الأول من الكتاب عبارة عن بورتريهات ذات طابع سردي/ حكائي يقدم معلومات هامة عن شخصيات عرفها الكاتب عن قرب وعايش لحظات إنسانية معها قوامها المشاركة في الهم الثقافي وتقاسم معاناة الكتابة والإبداع؛ فإن القسم الثالث من الكتاب خاصة يبرز فيه الطابع التأويلي والمقدرة النقدية اللذان يعدان أساس اشتغال شرف الدين ماجدولين الذي راكم عددا لا بأس به من الأعمال النقدية، وما زلنا ننتظر منه الكثير من العطاء في مجال النقد الأدبي.

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free