http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  قراءة في "نقش في الحرف
 
كتابة الموقف، وموقف الكتابة في القصة القصيرة جدا
قراءة في "نقش في الحرف "(1)




حميد ركاطة

خاص بمجلة كتاب الإنترنت المغاربة
لم أصادف خلال مقارباتي  النقدية المتواضعة ، موقفا جعلني أشعر فيه بنوع من التردد  بل بالحيرة والصعوبة في العثور على خيط رابط للتقريب  بين وجهات نظر أو إبراز المشترك بينها ، فالصعوبة الكبرى تكمن في كون عشرة  نصوص للمبدع الواحد ولا سيما أنها نصوص قصيرة جدا ومن  باكورات أعمال  يفترض أن تكون على درجة عالية من الدقة والعمق وهو  أمر لا يتوفر حتى في مجموعات قصصية مستقلة ما يجعلها تطرح إشكالات متعددة ، فنحن لسنا إزاء وجهة نظر مستقلة بقدر ما نحن  إزاء آراء خمسة كتاب وخمسة مواقف ووجهات نظرهم ، وإزاء محاولاتهم الأولى في كتابة القصة القصيرة جدا فمساءلة النصوص بهذا الطرح لن تكون  بمعزل عن أصحابها بشكل محايد وهو تعامل قد
يدفعنا إلى الاختيار بين  مساءلة النصوص أوتقديم بورتريه  كل كاتب على حدة انطلاقا  من نصوصه  أو  مما سيمكننا على الأقل من البحث عن الجوانب المشتركة بينه وبين غيره ، وقد نتعامل مع المجموعة  بشكل  مختلف  في النهاية .   وهي محاولة لعتق هذا الاصدار الجماعي في محاولة لتقريب القارئ العربي من مضامينه ، فالمجموعة حسب وجهة نظر أصحابها محاولة للانعتاق  وإبراز الذات ومن وجهة نظر الكاتب الذي قدمها ' تجربة لها أن تستمر .. وأكيد سنكون مدعوين في القريب للإحتفال بخمسة أسماء أدبية وخمس مجموعات قصصية بدل مجموعة واحدة وخمسة أسماء" (2).
إن هذه المعادلة ستفرض علينا معالجتها في إطارها الخاص وفي سياق تتبع الانتاج الأدبي المغربي والعربي ، وكونها تؤرخ للحظة ومرحلة وبدايات خمسة أسماء لها حضورها افتراضيا  وازنا  وكذلك بمساهمتها في تنشيط الحقل الثقافي من خلال اشتغالها الجمعوي الهادف وهو أمر جاء نتيجة لتنوع اهتمامات أصحابها "زجل / تشكيل / القصة القصيرة / القصة القصيرة جدا / تنظيم ملتقيات ومهرجانات وطنية خاصة بالشعر والقصة .. شعاع استمد  وهجه من إرادة شخوص هاجسهم الأساسي البحث عن موطئ قدم في المكان الصحيح   كي لا يخطئوا موعدهم مع التاريخ الأدبي للبلاد  يقول الدكنور عبد الدايم السلامي ". ولكنّ الخشيةَ، كلَّ الخشية، أن يبالغ كتّاب هذه القصة القصيرة جدّا في مسألتَيْ التكثيف والاختزال حتى تصير القصة عندهم عبارة عن جملةٍ تامّةٍ أو بعضِ جملةٍ يُترَكُ أمرُ إتمامِها إلى القارئِ. لأنّنا نرى السردَ عامّة، وخاصة منه سرد القصة القصيرة جدا، مطالبٌ بتقديم مادّة لغويّةٍ للقارئ فيها بعض لحمِ الحكيِ وبعضُ شحم المحكيّاتِ وإلاّ تحوّلت القصة القصيرة جدا إلى رياضة كتابيّة بسيطة ولاهية يستطيعُ أيٌّ كان ممارستها دون خوفٍ ولا محاذيرَ( عبد الدايم السلامي).(3)
وللإشارة فالمجموعة صادرة عن دار التنوخي للنشر والتوزيع سنة 2010 تحتوي على خمسين نصا قصصيا قصيرا جدا وهي من الحجم المتوسط ولوحة الغلاف  من إنجاز القاص والزجال والتشكيلي الأستاذ مصطفى طالبي  مع تقديم للمبدع الكبير الأستاذ عبد الحميد الغرباوي .
فماهي الخلفيات الإبداعية لهذا العمل وما الجديد الذي قدمته للفن القصصي المغربي  ؟
لقد  رمنا من خلال هذا العمل تقديم منجزه على شكل بورتريهات فردية بحثا عن قاسم مشترك .
عبد الغني صراض (4).
كتابة هذا المبدع تؤشر بسخرية على واقع الانسان العربي وحقيقته المرة ،وهي تميط عن وجهه أقنعة الزيف والخداع و تعيد تشكيل هويته انطلاقا من إبراز حقيقته .فهو مواطن يهدر كرامته / تاريخ بلاده /قيمه... بحثا عن  مصلحته الخاصة . إننا في مواجهة كائنات ورقية تغتصب حقوق الآخرين وهي تقدم  نفسها بوجوه وديعة . في نص خدعة (ص 20 )يقول السارد:" اقتلع جميع مخالبه ..قدمها عربون سلام إلى الطرائد،في  طريق عودته كشر عن أنيابه مبتسما".
إن هذا الليث  البشري هو نتيجة لواقع الهدر وانهيار القيم  نموذج بشري يعكس  صورة  وطن ضائع بين الخيانات المتكررة  والمفاوضات التي يضحى فيها طرفا يوقع على بياض الورق الذي سيحمل أسوأ القرارات التاريخية، صورة نلمسها في نص "اغتصاب" يقول السارد :" أخبر باغتصاب  أرضه ..أرعد غضبا استنفر عمومته ..توعد بمحاكم الدنيا .. وفي غفلة من الجميع ..استل قلما .. ووقع على بياض .."( ص 19 ).
إننا إزاء كائنات مستسلمة بدون هوية تائهة تبدى عكس ما تبطن  ما يبرز انشطاريتها وانفصامها كحال المواطن " صالح " الذي " ثارت ( ثائرته) وأقسم أنه سيقاطع الضرائب  ومفسدي هذا المجتمع .. ولما سكت الغضب (عنه) لم يجد نفسه إلا صالحا" (ص 14).انها شخوص سلبية لا تقدر على  المواجهة والفعل أو التأثير ما يجعلها  خارج نطاق الواقع المنشود شخوص تعيش على الهامش تبدد زمنها بالحث عن زمن آخر ، في نص مواطنة للبيع نلمس  عمق الانهزام الإنساني   وتفاهة الوطن الذي لم يعد يمثل بالنسبة لأصحابه سوى بقعة مجهولة أو رقما مبهما في معادلة خاطئة  محيلة على تيه مفتوح وحيرة مطلقة ، حيث يشعر المرء بالفراغ القاتل وبعدم جدواه وفعاليته ندرك أن الإقدام على بيع الذمة أو المواطنة  أمر من قبيل الانتحار عن طواعية يقول السارد " على يافطة عريضة ضمنها رقم هاتفه كتب " مواطنة للبيع" مر يوم ..شهر ..دهر ..عاد إلى اليافطة فوجد أرقام هواتف أخرى '' ص 15.
فأهم القضايا التي تناولتها قصص  المبدع عبد الغني صراض انحازت بقوة لتعرية جانب الانهزام الإنساني وضعف الصلة بالوطن وقضاياه ما يبرز نوعا من الانهزامية  ، وانهيارا للقيم ولحب الوطن بالخصوص التساؤل عن نوع الوطن المنشود ،  لكن بدورنا هل تساءلنا  ولو لبرهة عن  المواطن الذي ننشده للوطن ؟ وعوض التساؤل عما قدمه لنا الوطن لا بد من عكس الطرح و التساؤل عما  قدمنا لهذا  للوطن ؟ 
محمد أكرد الوريني (5)
حاول القاص محمد أكراد الورايني اللعب على تيمتين من خلال نصوصه بحيث اشتغل على عالم المرأة ومحيطها وعلاقتها بالجنس الآخر وكذا تقديم القصة من خلال محاولته فتحه آفاق متنوعة ( القضية الفلسطينية / الهوية العربية ..) فمن خلال حوارات نصوصه مع نصوص مجايليه من المبدعين نجد أن طريقة تناول القاص أكراد الوريني تقدم النص القصصي بطريقة هادئة  يناور من خلاله السارد إلى العصف بانتظارت المتلقي وإبراز المختلف  والمغاير وهو يحلق نحو طرح ثالث لم يكن منتظرا كما هو الأمر في هذه القرائن السردية " رهان ص 25 / إعجاب  ص 27 وهم ص 28  بحيث أن استغوار العوالم الداخلية جعلت من ذات المرأة موضوعا ومن مقالبها إطارا تناور داخله بحثا عن ذاتها، ماهيتها وبالتالي كينونتها. فنحن بقدر ما نلمس صراعا نفسيا، نلمس في ذات الآن نتائج سريعة تبرز في المكر والدهاء والقدرة في التغلب على  الاندفاع والرعونة   والقوة. في نص "وهم" نلمس هذا الوضع الساخر الذي  بني بشكل متواز واصفا شخصا من شخوص النص في إطار يبرز قوته ودهاءه ،لكن في واقع الأمر نلمس أنها كانت خدعة أوهمنا السارد بها لكسب تعاطف الواحد على حساب الآخر لندرك  في النهاية  أننا كنا كبطل النص  في قبضة الوهم ونحن تحت تأثير امرأة تتقن الخداع. يقول السارد: " قدم لها هدية عيد زواجهما ، وحين كان يراقصها سألها عن إحساسها ،وقالت له أنها تسمع دقات قلبه تنطق اسمها ..ابتسم وقال في نفسه طيبة أنت وواهمة كالعادة .. أما هي فكانت تردد في خلدها كلاما آخر " ص 28.
إن ممارسة التشريح النفسي واستنطاق الصور الصامتة وإبراز صخبها  وضجيجها، يبرز صراعا وتطاحنا  ونفاقا متبادلا يعكس المزاج والطبيعة النفسية ،كما يعكس سطحية الاعتقاد في الحب وموت القيم الأخلاقية وهو ما يبرز الصورة المهزومة لمنظومة بأكملها وقد جسد نص " رسم"( ص 33) هذا الوضع بكون العلاقات الزوجية أو الغرامية وبالتالي الإنسانية، غالبا ما تبحث عن الوضع النشاز والمخالف للمألوف. فالخبث والترصد والشك والخيانة هي العملة الرائجة . يقول السارد: " أنهى رسمها بمخيلته ، ثم بحث عنها طويلا .. حين لقيها ، وجدها ترسم في مخيلتها وجه رجل لا يشبهه "  كما يطرح القاص محمد أكراد الوريني من خلال بعض نصوصه التي اتخذت سمة القصة الموقف للتعبيرعن القضية الفلسطينية واستماتة  شعب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وفي نفس الوقت يبرز صور العربي الذي يبحر ضد التيار والقيم والمواقف، ما أعلن نوعا من الاستنفار والقلق في مواجهة أخطر  قضايا عصره على الإطلاق كما هو الأمر في نص "عملة صعبة جدا " ص 31 وفي نص " يوميات طيار إسرائيلي " (ص 32 ) يبرز الوجه المقاوم للشعب في مواجهة مغول العصر الحديث  من خلال نص اتخذ شكل يوميات ما جعلنا نلمس ملل الجلاد في مواجهة ضحاياه .. وتدمره من عدم القضاء عليهم بصفة مطلقة  فرغم القصف اليومي المكثف والإبادات الجماعية لا يتم القضاء عليهم ليعلن الاستسلام.  يقول السارد:  " بعد هبوطه من طلعاته لقصف غزة وأهلها ، كان طيار إسرائيلي يسجل يومياته على مفكرته .
ـ اليوم الأول : طلعة مباغتة ..قصف مكثف ..قتل بالجملة ..
ـ اليوم الثاني : سحق ..دك ..تدمير وقتل ..
ـ اليوم الثالث :  قصف ..قصف ..قصف.
ـ اليوم الرابع : قتل ,,قتل ,,قتل ..
ـ اليوم الخامس ..كلل ..ملل ..وعلم مرفرف ..
ـ اليوم السادس : شعب لا يموت ..

 
 مصطفى طالبي الادريسي ( 6)
تنحى قصص مصطفى طالبي  نحو إبراز عمق الانهزام الإنساني وخبله وهي تميط اللثام عن اللا جدوى من استمرار الحياة. فهي ترصد التسلط والضعف والهشاشة والجنون ، ولعل نص " وثنية " يمكن اعتباره من أجمل نصوصه العشرة لما توفرت فيه من قوة وعمق وبلاغة وإيجاز  يقول السارد " اجتث قلبه . عصره من الدم ..ركنه ..لما تحجر ..صار يعبده". 
إنها وضعية الإنسان المهزوم في مواجهة أفكاره القاتلة التي تعصف به، وتحيله كائنا آخر موت العقل والإنسانية والتسلط ضد النفس  تسلط  بقدر ما هو غريزة وحشية يتم اللجوء إليها كلما ضعف الآخر ، قد تنتج انطلاقا من تأسيسها من طرف الآخرين ، فالشعوب مثلا هي التي تصنع الزعماء، في نص "الابريق" (ص 38 ) نلمس هيبة السلطة والتسلط والزعامة والشموخ الذي يفرز القوة بقدر ما ألفناها نعتبرها من صميم طبيعة المتسلط، بل وضمن مهامه ما دامت هناك أياد أخرى هي المتحكمة في ما يجعل الصبر والتحمل لضعفه نابعا  من خصوصية مكانته الاجتماعية وجبروته. يقول السارد: " في الصينية ..جلس شامخا ..متعاليا ..قوي البنية ..منتفخ البطن ..أصلع الرأس .. غليظ القلب .. مقعدا في جلسته ..ينتظر اليد الخادمة ، التي تعينه كي يصب جام غضبه .. على الكؤوس الملتفة من حوله "
كيف تتحول  الفرحة إلى مأساة حقيقية ؟ وكيف يقدم الإنسان في أبهى لحظات حياته على التصرف ضدا عن طبيعته الخيرة إلى حد القتل العمد ؟ هل يمكن للحب أن يحول كائنات وديعة الى وحوش ضارية عمياء تقدم على سفك الدماء دون رحمة، وبالتالي تلقي بنفسها هي الأخرى نحو التهلكة ؟
لعل ما يثير الانتباه في نص" العرس "(ص 45 ) هو دلالة العنوان على  الفرح ، وهو فرح مقنع حسب النص ما دامت المأساة سيدة الموقف ، ويمكن اعتبار الفرحة طائرة ترسم المكان وتلون الوجوه ، الأهل والأحباب والأصدقاء " دخلوا غرفة العريس ..وجدوه قد علق نفسه بحبل بعدما قتل العروس . كان نفس الحبل الذي لعبث به القتيلة  وهي صغيرة " ص 45 .
إن صمت السارد وسبب إقدام العريس على القتل المزدوج،  وبتأكيده على الحبل الذي رمز إلى اللعب في الطفولة  يبرر طعم الخيانة من طرف العروسة والصدمة التي تلقاها البطل وهو يقف على حقيقة  افتضاض بكارة العروسة من طرف آخر ...آخرين  ولكونه احتفظ بالحبل كذكرى طفولتها جعلته يقدم على الاقتصاص للصورة البريئة التي يحتفظ بها بداخله وقد تكسرت شظايا أمامه تشظت إلى حد محت معها كل المعالم المشيدة داخليا بل بهتت وذبلت وتداخلت مع ألوان الدم ورائحة الموت .
نص العريس يبرز مأساة إنسانية وانقلاب ضد الطبيعة المانحة للحياة بتحول العاشق إلى آلة للموت وسفك الدماء والقتل ، لكن من يتجرا للحديث عن الأسباب الحقيقية ؟
ليس هناك من شاهد سوى الحبل الذي تتدلى منه جثه العريس ، حبل الذكريات والطفولة والبراءة المليء  بالحكايات قبل أن يتحول من حبل للعب إلى حبل للموت .
لقد رصدت نصوص هذا القاص واقعا مريرا جدا لشخوص أبرياء يقعون ضحية (مواقفهم /صدقهم / اندفاعهم / تهورهم / غبنهم / بلادتهم ..) أمر يدفع للتحول الى ضحايا أكباش  للفداء  فالمبدع في نص " ومن الإبداع ما قتل " ص 44 رجل حلم يعيش عوالمه المثالية ويبني مدنه الفاضلة في الوقت الذي ينبري فيه السماسرة والمضاربون بترجمة أفكارهم على  أرض الواقع  لتذر أرباحا خيالية ، بين رأسمال المبدع وأفكاره وكتبه وما يرسخه من صورة في ذاكرة المجتمع وهذه الصورة الجميلة والبراقة  لا تتحقق إلا مع قراءة كتبه يقول السارد" يخرج (الكاتب) من قبره بذات التقنية ..سوى قبعته ..بنفس الانطباع والشاعرية ..يلتهم غليونه .. وماذا بعد ؟ يعود لقبره يتلاشي في كفنه .. ويبقى المبدع الحقيقي ..ألذ ضحية " ص 44.
 كمال دليل الصقلي  (7)

 
تتجلى الصورة المرسومة عن الآخرين بفداحتها من خلال نصوص هذا الكاتب وهو يؤشر على جراح غائرة بشكل خاطف ينقلها عن المجتمع فتجعله مجتمعا تابعا ،أفراد سلبية مواقفهم، انتظارية واتكالية لا تحاول البحث عن السبب بقدر ما تكرس ثقافة الغموض وغض  الطرف، وكأن ما يقع لها وحولها مجرد انسياب طبيعي لمجرى وقائع حياتية رتيبة .
في نص "تهمة " نلمس بعضا من هذه النماذج في شخص الإمام الذي فجأة سيسطع نجمه بين سكان القرية وقد حفر لنفسه مكانة ولعل لعبة التجلي والاختفاء ستجعل من النص يضمر الكثير من الحقائق التي يمكن قراءتها على أصعدة متعددة ( إرهاب/ ارتكاب فاحشة / زنا ...نصب واحتيال / ) ما جعل من المضمر قضايا متفرعة نابعة من واقع مليء بالدهشة والحيرة يقول السارد" أصبح إمامهم وخطيبهم .. في يوم ، وبينما هم ينتظرونه كعادته  لإمامتهم .. كان يؤم نفسه داخل زنزانة ..نظروا إلى بعضهم  وعيونهم تتناسل أسئلة " ص 50 .
إنها الأسئلة التي لم يطرحها بطل نص " تدبير" ص 51 ، وهوقد فتح أبواب منزله للطوفان ، بعدما زرع الرياح فيه منتظرا قدوم العواصف فأحيانا يسوق المرء تبريرات واهية لمجموعة من التصرفات التي لا يمكن أن يصدقها العقل ليستمر نوع من التعاقد الخفي بين البطل وزوجته وكل منهما يصرف مواقفه بل يشيدها وفق منظومة خاصة يعلن كل منهما مواقفه بل مباركته لتصرفات شريك حياته .
هكذا يبرز نص" تدبير" بشكل غريب تواطؤ الزوج اللا مشروط والمغلف بالرضا لتصرفات زوجته الوضيعة وهو يشكر حسن صنيعها مداراة لبخله وتقتيره وهتكه لميثاق الزواج الغليظ بالدفع بها نحو الدعارة يقول السارد" يقصد عمله باكرا ، تاركا دريهمات لزوجته ، حين يعود مساء ، يجدها في آخر شياكتها وقد حصرت أصنافا من الأطباق الشهية ..تأكل ويأكل ..شاكرا إياها حسن تدبيرها للدريهمات " .
فإن كان نص" تدبير" يسائل منظومة القيم، فإن نص "بلبل '' يطرح مفهوم الحرية المقنعة  كجملة اعتراضية، يعلن رفضه المطلق للعيش بشكل مخالفا للطبيعة كما خلقها الرب سبحانه وتعالى. فالتغريد  لا يعني فرحا ، وليس في كل تغريد امتنان وشكر ، فخلف القضبان يرى المسجون سجانه في سجنه الكبير ، وهو يعتقل فيه قيمه وإنسانيته وهي الصورة التي نكونها عن بائع العصافير  الذي يرسخ القيم المضادة للحرية من خلال عرض أقفاصه  الجميلة وعصافيره الجذابة ، وهي محاولة لتلغيم المفهوم بل تفجير يورط في غرس  القيم السلبية داخل المجتمع .
ولعل رضا  البائع عن تغريد العصافير وفرحته الباهتة لم تكن لتكتمل وقد برزت بوادر معارضة شابة من داخل إحدى الأقفاص يقول السارد " كان بلبل ينفث ريشه، مشيرا أن لتغريده معنى آخر " ص 52 وهو ما يكسر الإجماع المزيف والصور المغلوطة التي يحاول البائع تصريفها للمجتمع عن نفسه وبلبله .
بهذا المعنى للتغريد طعم معارض قد يحشد له أتباع مع الأيام، فنص "بلبل" يكسر الصورة النمطية المزيفة ويعيد لمنظومة القيم  اعتبارها وهو يحاول وضع المفاهيم على سكة التصحيح، بالأخذ بالرأي والرأي الآخر ضمن منظومة الحرية نفسها. فكما تغتصب شخوص هذه المجموعة حقوق الآخرين وتغتالها بالقوة ذات جنون تدور الدائرة لتحاصر نفس الشخص تحاكمه في صمت وكأنها ترد له الدين عما اقترفته يديه.
في نص " جزاء "  ص58، نلمس  تشييدا جميلا وامضا تحمل دلالته دروسا بليغة ويبرز مدى عمق الانكسار الذي يتعرض له الجبار عند أفوله على يد شخص آخر أضعف منه بل قد يكون تابعا له وأدنى منه مكانة فمن يدعي دوما القوة تكون نهايته ضعفا وذلا  يقول السارد " من شدة وهنه .. لم يستطع النهوض بمفرده حين وقع أرضا ..قاوم ..غالب ..مد يده ..كانت أمام مرآتها ..تنظر ساعتها البلورية حينا وترمقه حينا آخر والابتسامة تعلو محياها " .
إن تكسير منظومة القيم كما سبق وأن أشرنا  إليه ،يعد انتحارا. فبطل النص المقترن بالمرأة الشابة اليافعة بعلاقة ما ،تمكن من الإجهاز على كل ما لديه من مال وقوة ومجد وحولته الى عبد تابع ذليل حقير  ينتظر حتفه و يتمناه دون أن يطول وهي تقتص منه وتقض مضجعه في آخر لحظات حياته سواء على فراش الموت أو المرض أو في  وضعية سكر وعربدة ما حولها من ضحية إلى جلاد وصاحبة سوابق وجرائم متسلسلة وهي أمام مرآتها بما تحيل عليه (المرآة/ والساعة/ والتشفي بالابتسامة/... ) من دلالة  فنحن كما نعيش أزمة قيم نعيش أزمة ضمير بتحول الحياة الإنسانية وما تفرضه من تكافل وحب وتعايش وتآزر إلى وضع حياة أخرى مليئة بالغدر والخبث والمكر وتحول الطبيعة البشرية  بالقوة من الإنسانية إلى الحيوانية.

 
 إبراهيم أبويه (
إن أول ملاحظة يمكن رصدها حول قصص هذا المبدع هي كون نصوصه القصيرة جدا مكتنزة باستثناء نصين أو ثلاثة، ما يبرز أنه  لا ينحاز نحو التكثيف بقدر ما يهتم بالتشييد  معنى ومبنى. فهو يعتمد على بناء النص القصصي  الناضج الذي يمنح لذة عند القراءة والتي من خلالها ينزح نحو تحقيق إشباع المتلقي وبالتالي سحبه نحو نهاية عاصفة ، في حين تمتاز لغته برشاقة وقوة ما يجعلها ذات وقع وأثر بليغ فهي ستدفع نحو التأمل عند قراءتها لأن في معناها المنفلت تكمن إرهاصات أسئلة  حقيقية تروم خلخلة صمت الجملة الهادرة بل جعلها عارية تسائل قارئها متحدية  إياه، وكـأنها تمارس معه طقوسا تصوفية ترسم ملامح الأمكنة المليئة بالمعاناة والألم قبيل الارتقاء .  في نص " عنف المكان " ص 67  نلاحظ كيف تختزل جملة واحدة من النص  فلسفة ما  يقول السارد: " حين التفت وراءه ، أبصر سوطا يرسم تفاصيل البلاد على جسد " ... ما يجعل الجملة نفسها مليئة بالتفاصيل  المندسة بين تجاعيد الألم والعنف والعبودية والسخرية وهي تفتح كتب التاريخ الجريح للإنسانية واقعيا. لكن بمجرد الانتقال أو الارتقاء  إلى مدرج  آخر نتحول من الواقع نحو الحلم المفزع وهو حلم من أحلام اليقظة، ما يؤشر على تحديق في فراغ قاس جدا ومر ، يصل رغم إيهامه بدخول مدرج الحلم أنه واقع مؤلم يشيد عنف المكان والواقع والنفس وبتبخيس الذات والروح  من خلال مشاهدة ملامح الأم.  يقول السارد: " رأى  فيما يشبه اليقظة وجه أمه شاحبا .. التصقت قدماه بالأرض لكنه انتزعهما بقوة" ص 67 .
إنها صورة المهزوم بالقوة في بلاد لم تعد تكفل لمواطنيها حقوق العيش الكريم، بلد بطالة الخريجين وحملة الشواهد العليا الذي يتحولون  إلى محمولين نحو قبور مجهولة أو مدافن جماعية، إنها صور تحمل  من القسوة  وألالم ما يجعلها قمة في النبذ الإنساني والسفر نحو موت محقق على متن توابيت عائمة وجبة لأعشاب البحر وأسماكه. يقول السارد :" ..استدار بما يشبه العنف ، مزق الوجه النائم على بطاقة الهوية ،وضع رجله اليسرى في البحر وأغمض عينيه الدامعتين" ص 67 .
عنف المكان هو عنف الواقع المعيش القاسي الذي حول كائنات بريئة ومسالمة  إلى سلسلة من الانتحاريين في عرض البحر تلفظهم الأمواج نحو الشواطئ الأيبيرية .
فأحيانا تعلن النصوص من خلال شخوصها عن واقع من الانفصام المرير وهي تحاول تأثيث واقعها بصورة مغايرة لانتظارات المتلقي، فبقدر ما نلمس في بداية النص النزوع نحو كسب تعاطف القارئ كما هو الأمر في " شتاء آخر " ص 70 لبطل مثقف يتبجح بالمواقف الانسانية ويتغنى بالقيم وحب الأخر في كتاباته ،تصدمنا  الصورة التي يقدمها السارد عنه واقعيا ذات شتاء بارد. يقول: " وقف أمام  النافدة .. رأى أربع أعين تحت المطر : أم وصغيرها ومطر الشتاء .. ربما قد تأثر .. انسل تحت الغطاء ودس يديه في شعر زوجته التي كانت تحلم بالحياة " .
إن الصورة الانشطارية التي يقدمها السارد عن البطل تبرز واقع شتاء آخر وبرودة في العواطف وموت إنسانية الإنسان ليظل الحلم بالحياة يعلن  نعيا في زمن آخر ومع شخوص آخرين يحلمون بالدفء والإحساس بالسكينة ،بينما آخرون  يتفرجون على مسلسل  يعلن مواعيد مع الموت الذي ازكمت رائحته نصوص القاص إبراهيم أبويه. موت عن طريق الذوبان وقد طاردت  لعنته الأرواح وهو نص مهدى للمناضل المهدي بن بركة .يقول السارد " بين برزخ الحقيقة والوهم ، كان الذوبان..." ص 64 .
أو في "حلم يكرر نفسه" ص 61 " خندق سحيق يمنعه من احتضان الماء لانقادها ،صوتها يصطدم بصوت النوارس ليغدو نشيدا للموت القريب ". موت يتكرر بالجملة في عنف المكان مع قوارب الموت ورحلات نحو المجهول وكذلك في نص فصام ص 67 حيث يقول السارد " وقبل أن تعد أمي فطور الصباح ،بزغ الفجر يحمل كفنا موشحا بالسواد. " (ص 68 ). موت يتكرر في نص "هواء غزة من فلسطين "ص 72 حيث نلمس الإشارة إلى الحصار المؤدي إلى  الموت وكذلك إلى القصف والحرب المعلنة أمام صمت المنتظم الدولي.  فقد كان إيذانا بالمسخ الرهيب للصمت الذي يشبه موتا  متعددا( "ضمير / قلوب / إنسانية ..) يقول السارد :" أشلاء غزة تناثرت في كل البيوت العربية... ". لكن أقوى اللحظات في نصوص المجوعة نلمسها في نص" ذكرى لم تمت" ص 73 ،التي تقودنا إلى أحداث انتفاضة خطيرة ووجهت بالرصاص في الحي الجامعي  ليبرز موت البراءة في النهاية. يقول السارد " متظاهرون يقتحمون المتاجر ،آخرون يتنافسون على فتح خزائن الابناك على قارعة الطريق بالفؤوس والمطارق .. طفل صغير ينسل بين الأرجل ليظفر بقطعة حلوى من دكان مغتصب. تظهر سيارة خضراء كبيرة توزع الموت بانتظام. قبل أن يطلق الطفل رجليه للريح، كانت رصاصة غير طائشة تخترق حنجرته لتخنق الحلوى قبل وصولها الى المعدة" .
إن القصدية في التسبب في الموت أبرز نية وسبق إصرار وترصد قناص ،بل  تماديه وتحديه لغريزة الحياة  بأن ينتزع قطعة الحلوى ويحول دون مرورها نحو المعدة ،ما يبرز أن رصد القناص للطفل لم يكن من قبيل الصدف بقدر ما كان كالسارد متحكما في الأحداث والفضاءات يوزع الموت بالجملة وبدقة متناهية .
هذه الصور المرعبة التي لا يمكن لذكراها أن تمحي أبدا سجل التاريخ الدموي للنظام في مواجهة الانتفاضات العارمة لفئات من المتمردين ضد الجوع  وتدني مستوى المعيشة  أو لمواجهة انتفاضات الجامعات. ولعل هذا الطرح الأخير يمكن نسبيا اعتماده بالرجوع إلى انتفاضة فاس الطلابية وأحداثها في بداية تسعينيات القرن المنصرم ، أو انتفاضات المقهورين ضد كل أشكال القمع الممنهج.
عموما نلمس في كتابة القاص إبراهيم أبويه رصد للواقع القاتم والدرامي والمحزن مهما اختلفت طبيعة النصوص أو مواضيعها أو حجمها إلا ورصدت ألما دفينا انطلاقا من واقع معيش، بعضها جاء عبارة عن مواقف وأخرى نقل لحدث في حين يمكن اعتبار نصوص  أخرى إيحاء نحو تشييد موقف عبر الكتابة لإثارة الانتباه وفتح باب للنقاش، وهو نقاش يمكن أن نفتحه حول طبيعة هذه المجوعة القصصية باعتبارها تجربة أرخت لبدايات خمسة كتاب عوض  أن تثير نقاشا حادا حولها ووجهت بالصمت والتجاهل  وهو أمر يجب إثارته في نقاشاتنا وأن يدرج ضمن الأسئلة الحقيقية حولها من قبيل:
هل تم اختيار النصوص بشكل يخلق تنوعا في المواضيع والتيمات لإبراز الموقف وبالتالي واقع القص القصير جدا وما يفتحه من مجال للتعبير عن القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل وجيز ومكثف وسريع؟
هل توفقت هذه التجربة في تحقيق الهدف الذي رسم لها أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد محاولة للإنعتاق ليس إلا ؟ أم أنها راعت  ترسيخ قدم في المشهد الثقافي من  اجل الحصول على اعتراف رسمي ؟ أم أنها محاولة لتكسير الصمت والتجاهل حول المبدع الذي لم يصدر كتابا ورقيا؟ وبالتالي هل القيمة الإبداعية تتحدد بما نشر ورقيا ّ؟
هل كان من الضروري إدراجها ضمن مجموعة  عمل جماعي  ثم ما نوع التسمية التي يمكن إطلاقها على هذه المبادرة ؟
لقد حاولنا التعامل مع نصوص هذه المجموعة رغم الصعوبة التي اعترتنا في الكيفية التي يجب التعامل بها هل بمعزل عن طبيعة تفكير  أصحابها أو بمناقشة نصوص كل مبدع لكن  اختيارنا النهائي كان اعتبارها عملا مشتركا  يبرز خصوصيات فردية وهو الآمر الذي دفعنا للتعامل خلالها  مع نصوص كل قاص على حدة.
عموما فالمجموعة على ندرة نصوصها قاربت العديد من القضايا والمواقف بل أن بعضها كان ملفتا للانتباه  كما أنها تقيدت بضوابط الكتابة القصصية القصيرة جدا ومواصفتها من حيث الكثافة الإضمار والحذف والصمت نصوص بلغت حسا جماليا وفنيا كبيرا وهي ترصد الواقع الإنساني في مختلف حالاته وبطرق تناول متعددة من سخرية وبناء متوازي وهي تلتقط الهامشي  والمنبوذ وترصد عمق الانهزام الانساني ومت القيم والعلاقة بين الجنسين والهوية والقضية الفلسطينية والقلق والصمت إزاء الطابوهات والإقدام على الموت وتصريفه ما أبرز عقدة الإنسان في مواجهة مشاكله البسيطة أو المصيرية وهو ما جعل الحصول على روابط عديدة بين مكونات هذه النصوص التي تم إنتاجها ضمن صيرورة كتابة خاصة بمرحلة انسداد جميع أفاقها، فإذا كان القاص ينطلق من الواقع نحو الخيال أو من الخيال للتعبير عن الواقع ،فإن مرارة هذه النصوص عرت الواقع من كل بريقه وأبرزت أن المضمر داخله وبداخل بياضاته هو أمر بكثير ،وهو ما  أشر على شعرية القتامة داخلها وهي بقدر ما حاولت البحث عن الاسباب كانت تنحو في واقع الأمر إلى الارتكان نحو الصمت والغموض وتترك القارئ حائرا بين البحث عن الحقائق ضمن سياقاتها أو خارجها ليتحول من سؤال النص إلى سؤال المنظومة الأخلاقية  والسياسية والاجتماعية وهو ما كسر نمطية النظرة الى المعايير داخل المنظومة الواحدة نفسها كالموت والحب والحرية ما أبرز بوضوح أننا نعيش أزمة قيم وضمير وهوية وهو ما جعل شخوص المجموعة تنحو نحو اللامبالاة  والاستهتار والاستخفاف وتحولها من ضحية إلى جلاد ضد نفسها وطبيعتها أحيانا .
أننا إزاء شخوص انشطارية بالقوة تعمل على إجهاض الحلم بقدر ما أجهضت واقعها تحمل نعوشها على أكتافها بحثا عن حفر في أمكنة أخرى غير التي تحويها لكن ألا يمكن التصريح بجقيقة مرة في النهاية في حق هذه الكائنات الورقية المسالمة بكونها بريئة مما نسب إليها وأنها مجرد هياكل حملت بأوزار سرادها ومكرهم وهم يعانون عنف الواقع وعنف الأمكنة ،يفتحون الجراح التي تحولت إلى كتب تاريخ لا يحمل من حروفه المنقوشة بنقش في الحرف خماسية تعلن نفسها متحدية نظرة الواقع والآخر والآخرين لتلج بقوة حقلا زاهرا وهي تعلن وصولها منقوشة وموشومة بحناء القص والخيال والانتظار. ويبدو أنّ للقصّة القصيرة جدّا رَغبةً ملحاحةٍ في استغلال طاقات اللغة الإيحائيّة للتغلغل في نسيج الواقع وتوصيف علائقِ الاشياء فيه توصيفًا لا يقف عند الملامح الخارجيّة للموصوف بل ينفذُ إلى أعماقه حيث معناه الأصيلُ وحيثُ تتخفّى كيمياءُ عناصرِه بمُعادلاتِ تكوُّنِها وروائحِها الهامسةِ."( 9).

 

 
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "  نقش في الحرف "عبد الغني صراض ، محمد أكراد الوريني، مصطفى طالبي ، كمال  دليل الصقلي ، إبراهيم أبويه ، مجموعة قصصية دار التنوخي 2010 
(2)   الأستاذ عبد الحميد الغرباوي قاص ومترجم  وناشط جمعوي. من التقديم الذي كتبه  القاص والمترجم عبد الحميد الغرباوي  للمجموعة .

 
(3)  عبد الدايم السلامي( تونس) " نقش في الحرف " كتاب الجماعة ولغة الفرد . موقع المحلاج).
(4) عبد الغني صراض :  قاص وناشط جمعوي .
(5) محمد أكراد الورايني قاص وناشط جمعوي
(6) مصطفي طالبي الإدريسي ، زجال ، وتشكيلي
(7) كمال دليل السقلي قاص وناشط جمعوي
(8) إبراهيم أبويه قاص وناشط جمعوي
"(9) عبد الدايم السلامي (تونس) "  نقش في الحرف " كتاب الجماعة ولغة الفرد/. موقع المحلاج).
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free