http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  الجزيرة والانتفاضات العربية
 
اليحياوي يكتب:الجزيرة والانتفاضات العربية
مرسلة بواسطة مجموعة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربة في 15 مايو, 2011
اليحياوي يكتب:الجزيرة والانتفاضات العربية





د. يحيى اليحياوي
ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن فضائية الجزيرة، ولا عن الطفرة الحقيقية التي أتت بها من بين ظهراني مشهد تلفزيوني عربي، ميزته الأساس الرتابة والتكلس والرداءة، والهتاف للحكام، والترويج لصورة لهم تشارف على التنزيه والقدسية.
لقد دافعنا عنها دون تحفظ كبير، وناهضنا سلوك الحكومات التي تحاملت عليها، أو نكلت بصحفييها، أو أغلقت مكاتبها أو منعت مراسليها، أو طردت طواقمها التقنية والفنية، أو "استعطفت" أمير قطر، للجمها ودفعها للتخفيف من نبرتها الحادة تجاه هذه الحكومة أو تلك، لمصادرة رأي هذا المعارض بالمنفى أو ذاك.
قلنا في حينه، إن تحامل البعض، حكومات ونخب، على القناة إياها، إنما مرده فضحها لممارساتهم، ونشرها لغسيل نظمهم، وتعريتها لطبيعة شرعيتهم المزيفة، ووقوفها إلى جانب حق الشعوب في الاطلاع على المعلومة وبلوغ مصادر المعرفة.

وقلنا في حينه أيضا، إن كل محاولات إخراس قناة من هذه الطينة وهذا الحجم، وتكبيل عطاء صحفييها، وارتهان مبدأ "الرأي والرأي الآخر" الرافعة للوائه، إنما سيكون من شأنه العودة بنا إلى نقطة الصفر، وحتما إلى حضن التلفزيونات الرسمية، التي لا وظيفة لها إلا تزيين صورة الحاكم، والترويج لأكذوبة رضى الجماهير عما يقوم به، بالجملة كما بالتفصيل.
لقد قلنا كل ذلك، وفصلنا القول فيه، على الأقل من زاوية تثمين القائم لا تقويضه، لأن في تقويضه اغتيال لما هو جميل، وإفساح في المجال لصورة الرداءة والصوت الواحد والرأي الأوحد.
وعلى الرغم من تحفظنا الضمني على طبيعة العلاقة بين القناة ودولة قطر، ممولها الرئيسي ومكان إيوائها، والمراهن عليها لتلميع صورته بالعالم، فإننا ألمحنا في أكثر ما من مناسبة، إلى ضرورة الحفاظ على وجودها وتواجدها بالمشهد، على الأقل من زاوية أن المبصر جزئيا أفضل بكثير من الأعمى، حيث لا نورا بالطبيعة بالمطلق.
ومع أننا لا نتنكر بالمرة لما كتبناه، أو صرحنا به هنا وهناك، وباستوديوهات القناة نفسها، في أكثر من مناسبة، فإن نظرتنا الحماسية لذات القناة اهتزت وتراجعت بقوة، على محك طبيعة تغطيتها للانتفاضات الكبرى التي عاشتها بعض الدول العربية، ولا تزال رحاها دائرة بالبعض الآخر.
والواقع أننا لسنا راضين بالمرة، من زاوية كوننا مواطنا عربيا عاديا ليس إلا، على تغطية القناة إياها لمعظم "الثورات العربية" السابقة، كما الجارية، كما اللاحقة دون شك. والسر في عدم رضانا عن أداء فضائية الجزيرة للانتفاضات العربية، إنما مبعثه عدم تغيؤها الموضوعية في التغطية، والاستسلام لبعض الحسابات السياسية، التي ضربت في المقتل الحيادية النسبية التي كانت تتمتع بها القناة في بداياتها الأولى:
°- صحيح أن القناة تبنت انتفاضتي تونس ومصر، تماما كما تبناها العرب بالمحيط وبالخليج، على اعتبار مستويات الظلم والقهر والتفقير، واستصدار الثروة والسلطة والرأي من لدن نظامي حكم بن علي ومبارك. لكن ذلك ليس من وظيفتها، ولا يجب أن يكون ضمن خطها التحريري. إذ كان المفروض فيها أن تنأى بنفسها عن ذات التبني، وتقدم مجريات الوقائع والأحداث كما هي وبتجرد، لا كما يريدها القائمون على القناة.
قد لا يكون ثمة عيب كبير في أن تستضيف القناة مناهضين لهذا النظام أو ذاك، بغرض تقديم أرائهم وقراءتهم للأحداث، لكنها ليست مطالبة، ولا هو من طبيعة رسالتها، أن تتمترس خلف هذه الجهة أو تلك...هذه ليست مهمة وسيلة إعلامية تدعي الحيادية والموضوعية، حتى وإن كان لأصحابها وصحفييها مواقف ذاتية خاصة ومضمرة.
°- وصحيح أن القناة تبنت ولا تزال تتبنى، انتفاضات اليمن وليبيا وسوريا، لكن موقف القناة إياها من هذه الانتفاضات، إنما هو موقف المتحيز المفضوح، إذ لا يبدو في الصورة إلا "الثوار" المتطلعون للتحرير و(راياتهم هي المعتمدة بمستهل الأخبار)، في حين لا يبدو الحكام إلا في صورة القاتلين للجماهير المنتفضة، المحاصرين للمدن، المداهمين للبيوت، المغتصبين للنساء، المستهدفين لحرمات الأماكن المقدسة...الخ.
هذا صحيح ولا غبار عليه بكل المقاييس وفي الحالات الثلاث، لكنه ليس من وظائف القناة إياها، أو أية وسيلة إعلامية أخرى، تدعي الموضوعية والحياد فيما يجري هنا أو هناك. بالتالي، فقد باتت قناة الجزيرة برأي العديدين، كما لو أنها أداة شحن وتأجيج للجماهير ضد "أولي أمرها"، مضحية بذلك بمبدأي الحيادية والموضوعية وأخلاقيات مهنة لا ترتضي ذلك بالمرة.
°- أما الذي لا يصح بالجملة والتفصيل، وأيا ما يكن الخط التحريري المعتمد من لدن القناة، فإنما إسقاط وقائع ومجريات أحداث غاية في السخونة، إما تحت ضغط ضمني من هذه الجهة ذات المصلحة أو تلك، أو على خلفية من الابتزاز، الذي قد لا يعرف المرء دائما مصدره ودواعيه.
والمقصود هنا إنما التغاضي المفاجئ الذي أبدته القناة في تغطيتها لمجريات انتفاضة البحرين، بعدما كانت أخبار "الدوار" بالمنامة، جزءا أساسيا بنشرات الأخبار، الرئيسي منها كما الموجز سواء بسواء.
ما الذي تغير حتى تسحب أخبار انتفاضة البحرين بالجملة والتفصيل، ولا تتم الإشارة إليها حتى بشريط الأخبار القار بشبكة برامج القناة؟
نعلم جيدا أن الذي جرى ويجري بالبحرين كان فظيعا ولا يزال، من تقتيل للمتظاهرين، وملاحقتهم بالشوارع والأزقة، والزج بهم في السجون، ناهيك عن إحراق حسينيات الشيعة (70 بالمائة من ساكنة البلد)، وإحراق نسخ من المصحف الشريف، لا بل والتبول عليها من لدن بعض معدومي الدين والضمير، وقس على ذلك.
ونعلم جيدا أن "درع الجزيرة" الضارب، حيث عضوية قطر والسعودية والبحرين، هو الذي مارس الابتزاز والتعتيم...والتضليل أيضا
لكننا نعلم بما فيه الكفاية أن الأوامر صدرت لقناة الجزيرة لاستحضار كل ذلك، والامتناع عن بث كل ما يرتبط بالبحرين من قريب أو من بعيد.
هذا أمر واضح وجلي، على محرابه تقوضت مصداقية الجزيرة ومهنية صحفييها، وعلى محكه انفرط الخيط الرفيع الذي ضمن للجزيرة الملايين من المشاهدين، بالوطن العربي كما بما سواه من دول وأوطان.

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free