http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl/
  أيقونة الشاعر أو " مديح الوجه العالي
 
 
محمود درويش : أيقونة الشاعر أو " مديح الوجه العالي "


بوجمعة العوفي
( شاعر وناقد فني مغربي )

ــ 1 ــ
       ليست تجربة درويش الحياتية، ومساراته المضنية والفرحانة أيضا ــ في ليل الكتابة والصورة ــ أمرا مستحيلا أو مستعصيا على القبض. إذ تعمل العديد من الرؤى والمقاربات ــ في " ارتباكات " النقد والبحث العربيين خصوصا ــ على تشهيق ظل الشاعر عمدا، كي تسقط وجهه الطفولي في نوع من الاستحالة.  ومن المؤكد أيضا أن كل القراءات التي أنجزت حول درويش ــ هنا وهناك ــ لم ولن تستنفذ أبدا ممكنها التعبيري والجمالي في تجربة هذا الشاعر. ولم تتبين بعد لممكن هذه القراءات بما يكفي من القرب والضوء والعمق : الكثير من الملامح الخاصة لوجه درويش العالق والمتألق في الغياب كذلك.
      إذ مازالت تجربته الكبرى في الكتابة والحياة في أمس الحاجة إلى أشكال وصيغ أخرى من الحفر والتقصي والمحاورة. ليس بمبضع النقد المهووس بالمعنى، والباحث أيضا عن وجه الالتزام والقضية لدرويش فقط. بل بالممكن الإنساني والجمالي على وجه التحديد. هذا الممكن الذي يتماهى أيضا ــ جماليا ــ بوجه الشاعر وصورته الماثلة للعين وللضوء.  مطمح هذه الإضاءة الخفيفة مهووس بالدلالة والحضور البصريين أكثر من هوسه بالمعنى. لكن ليس بصوت درويش المقروء والمسموع  ومحموله، بل بالدليل أو السند البصري للوجه الذي جعل الصوت والقصيدة الدرويشية تنوجد.
      الغاية هنا : أن نقترب قليلا من صورة الشاعر، والتحديق في بعض تفاصيلها بالكثير من الأسئلة والدهشة والاحتمال كذلك. مادام درويش نفسه رجل الاحتمالات بامتياز. هاجسنا ــ هنا ــ هو استحضار وجه درويش الممنوح للبصر، للفن، للفوتوغرافيا وللسند الرقمي تحديدا. هذا الوجه الباذخ الذي أصبح ( خصوصا في الغياب ) مثل صاحبه ــ في الصورة الضوئية والرقمية ــ أيقونة وعلامة فارقة، تشير بالكثير من الدهشة إلى الشبيه.
       ولو أن ما يمكن التأشير به ــ على الأقل ــ لوجه درويش وصورته الفوتوغرافية المرقمنة Numérisé كعلامة أيقونية : هو ما يسعف به التعريف السائد لهذه العلامة من حيث أنها " تمتلك ــ على حد طرح " أمبرتو إيكو " أو " شارل موريس " : " بعض مظاهر الموضوع الذي تمثله "، فإن في هذا التعريف بالنسبة لهذا الاقتراب ــ على الأقل ــ ما قد " يرضي " القراءة ولا  يرضي السيميولوجيا.
      وليست محاولة الإضاءة هاته : تطبيقا صارما لدرس السيميولوجيا في تقعيد الدلالة أو إثباتها في المنطوق البصري لوجه الشاعر، بقدر ما هي استقصاء لما يمكن أن يعنيه حضور الشاعر في صورته المادية والمرئية. خصوصا وأن درويش رجل الصورة بامتياز : الذهني منها والمرئي. رجل بحضور فيزيقي خاص وجاذبية تزيد من تضعيف أشكال حضوره الأخرى :  في النص، في القراءة وفي لحظة ارتطام جسد الشاعر ووجه بمتلقيه.
       الصورة هنا ( صورة الشاعر ) إبدال آخر لتجربته الغنية والمفعمة بالوسامة والفرح والشرود والتقاسيم التي عمق الألم أخاديدها في المرحلة الناضجة من العمر. إذ يؤسس الوجه الباذخ لدرويش في الصورة ــ كما جسده الذي يشبه قشة في مهب الريح ــ لجمالية خاصة تستحق التوقف والقراءة. 
ــ 2 ــ
      لا نسعى هنا إلى تنزيه الوجه البشري لدرويش، ولا إلى أسطرة صورته وحصر ملامحها المتعبة في صور أو أيقونات القديسين. إذ لم يعد القديسون أنفسهم ــ مثلما هو معروف في إنجازات الفن المسيحي ــ يتألمون ويذرفون الدموع. يتألم درويش ويبكي. يستنشق المتعة والحزن ملء رئتيه. إن ما تسعى إليه إضاءة كهذه ــ أو بالأحرى تقترحه ــ هو الاحتفاء  بوجه الشاعر وقصيدته في القراءة  بالعين.  قراءة تكون فيها،على الأقل، للصورة ( صورة درويش ) كما لقصيدته ( باعتبارهما أثرين جماليين منظورين ) : تعبيرات ودلالات جمالية أخرى، قد تتخطاها أو تخطئها العديد من القراءات المنجزة من قبل " القارئ " أو " الناقد اللغوي ".
       في هذه الإضاءة ( كما في البطائق الشعرية الرقمية التي قمنا بإنجازها لدرويش ) ما يشبه نصا أو خطابا بصريا موازيا ومصاحبا لصورة درويش ووجهه، أو هويته البصرية تحديدا. ولو أن الوجه وحده ليس بالضرورة كافيا للتأشير إلى هوية ما. إذ يكون للجسد أيضا ( جسد الشاعر ) دوره الحاسم أحيانا في صنع صورته وهويته. و" الهوية من إبداع صاحبها، لا وراثة ماض " على حد قول " درويش " نفسه في إحدى قصائده في آخر المطاف.
      إن وجه درويش ــ في حد ذاته ــ قصيدة بصرية. ضاجة بالمعاني والانزياحات. عمل الشاعر بالكثير من الذوق والوعي والعشق والمكابدة على نحت ملامحه وظلاله اليانعة، ليصبح دالا ومدلولا، علامة ومؤشرا في نفس الوقت. رمزا لقضية ولشعب بأكمله. شامخ مثل سروة، وجميل مثل زهرة غاردينيا. هذه الإضاءة حاشية تحاول أن تستقصي أو تشيد باللغة ما ليس منجزا باللغة. إنها نوع من " الترسيخ " أو " الإيحاء "  البارطي ( نسبة إلى رولان بارت ) للعلامة والأيقونة والدليل البصري. ولو أن الصورة الفوتوغرافية ــ وحتى في صيغتها الرقمية الحالية بشكل عام ــ " قد ترغب أشد الرغبة في تضخيم نفسها، وأن تكون راسخة أكثر، ونبيلة مثل دليل : الأمر الذي يسمح بكرامة ككرامة اللغة "  بتعبير " رولان  بارط " نفسه.                                                                                                   
ــ 3 ــ
        لنشغل عين الأسئلة قليلا. علها تسعفنا ببعض التأملات، وليس ببعض الأجوبة. باعتبار السؤال هو " رغبة الفكر " أيضا على حد تعبير موريس بلانشو. لا يقيم درويش الآن ــ بصريا ــ سوى في صورته التي أصبحت يانعة وأكثر قوة بعد الموت. تلك هي لعبة الموت أو معجزته كذلك. تجعل من رحلوا أو سقطوا في بؤرة العدم أشد حضورا ربما في الصورة أكثر من حضورهم الواقعي ؟ وتجعل ما يوجد في النسخة أو في الصورة أكثر قوة مما يوجد في الأصل.
       فقط لكون " الصورة هي الكائن الحي في أجود حالاته ". ( [1][1]  ) ثم لأنها أيضا " تحافظ على نفسها طويلا " ( [2][2]  ) أكثر من الأصل. لذلك فلأجسام " تسقط دائما، فيما تصعد النظائر إلى السماء " ( [3][3]  ). وحتما إن كانت الصورة لا تقود إلى الخلود، فإنها تضاعف من إعجابنا وحنيننا إلى الموضوع المصور أو الممثل وتزيد من إعجابنا به.
      ماذا يصنع الموت بصورتنا، بوجوهنا وبأشكالنا في آخر المطاف ؟ ربما لا شيء سوى أنه يتلف أجسادنا العابرة والمؤقتة ليعيد خلقها وترسيخها في الصور والتماثيل والنصب، ويجعلها أكثر تجسيدا للحقيقة ( ليست حقيقة الحضور، بل حقيقة الغياب ) وربما أكثر  بقاء أيضا ؟ ربما لا يقوم الموت ــ هنا ــ سوى بتجديد قيمتنا في الغياب، وجعل هذه القيمة أكثر جاذبية وأشد قابلية للحنين من غيرها في الحضور الواقعي. باعتبار " الصورة سليلا للحنين " ( [4][4] ) كذلك. وطالما نموت، فثمة أمل في أن نعود ونحيا في الصور. وربما يكون المغزى أو الحكمة في ذلك هو : أن نقبل بهذا القانون الصارم لحقيقة الموت ويقينه الذي يترجمه شرط الغياب أو المراهنة التالية :  علينا أن نموت ، أن نستبدل دليلنا الصوتي بدليل بصري ؟ لكون الصورة هي دائما ــ بشكل أو بآخر ــ " مدخل لأبدية ممكنة ".
       ومثلما " اللغة تمجد اللغة " ضمن نوع من تمركز الخطاب، فـالصورة هنا أيضا ( صورة درويش ) " تمجد نفسها " وتستغيث بالفوتوغرافيا وبتقنيات التصوير كلها كي تحيا وتصبح أيقونة مقدسة في نظر معجبيه على الأقل. ثم : ألا تكون صورة درويش بهذا المعنى قلبا للمعادلة كلها ونوعا من تأكيد لحقيقة أو إمكانية انتصار الحياة ؟
      بذلك أيضا، تكون صور أو تماثيل أو النصب التذكارية لمن رحلوا هي  أول ما نشيده أو نلجأ إليه لكي نحفظ أشباههم من التلف. نسجن صورة الغائب في الأيقونة كي تكون عودته بيننا دائمة ومتكررة. ولا حاجة للتذكير ــ هنا ــ بالعديد من الشواهد والتأملات العميقة التي ذهبت بعيدا في إضاءة بعض دلالات الصورة وربط علاقتها بالموت ( " ريجيس دوبري " على سبيل المثال لا الحصر ). والفن نفسه ــ على حد قوله ــ " يولد جنائزيا، ويبعث بعد موته بحافز من الموت ". ( [5][5]  )
        إذ " يقترح التاريخ المعيش للنوع الإنساني هذا النوع من القناعة : " في البدء كانت الصورة "، وتزكي العديد من المعتقدات والطقوس والعادات والتأملات والحضارات هذا الطرح الذي يجعل من الصورة ومما هو مرئي تمركزا حقيقيا حول الدليل البصري. لكن دائما بحافز من الفناء ومن الغياب. باشلار نفسه يؤكد ذلك من خلال قولته الشهيرة : " الموت أولا وقبل كل شيء صورة، وسيظل كذلك صورة ". حيث تنسجم هذه الرؤى أيضا ــ إلى حد بعيد ــ من خلال رغبتنا الملحة في تمجيد الغياب ــ مع العديد من الأفكار التي ذهب إليها المفكر والفيلسوف الفرنسي " ريجيس دوبري " في كتابه التدشيني : " حياة الصورة وموتها ".
       ما علاقة كل هذا بدرويش ووجهه الذي أصبح ممكنا ومقيما في الصورة فقط ؟ ما معنى أن يكون للصورة ــ كدليل وكإنجاز بصري ــ هذا الدور الخاص في تعميق حضور الشاعر في الحياة حين تضاعف من درجة أيقنته في الغياب وفي الفقد ؟ وما معنى أن يتحول وجه الشاعر في الصورة إلى دليل بصري يقود إليه ؟ بمعنى أن الأمر يختلف بالنسبة لمآت الشعراء القدامى الذين تواروا عن العين ولم يتركوا صورا تدل عليهم، أو حتى بالنسبة لشعراء محدثين ومعاصرين نقرأ لهم ونسمع أصواتهم، لكن لم نبصر أبدا ــ لسبب أو لآخر ــ صورهم من قبل.
      الصورة ــ سواء كدليل أو كعلامة ــ إن ترسخت بما يكفي في العين وفي ذاكرة البصر قد تساعد صاحبها أو مرجعها على الاحتفاظ باستمرار حياة وحضور رمزيين على الأقل في ذاكرة التلقي والمشاهدة أساسا.  قد يبدو في هذا الطرح الكثير من التناقض فيما يخص شعراء من عيار أو قامة " المتنبي " على سبيل المثال ؟ إذ يواصل هذا الشاعر العملاق حضوره، وتتضاعف بل تتأكد قيمته التعبيرية والجمالية من يوم لآخر في القراءة والمنجز الشعري العربي والإنساني بشكل عام، من دون حاجتنا كقراء إلى صورة المتنبي ووجهه في الدليل البصري.
       لكن ثمة فرق فيما بدأ يحققه، أو ــ بالأحرى ــ ينبئ به المستقبل والعصور القادمة، من حيث تشييدها لقداسة وجهها في الهيكل البصري وارتهانها الكلي بالصور ( العصر الرقمي الراهن وما يحفل به تجسيدات هائلة ومدوخة لسلطة الصور وقداستها أيضا ). إذ في ظل تلاشي أو ــ بالأحرى ــ في ظل تراجع الدليل الصوتي، وطغيان الصورة وتحولها، في صيغها وتجسيداتها الرقمية الجديدة،  إلى أشكال طوطمية معاصرة، قد يكون من الصعب استحضار أو تذكر الأشياء من دون صور. وهذا ينطبق من دون شك حتى على إفرازات وتمثلات الحضارات الراهنة والمعاصرة. فالمتنبي نفسه أو غيره من الفاعلين في التاريخ البشري ( بما في ذلك الأنبياء ) ــ وإن لم يخضعوا لشرط الصورة واختراعها ــ قد وضعت لهم هذه الحضارة صورا ووجوها متخيلة، فقط لكي تقوم صورهم بتأكيد أصواتهم، وتظل وجوههم حاضرة ويانعة في الغياب كذلك.
ــ 4 ــ
      ما الفرق إذن، أو ما العلاقة ــ بالأحرى ــ بين صورة " درويش " وقصيدته : في هذه التجربة المتواضعة، أو محاولتنا رقمنة صورة الشاعر وقصائده معا ؟ وما معنى أن يتحول وجه " درويش " في هذه المحاولة أو المناولة الجمالية – الرقمية إلى دليل بصري يقود إليه ؟ كيف يحضر درويش ــ أو بالأحرى ــ كيف يرتب حضور وجهه وجسده في الصورة وفي العين ؟ ماذا استطاعت عين الفوتوغرافي أو الكاميرا، أو حتى لغة الرقم وبرمجيات الحاسوب، التقاطه والقبض عليه في وجه هذا الشاعر، الذي يكفي أن ترى صورته لتتذكر قصائده وملحمة أو تراجيديا شعب بأكمله ؟ ثم ألا يكون درويش ــ بهذا المعنى ــ هو الشاعر العربي الوحيد الذي تسمع قصائده بالعين ؟ هذه أيضا واحدة من فضائل الصورة أو معجزاتها ومفارقاتها في نفس الوقت.
       إذ استطاع هذا الشاعر أن يجعل صوته وصورته غير منفصلين بتاتا. أي بمعنى أنك حتى حين تسمعه ــ ولو من غير مشاهدة ــ فلا مناص لك من استحضار وجهه وصورته ذات الدلالات أو الرسائل القوية :  جاذبيته، وسامته، أناقته، ابتسامته، حزنه، نخوته، شروده، ذكاؤه، دلاله الخاص، نرجسيته، بساطته، تعاليه أو استعلاؤه الجميل الذي يشبه نشوة العظماء، سهوه، قسماته، أساريره، عينه الصقرية ونظرته المسهبة، الساهية، الثاقبة، المتشهية، العاشقة، المشرعة على الحب والأرض والمتعة والألم والنشيد خلف النظارات التي لم تغير تقليعات الحداثة والموضة من شكلها سوى بشكل طفيف.  كيف يحضر درويش في وجهه ؟ وليس في صورته إن صح القول ؟ هل هو الذي صنع بمكره الجميل وبوعي مسبق منه هذه الصورة كي نمجدها بعد رحيله، أم نحن الذين نتوهم أو نصر على أن يكون وجه درويش في الصورة أثرا فنيا وإنسانيا بهذه القيمة، وفقط داخل تبجيل العين والقصيدة التي شيدت لهذا الوجه ــ كما التراجيديا المعاصرة لأرض فلسطين السليبة ــ دلالته الباذخة ورسخت سطوته في النظر ؟
      هناك المزيد من الأسئلة التي لا يسمح المقام ببسطها هنا. ولا نملك الآن أجوبة جاهزة لها قطعا. هذا مطمح قراءات أخرى مـتأنية، مكابدة وصبورة أيضا قد تسعف الآفاق القادمة باستجلاء مغالقها بالمزيد من الأسئلة كذلك. فقط يمكن ــ في نهاية هذه الإضاءة المستعجلة لشكلها وغايتها ــ أن نعيد استحضار تأمل أو توصيف جميل للمفكر الفرنسي  " ريجيس دوبري " فيما يخص الحضارات والثقافات المولعة أو الشغوفة بالبصر. لم يكتب " دوبري " الفيلسوف عن الشاعر " محمود درويش " ولا عن صورته فيما نعلم. لكن لذلك علاقة بما نتحدث عنه. باعتبار " درويش " كشاعر عربي محب للحياة ينتمي أيضا إلى حضارة عريقة أفردت لمباهج العين ودلالتها الكثير من الوقت والعشق والمباحث والتدوينات. بالرغم مما فرضته أو سيدته المتعاليات وأشكال التمركز حول الدليل الصوتي : وهذه كانت إشكالية أو معضلة الحضارة الغربية نفسها أيضا، إذ يكفي الرجوع إلى تأملات " دريدا " بهذا الخصوص، وغيرها من الإبداعات والتأملات المطمورة أو المضمرة في المتن النقدي العربي.
       كان درويش يعشق الشمس والبحر والجمال وصورة الحياة والسفر ــ باعتباره تمظهرا حقيقيا لبهجة العين ومتعتها  ــ حد الهوس أو الجنون. فهو ــ وإن كان عربي الأصل والمولد ــ فثقافته وإبداعه لم يغفلا أبدا هذا البعد الكوني، وعشقه الخاص لكل الحضارات والثقافات. وخصوصا الثقافة الإغريقية في بعدها الفني والعقدي المفتون بتجليات العين ومباهج البصر. هي الثقافة التي يتأملها " ريجيس دوبري " كفرنسي بالكثير من الحفر ومتعة الفكر. تأكيدا فقط لقوة الدليل البصري وارتباطه بالحياة وبالموت. " تلك الثقافة المشمسة ــ كما يقول " دوبري " ــ العاشقة للحياة وللرؤية. والحياة بالنسبة للإغريقي القديم ليست كما هي لدى الفرنسي مثلا مرتبطة بالنفس، بل بالرؤية والموت وفقدان البصر. يقول الفرنسيون عن الميت : " لفظ نفسه الأخير ". أما الإغريقي فيقول " أطلق نظرته الأخيرة ". ( [6][6]  )
      هذه أيضا كانت رؤية درويش المشبعة عينه وروحه بضوء الحضارات المشمسة والفارهة. وقبل أن يغادر أو " يطلق نظرته الأخيرة " على الأصح. كان قد قال فيما يشبه التأكيد لصورته ولوجه " نرسيس " الجميل في الماء وفي القصيدة : " كن نرجسيا إذا لزم الأمر ". وقال : " أنا ما أنا / وأنا آخري / في ثنائية / تناغم بين الكلام وبين الإشارة ". وقال : " أنا حبة القمح التي ماتت / لكي تخضر ثانية / وفي موتي حياة ما "
[7][6] ــ ريجيس دوبري : " حياة الصورة وموتها " ـ ترجمة : فريد الزاهي. ص 17.
 [1][1] ــ ريجيس دوبري : " حياة الصورة وموتها " ـ ترجمة : فريد الزاهي. ص 18.
 [2][2]ــ  المرجع نفسه. ص 18. 
[3][3] ــ المرجع نفسه. ص 18.
[4][4] ــ المرجع نفسه. ص 18.
[5][5] ــ ريجيس دوبري : " حياة الصورة وموتها " ـ ترجمة : فريد الزاهي. ص 16.

 

 
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free